أقلام ثقافية
نايف عبوش: سحر المكان.. وتفجير الإلهام
لاريب أن المكان يفرض سحره العاطفي في أعماق الوجدان، حتى في تفاصيل تمظهراته الصغيرة، لنحسه في كل حجر، وفي كل ورقة شجر، وفي كل شاطئ نهر، أو سفح تل، أو طيات وادي، أو فضاءات برية، نمر بها. فلكل من هذه الربوع قصة وذكريات، استوطنت أعماق الوجدان، واستعصت على النسيان، بمرور الزمان.
فالمكان، ذلك الكيان الصامت، وتلك الربوع الغافية، تحمل في طياتها أحاديث الأزمان، وتحتضن ذكريات الخيال، التي يمكن لها أن تتدفق انثيالات وجدانية ابداعية متوهجة في اللحظة، بمجرد ان يرهف المتعالق مع ربوعه حسه، ويفتح عينه، ويطلق العنان للإلهام بالتوهج.
وهكذا يظل المكان أكثر من مجرد مساحة جغرافية جامدة، وربوع صماء، فهو وهج ينبض بالحس، ويلهم الوجدان، ويوقظ المشاعر، وألأفكار، ويسترجع الذكريات، ليصبح سحره ليس مجرد تعبير عاطفي، وليد اللحظة وحسب، بقدر ما هو تجربة حية، تلامس الوجدان، وتلهب الحس المرهف، وتفتح نوافذه للإبداع.
ولا شك ان لكل مكان بصمته الخاصة، في تفاعله مع الوجدان، سواء كان جبلا شاهقا، او واديا سحيقا، او غابة خضراء، أو زقاقا قديما، او اطلالا متداعية. فلكل مفردة من هذه التفاصيل الصغيرة للمكان، اثرها في توهج الإلهام، واثارة التأمل، الذي يسترجع الذكريات، ويستعيد التعالق بالأرض.
كما أن اطلال المكان، وأزقة الديار، تحمل قصصا منسية، نتذوق باستذكارها، طعم الماضي، ونستشعر من خلالها، احلام الصبا، وروعة أيام الزمن الجميل. فالمكان موضع تفجير الإلهام، وحافز وهج الابداع، الفنى والأدبي، والشعري، وليس مجرد ركام من الجمادات العقيمة، التي تأبى الإستنطاق.
واذن فالمكان يفتح أبوابا للأحلام، حتى يكون لكل عنصر من عناصر ربوعه، دوره في أحياء المشاعر الوجدانية الرقيقة، لتتدفق فيضا من الإنثيالات الوجدانية، والإستذكارات الشجية، والأفكار المدوية. فالأماكن طالما تجعل من الصمت، بالإستنطاق الوجداني، صوتا متهدجا، يصدح بعبق الابداع.
ولا ريب أن التوقف المتأمل بالمكان، والإنفتاح المتعالق مع فضاءات ربوعه، والإستمتاع بجمالياتها، هو ما يمكننا من كسر صمته، واستعادة وهج سحره، بعد أن نستذكر أماكن الطفولة، وإحياء الذكريات في تلك الربوع، لتنثال الخواطر الوجدانية، عندئذ، شعرا، وفنا، وغناء، حيث يفجر سحر المكان، كوامن الإلهام، والابداع.
***
نايف عبوش







