أقلام فكرية

غالب المسعودي: النشوة بديلا عن مفهوم اللذة والسعادة

يختلف مفهوم النشوة فلسفيا حسب السياق الثقافي والفكري، تشير النشوة أحيانًا الى حالة من الوعي المرتفع أو التجربة المتجسدة، حيث يشعر الانسان بالتحرر من القيود اليومية، يمكن أن تكون نتيجة للتأمل، الفن، أو التجارب الروحية .في الفلسفة اليونانية تعتبر النشوة تجربة قريبة من الكمال أو الجمال المثالي، حيث يُشعر الفرد بالارتباط بالعالم المثالي، الرواقيون يرون النشوة كحالة من الهدوء الداخلي، حيث يحقق الفرد توازنًا بين العقل والعاطفة، مما يؤدي إلى شعور بالسعادة والسلام الداخلي، فلاسفة اخرون يعتبرون النشوة تجربة مرتبطة بالفضيلة، حيث تأتي من الالتزام بالمبادئ الأخلاقية، في الفلسفات الحديثة، تُعتبر النشوة جزءًا من التجربة الإنسانية المعقدة، حيث تناولوا العلاقة بين النشوة واللذة، والمعنى، والغرض، لذا النشوة تحمل معانٍ متعددة، ترتبط بتجارب شخصية، روحية، وفلسفية كما تعكس هذه المفاهيم التفاعلات المعقدة بين العقل، العاطفة، والتجربة الإنسانية.

الفلسفة الوجودية ومفهوم النشوة

الفلسفة الوجودية تقدم تفسيرًا فريدًا لمفهوم النشوة، حيث تركز على التجربة الفردية والمعنى الشخصي. تعتبر النشوة تجربة شخصية تعكس حالة من الوعي الذاتي للوجود. يرتبط الشعور بالنشوة بتحقيق الذات والتواصل مع العالم، تعزز الفلسفة الوجودية فكرة أن النشوة تأتي من قبول الفرد لحرية اختياراته. هذا الوعي بالحرية يمكن أن يؤدي إلى شعور عميق بالفرح أو النشوة، فلاسفة وجوديون مثل جان بول سارتر وألبير كامو يرون أن مواجهة العبث وعدم المعنى يمكن أن تخلق لحظات من النشوة، حيث يجد الأفراد معنى في حياتهم رغم الفوضى، يركز الوجوديون على أهمية التجارب الحقيقية، مثل الحب، الفن، أو الطبيعة، كوسائل لتحقيق النشوة. هذه التجارب تعزز الارتباط بالعالم وتمنح الحياة معنى، النشوة تُعتبر حالة من الوعي الكامل باللحظة الحالية، حيث يتجاوز الشخص القلق حول المستقبل أو الندم على الماضي، في الفلسفة الوجودية، تُفهم النشوة كحالة تتعلق بالحرية، التجربة الفردية، والبحث عن المعنى في عالم معقد. هي لحظة من الارتباط العميق بالوجود، تتجاوز القيود التقليدية وتحتفل بالحياة.

القلق الوجودي والوصول إلى النشوة

القلق الوجودي يلعب دورًا مهمًا في مفهوم النشوة في الفلسفة الوجودية. القلق الوجودي ينشأ من الوعي بالحرية والمسؤولية. هذا الوعي يمكن أن يؤدي إلى شعور بالضياع، ولكنه أيضًا يفتح الأبواب أمام تجارب جديدة ونشوة حقيقية، من خلال مواجهة العبث، يمكن للأفراد أن يجدوا معنى شخصيًا، مما يؤدي إلى لحظات من النشوة، القلق الوجودي يمكن أن يعمل كدافع للتحول والنمو عندما يشعر الأنسان بالقلق حيال وجوده، يسعى الى استكشاف تجارب جديدة، مما يؤدي إلى النشوة، من خلال التعامل مع القلق يمكن للإنسان أن يكتشف جمال اللحظات الحقيقية في الحياة. هذه التجارب، مثل الحب والفن تؤدي إلى شعور عميق بالنشوة وتدفع الأنسان الى تحرير نفسه من القيود الاجتماعية أو النفسية. هذا التحرر يمكن أن يؤدي إلى شعور قوي بالنشوة، حيث يشعر الانسان بأنه يعيش حياته بشكل كامل لذا يُعتبر القلق الوجودي جزءًا أساسيًا من التجربة الإنسانية، ويمكن أن يكون دافعًا للوصول إلى النشوة من خلال مواجهة العبث، استكشاف الذات، وإيجاد المعنى.

مفهوم النشوة في الفلسفة اليونانية

الفلسفة اليونانية (أفلاطون وأرسطو)

النشوة كمعرفة عند أفلاطون، تُعتبر النشوة تجربة مرتبطة بالتواصل مع المثل العليا، حيث يشعر الانسان بالارتباط بالعالم المثالي. بينما أرسطو يراها جزءًا من تحقيق الفضيلة والسعادة من خلال العيش وفقًا للفضائل، تركز هذه الفلسفات على العقل والمعرفة كوسائل للوصول إلى النشوة، الرواقيون يرون النشوة كحالة من الهدوء الداخلي والسكينة، تأتي من التحكم بالعواطف والتوازن بين العقل والعاطفة. أبيقور يعتبر النشوة تجربة مرتبطة باللذة، حيث يمكن تحقيقها من خلال تجنب الألم والبحث عن المتعة الفكرية.

النشوة بديلا عن مفهوم اللذة والسعادة

يمكن لمفهوم النشوة أن يكون بديلاً عن مفهوم اللذة والسعادة، وكل منها يحمل دلالات مختلفة. النشوة تُعتبر تجربة عميقة تتضمن الوعي الذاتي والارتباط بالعالم، وغالبًا ما تأتي من تجارب ذات معنى، مثل الفن، الحب، أو التأمل، اللذة تركز عادةً على المتعة الحسية أو العاطفية، وقد تكون سطحية أو قصيرة الأمد، في الفلسفة الوجودية، يمكن أن تأتي من مواجهة القلق والعبث، مما يؤدي إلى إحساس بالتحرر والمعنى، عادة ما تُعتبر حالة دائمة أو هدفًا يسعى الأنسان لتحقيقه، وقد تكون مرتبطة بتحقيق رغبات أو متطلبات معينة بذلك يمكن أن تكون لحظات مستدامة ولكن مكثفة، تعكس تجربة إنسانية ثرية، اللذة والسعادة غالبًا ما تُعتبر حالات ذات طابع أكثر استمرارية ظاهريا، ولكنها تكون أيضًا عرضة للتقلبات، النشوة ترتبط بالبحث عن المعنى والحرية، مما يجعلها تجربة شخصية فريدة، اللذة والسعادة تُعتبر أكثر ارتباطًا بالتجارب المادية أو الاجتماعية، و تكون أقل ارتباطًا بالمسؤولية الذاتية بينما يمكن لمفهوم النشوة أن يكون بديلاً عن اللذة والسعادة، حيث يقدم تجربة أكثر عمقًا ومعنى، تتجاوز المتع السطحية. النشوة تعكس الارتباط الذاتي بالعالم وتجربة الوجود، مما يجعلها تجربة متميزة في السياق الفلسفي.

النشوة والسعادة من منظور علم النفس

النشوة والسعادة هما مفهومين نفسيين لهما دلالات مختلفة. النشوة تُعتبر حالة من الارتفاع العاطفي المكثف، وغالبًا ما تحدث نتيجة تجارب استثنائية أو عميقة، مثل الإبداع، الحب، أو التأمل السعادة تُعرف عادةً بأنها حالة مستمرة من الرضا والراحة النفسية، وهي نتيجة لتوازن العوامل النفسية والاجتماعية، النشوة تنشأ غالبًا من تجارب فريدة أو محفزات قوية، مثل الفنون، الطبيعة، أو اللحظات الروحية، السعادة يمكن أن تأتي من عوامل متعددة، مثل الإنجازات، أو السلام الداخلي، النشوة يمكن أن تؤدي إلى استجابة جسدية قوية، مما يؤدي إلى شعور بالتحرر والفرح، السعادة ترتبط عادةً بتوازن كيمياء الدماغ، النشوة تُعتبر تجربة ذات مغزى وعميق، يسعى الأفراد لتحقيقها، ترتبط النشوة بتجارب عاطفية مكثفة، ترتبط بحالة مستمرة من الرضا.

النشوة واللذة والسعادة في الفكر المتطرف

يشعر الأفراد في الجماعات المتطرفة بنشوة نتيجة الانتماء إلى فكرة أو عقيدة يعتقدون أنها تمثل الحق المطلق. هذا الانتماء يعطيهم شعورًا بالتميز والخصوصية، البعض يجدون لذة في ممارسة القوة والسيطرة على الآخرين، الفكر المتطرف يمكن أن يوفر للناس إحساسًا بالقوة من خلال التهديد أو العنف ويشعر الأفراد في هذه الأيديولوجيات بسعادة مؤقتة نتيجة تحقيق أهدافهم، لكن هذه السعادة غالبًا ما تكون سطحية وغير مستدامة، لأنها ترتبط بالعنف والعداء. توفر الجماعات المتطرفة هوية قوية، مما يجعل الأفراد يشعرون بالسعادة نتيجة الانتماء إلى مجتمع يشاركهم نفس القيم والأفكار، بعض الأفراد يعتقدون أن أفعالهم المتطرفة هي وسيلة لتحقيق العدالة أو التغيير الاجتماعي، مما يمنحهم شعورًا بالرضا عن النفس، يمكن أن ترسم هذه الجوانب صورة معقدة حول كيف يمكن للفكر المتطرف أن يثير مشاعر النشوة واللذة والسعادة، رغم الأضرار والآثار السلبية التي تنجم عنه، لكنها يمكن أن تؤدي مشاعر النشوة واللذة والسعادة المرتبطة بالفكر المتطرف إلى إدمان هذا الفكر، يؤدي الانغماس في الفكر المتطرف إلى عزل الأفراد عن المجتمع، مما يجعلهم يعتمدون بشكل أكبر على الجماعة المتطرفة لتلبية احتياجاتهم العاطفية والاجتماعية، عندما يشعر الأفراد بالسعادة أو النشوة نتيجة أفعالهم المتطرفة، يصبح هذا السلوك معززًا إيجابيًا، مما يدفعهم للمزيد من الانخراط في تلك الأفكار وذلك بتشكيل نمط من الاعتماد العاطفي والسلوكي، مما يجعل من الصعب على الأفراد الخروج منه.

***

غالب المسعودي – باحث عراقي

 

في المثقف اليوم