أقلام حرة
مرتضى السلامي: شجاعة أن تكون غريبًا

يعمل المجتمع كقوة جاذبية هائلة، تسحب كل شيء نحو مركزها. إنه يريدنا أن نكون متشابهين، أن نفكر في نفس الأشياء، ونسعى وراء نفس الأهداف: النجاح المادي، القبول الاجتماعي، الراحة والأمان. هذه الرغبات ليست سيئة في حد ذاتها، لكنها تخلق ضجيجًا مستمرًا يصم الآذان عن صوت أعمق، صوت الأسئلة الكبرى التي تكمن في قلب كل إنسان.
الفلسفة تبدأ بالابتعاد قليلاً عن هذه الجاذبية. إنها تتطلب منا أن نمتلك الشجاعة لنكون "غرباء" في عالمنا، ولو للحظات. أن نخطو خطوة إلى الوراء وننظر إلى السباق الذي يركضه الجميع، ونسأل: "لماذا نركض؟ وإلى أين؟". هذا التساؤل يجعلك تبدو غريبًا في نظر الآخرين. عندما يكون الجميع منشغلين بـ "كيف" نكسب المزيد من المال، وأنت تسأل "ما" هو المال، أو "لماذا" نسعى إليه، فإنك تكسر الإيقاع المألوف وتُحدث خللاً في النظام.
هذه الغربة ليست هروبًا من العالم، بل هي شرط لرؤيته بوضوح. لا يمكنك أن تفهم طبيعة النهر وأنت تنجرف مع تياره. يجب أن تقف على الضفة لترى مساره ومنبعه ومصبه. الوقوف على الضفة هو ما تفعله الفلسفة. إنها تخلق مسافة تأملية بيننا وبين حياتنا اليومية، مسافة تسمح لنا بفحصها وتقييمها بدلاً من مجرد عيشها بشكل أعمى.
تخيل حفلة صاخبة، الجميع يرقص على نفس الإيقاع، ويضحك بصوت عالٍ. في زاوية القاعة، يقف شخص بهدوء، لا يرقص، بل يراقب. قد يظنه الآخرون منعزلاً أو حزينًا. لكنه في الحقيقة يرى شيئًا لا يراه الراقصون: يرى الأنماط في حركتهم، يرى العلاقات التي تتشكل وتتفكك، يرى الفرح الحقيقي والضحك المصطنع. هو لا يحكم عليهم، بل يفهم الديناميكية الكاملة للمشهد. وقوفه في الخارج منحه بصيرة أعمق بالداخل.
أن تتفلسف هو أن تمنح نفسك الإذن لتكون ذلك الشخص في زاوية الحفلة من وقت لآخر. أن تخصص وقتًا للانسحاب من ضجيج العالم، ليس لأنك تكرهه، بل لأنك تريد أن تفهمه بشكل أفضل. أن تجرؤ على طرح الأسئلة "غير العملية" التي لا يهتم بها أحد، لأنك تعرف أنها الأسئلة الوحيدة التي تهم حقًا في النهاية.
"لكي تفكر، امتلك الشجاعة لتكون غريبًا. المجتمع يريدك أن تكون مثله. الفلسفة تطلب منك أن تجرؤ على أن تكون مختلفًا. مارس 'الغربة الفلسفية': خصص وقتًا لتبتعد عن ضجيج الحياة اليومية. اسأل الأسئلة الكبرى: ما معنى حياتي؟ ما هي العدالة؟ لا تخف من أن تبدو غريبًا. هذه القدرة على الانسحاب المؤقت من العالم هي ما يمنحك بصيرة أعمق."
***
مرتضى السلامي