أقلام حرة
مهند العبيدي: أين نحن مما يجري من حولنا؟
مؤلم جداً أن نرى دولنا تتذيل قوائم التصنيف العالمي والدولي فيما يخص مستويات العلم والخدمات وغيره من مواكبة التطور الذي يشهده العالم. مؤلم جداً أن ترى تراجع نصنيف مستويات الجامعات العراقية عالمياً أو تعرضها لأحتمال سحب الثقة بينما ترتقي جامعات شابَة أخرى لم تكن في يوم من الأيام منافسة لجامعاتنا وقد يكون هذا الأرتقاء بجهود وعقول عراقية. بل مؤلمٌ أكثر عندما لا يُصَنّف بلدنا بالأساس ضمن قائمة تصف ميَزة إيجابية أو خاصية أساسية او سلوك عام يخدم المواطن نفسه.
في دراسة عالمية بقيادة مايلز ريتشاردسون، أستاذ الارتباط بالطبيعة في جامعة ديربي ضمت العديد من الباحثين من بريطانيا والنمسا ونشرتها مؤخراً مجلة أمبيو وأعادت نشرها الكارديان تركزت حول تفاعل الأنسان مع الطبيعة وارتباطه بها، تبين أن النيبال هي الدولة الأكثر ارتباطاً بالطبيعة، تليها إيران وجنوب أفريقيا وبنغلاديش ونيجيريا. كرواتيا وبلغاريا هما الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان ضمن العشرة الأوائل، تليها فرنسا في المركز التاسع عشر. تأتي هولندا، وكندا، وألمانيا، وإسرائيل، واليابان، وإسبانيا في مرتبة متأخرة عن بريطانيا، وهي الأقل ارتباطاً بالطبيعة من بين الدول الـ 61 التي شملها الاستطلاع. الدراسة التي شملت 57 ألف شخص، بحثت في كيفية تشكيل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والثقافية لمواقف الناس تجاه الطبيعة. الارتباط بالطبيعة مفهوم نفسي يقيس مدى قرب علاقة الفرد بالآخرين وبالطبيعة. وقد وجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الارتباط بالطبيعة يتمتعون برفاهية أفضل، وهم أكثر ميلاً للتصرف بطرق صديقة ومحبة للبيئة. وقد تم تحديد انخفاض مستويات الارتباط بالطبيعة كأحد الأسباب الرئيسية الثلاثة الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي، إلى جانب عدم المساواة وإعطاء الأولوية للمكاسب المادية الفردية. قال ريتشاردسون، الذي أقر بأنه لم يُفاجأ بتدني مستوى بريطانيا في قائمة الارتباط بالطبيعة: "لا يقتصر الارتباط بالطبيعة على ما نفعله فحسب، بل يشمل أيضاً مشاعرنا وتفكيرنا وتقديرنا لمكانتنا في العالم الحي."
لكي لا أبتعد في مقالتي هذه عن عنوانها، فأنا لا أبحث هنا في تعزيز عوامل الطبيعة واقامة حدائق عامة ولا في تشجيع الحكومة على أنشائها والناس على زيارتها والعناية بها، رغم أهمية ذلك للراحة النفسية والصحة العامة وتحسين الظروف اليئية ولا أُريد التذكير هنا بأنها تُعَد مقياساً يُجريه البنك الدولي لمدى ملائمة الدولة للأعمال التجارية. الا أنني أتسائل، أين نحن من هكذا دراسات وبحوث وتصنيفات؟ أين يقع العراق في هذه القائمة؟ خصوصاً وأن الدراسة شملت دول مجاورة! لماذا لا يعتبرنا علماء العالم ويدرجونا ضمن دراساتهم وبحوثهم؟ هل أصبحت صحتنا النفسية والعقلية لا تهم؟ وماذا عن التلوث البيئي في سمائنا وهوائنا ومائنا؟ هل هنالك من يراقبه ويهتم لمراقبته؟ الأسوأ، أنه حتى في الدراسة الأولى من هذا النوع فأنه لم يتم اعتمادها البيانات التي تم جمعها من العراق والسبب كان (عدم امكانية اعتمادها لتدني النوعية)! الا يوجد عندنا من يُعتَمَدْ عليه لجمع البيانات حسب المقاييس العالمية؟
أقول، أذا كانت دول مثل بريطانيا وايرلاندا التي تمتلك أجمل مواقع الطبيعة، فالريف البريطاني ومزارع ايرلآندا تعتبر مزاراً يتوافد اليه السائحين من جميع أنحاء العالم وهما محط انظار أغنى مستثمرين العالم ورغم ذلك فأن هذا الريف الذي تتخلله البحيرات والأنهار وتزينه شلالات المياه الجميلة لم تعد تستقطب الناس وتثير مشاعرهم ليتفاعلوا ويرتبطوا به. في هذا الصدد، تقترح الدراسة أعلاه أن من العوامل الأكثر تحديدًا التي وجدتها والمرتبطة بانخفاض الارتباط بالطبيعة، مستويات التحضر، ومتوسط الدخل، واستخدام الإنترنت.
السؤال الأخير للمواطن والحكومات في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط ودول العالم الثالث، هل تستوعبون أين العالم الآن وأين نحن منه؟ أذا كانت دول اوربية مثل بريطانيا وأيرلاند في ذيل قائمة لأرتباط الناس بالطبيعة، فأين سنكون نحن لو دخلنا هذا التصنيف؟ أعتقد ان الجواب على هذا السؤال يُعَدُّ موجود ضمنياً وهو أننا (خارج نطاق التغطية)
الدول العشرة الأكثر أرتباطاً بالطبيعة 
الدول العشرة الأقل أرتباطاً بالطبيعة
***
الدكتور مهند العبيدي







