نصوص أدبية

عبد الله الجميل: تعالَي إليَّ

تعالَي إليَّ لِأسقي الحديقةَ هذا المساءْ،

تعالَي إليَّ أرى النارَ تخبو بهذا السراجْ،

أرى نبتةَ الصمتِ طالتْ وصارَتْ كمثلِ السياجْ،

تركتِ الندى ذاهلاً في الحديقةْ،

ووحدَكِ كنتِ أمامي الحقيقةْ،

أنا لا أراكِ ولكنْ أرى أثراً منكِ مثلَ السّناءْ،

**

تَبينُ الورودُ تجِفُّ الورودُ وأنتِ انعطافُ النسيمِ على عُنقِها في مدارِ التشظِّي،

إذا كانَ للماءِ جذرٌ فأنتِ وإنْ كانَ للنارِ نبضٌ فأنتِ،

إذا سالَ نهرٌ منَ الليلِ فوقَ حصى الضوءِ أنتِ،

وإنّي صببْتُ بكفَّيكِ بعضَ المياهِ وأنتِ قبضْتِ الأناملَ فوقَ المياهِ،

وحينَ فتحْتِ يديكِ رأيتُ هنالكَ نجمةَ صيفٍ تَشِعُّ،

لقد كانَ ممشاكِ طيفاً رفيعاً على جانبيهِ سنابلُ صُفْرٌ،

وشَعْرُكِ حينَ تهبُّ الرياحُ كرايةِ عشقٍ تشيرُ لكلِّ الجهاتِ،

ويا نارَ جلدِكِ كوني سلاماً وبرداً على كلِّ ثوبٍ يلامسُ هذا العذابَ،

**

زجاجٌ يُطوِّقُني حيثُ كلُّ انعكاسٍ سيَبْذُرُ غابةَ ظلٍّ عليَّ،

وأنتِ بهاءٌ فلا تُسألينَ كأنَّكِ وحدِكَ وقتٌ كأنَّكِ أنتِ مكانٌ جديدٌ ووحدي إليهِ وصلْتُ،

كأنَّكِ قبلَ الحياةِ وبعدَ الحياةِ لذا إن أردتُ الحديثَ إليكِ،

فلا بُدَّ من لغةٍ وقعُ أحرفِها في السماعِ كمثلِ الفَراشِ يُلامسُ ضوءَ التُّوَيجِ،

وإمَّا أرادَتْ يدايَ يدَيكِ فلا بُدَّ أن أتوضَّأَ بالنبعِ يا امرأةً تسكنُ الغيمَ والأمنياتِ،

لكِ الليلُ مملكةً لا تزولُ وروعةُ هذا الغروبِ إذا الشمسُ ذابَتْ كمثلِ انصهارِ الحديدِ،

أحبُّكِ، لسْتُ أمَلُّ التغزُّلَ فيكِ كشمسٍ ستُشرقُ كلَّ صباحٍ،

دخانُ التجلِّي يُنادي عليَّ سديمٌ تكثَّفَ أوحى إليَّ،

**

خذيني لغرفتِكِ المشتهاةِ فإنَّ أناملَ كفّي تسافرُ باللمسِ فيكِ،

جدارُكِ خلفَ السريرِ فُصوصُ المجرّةِ أمّا مراياكِ ماءٌ تصلَّبَ،

هذي الجواهرُ إذ تلبسينَ تُغادرُ عُنصُرَها الرَّخْصَ،

نافذتانِ أرى منهما ظبيةً لا تُنالُ، ستائرُ ترقصُ، عطرٌ منَ الرغباتِ النديّةِ، ساعةُ رملٍ كخصرِكِ،

بعضُ النباتاتِ فيها الجذورُ مُعلَّقةٌ في الهواءِ وما من ترابٍ وتُسقى إذا ما نظرتِ إليها وما من مياهٍ،

**

وتحرُسُ نومَكِ تلكَ الفراشةُ،

قولي لها إنْ دنت نحلتي: ذا حبيبي،

أميرةَ كلِّ الطبيعةِ إنّي أتيتُ وعندي بذورٌ،

فهلّا أذِنْتِ لتفتحَ هذي الشرانقُ باباً منَ الخِصْبِ،

إنّي شفيفٌ،

وإنّي أتيتُ لأسقي الحديقةَ هذا المساءْ،

***

عبد الله سرمد الجميل شاعر وطبيب من العراق

 

في نصوص اليوم