نصوص أدبية

مجيدة محمدي: في قلبي وطن بطعم قبلة

عُدتُّ يا غزّة،

وفي يدي مفاتيحي العتيقة،

وفي صدري أنينُ بيتٍ لم يبقَ له باب.

*

عُدتُ كما يعودُ الطّيفُ إلى ملامحِ المرايا،

فلم أجد سوى رُكامٍ يُحدّقُ بي،

كأرملةٍ فقدت وجهَ الحبيب.

*

أجلسُ على أطلالِ الذّاكرة،

أشمُّ ما تبقّى من خبزِ أمّي،

ومن عرقِ أبي،

ومن ضحكةِ إخوتي التي كانت تتقافزُ بينَ الجدرانِ كالعصافير.

*

كلُّ شيءٍ هادئٌ…

هادئٌ حدَّ الاختناق،

إلّا قلبي،

فهو ما يزالُ يتهجّى أسماءَهم في اللّيلِ كالأدعيةِ المنسيّة.

*

يا غزّةُ،

كنتِ في قلبي وطنًا بطعم قُبلة،

فصرتِ في العالمِ جرحًا بحجمِ صرخة.

*

كنتِ فراشةَ الحنينِ،

صرتِ رمادَها حين احترقَ الجناحانِ في لهيبِ البارود.

*

يا غزّةُ،

لو أنني كنتُ الجدارَ لاحتضنتُكِ حينَ مالَ عليكِ الحزن،

لو أنني كنتُ الشّمسَ،

لما تركتُكِ تُبردين في الظّلام،

لو أنني كنتُ المطرَ،

لسكبتُ نفسي على ترابكِ حتّى يزهرَ من جديد،

لو أنني كنتُ الرّيحَ،

لجمعتُ أنفاسَ أحبّتكِ من الأزقّةِ وأعدتُها إلى صدركِ.

*

لكنّي أنا…

أنا العائدُ ....

*

أجلسُ عندَ رُكامكِ

كمن يجلسُ عندَ أطرافِ قلبه،

أُحدّثُ الحجارةَ عن مواسمِ اللعب،

عن دفءِ المساءات،

عن رائحةِ البنّ التي كانت تغلي في المطبخ،

عن غناءِ أمّي وهي تُرتّبُ صباحاتِنا.

*

يا غزّةُ،

الآنَ فقط أدركتُ ،

أنّ الوطنَ لا يُفنى حينَ يُدمَّر،

بل حينَ لا يجدُ من يحلمُ به

كما نحلمُ بك...

*

عدتُ إليكِ،

عدتُ لأقبّلَ جبينَكِ المهدوم،

ولأقولَ ما زلتِ حيّةً،

فالقلبُ الذي يُحبّكِ

لم يزل ينبضُ تحتَ الرُّكام... فوق الركام...

***

مجيدة محمدي

في نصوص اليوم