نصوص أدبية
هادية السالمي: ذاكرة اليَباب
اركضْ بوجهكَ، فإنّ الْوحْلَ في الأذقانِ
للّذي به تَرَفٌ
فالنّخلُ قد سمَّجَه الْغيمُ
و ما طابت سماؤه وما هَطَلَتْ.
كأنّ صَمْغَ الْقَحْطِ عنه غيَّبَ القمرَ
فاكتفى به سَعَفًا
واتّسَعَتْ في نُسْغِهِ قصائدُ الْجَدْبِ وفي المطرِ.
قد شَحَّتْ أعذاقُهُ
مُذْ أرضُه عَقِرَتْ
و سكنت أقواسُه
مُذْ غَلَّها الْقَرَفُ.
*
اركُضْ بوجهكَ
فَصَكُّ الغفران للَّذي بالْوجهِ قد ركض،
و إنَّهُ أزمنةٌ للصَّبِّ في الصَّبَبِ.
صكُّ الغفران رذاذٌ مِن ظِلالِ الصّمتِ والتِّيهِ
بلا صَخَبٍ.
يأتيكَ بالْمَنِّ وأطواقٍ مِنَ الْغَمامِ
كالصَّدَفِ.
*
اركُضْ بوجهكَ
تَجِدْ مُغْتَسَلا مِن كَدَرِ الطّينِ،
و فيه أنتَ تعْتَكِفُ.
سيَنْزَعُ التُّفّاحُ منْكَ ظُفْرَهُ
ووَخْزَةَ الْقَشَفِ،
وستُصَفِّقُ لكَ الْمِرْآةُ
والْجُدْرانُ تبتَسِمُ.
ستَتَعَلَّمُ هناك
كيف تُنْسَى سِدْرَةٌ بالرَّمْلِ تَلْتَصِقُ…
*
اركُضْ بوجهكَ إلى الْهُناكَ
تَنْعَمْ بِهَوَى الْقِيعةِ والظُّلَمِ.
تلك الْفاتِنَةُ ،
في وجهكَ يَلْتَمِعُ غَيْمُها وينْتَثِرُ.
في كفِّها الْقَدَحُ والْأَعْنَابُ تَخْتَمِرُ.
مَفْتُونٌ بِثَوْبِها بَحْرُكَ والْبَصَرُ.
في أقداحِكَ
صَبَابَةُ الّتي شَغَفَها يُوسُفُ حُبًّا،
وبهِ كَلِفَتْ…
*
اركُضْ بالْوَجْهِ إلَيْها والْوَجْدُ فيكَ يَتَّقِدُ
و لكَ في ذاكِرَةِ الطّينِ
مَنَافِذُ لِأَوْجَاعٍ تَضْطَرِمُ .
و لَكَ في ذاكِرَةِ الْيَبَابِ،
مِعْرَاجٌ لِلْحَيَاةِ والسَّكَنِ…
***
بقلمي: هادية السالمي دجبي - تونس






