آراء
عبد الأمير الركابي: الرؤية الكونيه العراقية ما بعد الابراهيمه (1)

تحل اليوم بعد تاريخ الفنائية الانبعاثية لارض مابين النهرين، لحظة المعنى النطقي شاملا العالم مثلما هو كينونة ومنطوى وقد انتهت مفاعيل الرؤية الاولى الكونية اللاارضوية" اليدوية" النيوية الابراهيمه، صيغة الحضور والتحقق الممكن في حينه ضمن طور الغلبة الارضوية اليدوية، مع عودة الفنائية متلازمه مع الانبعاثية التحولية، المعنى والمقصد الاصل القابع بين تضاعيف الكينونه اللاارضوية. وبما ان لكل تكوين وبنيه مجتمعية شكل تعبيريتها الداله على اقتراب نضج كينونتها، مع اختلاف صيغ التعبير، فلقد عرف العراق على مر تاريخه الاطول بين تواريخ المجتمعات الى الان، صيغة تعبيرية مختلفة عن عموم التعبيرية الكيانوية الارضوية، تقف بمقابلها كتعبير "آخر" لنمطية نوعية مختلفة تمثلت بالحدسية االاولى بمقومات كونية متعدية للكيانيه المحلوية، او الامبراطورية العادية الارضوية، لتحل بمثابة حالة اختراق للمجتمعات الارضوية بغالبيتها، بها تتحقق الازدواجية البنيوية المجتمعية على مدى المعمورة. وهو ماكان متلائما ومتطابقا مع الطور اليدوي الجسدي من الظاهرة المجتمعية على مستوى الكوكب.
وكان من البديهي وقتها ان لاتاخذ التعبيرية اللاارضوية الاولى مكانها باعتبارها "مجتمعية اخرى" متعدية للكيانيه والمكانيه، غير تلك الغالبة في حينه، مجتمعية "وطن كونيه" مافوق كيانوية ارضوية "، نازعه الى اعلى سماويا، ودالة على، ومؤشرة الى المستقبل والمقصد من الوجود البشري حسيا، ومن دون عليّة وسببيه، ماكانت الاشتراطات العقلية والقصورية التي تخيم على العقل في حينه، تسمح بها قبل ان يكون بالامكان استيعابها والتعرف على ممكناتها، والاهم اكتمالها تحققا وواقعا، الامر الذي كان يتطلب بالاضافة الى الادراكية العليّة، وسيلة انتاج مادية، غير اليدوية التي كانت سائدة وقتها وماتزال اثارها فاعله الى الان، مع مايمكن لهذه ان تتيحة او تسمح به من تحولية فوق جسدية، "عقلية"، يتحرربموجبها العقل من وطاة الجسد، وهو المقصد والغاية التي ينطوي عليها الوجود المجتمعي البشري، الموجود الى الان اصلا كحالة انتقال ما بين "الحيوان" و"الانسان/ العقل"، المتخلص من متبقيات الحيوانيه، وماقداستمر عالقا به منها كحامل جسدي، بعد انبثاق العقل، والى اللحظة الراهنه.
والتاريخ البشري والمجتمعات تسير محكومة بقانون ناتج من الاليات الطبيعية، البيئية والنمطية المجتمعية، ذاهب الى توفر الاشتراطات الضرورية المادية والادراكية الضرورية للانتقال الحتمي، من الجسدية المقترنه باليدوية، الى العقلية، مايشترط حتما عبور اليدوية الى الالية وتحوراتها، فالانتقال المشار اليه، وبغض النظر عن المفاهيم المقترنه به ارضويا حتى اللحظة، هو ضرورة مجتمعية عليا"عقلية" على مستويي الفعل المادي المباشر، كما بما يخص الادراكية اللازمه الضرورية، ذهابا الى مجتمعية لامجتمعية اخرى، وكائن بشري مختلف.
واذا مااعدنا النظر في الديناميات التاريخيه وحصيلتها المتحققة خارج الادراكية الدنيا اليدوية، فاننا سنتعرف على ازدواجيتين، اولى مجتمعية لاارضوية ارضوية ابتدائية تبلورية في ارض مابين النهرين، واخرى "طبقية" دون مجتمعية مقابلها على الضفة المتوسطية المقابله للشرق المتوسطي، وان هذين الموضعين محكومان للتفاعليه التحولية، ابتداء بالانصبابة الغربية وماانتهت اليه من اختراقية مضادة شرق متوسطية ابراهيمه، امنت الازدواجيه في اوربا والشرق الذاهب الى الصين، وهو ماقد انتجته الدورة الاولى المجتمعية الرافدينيه قبل فنائها الاول مع انهيار بابل، قبل ان تعود مجددا مع القرن السابع للانبعاث كي تحقق هذه المرة اللازم والضروري، بعد ان تعجز الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية عن تامين اسباب التحول، بدل الفناء اللاتحولي، وتعلن "الانتظارالمهدوي" اذ تحيل الهدف الاعلى التحولي الى طور انبعاثي قادم"، في الوقت الذي تكون هي قد امنت من اعلى وامبراطوريا، الاسباب والمطلوب اللازم لاجل مغادرة اليدوية بالقمة الاقتصادية التجارية العالمية الريعيه التي قادتها وكانت مركزها بغداد الكوسموبوليتيه، ليتحقق الاختراق هذه المرة في الموضع الطبقي، وتبدا ديناميات الاصطراع بين الطبقات هناك ذاهبة الى الانقلابيه الكبرى الانتاجية، بانبثاق عنصر ثالث، كان ضرورة قصوى بظل انحباس الاصطراعية الطبقية، وحاجتها الى عنصر ثالث، هو الالة التي ستغدو من ساعتها عامل انقلاب في الكينونة المجتمعية، بتحولها بنيويا ديناميا من الطور اليدوي عندما كانت ( بيئة + كائن بشري)، الى (بيئة + كائن بشري + آلة) العنصر الثالث المباين والمختلف نوعا وكينونة.
ومن لحظتها تدخل البشرية والمجتمعات طورا آخر مختلف نوعا، فالحدث مدار التنويه ليس مجرد انتقال من العمل باليد الى العمل الالي كما جرى تصويره حتى الان، بل من مجتمعية يدوية الى اخرى مختلفة نوعا، هي الالية الذاهبة الى العقلية، وهو ما لا يكون بالمقدور في حينه وابان انبجاس الالة، او بالامكان مقاربته ادراكا، وبالاخص على مستوى الديناميات والمنتهيات المقررة اصلا وبدئيا، وهوماكان وظل العقل قاصرا دونه، وعاجزا عن اماطة اللثام عن منطوياته، بما يجعل من مسالة الانتقال الالي عملية تشكلية غير آنيه، مخالفة لتلك التي سعى الغرب لتكريسها باستغلاله للحظة، ومحاولة التعبير عنها آنيا الامر المخالف للحدث وطبيعته، وللتاريخ البشري نفسه ومتبقاياته المتوقعه من الماضي اليدوي، ورسوخه وغلبته على الرؤية العقلية، فالاله لايمكن ان تنبجس ومعها التصور المطابق لها، بل هي تحضر وتفعل فعلها في الواقع بانتظار ادراك دلالاتها ومنطواها، وبالذات انتسابها من حيث الفعالية والاثر المقصود من قبل الدينامات الاجمالية التاريخيه المتعدية، للموضع الذي وجدت فيه الالة قبل غيره، وهو مايتفق مع الوقائع، ومع آليات اشتغال العقل.
ومن الناحية العملية المباشرة فان العقل يوم انبجاس الالة يكون عقلا يدويا، وليس آليا، فاذا هو اراد ان يواكب الاله وانقلابها الفاصل، فانه لن يكون وقتها اكثر من انقلابية توهمية يدوية، وهو مافعلته وتمكنت منه اوربا الحداثية بكل منجزها على الصعد كافة على اهميتها التي تولدت عن دفع وتسارع الاليات المجتمعية الاوربية بفعل الحدث الانقلابي الابتدائي الحاصل هناك، مع العلم ان مجمل منجز الغرب الحديث، كان نتيجة الطور المصنعي من الانقلاب الالي قبل التكنولوجي، او التكنولوجي الاعلى المنتظر.
ثمة طور انتقالي بشري يواكب وينشا عن بدايات الانقلاب الالي عقليا، هو طور الانتقال من العقل اليدوي، الى العقلي الالي، يستغرق بضعة قرون، ويكون مليئا بالتناقضات والاوهام والاصطراعية الاحتدامية، ومحاولات المقاربة غير الممكنه موضوعيا ولحظويا آنيا، في مجتمع هو ارضوي ويدوي كينونة واصلا، برغم علو دينامياته ضمن نوعه وصنفه، بسبب ازدواجيته الطبقية.
ـ يتبع ـ
***
عبد الأمير الركابي