آراء

ثامر عباس: لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية؟!

غالبا"ما يرتبط وجود الفئات الاجتماعية التي تشعر بالغبن والمظلومية تجاه حقوقها الاقتصادية والثقافية والدينية بسياسات التهميش المتعمد والإقصاء القسري، التي تمارس ضدها من قبل الجماعات الحاكمة والمتسلطة، من حيث احتكار هذه الأخيرة لمصادر القوة العسكرية والثروة الاقتصادية والهيمنة الإيديولوجية. ولسنا هنا نجانب الصواب حين نقول بان هذه الحالة الإنسانية كانت موجودة في الماضي والمرجح أنها ستبقى في المستقبل أيضا"، طالما كان (العدل) غائبا"و(المساواة) معدومة بين أفراد وجماعات المجتمع الواحد، كما حصل ويحصل لحد الآن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية المعاصرة.

ولعل من أسباب شعور هذه الفئات بالضعف وقلة الحيلة إزاء من يسومها صنوف الظلم ويذيقها طعم الحرمان من حقوقها الطبيعية والثقافية والإنسانية، هناك مجموعة من العوامل نوجز أبرزها على النحو التالي:

العامل الأول - من الملاحظ ان التأكيد على وجود هذه الفئات والجماعات وإبراز خصائصها الثقافية بشكل مبالغ فيه، غالبا"ما يقترن بالمجتمعات الانقسامية (المأزومة) تاريخيا"وسياسيا"واقتصاديا" وحضاريا"، والتي عادة ما يغيب عنها القانون، وتشيع فيها الفوضى، وتنتهك فيها القيم، وتستباح فيها الحريات. الأمر يسوق الجميع للاحتكام الى شريعة الغابة حيث القوي يأكل الضعيف، والكبير يسحق الصغير. بالتالي يتسلط ويتنمر فيها الأول على الثاني بدافع من الأصوليات الكامنة والمعلنة، وهو ما يجعل تلك (الأقليات) تميل الى تكتل عناصرها وعزل كياناتها والمنافحة عن رموزها وسردياتها، بغية الحفاظ على وجودها والدفاع عن حقوقها.

العامل الثاني - في الغالب يكثر وجود هذا النمط من الجماعات المظلومة في المجتمعات التي تحكمها الأنظمة السياسية ذات الطابع الشمولي والدكتاتوري، والتي من سماتها السلبية محاباة بعض الجماعات على حساب جماعات أخرى، ليس من باب الدفاع عنها والتعاطف معها وإنما بغية احتوائها وتدجينها من جهة، وإضعاف قوى الجماعات المنخرطة في أنشطة المجتمع المدني والسيطرة عليها من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يفضي الى حرمان تلك الجماعات من حق المشاركة في الأمور الخاصة بالشأن العام من جانب، وتضييق مجال حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والدستورية من جانب ثان.

العامل الثالث - إذا ما تفحصنا جميع الحالات التي تشعر من خلالها جماعة معينة بالحيف والمظلومية، سنجد أنها تشمل كل الذين ينتمون الى ما يسمى ب(الأقليات) الدينية والاثنية في المجتمع الانقسامي، الذين غالبا "ما يكونون أهدافا" مرشحة للتمييز والحرمان من حق المواطنة، فضلا"عن معاملتهم كغرباء في وطنهم وطارئين على مجتمعهم، بحيث يجري التعاطي معهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة يكفيهم تقاسم الجغرافيا الوطنية مع أقرانهم من الدرجة الأولى.

العامل الرابع - في معظم الحالات التي من هذا القبيل نلاحظ ان هذه الفئة تتسم بقلة (العدد)، مقارنة ببقية الفئات والجماعات الأخرى التي تنافسها في الحقوق الاقتصادية والواجبات الاجتماعية. بحيث ان هذه الحالة الاستثنائية تضعها تلقائيا"في موضع (الأقلية) المحكومة مقابل (الأكثرية) الحاكمة، سواء على صعيد حيازة عناصر القوة وامتلاك مصادر الثروة، أو في مجال مواجهة الجماعات الأخرى المختلفة عنها في الانتماء أو الولاء، وهو ما يستتبع شعورها الدائم بالاستبعاد الاجتماعي والتهميش الاقتصادي والإقصاء السياسي. 

العامل الخامس - في بعض الأحيان نلاحظ أن سبب الشعور بالضعف السياسي ومعاناة المظلومية الاجتماعية من قبل هذه الفئات (الأقليات)، لا يقتصر فقط على كونها تمثل الفئة (الأقل) عددا"مقابل الفئة (الأكثر) عددا"في المجتمع فحسب، وإنما أيضا"لانعدام قدرتها على حيازة عناصر (القوة) المؤثرة والفاعلة من جهة، والاستحواذ على مصادر (الثروة) التي تمكنها من فرض شروطها كما هو متاح لخصومها ومنافسيها من جهة أخرى. 

والحال، إذا ما تساءلنا عن الشروط والمعايير التي يمكنها إنهاء هذه الحالة أو على الأقل التخفيف من وطأتها، فان الخطوة الأولى في هذا المجال هي تبني خيارات الفكرة (الديمقراطية) التي تقوم على ثوابت إرساء قواعد (العدل) و(المساواة) بين جميع أعضاء المجتمع، دون النظر الى أصولهم القومية والعرقية، أو انتماءاتهم الدينية والمذهبية، أو طبيعة ولاءاتهم السياسية والإيديولوجية. وإنما الركون الى مبدأ (المواطنة) الحضارية حيث الجميع ينعمون بالحقوق الاقتصادية والثقافية والدينية على قدم المساواة وتكافؤ الفرص.  

***

ثامر عباس

 

في المثقف اليوم