آراء
عبد الأمير الركابي: لماذا لا يعترف الحداثويون "النهضويون" بهزيمتهم؟ (2-2)

ولدت اشتراطات الانتقال من السيطرة العثمانيه الى الغربية الاوربية الاليه، حالا من التغير في مواقع القوى والمجموعات الاكثر قدرة على الفعل، دافعها الاساس شخصي، وعائد الى المكانه والموقع الممكن احرازه ضمن الشروط المستجده، من دون متغير واقعي ذاتي، خصوصا من قبل اعيان المدن ومحيطهم، استجابة نقلية بحته لما واكب ذلك من انقلابية اوربية غدت معممه على مستوى المعمورة نموذجا وتفكرا، بينما المنطقة خالية تماما مما يمكن ان يحد من الانعكاس البراني، فلا وجود في هنا لاي شكل من اشكال الاقتراب من الذاتيه، او التعرف على الخاصيات التاريخيه المجتمعية المرتكزه لقراءة التاريخ الخاص بالمنطقة وسماته المميزه، مايسمح بالقول بان منطقتنا كانت على هذا الصعيد في حال من "الامية التاريخيه" المجتمعية، حتى بما خص الديانات الكبرى الاساس التي لم تعرف اي تفسير او بحث في الخلفيات والمحركات المجتمعية الواقعية، بغض النظر عن كونها ظاهرة خاصة حصريا بهذا الموضع من العالم.
هذا يعني بان اولئك الذين تصدوا لمسالة الوعي تحت وطاة نهوض الغرب ونموذجه، ليسوا ابناء الموضع الذي يدعون التعبير عنه، ولايمتون له بصلة اذا قصدنا الانتماء اصالة وواقعية التفكير والرؤية الحية المطابقة، وليس السكن والولاده. وقد وضعوا امام اخطر لحظات الاختبار الانتمائي، مع حضور العامل الرئيسي المستحدث، وماكان يقتضيه من وثبة كبرى اعقالية، استعيض عنها بحماسة تكريس الاتباعية النقليه البحته، بعيدا عن اي اثر للابداعية التفكرية، أومجرد ملاحظة فعل الذاتيه ودينامياتها الامتناعية، بينما تحول الواقع والتاريخ الى مادة مجبرة على التماهي مع مثال جاهز خارجها، لنغدو كحصيلة امام منتج لاشي يربطه بالفكر، او المنجز التفكري العقلي، حتى على مستوى الاضافه للاصل والمصدر المستعار.
والناحية الاخيرة المشار لها هامة وفاصلة للغاية اذا ماتطلعنا الى مسار ومسلكية هذا النمط من التشبه بالفكر، على وجه التعيين حين بتعلق الامر بادراك النتائج والمحصلات، فالذين يعرفون بالحداثيين او النهضويين من الشرق متوسطيين العرب، لايملكون بالاصل وبداهة بحسب الحالة ومانتج عنها،ايه رؤية للظاهرة الغربيه ولمساراتها، ولماقد تنطوي عليه من حقائق او مثالب، لابل وحتى احتمالية الانطواء على نواقص او امراض خطرة، الامر الذي لابد من توفره بالحدود الدنيا، قبل افتراض الانتباه الى النتائج واستخلاصات التجربة التاريخيه وماقد وصلت اليه راهنا، فالعقل الذي ننوه به، غير مؤهل لانتاج ماكان بالاصل قد قفز عليه لاجئا لحمى المصدر والنموذج الاعلى، فاذا ماتردت التجربة الغربية والاوربية منها لصالح النموذجية الامريكيه المفقسة خارج الرحم المجتمعي التاريخي، وذهب العالم الى الطور المتاخر من الراسمالية المعولمه، وسقوط نموذج ( الدولة الامة) الابتدائي الاوربي، مع تجاوز وسيلة الانتاج للنمطية المجتمعية الباقية من زمن الانتاجية اليدوية، فان مايمكن للمتبقيات الحداثوية هو التكرار الايحائي الصامت للمنطلقات الاساس المعتمدة عمليا "وتنظيميا" من دون اعلان، ولا اي قدر من الادعائية التفكرية، فالاحزاب والمجاميع الحداثوية لم تعد تتعاطى الشؤون المعدوده فكرية، وماقد يمت بصله للتفكرية التي اختفت عالميا من جهة، ولم تعد تحظى بما كانت قد تمتعت به بعد القرن التاسع عشر من فعالية، فاذا بنا اليوم امام دكاكين خالية من اية بضاعه، حتى المستورد منها، لنغدو بازاء ظاهرة لها سمات "الطوائفية" الموروثة والباقيه من الماضي، بلا فعالية حيوية موصوله بالمعاش والراهن.
فالايديلوجيون الاتباعيون مازالوا موجودين من دون فعل من اي نوع، الا السلبي والمخالف لابسط ماتدعية وقامت عليه من شعارات، نقطة حساسيتهم وخوفهم تتاتى من المراجعه، او الاضطرار الى مناقشة الاسس التي بنيت عليها اسقاطيتهم المتماهية مع غيرهم، فعند هذه العتبة سوف ينتهى اجل تاريخ من الممارسة الزائفة، هي المدخل الفاصل الذي عنده تنتهي مرحله بذاتها عمليا بعد ان انتهت واقعا، مما يضيف للدور السلبي العاجز، والذاتوي المنفصل عن التاريخ والتجربة الحية للمنطقة المتميزة حضورا على مدى الطور التاريخي اليدوي من الممكنات المجتمعية.
ولنتصور لو ان نداء قد اطلق يدعو الى مؤتمر عام شامل، بهدف "المراجعه"، واعلان هزيمه الطور الزائف الحداثوث النهضوي من تاريخ الشرق المتوسطي العربي، الامر الذي من غير الممكن التفكير به، فضلا عن الاقدام عليه من توفر القاعدة او الاساس الضروري النظري الرؤيوي المضاد، الامر الذي ماعاد يحتسب اليوم وراهنا بخانة الرغبه او الميل الذاتي باي شكل كان، وقد غدت الاسباب الملحة ظاهرة وعامه عالميا، مع مسار الانحطاطية التردوية الشاملة للمعمورة، فضلا عن المنطقة الشرق متوسطية العربية، على المستويات كافة بما ينطوي عليه ماهو حاصل من دالة على مؤقتية وعرضية الظاهرة الغربية ضمن السياق التحولي المعرف من قبل الغر ب ب" الآلي" توهما ونكوصا ادراكيا، بازاء حالة تحول انقلابي تاريخي على مستوى النوع المجتمعي، مابين يدوي "ارضوي" و "تكنولوجي " عقلي تتحقق معه الغاية المضمرة في الظاهرة المجتمعية، وماهي مهيأة لبلوغه بالانتقال من الجسدية الى العقلية، اتفاقا مع قانون التحولية الكوني.
ان ماحصل مع القرن السابع عشر في الغرب مع انبجاس الالة، هو افتتاح مسار تحولي انقلابي لاارضوي، يظل تحت طائلة المعتقد الارضوي الاوربي الطبقيي ابتداء، مع العجز الموروث من تاريخ علاقة العقل البشري بالظاهرة المجتمعية، والقصور دون التعرف على الازدواجية المجتمعية، مثلما ظل ولامد طويل من غير الممكن مقاربة الازدواجية الطبقية ومايمكن ان يواكبها من قانون ارضوي، هو الاعلى بين المجتمعية الارضوية كمستوى ديناميات، مع انه ادنى بالمقابل بالازدواجية المجتمعية الاصطراعية ،الارضوية اللاارضوية ومترتباتها، وقوانين حركتها واصطراعيتها السومرية البابلية الاصل والمنطلق.
الانقلاب الالي هو انتهاء لدور وحضور الظاهرة المجتمعية الارضوية اليدوية، لصالح المجتمعية اللاارضوية العقلية التكنولوجية، العراق وارض الرافدين بؤرتها التاريخية، بؤرة الدورات والانقطاعات الكبرى الابراهيمة الكوراجينيه، القرمطية، الانتظارية، وقد دخلت اليوم زمن التحقق، بعد توفر اسبابه المادية، مع دورتها الراهنه الانبعاثية الثالثة التي تبدا في ارض سومر الحديثة ارض "المنتفك" في القرن السادس عشر، قبل انبثاق الاله في اوربا، لنتعرف من ساعتها على سياق التحولية العظمى وتتابعاته، وقد تجاوز اوربا، وهو بصدد تجاوز الوريث المفقس خارج رحم التاريخ، وعلى جثة مايزيد على ستين مليون امريكي هم اهل البلاد.
***
عبد الأمير الركاني