آراء
نزار الديراني: التسمية السامية بين التوراة والنقوش

أطلق اللغويون على مجموعة لغوية تضم الشعوب التي يسكن متحدثوها حاليا في الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا. وبالتحديد (بلاد الشام، العراق، شبه الجزيرة العربية، اليمن، أثيوبيا واريتريا). وهي تضم اللغات (الأكدية) بفرعيها الآشورية والبابلية) والكنعانية والاوغاريتية والفينيقية والآرامية والعبرية، والمندائية، والسريانية والعربية، والسبئية، والجيزية بفرعيها (الأمهري والتغريني) بالسامية وشعوبها بالساميين.
وأول من اطلق اسم (اللغات السامية Semetic Languages) على هذه الأسرة؛ هو المؤرخ واللغوي الألماني أوغست لودفيغ فون شلوزرSchlzer البعض يسميه شولتز (1735- 1809) وهو أحد أعضاء مدرسة غوتنغن الألمانية للتاريخ وذلك في عام 1781م نسبة الى سام بن نوح اعتمادا على كتاب العهد القديم كون هذه المجموعة تشترك بخصائص مشتركة.
إلا أن زميله الالماني يوهان غوتفريد آيكهورن (1752-1827) – أحد أعضاء المدرسة - أستخدم مصطلح (السامية) للإشارة إلى المجموعة (العبرية والعربية والآرامية السريانية) التي لها أوجه التشابه استنادا للتحليل المقارن للغات (العبرية والعربية والآرامية والسريانية) الذي نشره المستشرق الفرنسي غيوم بوستل (1510- 1581) في عام 1538 باللاتينية، ومن بعده وصف المستشرق هيوب لودولف (1625 - 1704) عالم لغويات ألماني والذي يعتبر أول وأشهر من اهتم باللغة الجيزية من خلال العلاقة التي نشأت بينه وبين راهب غريغوري من إثيوبيا (من مناطق قبيلة الأمهرا)، ومن خلال هذه العلاقة، حصل من الراهب على معرفة وافية عن اللغة الجيزية حيث تبين له وجود أوجه التشابه بين هذه اللغات الثلاث واللغة الجيزية، ومع ذلك لم يطلق أي من الباحثين آنذلك على هذه المجموعة وصف (سامية).
وأقول ان كان لا بد من الاعتماد على العهد القديم كان على شلوزر استخدام التسمية البابلية (الأكدية/ الآرامية) لان العهد القديم يعرف كلمة بابل بمعنى بلبلة اللغات أي كانت هناك لغة واحدة أثناء بناء برج بابل وحيث عاقب الله العاملين في البناء بـ بلبلة لغاتهم كي لا يتسنى لهم التفاهم واكمال مشروع برجهم، هذا يعني كانت هناك لغة واحدة مستخدمة في بابل والمنطقة سواء أكانت الأكدية أو الآرامية أثناء كتابة العهد القديم وتجزأت الى لغات عدة.
وبعد ذلك واستنادا الى النظرية التي طرحت من قبل بعض المستشرقين على أعتبار جميع الاقوام (الاكديين، الاشوريين، الكلدانيين، الاراميين، ...) نزحوا من الجزيرة العربية فسميت هذه اللغة بالجزرية إلا أنهم لم يستطيعوا اثبات ذلك فالآثار الموجودة في بلاد النهرين هي الأقدم ولم يعثر في الجزيرة على ما يثبت ذلك، لذا لا أتفق مع هذه النظرية ايضا وأعتقد الاصح ان نسمي هذه المجموعة بالارامية لحين بيان المشترك مع الاكدية لننتقل الى التسمية الاكدية والتي هي الأصح.
ولكون الآرامية أصبحت لفترة ما لغة الامبراطوريات (الاشورية، الكلدانية، الاخمينية) وبسبب توسع نفوذ هذه الامبراطوريات وحكمها في المنطقة لذا انتقلت الكتابة الآرامية من خلالهم الى هذه الدول التي سمي شعبها بالساميين، بمعنى كانت اللغة المستخدمة والتي كانت تسهل عملية الانتقال والتعايش فيما بينهم هي مزيج من الأكدية والآرامية وتلاقحها مع اللغات المحلية، وإلا كيف لي أن أقرأ النقوش الموجودة في الصومال وأرتيريا وأثيوبيا واليمن والسعودية وأترجمها رغم كونها مدونة بخط آخر فضلا عن نقوش بلاد الشام والعراق وفلسطين والاردن وربما لاحقا نقوش أخرى في دول الخليج. ويقول الأب أميل أدة1:
(أن جميع الهجائيات التي تستحق هذا الاسم، قديمة كانت أم حديثة، تنتسب الى حد ما، الى الهجائية الكنعانية الفينيقية. فآراميو سوريا وبلاد النهرين الذين نقلوا لغتهم الى هذه الهجائية، أسهموا في نشرها بواسطة تجارتهم، حتى الصين والبلاد العربية. وبفضل الهجائية، إحتلّت اللغة الآرامية مركز الأكادية البابلية كلغة دبلوماسية وتجارية في الشرق المتوسط، ومن ثم كلغة وطنية في مجمل بلاد الهلال الخصيب).
***
نزار حنا الديراني
................
1- الأب أميل أده / أقوال المؤرخين وعلماء الآثار – من الأنترنيت