قضايا
محمد الدسوقي: معني الشر بين الفلسفة وعلم النفس

يُعد الشر من أكثر الإشكاليات التي تناولها الفلاسفة وعلماء النفس ولا تزال محل جدال بالبحث والدراسة. ومظاهر الشر قديمة قدم الإنسان منذُ خلقه، ألم يقتل قابيل أخيه هابيل بسبب الغيرة والحسد، وإذا بحثنا في القرآن الكريم نجده أشار إلي الشر في مواضع عديدة منها:
قوله تعالي “ومن شر حاسد إذا حسد”سورة الفلق آية ٥، وفي سورة أخري “من شر الوسواس الخناس”سورة الناس، آية ٤.
في عالمنا المعاصر نجد الشر بكثرة متجسد في أفعال الإنسان من جرائم القتل والسرقة والإستبداد، ونري أن فعل الشر ليس مقصوراً علي فئة مُعينة، علي عكس قول بعض الفلاسفة القدماء مثل الفيلسوف اليوناني سقراط الذي عرف الشر علي إنه ناتج عن الجهل وبعض فلاسفة العصر الحديث والمعاصر منهم الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر بقوله أيضاً بأن الشر يتطلب غباء ومحدودية في التفكير.
ومن وجهة نظرنا فهذا ليس مقياساً للشر أن يفعله الجهلة فقط او محدودي التفكير، فهناك المتعلمين في مختلف المجالات و الفئات ذات الحظ العظيم في العلم والثقافة والأدب وينتج عنهم الشر أيضاً، فليس الشر متمثلاً فقط في القتل وسفك الدماء.
الشر بمعناه العام “السوء والفساد، يقال رجل شر أي ذو شر، وهو شر الناس أي أسوؤهم وأكثرهم فساداً”جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ص٦٩٥.
والواقع المعيش خير شاهد علي الجرائم الأفعال المشينة التي ترتكب كل يوم في حق الإنسانية التي أصبحت مذبوحة وأعتاد الناس مشاهد الشر في ثوب القتل تارة، والتحرش وهتك الأعراض تارة أخري والفساد المنتشر في شتي مناحي الحياة.
كيف يتأرجح معني الشر بين الفلسفة وعلم النفس؟
يري الفيلسوف الإنجليزي جون لوك بأن الإنسان يولد صفحة بيضاء ويتشكل حسب تجاربه ومجتمعه الذي يعيش فيه”، أي أن الشر عند الإنسان مكتسب وأن البيئة التي يعيش فيها هي المسؤولة عن تكوين شخصيته سواء كانت تتسم بالشر من عدمه، فالإنسان عند جون لوك ليس شريراً بطبعه، ولكن من زاوية أخري نفسية عند عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد
نجد نظرته للشر الإنساني مختلفة فهو يري “الإنسان لديه دوافع عدوان كامنة وأن الحضارة هي التي تكبح جماحها” فهو بذلك يقول بفطرية الشر عند الإنسان، وإنه يولد عنده إستعداد لفعل الشر ولكنه مكبوت بفعل الحضارة وسُلطة المجمتع عليه.
واذا تعمقنا في فكر فرويد نجد أنه يرجع كل شيئ إلي الجنس، بمعني كل المشكلات النفسية والإختلالات السلوكية، يرجعها إلي الجنس، ولهذا لا يجب أن نتعجب إذا وجدنا رأيه في تحليل مفهوم الشر وأسبابه، أن يُرجعه إلي الجنس أيضا ًبمقولته” الجنس أصل كل الشرور ”، ولهذا يمكن أن ننتقده بسبب أنه لا يمكننا أثناء تجذير وتأصيل أي مشكلة أو محاولة حل إشكالية مثل الشر أن ننظر إليا بزواية واحدة فقط، فالأنسان أعقد بكثير وخصوصاً صيرورة التطور الفكري علي مدار مراحل حياته، فالبيئة المحيطة وتاريخه الماضي، كلها مفاتيح لمحاولة فهمه وفهم تصرفاته سواء كانت بالخير أوالشر ولا يجب ردها إلي الجنس فقط.
ختاماً به ما هو الشر الأعظم وهل يمكن أن يختبئ خلف سِتار الفضيلة؟
نعم نجد الإجابة عند الفيلسوف وعالم النفس إيرك فروم في كتابه “تشريح التدميرية الإنسانية” فيذكر لنا الشر الغير مباشر أو الشر المُبرر: والذي يقوم به الإنسان دون وعي أو فعله بطريقة غير مباشرة و يضرب لنا مثال بالموظف العسكري في معسكر نازي، كان ينقل السجناء إلي غرف الغاز، فالموظف يري انه يقوم بالواجب ويقوم بتنفيذ الأوامر بكل فخر، دون وعي أخلاقي منه أو مراجعة نفسه ما إذا كان العمل الذي يقوم به خطأ أو صواب، بل سَلّم للأوامر بطريقة عمياء حتي و لو كانت نتيجتها إذاء ودمار للغير.
وإذا قمنا بإسقاط الفكرة علي الأحداث الراهنة وما يحدث من حروب علي غزة الفلسطينية، نجد الطرف الذي يمارس القمع والإضطهاد يتوهمون أنهم يؤدون الواجب والولاء لعقيدتهم، وكل ما يقومون به من قتل وتدمير وإبادة، من وجهة نظرهم هو تحقيق لإرادة التوسع وتلبية لنداء الواجب.
وهذا يعد أبشع الشرور وأعظمها من وجهة نظر إريك فروم فهذا الخنوع للقمع الذي تمارسه تلك المنظومة، يُحذرنا من تحول الإنسان إلي كائن معدوم الوعي الأخلاقي يفعل الشر ويظن أنه يفعل الصواب، وهذا ما يجعله آداة لشر أكبر، وأختم مقالي بجملة تختصر وجهة نظرنا عن الشر للدكتور/مصطفي محمود مُتعجباً من الإنسان في عمل الخير والشر، الإنسان اذا فكر في فعل الخير سبق الملائكة، واذا فكر في فعل الشر سبق الشياطين، فهو بذلك تفوق علي جميع المخلوقات في خيره وشره.
***
محمد أبو العباس الدسوقي