قضايا

مراد غريبي: سقراط في مقهى غزة!!

لا تركز كثيرا في العنوان، لان الفكرة تبدأ من سقراط، مقهى سقراط، الذي ليس محل تجاري ولكنه لقاء حواري يعكس صداقة الفلسفة وحق السؤال وحرية التعبير والاستبصار والتشاور والايمان بالتعدد الثقافي وحق الاختلاف وأنسنة الوعي، وتحديد المفاهيم في معترك الحياة والذاكرة والتاريخ والنسيان...

هكذا كانت فكرة كريستوفر فيليبس من أمريكا وتجربة هادي ناصر من السعودية لكن لايمكننا تجاوز الثقافة والكارثة في مقهى سقراط عن التجربة العراقية مع جمال جاسم أمين حول كوميديا المعنى في جغرافية واقع الثقافة عراقيا،عربيا واسلاميا، كارثة الثقافة لدينا في كارثة اللامعنى العابر للخطاب والواقع، النقد كفلسفة لا علاقة له بالواقع عندنا كعرب، النقد بلامعنى إنه الرفض العشوائي التدميري للاختلافات كلها، لهذا العلم كمعنى لايمكنه العبور الى الواقع عربيا مادامت الثقافة لا تزاحم الواقع وتحاكيه وتحاوره ولذلك أيضا اللامعنى المثبط للفلسفة عربيا هو علم الصراع بلا منهج ولا إستراتيجية ولا أخلاق، الصراع اجتماعيا بسلاح ثقافة الكارثة التي حصرت الفعل الثقافي  بالادب والفن والموسيقى أما  النظريات الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والدينية لا دخل للثقافة بها، هنا يحضر سقراط ليطرح السؤال: ما علاقة غزة بمقهى العرب؟!

هذا السؤال يخفي بين ثناياه عقم المثقف من انجاب المعنى الثقافي للنظريات الاجتماعية، لانزال نستغرق في التاريخانية  الجديدة  ولم نسع لميلاد مجتمع ينتج معنى تاريخي يكشف حيثيات الانساق الاجتماعية، ولعل هذا ما استطاع ان يركز عليه مالك بن نبي في جل مطارحاته بخصوص ثنائية ( الثقافة والمجتمع) وخصوصا عند استخدامه لمصطلح "ميلاد" كمعنى تاريخي جديد يرتبط بالمجتمع، إنه نقد الثقافة كنقد للمجتمع الذي اوجدها، هنا نقارب سوسيولوجيا الثقافة في مقهى يحمل عنوان قضية صغرى تدفعنا نحو قضية كبرى تعري ركاكة المنهج فينا، وسجن الفلسفة كما ضُيقت الثقافة واتسعت التفاهة في المجتمع، هنا نقف بذهول ونتساءل: هل للحرب على غزة حرب معنى في قبالها؟ لأبسط قليلا هل المثقف أسرعَ للواقع ليصطاد المعنى الحقيقي لقضية غزة في مغامرات المجتمع؟ بعمق اكثر هل حرب المعنى ستنتصر على حرب الإبادة الثقافية في المجتمع العربي؟

هناك تفكيك ممنهج للثقافة في تكوينها النقدي للمجتمع، والعجيب ان حصار الثقافة في مجتمعاتنا يبدو مابعد حداثي لكن باتجاه عكسي لأنه فلسفيا ثنائية (الذاكرة/ النسيان) لدينا مأزق معطل لعبور الفعل الثقافي النقدي نحو الواقع لأجل صياغة نظرياتنا السوسيولوجية القادرة على تحرير المثقف من اغلال المناهج التاريخية، من أجل تجديد المعنى وتنوير الذاكرة بماهية الحاضر والراهن الثقافي للمجتمع، بدلا عن النكوص الذي يعطل المعنى ويسيج الثقافة بسياج الذاكرة الزائفة، فالذاكرة الحقيقية هي التي تثير الواقع بثقافة حية تحفز المجتمع على الخروج من الكهوف الخمسة لبيكون..؟؟!!

مقهى غزة هو وعي يمتد من صلالة الى نواكشط، فضاء ثقافة يبحث في المعنى الحقيقي للحضارة الانسانية ببصمات عربية اسلامية، صداقة فلسفية مع الواقع للشفاء من هموم الذاكرة السلبية والتاريخ الأليم والنسيان القهري، إنه ضيافة فلسطينية عابرة للمجتمعات العربية بإبريق القهوة اليمنية لاستفاقة المثقف من وهم الوجدان الجمعي والعمل على ميلاد مجتمع المعنى الحضاري الذي يؤمن بأن فلسطين نعمة عظيمة كفلسفة حياة لمن ألق السمع وهو شهيد،  غزة شريان الاقصى الصامد، غزة المقهى بكلمة هي مجلس الاحرار... والفلسفة في كل أركان المعنى  بنت الحرية..

***

مراد غريبي

في المثقف اليوم