قضايا
غالب المسعودي: قتامة الظل والقناع الأسود

الوجه يمثل الهوية الحقيقية للفرد، حيث يُظهر مشاعره وأفكاره. في السياق الثقافي، يمكن أن يعكس القيم والمعتقدات التي يحملها الشخص، في الفلسفة يُعتبر الوجه رمزًا للوجود والوعي الذاتي، يمثل الظل الجوانب المظلمة أو المخفية من النفس، الصراعات الداخلية أو القيم المدفونة. تؤثر التوترات الداخلية على السلوك وتشير الى التفاعل بين الوجه والظل. ان الصراع بين الهوية الاجتماعية والحقيقة الداخلية، يؤدي إلى سلوكيات متناقضة وظهور قضية الهوية الثقافية الذاتية، يمكن أن يؤدي الضغط الاجتماعي إلى تجريد المثقف من هويته الحقيقية، مما يعكس الصراع بين ما يتوقع وما يشعر به داخليًا، ان استخدام هذا التحليل لفهم الظواهر الثقافية مثل الفن، الأدب، والسياسة وفهم القناع والظل في سلوكيات الإنسان الثقافية يعكس عمق التعقيد البشري ويُظهر كيف أن الفهم الذاتي للهوية الثقافية مرتبط بشكل وثيق بالتفكير النقدي وكيفية تأثير الثقافة على الهوية النفسية والاجتماعية.
العوامل التي تزيد من حدة الصراع
المعايير الاجتماعية الصارمة التي تفرضها المجتمعات تزيد من الضغط مما يؤدي إلى كبت الهوية الحقيقية، التمييز بناءً على الدين، العرق، أو الهوية الجنسية يعزز الصراع، حيث يشعر الأفراد بأنهم مقصيون من المجتمع، تصوير وسائل الإعلام للشخصية النمطية وفق المعايير المهيمنة للأفراد، يعزز الصورة ويؤدي إلى عدم قبول التنوع. ما يزيد من حدة الصراع قلة الوعي حول مفهوم التنوع الثقافي مما يؤدي إلى عدم فهم الهوية، الأزمات الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى تفشي النزاعات الداخلية، حيث يصبح الأفراد أكثر عرضة للضغط الاجتماعي.
الكذب الثقافي والظل الاسود
الكذب الثقافي يمكن أن يُفهم كظاهرة معقدة ترتبط بشكل وثيق بمفهوم الظل عند المثقف. يمثل الظل الجوانب المخفية من الهوية، يُعبر المثقف عنه من خلال الكذب الثقافي، حيث يسعى لتقديم صورة مثالية تتماشى مع التوقعات الاجتماعية، حيث يتعرض المثقفون لضغوط اجتماعية تدفعهم إلى إخفاء آرائهم الحقيقية أو تقديم معلومات مُحرفة، هذا يمكن أن يكون ناتجًا عن الخوف من الرفض أو التهميش، هذا الصراع يمكن أن يؤدي إلى الكذب كوسيلة للبقاء ضمن الحدود المقبولة ثقافيًا .ان الرغبة في القبول الاجتماعي تدفع المثقف إلى تجميل الحقائق أو تقديم روايات غير دقيقة التي تظهر تأثير الضغط الثقافي على سلوك الأفراد، الكذب الثقافي يمكن أن يؤثر سلبًا على مصداقية المثقف ويقلل من تأثيره في المجتمع، وتفقد الثقة بينه وبين الجمهور كما يُظهر الكذب الثقافي كيفية تأثير الظل على سلوك المثقف، مما يدعو إلى التفكير في كيفية تعزيز بيئة ثقافية تسمح بالتعبير الصادق وتقبل التنوع.
الكذب الثقافي والسلطة السياسية
دور السلطة السياسية في تعزيز الكذب الثقافي يمكن أن يُفهم عبر عدة جوانب فلسفية، تقوم الحكومات في بعض الأحيان بفرض رقابة على المعلومات والآراء، مما يؤدي إلى تقييد حرية التعبير، هذا يمكن أن يُسهم في تعزيز الكذب الثقافي حيث تُفرض روايات معينة على المجتمع. الخطابات والسياسات الرسمية تسهم في تشكيل واقع غير دقيق، عندما تروج لروايات معينة، يشعر الأفراد بالضغط لتبني هذه الروايات، حتى وإن كانت بعيدة عن الحقيقة، من خلال تعزيز الكذب الثقافي، تسعى الحكومات إلى تحقيق السيطرة على المجتمع. هذا يمكن أن يؤدي إلى إخفاء الصراعات الاجتماعية والسياسية الحقيقية. يمكن أن تُؤثر المناهج التعليمية المُعتمدة على الروايات الرسمية التي تعزز تصورات خاطئة حول التاريخ والثقافة( المأساة إذا تم تدريس الكذب أو التحريف كحقائق) فإنه يعزز من ثقافة الكذب، حيث تسعى الحكومات إلى تعزيز هويات معينة عبر روايات مُجمّلة أو مُبالغ فيها، مما يؤدي إلى تجاهل الجوانب السلبية أو المعقدة من التاريخ والثقافة، يمكن أن يؤثر هذا الدور في رؤية الفردية للهوية، مما يدفع المثقف إلى التظاهر بما يتناسب مع القيم التي تروج لها السلطة، يُظهر هذا الدور أن الكذب الثقافي ليس مجرد مسألة فردية، بل هو جزء من نظام اجتماعي وسياسي يُساهم في تشكيل الهوية والثقافة.
الكذب الثقافي والدعاية السياسية
الدعاية السياسية هي استخدام وسائل الإعلام والتواصل لنشر معلومات أو آراء بهدف التأثير على الرأي العام أو دعم سياسات معينة، وغالبًا ما تكون مدفوعة بأهداف سياسية ،الكذب الثقافي قد يكون الهدف منه الحفاظ على صورة معينة أو تجنب صراعات، و يميل إلى التعبير عن الهوية الفردية أو الجماعية ،الدعاية السياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، مثل دعم حملة انتخابية، تعزيز موقف سياسي، أو تشويه سمعة الخصوم، يؤدي الكذب الثقافي إلى تآكل الهوية الثقافية الحقيقية، مما يجعل الأفراد يشعرون بالانفصال عن جذورهم وتاريخهم ،يمكن أن يُعزز الكذب الثقافي الانقسامات بين الجماعات المختلفة، حيث تتباين الروايات حول الهوية والتاريخ، يؤثر الكذب الثقافي على القيم والمعايير الاجتماعية، مما يؤدي إلى قبول سلوكيات غير الصحيحة أو تحريف التاريخ. يؤدي الكذب الثقافي إلى تصورات خاطئة حول الهوية الوطنية، مما يؤثر على السياسة العامة ويعزز الانقسامات السياسية كما يمكن أن يُعيق الكذب الثقافي الجهود المبذولة لإحداث تغيير اجتماعي إيجابي، الكذب الثقافي والدعاية السياسية يمكن أن ينشئا من مزيج من العوامل، بما في ذلك ظل الظلم والإيديولوجيات الابتزازية للسلطة، يمكن أن تتداخل ظواهر الكذب الثقافي والدعاية السياسية، حيث يُستخدم الكذب لتدعيم الأجندات السياسية، بينما تُستخدم الدعاية لتعزيز القيم الثقافية المشوهة ،عندما تتداخل هذه العوامل، تؤدي إلى خلق بيئة من الشك والارتباك بين الأفراد، مما يزيد من الاعتماد على الروايات الرسمية ويُصعب التفكير النقدي ،الكذب الثقافي والدعاية السياسية يمكن أن يكونا ناتجين عن مزيج من الظلم والإيديولوجيات الابتزازية.
قتامة الظل قناع أسود
القناع الأسود يُستخدم كرمز لتغطية الجوانب الحقيقية للذات، مما يعكس كيف يمكن أن يُخفي الظل المشاعر والأفكار الحقيقية مثل القناع، يساعد القناع الأفراد على تجنب مواجهة التحديات والحقائق الصعبة حول أنفسهم. هذا الهروب يمنع النمو الشخصي، القناع الأسود يمكن أن يُعبر عن شعور بالعزلة، حيث يُبقي الأفراد بعيدًا عن الاتصال الحقيقي مع الآخرين، مما يعكس تأثير الظل على العلاقات لان القناع الذي يحدد الصورة التي يُظهرها الشخص للعالم، يُمكن أن تكون نتيجة للضغوط الاجتماعية أو التوقعات، مما يُعزز من الشعور بعدم السيطرة على الهوية، القناع الأسود يُظهر الجوانب المظلمة والغامضة من الذات، مما يُعكس تعقيد النفس البشرية ويمكن اعتبار قتامة الظل كقناع أسود يُخفي الحقائق ويعكس الصراعات الداخلية.
القناع مختلف في درجات السواد
السواد يختلف من شخص لأخر، كل الاقنعة سوداء رغم بياض الوجه لكن يمكن أن يختلف لون السواد قد تكون الأسباب التي تدفع الافراد لتبني القناع مختلفة، مما يعكس تنوع الهوية والظروف والأدوار التي يلعبها الأفراد في المجتمع، وتؤثر على سواد اقنعتهم. بعض الأشخاص تكون لديهم أقنعة أكثر تعقيدًا بناءً على السياق الاجتماعي والضغوط النفسية، مما يؤدي إلى اختلاف الوانها رغم السواد، يعتمد ذلك على المواقف التي يتبنوها للتكيف، القناع الأسود يمكن أن يمثل جوانب مختلفة من النفس، مثل الخوف، القلق، أو الصراعات الداخلية، وهذه الجوانب قد تكون مختلفة بين الأفراد، حتى لو كانوا يظهرون بشكل مماثل. البيئة الثقافية والاجتماعية تلعب دورًا في تشكل القناع، مما يعني أن القناع الذي يرتديه شخص في مجتمع معين قد يختلف عن قناع شخص آخر في مجتمع مختلف على الرغم من أن جميع الأقنعة يمكن أن تُعتبر سوداء على وجه المثقف الذي يتبنى الكذب الثقافي، بمعنى أنها تخفي ظلام الذات، لكنها تختلف في المحتوى والدوافع والتجارب الشخصية التي تقف وراءها وهناك أنواع مختلفة من ألوان السواد في هذه الأقنعة.
***
غالب المسعودي – باحث عراقي