قضايا

محمد الربيعي: رؤية استراتيجية لتمكين العقول وبناء المستقبل

"مبادرة ريادة والمبتكر الجديد"

تمثل المبادرات الحديثة لوزارة التربية ووزارة التخطيط في العراق – "مبادرة ريادة" و"المُبتكر الجديد" – نقلة نوعية في مسار التعليم والتنمية البشرية، تجسيدا عمليا للافكار التي طالما ناديت بها في سياق تعزيز التفكير النقدي، وترسيخ الحرية الفكرية، وبناء بيئة حاضنة للابداع والابتكار. هذه البرامج بنظري ليست خطوات اصلاحية فحسب، بل هي استجابة ملحة لمتطلبات العصر، حيث يصبح الابتكار ركيزة التقدم، والتفكير الحر اداة التغيير.

"مبادرة ريادة"

تاتي "مبادرة ريادة"– التي اطلقتها وزارة التربية بالشراكة مع مكتب رئيس مجلس الوزراء – كخطوة من التعليم التلقيني الى اقتصاد المعرفة وكاطار استراتيجي لتحويل التعليم الثانوي والاعدادي من حيز التلقين الى فضاء الابداع. المبادرة، التي تنسجم مع دعواتي المتكررة لربط التعليم بسوق العمل، تعزز الثقافة الريادية عبر تحفيز الطلبة والمدرسين على تبني مشاريع قائمة على حل المشكلات بمنهجيات مبتكرة. وهذا يتطلب دعما مؤسسيا مستمرا لضمان: 

-  تطوير مناهج تركز على التحليل النقدي بدل الحفظ. 

-  تدريب المعلمين على اساليب التعلم القائم على المشاريع. 

-  ربط المدارس بقطاعات الصناعة والخدمات لتحويل الافكار الى منتجات ذات اثر ملموس. 

 "المُبتكر الجديد":

اما مبادرة "المبتكر الجديد" لوزارة التخطيط، فهي تعكس فهما عميقا لاهمية المراحل المبكرة في صقل العقول المبتكرة ولغرض تاسيس جيل الابتكار من الطفولة. البرنامج – الذي يستهدف طلبة الابتدائي والمتوسط – يلتقط جوهر الاولويات حول ضرورة "بناء الثقافة الابتكارية من الصغر"، عبر: 

- تحفيز الفضول العلمي والبحثي لدى الاطفال. 

- دمج الانشطة الابداعية (كالروبوتكس والبرمجة) في المناهج. 

- توفير مسابقات ومختبرات ابتكار تدعم التفكير الحر خارج النمطية. 

 رؤية تكاملية

التكامل بين المبادَرتين، بالرغم من صدورهما من جهتين مختلفتين، سيشكل نسيجا متكاملا لرعاية الموهوبين من مرحلة الطفولة حتى الشباب، وهو ما طالبت به في سياق الدعوة لـ استراتيجية وطنية للابتكار. الا ان ضمان نجاحها يتطلب: 

1. التنسيق الكامل بين الوزارتين لضمان نجاح التجربتين.

2.  مأسسة البرامج عبر ادراجها في السياسات التعليمية الدائمة، وليس كحملات مؤقتة. 

3. تمكين المعلمين بتأهيلهم كمرشدين للابداع، لا مجرد ناقلين للمعلومات. 

4. شراكة القطاع الخاص لدعم المشاريع الطلابية ماديا وتقنيا. 

5. قياس الاثر عبر مؤشرات اداء تركز على جودة المخرجات الابتكارية، وليس الكم. 

 من الافكار الى الانجازات 

هذه المبادرات تمثل بداية الطريق لتحقيق الحلم الذي ننشده: عراق ينتج مبتكرين لا متلقين ومفكرين لا حفظة. ولكي تتحول الرؤية الى واقع، يجب ان تكون جزءا من خطة اوسع تشمل: 

-  اصلاح المنظومة التعليمية برمتها لتعزيز الاستقلالية الفكرية. 

-  توفير بيئة حاضنة للمخترعين (مثل حاضنات التقنية في الجامعات). 

-  تبني سياسات تشجيعية (كبراءات الاختراع والتمويل الحكومي). 

انني اكرر دعوتي لجميع الجهات المعنية الى البناء على هذه الجهود، وعدم تركها حبيسة الاعلانات الصحفية، لان الاستثمار في العقول هو الاستثمار الوحيد الذي ينتج مستقبلا مزدهرا. فعراق المستقبل – كما رايتُ دائما – يبنى بايدي ابنائه المبدعين، وبعقولٍ تتحدى السائد، وتصنع المستحيل. 

***

د. محمد الربيعي

بروفسور متمرس ومستشار دولي

في المثقف اليوم