قضايا
رائد عبيس: التطرف بوصفه مشروع تقاتل
كيف يتحول التطرف من فكرة أو موقف إلى مشروع تقاتل؟
لا إطمئنان مطلق لنوازع الذات البشرية، ولا استقرار يرتجى من القلق المصاحب للأفكار، ولا أمان يتحقق مع دافعية التطرف الذاتية الآنية أو المتبلورة!
هذه أركان أساسية لم يحد منها الوعي العقلاني بيقين ثابت. بل دائما ما تعزز تطورها السلبي إنشغالات ذاتية قد لا تظهر بشكل تراتبي بقدر ما تظهرها المفاجئات.
لا يمكننا الحديث هنا عن التطرف بوصفه فعل منقطع عن بدايته ونهايته، وهذه ما يخلقها الأتفاق، بل بوصفه مشروع رغبة وإرادة معلومة، يؤسس عليها ما يكون قاتلاً في الحين والمستقبل. وقد لا ينظر له كذلك من داخل هذا المشروع الا تحت مسميات خادعة لأتباع هذا المشروع، وهم في مرحلة اليقين بصحة ما ورد فيه وصدر منه. أما من يتوقع نتائجه أو ينظرها فله إن يمارس عليها نقداً لعله أن يُغير من توجه هذا المشروع من صيغته القاتلة الإقتتالية إلى صيغته المتوثبة أو صيغته الحوارية أو صيغته التصالحية.
والسؤال الذي يطرح هنا هل ممكن أن نظن بهذا المشروع التطرفي رجعة إلى ما نريده بناءاً على نقد متبنياته؟ أم أن المخاوف تدفعنا إلى أن نواجهه بما يصعد من التقاتلية المتقابلة؟ فحين تكون إرادة الحوار حاضرة، فمن الواجب الإحتياطي أن تكون التقاتلية حاضرة بالوزن نفسه. ولكن هل يفهم هذا الإستعداد التقابلي على إنه تطرف كامن في نوازع الطرفين إم إن الأخير هو مواجه فقط؟ ما نخشاه في دوافع هذه المواجهة أن تتحول من دافعية مشروعة إلى دافعية غير مشروعة متطورة إلى ما يعود بالتطرف كصفة متحصلة من عملية رد فعل لفعل التقاتل المتجانب.ومع شدة القتال تبرز صفة مشتركة بين المتقاتلين، ممثلين لمشروع واحد وهو مشروع التقاتل المتطرف.
قد نجد في المدارس السيكولوجية تفسيراً لبلورة مثل هذه المشاريع، ونجد كذلك تحليلاً فلسفياً لفكرة المشروع وتطوراته المعرفية التي تحاول أن تقنع الملايين من عناصر مشروع التقاتل وتشكيلاته. ومع ذلك لم تتوقف الأجندة السياسية من أستغلال هذه الروح الوثابة للتقاتل تحت أي ذريعة وحجة ودافعية، مثل ما فعلته أنظمة، وأحزاب في التعامل مع الحركات المتطرفة، لا سيما الحركات المتطرفة الناشئة في البيئات الهشة سياسياً وأمنياً في منطقة الشرق الأوسط، وقد يُغذي مثل هذه المشارع فتواي دينية تشجع على المضي بهكذا مشاريع وتدفع عبر الوصايا الإفتائية إلى تعزيز القناعات بمشروعية التقاتل من أجل غايات ماورائية أو غايات محدودة الهدف الإستراتيجي.
كثيراً ما نجد في بنية هذه المشارع غايات فردية أو غايات جماعية براكماتية، لا تراعي مصلحة الكافة من الناس، ولا تسند إلى مشروعية قانونية في القبول، بقدر سعيها إلى أهداف متخيلة، ما أن تجد نفسها في حدود مشروع التوسعية، حتى تجد نفسها عاجزة عن احداث أي من طموحاتها في التغيير أو في تسويغ الاقتتالية المُتبناة في مشروعها الأول. وهنا يتحول التقاتل من مشروع عقيدة متطرفة إلى مشروع تطرف في حماية المصالح، وتسويق أجندات، ورغبة في إدامة السلطة.
وهذا يعني إن التقاتل يبقى جوهر النشاط التطرفي في كل مراحل تحولاته من مشروع إبادة الخصوم إلى مشروع حكمهم.
***
د. رائد عبيس






