قراءات نقدية

جمعة عبد الله: مرآة الواقع المعيشي في المجموعة القصصية "مدية الحكايا"

للأديب حمودي الكناني

تتناول هذه السرديات في فن الاقصوصة الحديثة، عوالم مختلفة في جوانبها المتعددة، من زوايا مختلفة من الحياة، أي أنها تضع الحياة والواقع على مشرحة التحليل وتشتغل عليه، في قضاياه الأساسية والحساسة. في الجانب السياسي والاجتماعي والديني بما فيها موضوع المرأة، والنصوص السردية تحمل براعة الصياغة الفنية وهندستها، في التكثيف والتركيز والايجاز في حدث سريع يصيب هدفه مباشرة، تملك رؤية فكرية ومواقف واضحة المعالم، في جملة أحداث تحدث وحدثت على الواقع المعيشي والحياة العامة والخاصة، هي تخص ابعاد حكايات الوطن في مجمل ابعاده في الازمة الحياتية القائمة، تملك براعة الحبكة الشفافة في تكوين الحدث السريع،تناول المناخ السائد منذ كثر من عقدين من الزمن، وقد حدث فيه انقلابات ومتغيرات كبيرة وصادمة، في الظواهر المكشوفة والمخفية، التي تمثل الصراع القائم بين قوتين المتناقضتين، الاولى تغمط الحقيقة وتخفيها عمداً وقصداً لغايات مصلحية ونفعية فئوية ضيقة، والثانية تناصر الحقيقة في دعم في ابرازها وإظهارها حتى من تحت كثافة الغبار التي يغطيها، لانه ببساطة لا يمكن لاحد ان يستطيع اخفاء الحقيقة، كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، هو صراع بين قوتين، الاولى تملك جبروت الواقع وتسلطه، وتجيره بما يدعم هيمنتها المتسلطة، بكل الطرق اللاشرعية، والقوة الثانية لا تملك سوى الرفض والاحتجاج والتذمر بالسخرية اللاذعة، في المناخ السائد في الفعل والحركة، دلالاتها تحفز ذهن القارئ بالتفكير والتأمل، من أجل يدرك بما يدور حوله من متغيرات غير منطقية، الحدث السريع في حبكته المتكون، يملك مواقف واضحة وصريحة تجاه الوطن، وما يدور في داخله، بالاشارة والدلالة البليغة، لان مهما كان علو شأن التحريف والوصولية والانتهازية تبقى ناقصة، في تفكيرها المهادن والمساوم من اجل نفعية ضيقة على حساب المصلحة العامة، سرديات او نصوص قصصية تثير السؤال والتساؤل، من خلال صور السردية الباذخة في المعنى والمغزى والرمز والايحاء الدال. في مجريات الواقع، التي تخرج عن المعقول والمنطق. في إيقاعات سريعة بليغة، اي انها تشتغل على فهم الواقع المعيشي القائم بمفرداته المختلفة. لنأخذ بعض السرديات في إيجاز شديد:

× قصة (دوامة): تشير وتدل بشكل بليغ، بأن ضمير العالم امتلئ بالنفايات، مثل البحر الذي يمتلئ بالنفايات، وتحذر ضمير العالم ان يستيقظ قبل ان يتحول الى نفايات.

× قصة (على الحافة): طابور الكلاب تتجمع في مناقشة الوضع المعيشي في البلاد، وكيفية تسيير شؤون الناس، تتلخص بتحويلهم الى دم، حتى يكونوا ماكينة لحس الدم.

× قصة (الزورق): تدل بالرمز بليغ المعنى والدلالة، بأن المشرفون على لقمة العيش، يحولون اعمار البشر، عبارة عن بحث لقمة العيش في مقبرة، تدل على تأزم عيشة البشر نحو الأسوأ أكثر فاكثر. كالزورق الذي يبحر في طريق مجهول.

× قصة (طاقة): تتناول عن المشاريع لم تكتمل وتترك في النصف دون الاكتمال. مثل نصب اعمدة كهرباء، بدون ربطها بالأسلاك، كأن الاعمدة تلتفت يمينا وشمالاً دون جدوى. وهي تشير الى ماكنة الفساد المالي.

× قصة (كرسي): كيف تحول الجالس عليه الى ببغاء او خروف، لا يعرف شيئاً سوى ان يصيح ماع... ماع، ولله في خلقه شؤون.

× قصة (رفرفة روح): بعد غربة طويلة يعود الى مسقط رأسه، فلا يجد سوى التصحر والجفاف والغرابة، يجد نفسه في وضع سيء وصعب، ويضطر ان يعود من حيث أتى، وهو يحترق في داخله، كأنه ينتحر، فعاد ينحت بيتاً من الفراغ هناك.

× قصة (تعويض): محتجاً على الوضع المعيشي الصعب، يحرق نفسه ويشيع الى القبر، والدفان يناديه بالكلام البليغ: اسمع يا........ عبدالله... ان فكرت بالرجوع الى الدنيا لن تجد اسمك في قائمة المتضررين، بل في قوائم سارقي أكفان الموتى !!، سردية ناطقة بألف معنى ومعنى.

× قصة (رحى): تتناول عن الاعلام المزيف والمنحرف في تجديف الحقائق وافراغها، بحيث تحول المعجبين بها الى سلاح لقوات مكافحة الشعب !!.

× قصة (خروج على النص): تدل على الإرهاب وتكميم الأفواه حتى الاغتيال، في قمع حرية التعبير بالإرهاب الفكري والأدبي، بحجة خروج على النص المسموح.

× قصة (مساس): تتناول سرقة وخداع الرأي العام في الحشود الثائرة من بعض الخطباء، لكي يصعدون على أكتافهم، ويعملون بعد ذلك على تجنب بعض المطاليب بحجة التوافق الوطني، لكن يقابلون بالسخرية والتهكم بأنهم تحولوا الى اصبع للنظام.

× قصة (نفق): تتناول في إدراك وفهم ناضج، في السؤال الذي يخطر في ذهن كل عراقي: من قتل المتظاهرين ؟؟؟، ومازالت الاجابة مفقودة وغائبة، مثل الشعار الذي يكتب على جدران ويمسح بعد ذلك، كأنه الجواب كامل على ذلك .

***

جمعة عبد الله

 

في المثقف اليوم