قراءات نقدية

زهير ياسين شليبه: الرمز والأسلوب وطريقة السرد في رواية نافذة العنكبوت (2)

الأم رمز المرأة العراقية:

وقد يكون من المفيد هنا أن نذكر أن الروائي شاكر نوري يصور الأم كعمود هام في العائلة، لا سيما أنها بقيت وحدها بعد اغتيال زوجها، تحمل أعباءها على كتفيها. يقول ابنها الراوي عنها: "...اغتيال أبي، ومنذ ذلك الحين، ترفض الاقتران برجل آخر". ص 37

تريد الأم إنجاح ليلة دخلة ابنها العاجز عبد الرحمن بأي ثمن درءًا للفضيحة بين الناس، "تأمر" "الأخ الكبير": "افعل شيئاً من أجل أخيك" ص 28، لكنه يعلق محبطًا بين نفسه: "دُهشتُ لهذا العرس الذي تحول بين استلامي لبرقية أمي، ورحلة القطار إلى مدينتنا، إلى مأتم جنائزي، دون ميت". ص 29

يُوَفّق الكاتب بتصويرها ونمذَجَتها من خلال دعاءاتها بلغة متناسبة مع مستواها، لكي يُوفّق ابنها العريس في ليلة الدخلة. "متى يفضُّ عبد الرحمن بكارتها؟" ص 30 "الأم تراقبهما من ثقب الجدار" ص 35

رمزية الأب:

لكن الروائي يكرس عمله للأب وأليغوريته ورمزيته ومكانته الخاصة في المجتمع رغم إساءة السلطات له ومحاولة تشويه سمعته، يقول الراوي: "لمحتُ صورة أبي الشمسية... روح أبي ... تذكرته ... يوم اغتياله المشؤوم". ص 28

وهي صورة الأب نفسها في رواية "نزوة الموت"، وقد أكد لي الكاتب شاكر نوري أنه استوحاهما من شخصية والده، لكنه لم يُقتل بل مات موتاً عادياً وهو دفنه بنفسه وحضر عزاءَه.

وسألتُ الكاتب عن سبب اختياره العناكب وماهي رمزيتها فأجابني مشكورًا: "اخترتُ العناكب لأن حياتها غامضة، أنثى العنكبوت دائماً تقتلُ زوجها، الحب فيه قتل. شيرين تلجأ إلى غرفة العناكب لأن ليس لها شخص آخر، العناكب تعطيها الشهوة وعوّضت عن عجز عريسها عبد الرحمن، فتمارس الشهوة باختلاط العناكب على جسدها. ونقرأ في الرواية "هل يصل العهر بالمرأة أن تضاجع العناكب؟". ص 54

يبدو أن الروائي حقًّا شُغلَ بحرب العناكب، يقول الراوي: عنها "العجيب أن أمي حذرتنا من حرب العناكب". ص 56، ويتمتم ساخرًا "ماذا تنفع حروب الأرض إذا كان أخي عاجزًا عن فض بكارة زوجته؟!". ص 62

"هل يمكن أن يعتقد كالآخرين بأن الرجل لا يمتلك سوى شيء واحد هو القضيب؟!" ص 67

يتحدث بجرأة عن "حركة الحيامن" ص 67 ووصف القضيب والعجز الجنسي. ص 124

الأسلوب:

يتميز الأسلوب بالسخرية المبطنة الحاضرة دومًا في اغلب نصوص شاكر نوري، "قالت أمه عنه يوم الخطبة "إنه شاعر ومسرحي! فضحك الجميع" ص 68، "فرقة المدرسة اختارته ليُمثل دور امرأة". ص 68

"في يوم الخطبة لمحت شيرين وجهه المدور الخالي من زغب اللحية والشاربين...". ص 69

النساء يسمونها ام عبد الرحمن لكن الأصول أن تُسمى الأم باسم ابنها الكبير.

وهنا نلاحظ بقاء الراوي في "نافذة العنكبوت" بلا اسم، ينادونه: (الأخ الكبير) فحسب، قد يكون لابتعاده عن العائلة وقلة حضوره، بل غيابه عنها وهو ما نراه في النص، وأيضًا ما اكّده الكاتب لي. لكني أرى الأمر من جانب آخر قد يكون أبعد أو أعمق، فالراوي هنا ليس كما هو الحال في السرديات التقليدية يكون "عليمًا" ملمًّا بكل التفاصيل، وهو واحد منهم، يروي حكاياته عنهم، إلا أنه هنا يتكلم عنهم من بعد كأنه في الضفة الأخرى، يحمل رمزيةً خاصةً: مغترب، ينظر إلى مجتمعه من زاوية أخرى، غير متعالٍ، أو على الأقل يتظاهر بالتواضع لكنه غير مبالٍ لتقاليده القديمة فيشذ عن القاعدة ويتصرف بحرية، يتجاوز حدوده. ولهذا بالذات يُكنّون والدته باسم اخيه الأصغر (أم عبد الرحمن). إنه غائب حاضر، "يخلط" بعض الأمور، لكنه يبقى كبيرًا في نظر الآخرين "الأخ الكبير" بعيدًا عن أفواههم وألسنتهم التي تلوك بالآخرين إلا والده وهو الابن البار الكبير!

طريقة السرد:

يتحول السرد هنا فجأة إلى حالة واقعية خيالية تفاجئ القارئ حيث يتحدث عبد الرحمن عن اعترافاته وعند المتابعة يطلب من شيرين أن تكمل القراءة، فيختلط هنا الكلام المحكي بقراءة النص، فبينما يتحدث (عبد الرحمن) عن نفسه بضمير أنا كراوٍ جديدٍ، سارد ثانٍ، عليمٍ حقًّا بدلًا من أخيه (الكبير)، الذي اخذ مهمة السارد الأول منذ بداية السرد الروائي، لكنه يقول لعروسته بين الفينه والأخرى "أكملي القراءة يا شيرين" ص 159 ، إنها في حقيقة الأمر وصية تركها لهم ليقرأوها فتأخذ شيرين على عاتقها القراءة كإنسان اعتياديٍّ وليست عنكبوتا كما اعتدنا عليها. ص 159

شيرين هنا ليست مجرد عروسة حامل من جندي آخر، بل رمز، صوّرها السارد عنكبوتةً تضاجع العناكب بخيال فنطازي!

تتأسس البنية السردية على قراءة الابن الجندي المحتضر لرواية أخيه السارد "العليم" فنحن هنا أمام بنية تتكون من رواية داخل أخرى تشبه القصص المؤطّرة أو الإطارية" هو الذي فضح سرّي ... لوثته العقلية... دون استشارتي ...". ص 156- 155

***

الدكتور زهير ياسين شليبه

في المثقف اليوم