قراءات نقدية
عماد خالد رحمة: كبسولة الزمن.. قراءة نقدية

ودراسة تحليلية هيرمينوطيقية وأسلوبيّة وسيميائية للبنية النفسية والإيروتيكية في شعر سونيا الفرجاني؛
1. مقدمة: القصيدة "كبسولة الزمن" للشاعرة التونسية سونيا الفرجاني تعد نموذجاً شعرياً معاصراً غنياً بالصور النفسية والإيروتيكية والرمزية. عبر هذا النص، تستحضر الشاعرة الزمن كحاوية للحياة، الرغبة، والذاكرة، وتفتح للقارئ فضاءً تأويلياَ متعدد المستويات. من منظور النقد المعاصر، يتحول النص إلى مجال تجريبي للتأمل الوجودي والإبداعي، حيث يلتقي الحلم الشخصي بالبعد الجمعي للإنسانية، مما يجعله قابلاً للتحليل عبر مناهج هيرمينوطيقية، أسلوبية، سيميائية، وطنية، ونفسية-إيروتيكية.
2. تحليل الصور الشعرية والرمزية (جدول تحليلي):
الصورة/الرمز التحليل المرجع النفسي/الإيروتيكي/الفلسفي
"يهبط الحب في بدايته مثل قطيع غيوم جائعة" تصوير الحب كقوة طبيعية جياشة تلتهم الروح الرمزية: الحب كقوة غريزية، فرويد: الغريزة الجنسية
"يغرس أسنانه في عشب الروح" إيحاء بالصراع الداخلي بين الرغبة والذات النفسي: الصراع بين الأنا والهو، يونغ: الظل
"أطفال بلا أسماء أطلقتهم في البراري" رمز للحرية الداخلية والخلق الفني الرمزية: الاستمرارية والولادة الجديدة، فلسفة الوجودية: سارتر
"تمتم تمتم تمتم" إيقاع التكرار يعكس القلق النفسي والتوتر الأسلوبية: الإيقاع النفسي، الإيروتيكية: الدفق الداخلي للرغبة
3. التحليل الأسلوبي:
1. اللغة والإيقاع: النص يتسم بأسلوب مفتوح، استخدام الفعل المتتابع، التكرار الإيقاعي، والتراكيب المتداخلة، مما يخلق إحساسًا بالحركة الدائمة والصراع الداخلي.
2. الاستعارات والتشبيهات: مثل "رياح تدحرج الجبال" و"جلد جديد للهواء"، تستخدم لتصوير الحب والرغبة كقوى كونية.
3. الانزياح الدلالي: المزج بين الملموس والخيالي، مثل الأطفال بلا أسماء، يخلق مساحة لإعادة إنتاج المعنى عند القارئ.
4. البعد النفسي والإيروتيكي:
الصراع النفسي الداخلي: يظهر في الرغبة، الانتظار، والتوتر الناتج عن الزمن والعلاقة بالآخر.
- الإيحاء الإيروتيكي: "أحبك كوخز الدبابيس على الظهر" يمثل المزج بين اللذة والألم، بما يتوافق مع نظرية فرويد عن النزعات الجنسية والصراع النفسي.
- اللاوعي الجمعي: الأطفال بلا أسماء يمثلون الرغبة الجماعية للحرية والإبداع، وفق يونغ، حيث يتداخل الفرد مع الرموز الأولية.
5. البعد الرمزي والديني:
- الأبدية والزمن: يمثلان التحدي الإنساني أمام الماضي والحاضر والمستقبل، بما يعكس فكر أوغسطينوس في الزمن والروح.
- الشموس والأقمار: رمز القوة العليا والسيطرة، وتفسير العلاقة بين الفعل الإنساني والمطلق الروحي.
- الغرفة الواقعية: فضاء رمزي للوجود الإنساني والانتظار، يحاكي العلاقة بين الواقع والخيال، الحلم واليقظة.
6. البعد الوطني والاجتماعي
النص يعكس تجربة شاعرية تونسية معاصرة، حيث تتداخل الحرية الفردية مع السياق الثقافي والاجتماعي.
الأطفال بلا أسماء يمثلون التمرد على القيود الاجتماعية والتاريخية، مما يجعل النص نصًا وطنيًا وإنسانيًا في الوقت نفسه.
7. الخاتمة:
قصيدة "كبسولة الزمن" تتجلى فيها الحداثة الشعرية في أقصى أبعادها، عبر البنية النفسية والإيروتيكية، الرمزية، الدينية، والأسلوبية. إنها دعوة للقارئ بالغوص في طبقات النص، اكتشاف المعاني المخفية، وإعادة إنتاج المعنى من خلال التفاعل التأويلي.
القصيدة ليست مجرد سرد شعري، بل ممارسة تأملية في الزمن، الرغبة، والوجود الإنساني، وتجربة فنية متكاملة تستحق التحليل متعدد المناهج
***
بقلم: عماد خالد رحمة - برلين.
............................
الشاعرة سونيا: كبسولة الزمن
لو أنّ الزمن جامعني،
لأنجبت منه وقتا لي،
يحمل جيناتي، وصفات الكمنجات في ذاكرتي، وقياس العصر على خصري.
سأسمّي الزّمن سيلفيو
وأكون سيلفيا،
دون أن أقتبس النّهاية اليائسة.
*
لابدّ لهذا الزوج أن يقترب
أن يتعدّد داخلي أو يخرج من دائرة السّاعة "كيْ أنسى إساءتها"
*
لي من الزمن أطفال بلا أسماء
أطلقتهم في البراري وقتا يتكاثر، بلا هويّات ولا نسب.
*
أطفالنا بلا عدد،
لن يعبث بأحلامهم ولن يقف صوب الحكاية لينهشها.
*
قال لي: أشتهيك على قلق، فلا تكتبي أرقي.
كتبت سطرين فعاقني
استعار الأبديّة فجأة وطوّقني.
مدّ يدا، قطف شمسا وقذفها،
شدّ أقمارا، وحذفها،
التقط أرضا وخسفها،
تمتم تمتم تمتم تمتم
لماذا ترتعشين؟
قلت:أخذت شراشف الكون فبَرُدَ
*
ارتعد،
طوّقني قال:كان جلجامش ذكرا فلم يشتهيني
وكان الأنبياء ذكورا
طوقيني
وحدها الأبدية أنثى
وصلتها متأخّرا وأقمت فيك.
أيّتها الغرفة الواقعيّة التي يقتات الإنتظار منها
تكاثري منّي ولِدي بذور البقاء.
كانت طريق الرّجوع لغة
والوصيّة
كانت معنى .
تمتم تمتم تمتم تمتم
أحبّك كوخز الدّبابيس على الظّهر،
أحبّك والبقيّة في الشّعر.
*
بعد الوقت ثمّة ساحة كبيرة يرتاد الأطفال ويلعبون.
ربّما اقتضت القصيدة أن أسمّيها
لكنّي لن أسمّيها.صغاري هنا يعبثون
أطعمهم ثمّ ألاعبهم بساعة قديمة
ساعات كثيرةً ليست كبيرةً
نتقاذفها كرة بيغ بونغ
ونضحك.
*