أقلام فكرية
شيماء هماوندي: الفلسفة الرقمية ودورها في المجتمع المعاصر
رؤية فلسفية لضرورة التحول الرقمي للفلسفة
لطالما كانت الفلسفة حاضرة في لحظات التحول الكبرى في تاريخ البشرية، ومع التطور الهائل والثورة الرقمية في عصرنا، أصبح التحول الرقمي للفلسفة ضرورة وواجب أخلاقي، لمواجهة سيل المعلومات التي يضخها الذكاء الإصطناعي والعالم الرقمي للإنسان وللمجتمع المعاصر، والتي أصبح لها تأثير مُخيف على الجيل الحالي من الشباب، رغم أن هذه المعلومات لا يكون أغلبُها صحيحاً، بل ربما تكون معلومات زائفة ومُضللة، إن المجتمع المعاصر بحاجة الى التفكير الفلسفي أكثر من أي وقتٍ مضى، فالتكنولوجيا لم تعد مجرد أدوات نستخدمها، بل أصبحت جزءاً من هويتنا، وعلاقاتنا، وطريقة فهمنا للعالم المعاصر.
دور الفلسفة الرقمية المعاصرة وتوجهاتها
إن التحول الرقمي للفلسفة هو ضرورة، وواجب أخلاقي لمواجهة مشكلات المجتمع المعاصر، والحد منها، ويمكن تحديد دور الفلسفة الرقمية المعاصرة في ما يلي:
- إعادة تأهيل العقل الإنساني وتنقيته من الشوائب الفكرية: من خلال إنشاء منصات فلسفية إلكترونية، وتوظيف هذه المنصات في نشر الفكر الفلسفي، والقيم الفلسفية، والعمل على تشخيص المشكلات الإنسانية والإجتماعية المعاصرة، وطرح حلول عملية وواقعية مناسبة لها. حيث يساهم الإنتشار الرقمي للفلسفة، في نشر القيم الفكرية والأخلاقية الإيجابية، في محاولة لإعادة ربط الإنسان بالعالم الحقيقي من جديد.
- الدور الأخلاقي والتوجيهي للفلسفة: حيث إن التطور التكنولوجي المتسارع يفرض على الفلسفة تحديات أخلاقية عميقة، يتوجب على الفلسفة التعامل معها ومعالجتها، في سبيل مساعدة المجتمع والإنسان المعاصر في فهم وتجاوز مشكلاته المعاصرة.
- الدور الإرشادي: مع إنتشار الذكاء الإصطناعي، والعوالم الإفتراضية، وروبوتات الدردشة، بدأ الإنسان يتراجع فكرياً، وأصبح وعي الإنسان بذاته، وبوجوده الحقيقي مُرتبك وغير مُنَتظّم، لقد إنصهر وجود الإنسان وماهيته الحقيقية في دهاليز ومتاهات العالم الرقمي، وقد آن الأوان أن تقوم الفلسفة بدورها الإرشادي لإستعادة الإنسان المعاصر لماهيته، وفطرته وبوصلته الوجودية المفقودة.
- الدور المعرفي التعليمي: في عصر المعلومات والأخبار والصور، والفيديوهات الإصناعية، المزيفة والمُضلِلة، أصبح دور الفلسفة الرقمية المعاصرة يتمثل في مساعدة الإنسان على التمييز بين ماهو حقيقي وماهو مزيف، من خلال إعادة تفعيل عقل الإنسان وتوازنه الوجودي، وصلته بذاته ومجتمعه، والدعوة الى التفكير النقدي والمنطقي، والعودة الى الطبيعة والعالم الحقيقي، الذي يحمي العقل من المتاهات الرقمية، حيث يقع على عاتق الفلسفة مهمة مساعدة العقل البشري على التمييز بين الحقيقة والوهم، والحفاظ على ما تبقى لنا من العلاقات الإجتماعية، والوعي الإنساني.
مجالات الفلسفة الرقمية المعاصرة
لقد ظهرت مجالات فلسفية جديدة، تستطيع من خلالها الفلسفة بحلتها الرقمية الجديدة ممارسة الإصلاح الفكري، ونشر الوعي، ومواكبة توجهات الإنسان والمجتمع المعاصر، من خلال الولوج في مواضيع عصر التكنولوجيا، ومعالجة ازماته المعاصرة بصورة عملية، حيث أصبح دور الفلسفة ومساهماتها يشمل الجوانب الآتية:
- الفلسفة التطبيقية: وهو الجانب العملي من الفلسفة الذي يركز على تشخيص المشكلات، وإيجاد حلول عملية لها، وهو الدور الريادي الذي بدأت الفلسفة تمارسه لمد يد العون للإنسان والمجتمع المعاصر في مواجهة الأزمات الفكرية والتحديات المعاصرة.
- الأخلاق التطبيقية: حيث تقوم الفلسفة من خلال إستخدام المفاهيم الأخلاقية، بالتعامل مع المشكلات الأخلاقية المعاصرة التي رافقت التطور التكنولوجي المعاصر، مثل مشكلات الخصوصية الرقمية، وحماية المعلومات الشخصية، واخلاقيات الذكاء الإصطناعي، وتنظيم بروتوكولات التعامل في العالم الرقمي.
- فلسفة التكنولوجيا: تقوم فلسفة التكنولوجيا بدور مهم لفهم وتنظيم العلاقة بين الإنسان المعاصر والتكنولوجيا، وتقدم فلسفة التكنولوجيا العديد من الأدوات المعرفية، لتساعد الإنسان في المجتمع المعاصر على التمييز بين المعلومات الحقيقية والزائفة.
أهداف الفلسفة الرقمية المعاصرة
- مساعدة الإنسان والمجتمع المعاصر على التفريق بين الحقيقة والوهم، وبين ماهو واقع وماهو مجرد وهم وتزييف رقمي.
- إستخدام التطور التكنولوجي في خدمة الإنسانية، من خلال توظيفه في الحفاظ على القيم الإنسانية، لنشر الأفكار الفلسفية في العالم الإفتراضي، وتعزيز التفكير الفلسفي، من خلال الجمع بين حكمة الفلسفة، وقوة التأثير الرقمي.
- الحفاظ على الهوية الإنسانية، من خلال تشخيص مشكلات الإنسان والمجتمع المعاصر، وحماية العقل الإنساني من المعلومات الخاطئة، والحفاظ على القيم الإنسانية، وتعزيز الإنتماء الإنساني.
إن التحول الرقمي دخل كل مجالات الحياة المعاصرة، وأصبح واقعاً مُعاشاً، يجب على الفلسفة الإستفادة منه، وتوظيفه لصالح الإنسان والمجتمع، والعمل على توجيهه بما يخدم مصلحة الإنسان، ويحقق أهداف المجتمع، وقيَمهِ الإنسانية والأخلاقية.
***
شيماء هماوندي






