دراسات وبحوث

جيهان بهلولي: المجتمع المدني.. مصطلحات فلسفية وإسقاطات

الجزائر وقائع ومعيقات نموذجا

المجتمع المدني ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، حيث يمثل المساحة الفاصلة بين الدولة والمواطنين، ويضم مختلف المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما يوضح البحث كيف تطور مفهوم المجتمع المدني عبر التاريخ، بدءًا من الفكر السياسي الكلاسيكي مرورًا بفلاسفة العقد الاجتماعي مثل هوبز ولوك وروسو، وصولًا إلى الفلسفة الحديثة مع هيغل، ماركس، وغرامشي…، الذين قدموا تحليلات مختلفة حول دوره في المجتمع.

في السياق الجزائري، يبرز المقال دور المجتمع المدني في النضال التحرري ضد الاستعمار الفرنسي، ثم التحديات التي واجهها بعد الاستقلال بسبب هيمنة الدولة المركزية، قبل أن يعرف انفراجًا جزئيًا مع دستور 1989. ومع ذلك، فإن القوانين المقيدة، خاصة قانون الجمعيات 2012، لا تزال تعرقل نشاطه، رغم بروز دوره خلال الأزمات مثل جائحة كورونا والحراك الشعبي. يناقش البحث أيضًا العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، حيث يُنظر إليه أحيانًا كعنصر داعم للاستقرار وأحيانًا كجهة معارضة. في الختام، يؤكد البحث على أهمية دعم المجتمع المدني لضمان مشاركة شعبية فعالة وتحقيق تنمية مستدامة في الجزائر.

باللغة الإنجليزية:

Civil Society as a Fundamental Pillar in Building Modern Societies

Civil society serves as a crucial pillar in the construction of modern societies, acting as the intermediary space between the state and citizens. It encompasses various non-governmental organizations and associations that aim to achieve common interests and promote democracy and human rights. The research also explores how the concept of civil society has evolved throughout history, from classical political thought to social contract theorists such as Hobbes, Locke, and Rousseau, and further into modern philosophy with Hegel, Marx, and Gramsci, who provided different analyses of its role in society.

In the Algerian context, the article highlights the role of civil society in the liberation struggle against French colonialism and the challenges it faced after independence due to the dominance of the central state. A partial political opening occurred with the 1989 Constitution. However, restrictive laws, particularly the 2012 Associations Law, continue to hinder its activities, despite its prominent role during crises such as the COVID-19 pandemic and the popular Hirak movement. The study also examines the relationship between civil society and the state, where it is sometimes seen as a stabilizing force and at other times as an opposing entity. In conclusion, the research emphasizes the importance of supporting civil society to ensure effective popular participation and achieve sustainable development in Algeria.

باللغة الفرنسية:

La Société Civile comme Pilier Fondamental dans la Construction des Sociétés Modernes

La société civile constitue un pilier essentiel dans la construction des sociétés modernes, représentant l’espace intermédiaire entre l’État et les citoyens. Elle regroupe diverses organisations et associations non gouvernementales visant à promouvoir les intérêts communs, la démocratie et les droits de l’homme. Cette recherche explore également l’évolution du concept de société civile à travers l’histoire, depuis la pensée politique classique jusqu’aux théoriciens du contrat social tels que Hobbes, Locke et Rousseau, et jusqu'à la philosophie moderne avec Hegel, Marx et Gramsci, qui ont apporté des analyses variées sur son rôle dans la société.

Dans le contexte algérien, l’article met en lumière le rôle de la société civile dans la lutte pour l’indépendance contre le colonialisme français, puis les défis qu’elle a affrontés après l’indépendance en raison de la domination de l’État central. Une ouverture partielle a eu lieu avec la Constitution de 1989. Cependant, des lois restrictives, notamment la loi sur les associations de 2012, continuent de freiner son action, malgré son rôle prépondérant lors des crises telles que la pandémie de COVID-19 et le mouvement populaire du Hirak. L’étude analyse également la relation entre la société civile et l’État, perçue tantôt comme un facteur de stabilité, tantôt comme une force d’opposition. En conclusion, la recherche souligne l’importance de soutenir la société civile afin de garantir une participation populaire efficace et de favoriser un développement durable en Algérie.

مقدمة:

في المجتمعات البشرية، لا تقتصر العلاقات بين الأفراد على الروابط الشخصية أو التفاعل داخل الأطر الرسمية، بل تمتد إلى فضاءات أوسع تتيح لهم فرصة التعاون، والتعبير عن تطلعاتهم، والمشاركة في الشأن العام. فمنذ القدم، سعى الإنسان إلى تنظيم ذاته ضمن مجموعات وهيئات تعمل على تحقيق مصالح مشتركة، سواء من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي أو الدفع نحو التغيير والإصلاح. ومع تطور الفكر السياسي والاجتماعي، برزت أشكال جديدة من التنظيم تسعى إلى تحقيق التوازن بين حاجات الأفراد ومتطلبات السلطة، مما أتاح مجالات أرحب للتأثير في القرارات العامة والمساهمة في رسم ملامح المستقبل.

ومع تعاقب الأزمنة، شهدت هذه المساحات تحولات جوهرية، حيث تأثرت بالسياقات التاريخية والسياسية لكل مجتمع، وأصبحت تلعب أدوارًا محورية في نشر الوعي، وحماية الحقوق، وتعزيز قيم المواطنة. لكن في المقابل، واجهت تحديات عدة، تراوحت بين القيود المفروضة على أنشطتها، وضعف الموارد، والتأثيرات التي قد تحدّ من استقلاليتها. وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، من عولمة متزايدة إلى ثورة رقمية تعيد تشكيل طرق التواصل والتنظيم، يبرز التساؤل: ما واقع هذه الفضاءات في المجتمعات الحديثة، وما مدى تأثيرها في ظل التحديات الراهنة؟

وفي السياق الجزائري، تكتسب هذه الإشكاليات أهمية خاصة، حيث مرت البلاد بمحطات تاريخية مختلفة أثرت في طبيعة هذه التنظيمات وأدوارها، مما يفتح المجال أمام تساؤلات أعمق حول ما ملامح هذه الظاهرة في الجزائر؟ وفيما تتمثل ابرز العوامل المؤثرة في تطورها، والتحديات التي تواجهها، وآفاقها المستقبلية؟

1. المجتمع المدني في اللغة:

بالرجوع إلى القواميس والموسوعات نجد في موسوعات الفلسفة والعلوم الاجتماعية ان مصطلح civil societé لم يرد فيها، بل وردت كلمة civil لكن جاء للتعبير عن مصطلحات اخرى وكذلك يستعمل لفظ civil في اللاتينية civis للتعبير عن دلالات ذات صلة بالحقوق الخاصة بالمواطن العادي (خلاف للجند) على خلاف معاجم تاريخ الأفكار فيظهر مصطلح civil disobedience بمعنى العصيان المدني ، وتطلق عليه هذه الصفة بمعنى عصيان القانون المدني او أنه عبارة عن مقاومة حضارية أو متميِّزة، او إنه إشتقاق من عصيان المواطنين الناجم عن إنعدام الحقوق المدنية1.

و يعرّفه جميل صليبا بأنه "المجتمع الذي تسوده قوانين وضعية تستهدف مصلحة الأفراد وتكفل لهم حقوقهم وهو يقابل المجتمع الطبيعي الذي يكون خاضعًا لقوانين طبيعية أو غريزية"2. لفهم هذا التعريف بشكل أكثر عمقًا، يمكن تفكيكه إلى عدة عناصر رئيسية. أولًا، يميز صليبا بين القوانين الوضعية والقوانين الطبيعية؛ فالقوانين الوضعية هي التي يضعها الإنسان من خلال مؤسسات الدولة لتنظيم العلاقات بين الأفراد وحماية حقوقهم، مثل الدساتير والقوانين المدنية، بينما القوانين الطبيعية أو الغريزية تحكم المجتمعات قبل ظهور الدولة، مثل غريزة البقاء والعلاقات القبلية. بناءً على ذلك، المجتمع المدني وفق صليبا هو المجتمع الذي تجاوز الحكم العشوائي ليحكمه نظام قانوني مصمم لصالح أفراده. ثانيًا، يركز التعريف على أن الهدف الأساسي للمجتمع المدني هو تحقيق مصلحة الأفراد وضمان حقوقهم، حيث لا يكون مجرد تجمع بشري، بل كيان تنظيمي يسعى إلى تحقيق العدل وحماية الحريات الفردية. ويوضح صليبا الفرق بين المجتمع المدني والمجتمع الطبيعي، حيث إن المجتمع الطبيعي يخضع لقوانين الغريزة والقوة، بينما المجتمع المدني يتميز بتنظيم العلاقات وفق قوانين متفق عليها تضمن العدالة بين الأفراد. حيث يضع تعريف صليبا القانون في قلب المجتمع المدني، ويعتبره المعيار الأساسي الذي يميزه عن المجتمعات البدائية، حيث إن المجتمع المدني ليس مجرد تجمع بشري، بل هو مجتمع منظم بقوانين تحقق العدالة وتحمي الحقوق الفردية، مما يجعله تطورًا عن المجتمعات التي تحكمها الفطرة أو القوة فقط.

2. المجتمع المدني في الإصطلاح:

فيعني مجموعة التنظيمات المستقلة ذاتيًا، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، وهي عير ربحية تسعى إلى تحقيق مصالح أو منافع مشتركة للمجتمع ككل او بعض فئاته المهمشة (مثل مناطق الظل)، او لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بقيم ومعايِّير الاحترام والتراضي والادارة السامية للاختلافات والتسامح وقبول الآخر3. أي أن المجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات المستقلة عن الدولة والأسرة، والتي تسعى إلى تحقيق مصالح المجتمع أو بعض فئاته المهمشة، مثل سكان مناطق الظل، أو حتى مصالح أفرادها، دون أن يكون هدفها الربح. وتشمل هذه التنظيمات الجمعيات الخيرية، والنقابات، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجالات مثل حقوق الإنسان، والتنمية، وحماية البيئة. ويعتمد المجتمع المدني على قيم الاحترام، والتسامح، وقبول الآخر، وإدارة الاختلافات بشكل سلمي، مما يجعله مساحة للتعاون والعمل الجماعي من أجل تحسين حياة الأفراد وتعزيز العدالة الاجتماعية.

كذلك يعرف بأنه مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، اي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للإختيار في عضويتها، هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح افرادها او لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايِّير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السامية للتنوع والإختلاف4. بمعنى أن المجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تنشط في المجال العام بين الأسرة والدولة، حيث يختار الأفراد الانضمام إليها طوعًا لتحقيق مصالحهم أو تقديم خدمات للمواطنين أو ممارسة أنشطة إنسانية متنوعة. يتميز المجتمع المدني بالتزامه بقيم الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة، مع احترام التنوع والاختلاف. وتشمل مؤسساته الجمعيات الخيرية، والنقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، والأندية الثقافية والرياضية، وغيرها من الكيانات التي تساهم في تعزيز الديمقراطية والتعددية، وتقديم الدعم الاجتماعي، والتعبير عن تطلعات الفئات المختلفة في المجتمع، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في التنمية المستدامة والتغيير الاجتماعي.

وفي إطار ما تقدم يمكن القول أن الركيزة الأساسية والأمر الاساس في قيام المجتمع هو الاعتراف المتبادل بين الدول من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى ومشروعية حقه في العمل ومزاولة أنشطته كافة دون معيقات. حيث يقوم المجتمع المدني على شكل منظمات كذا يمكن اعتبار الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال وجمعيات الرفق بالحيوان وغيرها من جمعيات حقوق الإنسان واتحاد العمال وغيرها. . . أمثلة على منظمات المجتمع المدني5.

3. المجتمع المدني عند الفلاسفة:

ـ توماس هوبز (1588/1679) المجتمع المدني لديه هو المرحلة التي تأتي بعد الحالة الطبيعية، حيث يخرج الافراد من حالة الحرب المستمرة عبر العقد الاجتماعي. في هذه المرحلة يتنازل الافراد عن حقوقهم الطبيعية لصالح سلطة حاكمة (سواء كانت ملكًا أو حكومة مطلقة) التي تضمن لهم الأمن والاستقرار مقابل التنازل عن حقوقهم لصالح الحاكم "القانون هو اساس المجتمع"مع غياب الحق في التمرد اجمالاً"المجتمع المدني عند هوبز هو مجتمع منظم تحكمه سلطة قوية تمنع الفوضى لكنه يقوم على الخوف والطاعة أكثر من الحرية والمساواة 6. حيث يرى هوبز أن المجتمع المدني يأتي بعد الحالة الطبيعية التي كانت مليئة بالفوضى والصراعات. ولتجنب هذه الفوضى، يوافق الأفراد على التنازل عن حقوقهم الطبيعية لصالح سلطة حاكمة قوية (ملك أو حكومة مطلقة)، والتي تفرض النظام وتضمن لهم الأمن والاستقرار. في هذا المجتمع، يكون القانون هو الأساس، لكن الأفراد يفقدون حقهم في التمرد، مما يجعله مجتمعًا قائمًا على الخوف والطاعة أكثر من الحرية والمساواة.

ـ جون لوك (1632/1704) يتأسس على حماية الحقوق

الطبيعية (الحياة، الحرية، الملكية) من خلال عقد اجتماعي يضمن حكومة شرعية تستمد سلطتها من رضا المحكومين7. يقوم المجتمع المدني على فصل السلطات (الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية لمنع الاستبداد) ورفض الحكم المطلق (رفض أن تكون السلطة بيد شخص واحد دون قيود قانونية او دستورية) مع حق الأفراد في مقاومة الطغيان اذ إنتهكت الحكومة حقوقهم وتمردت (تغيِّير الحكومة) حيث رأى لوك ان المجتمع المدني ينظم الأفراد لحماية حقوقهم

يعتقد جون لوك أن المجتمع المدني يقوم على حماية الحقوق الطبيعية للأفراد، مثل الحياة والحرية والملكية، من خلال عقد اجتماعي يضمن حكومة شرعية تستمد سلطتها من رضا الشعب. في هذا المجتمع، يتم فصل السلطات التشريعية والتنفيذية لمنع الاستبداد، كما يُرفض الحكم المطلق الذي يمنح السلطة لشخص واحد دون قيود قانونية. وإذا انتهكت الحكومة حقوق الأفراد، فلهم الحق في مقاومة الطغيان وتغييرها، لأن الهدف الأساسي للمجتمع المدني عند لوك هو تنظيم الأفراد لحماية حقوقهم.

ـ جون جاك روسو (1712/1778) أن المجتمع المدني لديه يتشكل على يد أفراد احرار بالطبيعة وأخلاقيون بالقوة وما يمكنهم من تجاوز انعزالهم هو رغبتهم في الأمان وميلهم للتعاطف8 فالمجتمع الوليد عن فكرة العقد يحقق الإنتقال من الحالة الطبيعية ليجعل الانسان بشرًا كامل الإنسانية الى المجتمع المدني الذي لا يخضع لأي نظام إلهي او لنظام فرض الطبيعة وباعتباره رابطة أخلاقية، بدفع الأفراد الذين يشاركون على نحو كامل في الحياة السياسية للجماعة، حيث اعتبر أن المجتمع المدني قد يكون أداة لاستعباد الإنسان إذا لم يكن قائمًا على الإرادة العامة حيث رأى روسو أن المجتمع المدني يتشكل من أفراد أحرار بطبيعتهم وأخلاقيين بالقوة، حيث يدفعهم حب الأمان والتعاطف إلى تجاوز عزلتهم والتعايش في جماعة. هذا المجتمع، الناتج عن العقد الاجتماعي، يمثل انتقالًا من الحالة الطبيعية إلى مجتمع يحقق إنسانية الأفراد الكاملة، دون خضوع لأي نظام إلهي أو قوانين طبيعية مفروضة. وهو رابطة أخلاقية تدفع الأفراد للمشاركة الكاملة في الحياة السياسية. لكن روسو يحذر من أن المجتمع المدني قد يتحول إلى أداة لاستعباد الإنسان إذا لم يكن قائمًا على الإرادة العامة.

ـ فريديريك هيغل (1770/1831) عرفه بأنه"ذلك الحيِّز الإجتماعي والأخلاقي الواقع بين الأسرة والدولة ومؤسساته ضرورة بشرية لاغنى عنها. يشتمل على أفراد يتنافسون من أجل مصالحهم الخاصة لتحقيق حاجاتهم المادية "9 بالتالي هو ذلك التنظيم الذي يستهدف ملأ حيز الفراغ الإجتماعي والإقتصادي بين الدولة ومؤسساتها الحكومية من جهة، والأسرة من جهة أخرى مستعينا بمؤسسات وسيطة أُطلق عليها التعاونية الأهلية10. حيث يُنظر إلى المجتمع المدني كمرحلة بين الأسرة والدولة، يحقق فيها الأفراد استقلاليتهم ضمن إطار القانون المجتمع المدني هو المجال الاجتماعي والأخلاقي الذي يقع بين الأسرة والدولة، ويعد ضرورة لا غنى عنها في حياة الأفراد يضم أفرادًا يتنافسون لتحقيق مصالحهم المادية والخاصة، لكنه يعمل أيضًا على سد الفراغ الاجتماعي والاقتصادي من خلال مؤسسات وسيطة تعرف بالتعاونيات الأهلية يتيح هذا التنظيم للأفراد فرصة تحقيق استقلاليتهم ضمن إطار القانون، مما يجعله حلقة وصل بين الدولة والأسرة، حيث يسهم في تحقيق التوازن بين المصالح الفردية والمصلحة العامة.

ـ كارل ماركس (1818/1883) عرفه بأنه المجال الذي يعكس العلاقات الإقتصادية والطبقية داخل المجتمع وليس مجرد فضاء مستقل يوازن بين الدولة والمجتمع كما تصوره بعض الفلاسفة (من امثال: هيغل) ، ماركس رأى بأن المجتمع المدني هو بنية تحتية إقتصادية تتشكل من العلاقات الإنتاجية (البرجوازية والبروليتاليا) وتو الأساس الذي تقوم عليه الدولة والنضام السياسي، وبذلك فهو ليس ساحة محايِّدة للتفاعل ، إنما فضاء تتحكم به الطبقة المسيطرة إقتصاديًا11 (اي البرجوازية) في فكر ماركس تحرير المجتمع لايكون من خلال إصلاح المجتمع المدني بل عبر تغيِّيره جذريًا عبر الثورة الإشتراكية التي تلغي الملكية الخاصة وتحقق مجتمعًا بلا طبقات.

ـ انطونيو غرامشي (1891/1937) من أبرز المفكرين الماركسيِّين الذين طورو مفهوم المجتمع المدني بشكل جذري وهو عنده "ساحة الصراع الأيديولوجي" حيث تمارس الطبقة الحاكمة هيمنتها الثقافية12 عبر المؤسسات غير القسرية (مثل الاعلام، التعليم الكنائس… اي التي لا تستخدم القوة وانما التأثير وسيطرتها تكون بناءً على القبول الطوعي بإرادة الافراد وليس نتيجة الاكراه او القمع المباشر) وأن التغيِّير الاجتماعي لايكون فقط بالثورة العنيفة بل عبر تفكيك الهيمنة الفكرية ونشر وعي جديد، وهو دور المثقف العضوي الذي يناضل ضد الأفكار السائدة لصالح الطبقة الكادحة (مثل العمال، المزارعين، الموضفين…)

ـ ألكسيس دي توكفيل (1805/1859) كذلك إعتبر أن المجتمع المدني هو سلسلة لامتناهية من الجمعيات والنوادي التي تجذب المواطنين بكل عفوية، كمل أكد على دور الروابط والجمعيات الإجتماعية في تشكيل المجتمع المدني. حيث يُنظر إلى المجتمع المدني على أنه شبكة واسعة من الجمعيات والنوادي التي تنشأ بعفوية، حيث ينضم إليها الأفراد بدافع الاهتمام الشخصي أو الحاجة الاجتماعية وليس بفرض من الدولة. فهو سلسلة غير متناهية من المنظمات التي تتشكل وتتغير وفقًا لمتطلبات المجتمع، مما يجعله كيانًا ديناميكيًا ومتجددًا. وتلعب الروابط والجمعيات الاجتماعية دورًا أساسيًا في تشكيل المجتمع المدني، حيث توفر فضاءات للحوار والتعاون والتضامن بين الأفراد، مما يسهم في تعزيز قيم الديمقراطية والمسؤولية المشتركة. وبهذا، لا يقتصر المجتمع المدني على المؤسسات الرسمية، بل يتمثل في التفاعلات الحرة التي تجمع المواطنين خارج نطاق الدولة والسوق، مما يمنحه استقلالية وحيوية في بناء المجتمع وتطوره.

4. المجتمع المدني في الفكر العربي والإسلامي:

هو مفهوم يعكس دور الأفراد والمؤسسات في تنظيم شؤونهم بعيدًا عن سيطرة الدولة المباشرة، من خلال آليات مثل الوقف، الشورى، الحسبة، والتكافل الاجتماعي. في التراث الإسلامي، لم يكن المصطلح مستخدمًا بصيغته الحديثة، لكنه كان حاضرًا في بنية المجتمع عبر المؤسسات الأهلية التي قدمت خدمات اجتماعية وتعليمية واقتصادية بشكل مستقل، مثل الأوقاف التي مولت المدارس والمستشفيات، ونظام الحسبة الذي ضمن الرقابة الأخلاقية على الأسواق. أما في الفكر السياسي الإسلامي، فقد قدم ابن خلدون رؤية عن العصبية كعامل تماسك اجتماعي، بينما أشار الماوردي إلى دور "أهل الحل والعقد" كممثلين للمجتمع في اتخاذ القرارات، وركز ابن تيمية على مسؤولية المجتمع في مراقبة الحاكم. ومع دخول الحداثة، تأثر المفكرون العرب بالنموذج الغربي للمجتمع المدني، حيث دعا رفاعة الطهطاوي إلى تأسيس مؤسسات مدنية تدعم التقدم، بينما اعتبر عبد الرحمن الكواكبي أن قوة المجتمع المدني ضرورية لمواجهة الاستبداد. وفي الفكر العربي المعاصر، انقسمت الرؤى بين تيار إسلامي وقومي يرى المجتمع المدني متجذرًا في القيم الدينية، وتيار ليبرالي وعلماني يؤكد على فصله عن الدولة لضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان. ورغم التحديات، (مثل تدخل الدولة وضعف الحريات) يبقى تعزيز المجتمع المدني ضروريًا للنهوض بالمجتمعات العربية وتحقيق التنمية المستدامة13.

ومنه يشير مفهوم المجتمع المدني إلى دور الأفراد والمؤسسات في تنظيم شؤونهم بشكل مستقل عن الدولة، من خلال آليات مثل الأوقاف، والشورى، والتكافل الاجتماعي. ورغم أن المصطلح لم يكن مستخدمًا بصيغته الحديثة في التاريخ الإسلامي، إلا أن بنيته كانت حاضرة في مؤسسات أهلية، كالأوقاف التي مولت المدارس والمستشفيات، ونظام الحسبة الذي راقب الأسواق. وقد قدم مفكرون مثل ابن خلدون رؤى حول العصبية كمصدر للتماسك الاجتماعي، والماوردي عن دور "أهل الحل والعقد"، وابن تيمية عن مسؤولية المجتمع في مراقبة الحاكم. مع دخول الحداثة، تأثر المفكرون العرب بالنموذج الغربي؛ فدعا الطهطاوي إلى تأسيس مؤسسات مدنية تدعم التقدم، واعتبر الكواكبي المجتمع المدني قوة ضرورية لمواجهة الاستبداد. وفي الفكر العربي المعاصر، برز اتجاه إسلامي يربط المجتمع المدني بالقيم الدينية، مقابل تيار ليبرالي يدعو لفصله عن الدولة لضمان الديمقراطية. ورغم التحديات التي تواجهه، مثل تدخل الدولة وضعف الحريات، يبقى المجتمع المدني عنصرًا أساسيًا لتحقيق التنمية في العالم العربي.

5. المفاهيم ذات الصلة بالمجتمع المدني:

فنجده يشمل مجموعات ومنظمات تعمل لخدمة الناس دون أن تكون جزءً من الحكومة (أي مستقلة تماما) هنالك مفاهيم قريبة منه مثل المجتمع الأهلي الذي يمثل كل كيان قائم على الروابط التقليدية (مثل الاسرة، العشرة، القبيلة…) والمجتمع السياسي الذي يشمل الأحزاب والحكومات كما نجد أيضا المجتمع المحلي الذي يهتم بمشاكل الناس في منطقتهم، والقطاع الثالث الذي يشمل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الربحية. كذلك الحركات الاجتماعية التي تسعى للتغيير في قضايا (مثل حقوق الإنسان والبيئة) والمنظمات غير الحكومية التي تعمل بشكل مستقل عن الدولة والشركات لمساعدة الناس وتحسين المجتمع.

حيث عَبَرَ المجتمع المدني من خلال نشأته بمراحل عديدة في سيرورة حتى وصل إلى التركيبة المميزة له في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة في عصرنا الحالي. وينبغي أن ندرك أن كل مرحلة توزعت بتوفر إلى حد ما أقل من المتطلبات اللازمة لتميز المجتمع المدني بتركيبته الخاصة. وبهذا الخصوص هناك من يحدد مجموعة من الشروط التاريخية التي من خلال فصلها مناخا تماما، بل من الضروري أن نبرز ما يسمى بالمجتمع المدني في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة. ولا مانع من وجود شرطين على الأقل للدلالة على وجود المجتمع المدني الذي يجب تمييزها عن ظواهر مثل: الليبرالية، الاقتصاد الرأسمالي وغيرها من الظواهر الأخرى المصاحبة لقيامه كذا ظهور الفروق بين الديمقراطية الحديثة في الدولة الليبرالية وتحرر في التنظيمات التطوعية والمنظمات في المجتمع بالنظر إلى هذه المجموعة من الاشتراطات البسيطة التي بدأت عن المرحلة الأولى في مستوى الوعي الاجتماعي والتحولات الاستراتيجية على نظام المجتمع وتأريخ سيره واشتغاله، وهي صلاحيات تتحدد تاريخيا واجتماعيا، والقيام بذلك عن طريق المشاركة أو الخروج عن طريق المؤدي إليها. هذا الطريق الذي يمر حتما بترسيخ الممارسة وضمان حقوق الإنسان وحيث يمكن القول أن المجتمع المدني يمثل حجر أساس وركيزة أساسية في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا ووعيًا.

6. تجليات المجتمع المدني في الفكر الجزائري:

حتى في بلدنا الجزائر نموذجا بارزا فإذا أردنا إسقاط هذه الفكرة عليها فنجد لديها أهمية كبيرة ذلك بإلقاء الضوء على المناطق المهمشة سواء مناطق ظل او مؤسسات تعرف تقشفا ونوعًا من التهميش من قبل السلطات سواء أكان تهميشاً عفويا أو غير ذلك، حيث يتاح للأفراد فرصة المشاركة الفاعلة في القضايا العامة بعيدًا عن سلطة الدولة والسوق، ومن خلال دوره في دعم الإستقرار كذا تعزيز القيم الديمقراطية وحيث يعدّ المجتمع المدني في الجزائر بذلك عنصرًا أساسيًا في النسيج الاجتماعي والسياسي، حيث يضم مجموعة واسعة من الجمعيات، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات، والمبادرات التطوعية التي تسعى إلى تعزيز الحقوق، وتحقيق التنمية، وتقديم المساعدة الإنسانية. ورغم أن دوره أصبح أكثر بروزًا في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات هيكلية وقانونية تعرقل تطوره وفعاليته. تاريخيًا، كان المجتمع المدني في الجزائر مرتبطًا بالحركات التحررية والاجتماعية منذ فترة الاستعمار الفرنسي، حيث لعب دورًا حيويًا في دعم المقاومة، وبعد الاستقلال، عرفت الجزائر نمطًا من الدولة المركزية التي حدّت من استقلالية الجمعيات، مما أدى إلى تحجيم دور المجتمع المدني لعقود طويلة.

مع بداية التسعينيات، وخاصة بعد الإصلاحات السياسية التي أقرها دستور 1989، شهد المجتمع المدني انفتاحًا ملحوظًا، حيث سمح بظهور تعددية جمعوية ونقابية أوسع. لكن سرعان ما قُيد هذا التقدم بفعل الأحداث السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد خلال العشرية السوداء، مما أدى إلى فرض المزيد من القيود القانونية، أبرزها قانون الجمعيات لعام 2012، الذي فرض إجراءات صارمة على تأسيس الجمعيات وتمويلها، وأعطى للسلطات صلاحيات واسعة في حلّها أو منع أنشطتها.

ورغم هذه العراقيل، استطاع المجتمع المدني الجزائري أن يلعب أدوارًا مهمة، لا سيما في أوقات الأزمات، مثل جائحة كورونا، حيث بادرت الجمعيات إلى تنظيم حملات تضامنية واسعة، وتوزيع المساعدات، ودعم الفئات الهشة. كما أظهر الحراك الشعبي منذ 2019 ديناميكية جديدة، حيث أصبحت الجمعيات والمبادرات المدنية أكثر انخراطًا في النقاش العام، مطالبة بإصلاحات سياسية، وتعزيز الحريات، وتفعيل دور المجتمع المدني كشريك حقيقي في التنمية والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، إذ تواجه الجمعيات صعوبات في التمويل والاستقلالية، إضافة إلى نظرة رسمية ترى في بعض أشكال النشاط المدني تهديدًا محتملاً للاستقرار14.

لكن رغم هذه العقبات، يبقى المجتمع المدني في الجزائر ركيزة أساسية لأي تحول ديمقراطي وتنموي، حيث يشكل فضاءً للمشاركة الشعبية والتعبير عن المطالب المجتمعية، ما يجعل مستقبله مرتبطًا بالإصلاحات القانونية والسياسية التي قد تمنحه هامشًا أوسع من الحرية والفاعلية. في حين ان اليوم يعيش المجتمع المدني في الجزائر اليوم وضعًا معقدًا تتداخل فيه الفرص والتحديات، في ظل بيئة سياسية وقانونية تفرض قيودًا على عمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، لكن في الوقت ذاته، تتيح فضاءات محدودة للنشاط المدني. فعلى الرغم من أن الجزائر تزخر بآلاف الجمعيات الناشطة في مجالات متعددة، مثل حقوق الإنسان، التنمية، البيئة، والثقافة، إلا أن الواقع الراهن يكشف عن صعوبات تتعلق بالإطار القانوني، والتمويل، والاستقلالية، خاصة بعد التطورات السياسية الأخيرة التي أعقبت الحراك الشعبي لعام 2019.

من الناحية القانونية، لا يزال قانون الجمعيات لعام 2012 ساري المفعول، وهو قانون يفرض إجراءات معقدة لتأسيس الجمعيات، ويمنح السلطات صلاحيات واسعة لحلها أو رفض اعتمادها دون مبررات واضحة. كما أن التمويل يمثل عائقًا كبيرًا، إذ تواجه الجمعيات قيودًا على تلقي الدعم الأجنبي، في حين أن الموارد المحلية، سواء من القطاع الخاص أو تبرعات الأفراد، لا تزال محدودة بسبب غياب سياسات واضحة لدعم العمل المدني. هذه العوامل تجعل العديد من الجمعيات غير قادرة على الاستمرار أو تؤدي إلى تحولها نحو العمل الخيري البحت، بدلاً من التركيز على القضايا الحقوقية أو الإصلاحية.

أما على مستوى النشاط الميداني، فقد برزت الجمعيات كفاعل مهم خلال الأزمات، مثل جائحة كورونا وحرائق الغابات التي شهدتها بعض الولايات في السنوات الأخيرة، حيث لعبت دورًا أساسيًا في تعبئة الموارد وتقديم الدعم للمتضررين، في ظل محدودية الاستجابة الرسمية. لكن في المقابل، هناك تضييق على الجمعيات ذات الطابع السياسي أو الحقوقي، حيث تواجه قيودًا على أنشطتها، سواء من خلال عدم منحها التراخيص لتنظيم فعالياتها أو فرض ضغوط على أعضائها في السياق الراهن، هناك مطالب متزايدة بإصلاحات قانونية تضمن استقلالية المجتمع المدني وتوسع من دوره في صناعة القرار العام، خاصة في ظل تعهدات السلطة السياسية بإعطاء دور أكبر للمجتمع المدني كشريك في التنمية. ومع ذلك، فإن هذه الوعود لا تزال تصطدم بواقع يتسم بعدم الثقة بين الدولة والجمعيات، حيث يُنظر إلى بعض مكونات المجتمع المدني على أنها امتداد للمعارضة، بينما ترى الجمعيات نفسها أنها تعمل في إطار المصلحة العامة دون أجندات سياسية مباشرة.

بالتالي، فإن مستقبل المجتمع المدني في الجزائر مرتبط بالإصلاحات السياسية والقانونية التي قد تمنحه مجالًا أوسع للعمل، إضافة إلى قدرة الناشطين على تنظيم أنفسهم بشكل أكثر احترافية واستقلالية. ورغم الصعوبات، فإن الحراك الاجتماعي والتغيرات الجيلية داخل المجتمع الجزائري قد تدفع باتجاه ديناميكية جديدة تجعل من المجتمع المدني فاعلًا رئيسيًا في التحولات القادمة ورغم ذلك كله إلا ان المجتمع المدني يظل في نهاية المطاف قوة ديناميكية تساهم في إحداث طفرة وتحولات إيجابية تعكس وعي المجتمعات وتطلعاتها نحو مستقبل أكثر عدالة وازدهارٍ.

يُعدّ المجتمع المدني ركيزة أساسية في أي مجتمع متطور، حيث يسهم في نشر الوعي، وتعزيز الحقوق، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال الجمعيات والمنظمات التي تهتم بقضايا التعليم، والصحة، والبيئة، والعدالة الاجتماعية. فهو يمثل صوت المواطنين، ووسيلة لتقوية الروابط بين الأفراد، وتمكينهم من المشاركة الفعالة في القرارات التي تؤثر على حياتهم.

رغم دور المجتمع المدني الإيجابي، إلا أنه قد يواجه بعض الآثار السلبية، مثل استغلال بعض الجمعيات والمنظمات لأغراض شخصية أو سياسية بدلًا من خدمة المجتمع. كما يمكن أن يؤدي التدخل الخارجي في تمويل بعض المنظمات إلى فقدان استقلاليتها وتأثير أجندات خارجية على قراراتها. إضافة إلى ذلك، قد تعاني بعض الجمعيات من ضعف التنظيم والفساد الداخلي، مما يقلل من فعاليتها. كما أن التعدد الكبير للمنظمات دون تنسيق بينها قد يسبب تشتت الجهود وعدم تحقيق نتائج ملموسة ومن الآثار السلبية التي قد تصادفه وتعرقل من سيره نذكر منها: أنه يسبب بعض المشكلات عندما لا يتم تنظيمه بشكل جيد أو عندما يتم استغلاله لأغراض غير مشروعة من بينها:

- الاستغلال السياسي: بعض المنظمات والجمعيات قد تتحول إلى أدوات بيد جهات سياسية تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، بدلًا من خدمة المجتمع بموضوعية يمكن أن تساهم هذه المنظمات في نشر التفرقة وزرع الخلافات بين الأفراد بدلًا من تعزيز الوحدة والتضامن.

- التدخل الأجنبي وفقدان الاستقلالية: بعض الجمعيات تعتمد على تمويل خارجي، مما قد يجعلها تخدم أجندات دولية بدلًا من التركيز على قضايا المجتمع المحلي في بعض الحالات، قد تستخدم المنظمات كواجهة للتأثير على القرارات السياسية والاقتصادية للدولة.

- ضعف التنظيم والفساد الداخلي: بعض الجمعيات تعاني من مشاكل إدارية مثل سوء التسيير، وعدم وجود شفافية في التصرف في الأموال.

يمكن أن تتحول بعض الجمعيات إلى مشاريع شخصية تسعى فقط لجمع التمويل دون تقديم خدمات حقيقية.

- تشتت الجهود وعدم الفعالية: في بعض البلدان، يوجد عدد كبير جدًا من الجمعيات التي تعمل في نفس المجال دون تنسيق فيما بينها، مما يؤدي إلى تكرار الجهود وعدم تحقيق نتائج ملموسة.

غياب آليات رقابية فعالة يؤدي إلى ضعف تأثير بعض الجمعيات في المجتمع.

-إضعاف دور الدولة في بعض المجالات فعندما تتدخل المنظمات المدنية بشكل مفرط في تقديم الخدمات الاجتماعية (مثل التعليم والصحة)، قد يؤدي ذلك إلى تقليل دور الدولة في هذه المجالات، مما قد يسبب مشاكل على المدى الطويل. قد تعتمد بعض الحكومات على المجتمع المدني لسد ثغرات في الخدمات الأساسية، بدلًا من تحسين البنية التحتية والسياسات العامة.

ومنه نستطيع القول أن المجتمع المدني أداة قوية للتغيير الإيجابي، لكنه ليس دائمًا مثاليًا. إذا لم تكن هناك ضوابط وآليات رقابة جيدة، فقد يتحول إلى أداة للتلاعب السياسي، أو يصبح غير فعال بسبب الفساد وسوء التنظيم. لذا، من المهم العمل على تعزيز الشفافية والرقابة لضمان أن تبقى منظمات المجتمع المدني تخدم المجتمع بشكل حقيقي.

خاتمة:

في الختام، يمكن القول بأن المجتمع المدني سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون قوة بنّاءة تساهم في التنمية والديمقراطية، لكنه قد يكون أيضًا أداة للفوضى أو الاستغلال إذا لم يُدار بشكل مسؤول. لكنه مع ذلك يُعدّ جزءًا مهمًا من أي مجتمع حديث من الصعب الاستغناء عن دوره تمامًا، خاصة في المجتمعات التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع. المجتمع المدني ليس مجرد كيان إضافي، بل هو عنصر أساسي في تعزيز الديمقراطية، وحماية الحقوق، وتقديم الخدمات التي قد تعجز الدولة عن توفيرها بكفاءة، حيث يساعد في نشر الوعي، والدفاع عن الحقوق، وتعزيز المشاركة في القضايا العامة. كما يلعب دورًا كبيرًا في التنمية، من خلال الجمعيات والمنظمات التي تهتم بالتعليم، والصحة، وحماية البيئة، وغيرها من المجالات بينما في الجزائر، شهد المجتمع المدني تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الجمعيات والمنظمات تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الفئات المحتاجة، والمطالبة بالإصلاحات، وحماية الحريات العامة. ورغم ذلك، لا يزال يواجه تحديات عديدة، مثل القيود القانونية وصعوبة الحصول على التمويل وضعف التعاون مع الدولة، ومع ذلك فإن تقوية المجتمع المدني ودعمه يمكن أن يسهم في بناء جزائر أكثر ازدهارًا وعدالة، حيث يكون للمواطنين دور حقيقي في رسم مستقبل بلدهم. فكلما زادت حرية هذه المنظمات واستقلاليتها، زادت قدرتها على إحداث تغيير إيجابي يخدم المجتمع بأسره.

***

جيهان بهلولي

قسم الفلسفة / جامعة باجي مختار - عنابة

..........................

قائمة مصادر ومراجع:

1. الطاهر بلعيور، المجتمع المدني كبديل سياسي في الوطن العربي، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة بسكرة، العدد 10، 2006، ص ص3-4

2. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ج2، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1982، ص471

3. اماني قنديل، الموسوعة العربية للمجتمع المدني، مكتبة الأسيرة، القاهرة، ط1، ص64

4. وائل السواح، الديموقراطية، سلسلة التربية البدنية، منشورات بيت المواطن، دمشق، ط1، 2014، ص48

5. حسام شحادة، المجتمع المدني، بيت المواطن للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2015، ص16

6. فريال حسن خليفة، المجتمع المدني عند توماس هوبز وجون لوك، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، ، 2004، ص 16

7. فريال حسن خليفة، المجتمع المدني عند توماس هوبز وجون لوك، المرجع السابق، ص18

8. جون إهرنبرغ، المجتمع المدني، التاريخ النقدي للفكرة، ترجمة علي حاكم صالح حسن ناظم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008، ص290

9. رضوان زيادة، تحديات الإصلاح في العالم العربي، مركز الراية للتنمية الفكرية، دمشق، ط1، 2006، ص 124

10. رضوان زيادة، تحديات الإصلاح في العالم العربي، المرجع السابق، ص125

11. بن داود إبراهيم ، المجتمع المدني بين الفاعلية والتغيِّيب، دار الكتاب الحديثة، القاهرة، ط1، 2015، ص13

12. بن داود إبراهيم، المجتمع المدني بين الفاعلية والتغيِّيب، المرجع السابق، ص38

13. سعد الدين إبراهيم، المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1993، ص 25-40.

14. حسينة حماميد، المجتمع المدني في الجزائر: الواقع والمعوقات، مجلة الصراط، مجلد 14، العدد1 ، 2012. ص71—120

 

في المثقف اليوم