ترجمات أدبية
سامانثا شويبلين: رجل بلا حظ

بقلم: سامانثا شويبلين
ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم
***
في اليوم الذي أكملت فيه ثماني سنوات، شربت أختي- التي كانت دائمًا تحب أن تكون محور الاهتمام - كوباً كاملاً من مبيض الملابس دفعة واحدة. كانت آبي في الثالثة من عمرها. في البداية ابتسمت، ربما بشعور من الاشمئزاز؛ ثم تغير وجهها بتعبير ينم عن الخوف والألم. عندما رأت أمي الكوب الفارغ يتدلى من يد آبي، أصبحت شديدة الشحوب مثل آبي.
- آبي، يا إلهي!
كان هذا كل ما قالته أمي، كررت:
- آبي، يا إلهي!
واستغرق الأمر منها بضع ثوانٍ أخرى لتتحرك.
هزتها من كتفيها، لكن آبي لم تستجب. صرخت عليها، لكن آبي لم تستجب أيضاً. جرت نحو الهاتف واتصلت بأبي، وعندما عادت كانت آبي ما تزال واقفة، والكوب يتدلى من يدها. أخذت أمي الكوب ورمته في الحوض. فتحت الثلاجة، أخذت الحليب وسكبته في كوب. ظلت تراقب الكوب، ثم آبي، ثم الكوب، وفي النهاية رمت الكوب أيضاً في الحوض.
وصل أبي، الذي كان يعمل قريباً جداً من المنزل، في الحال، وكان لدى أمي الوقت الكافي لتعيد عرض كوب الحليب مرة أخرى، قبل أن يصل بسيارته ويبدأ في إطلاق البوق والصراخ.
أسرعت أمي كالبرق وهي تحمل آبي على صدرها. كانت الأبواب الأمامية، والبوابة، وأبواب السيارة كلها مفتوحة. وكان هناك المزيد من صوت البوق، وانخرطت أمي، التي كانت جالسة بالفعل في السيارة، في البكاء. اضطر أبي إلى مناداتي مرتين حتى أفهم أن عليّ أن أغلق الأبواب.
قطعنا أول عشرة مربعات سكنية في وقت أقل مما استغرقه إغلاق باب السيارة وربط حزام الأمان. ولكن عندما وصلنا إلى الشارع الرئيسي، كانت حركة المرور تكاد تكون متوقفة تمامًا. بدأ أبي في إطلاق البوق والصراخ من النافذة: "أنا ذاهب إلى المستشفى! أنا ذاهب إلى المستشفى!" تحركت السيارات من حولنا وسمحت لنا بالمرور بطريقة معجزة ثم تبدأ المشكلة مرة أخرى بعد بضع سيارات. توقّف أبي خلف سيارة أخرى، وتوقف عن الضغط على البوق وضرب رأسه على المقود. لم أرَه يفعل شيئاً من هذا القبيل من قبل. كانت هناك لحظة من الصمت، ثم جلس ونظر إلي عبر مرآة السيارة. استدار وقال لي:
- اخلعي سروالك الداخلي.
كنت أرتدي زي المدرسة. كل ملابسي الداخلية كانت بيضاء، لكنني لم أكن أفكر في ذلك حينها، ولم أفهم طلب أبي. ضغطت يدي على المقعد لأحصل على دعم أفضل. نظرت إلى أمي، فصرخت:
- اخلعي ملابسك الداخلية اللعينة!
خلعت ملابسي الداخلية. أخذها أبي من يدي. نزلت النافذة، وواصل الضغط على البوق وأخرج ملابسي الداخلية إلى الخارج. رفعها عالياً بينما كان يصرخ ويواصل الضغط على البوق، ولفت كل الأنظار في الشارع الرئيسي. كانت الملابس الداخلية صغيرة، لكنها أيضاً كانت بيضاء جداً. خلفنا بشارع واحد، فتحت سيارة إسعاف صفارات الإنذار، ولحقت بنا بسرعة وبدأت تفتح لنا الطريق. واصل أبي التلويح بالملابس الداخلية حتى وصلنا إلى المستشفى.
أوقف أبى السيارة بجوار سيارات الإسعاف، وقفزوا منها. دون انتظار، أخذت أمي آبي وركضت مباشرة إلى داخل المستشفى. لم أكن متأكدة مما إذا كان ينبغي علي النزول أم لا: لم أكن أرتدي ملابس داخلية، ونظرت حولي لأرى أين تركها أبي، لكنها لم تكن على المقعد ولا في يده، التي كانت قد أغلقت بالفعل باب السيارة من الخارج.
قال أبي:
- هيا، هيا .
فتح أبي بابي وساعدني على النزول، ثم أقفل السيارة. ربت على كتفي عدة مرات ونحن نسير نحو غرفة الطوارئ. خرجت أمي من غرفة في نهاية الممر وأشارت لنا. شعرت بالارتياح لرؤيتها تتحدث مرة أخرى، وتقدم تفسيرات للممرضات.
قال أبي، مشيرًا إلى بعض الكراسي البرتقالية على الجانب الآخر من الممر.
- ابقي هنا .
جلست. دخل أبي إلى غرفة الاستشارات مع أمي وانتظرت لفترة. لا أعلم كم من الوقت قد مر، لكن شعرت بأنه طويل. ضغطت ركبتيَّ معًا بإحكام وفكرت في كل ما حدث بسرعة، وفي احتمال أن يكون أي من أطفال المدرسة قد رأى كل ما جرى مع ملابسي الداخلية. عندما جلست بشكل مستقيم، ارتفع قميصي قليلًا، ولامس الجزء العاري من مؤخرتي جزءًا من الكرسي البلاستيكي. أحيانًا كانت الممرضة تدخل أو تخرج من غرفة الاستشارات، وكنت أسمع والديَّ يتجادلان. في لحظة ما، مددت رقبتي وألقيت نظرة على آبي وهي تتحرك بقلق على أحد الأسرة، وعرفت حينها أنها، على الأقل اليوم، لن تموت. ومع ذلك، كان علي أن أنتظر. ثم جاء رجل وجلس بجانبي. لا أعرف من أين أتى، لم أره من قبل. سألني:
- كيف حالك؟
فكرت في أن أقول «بخير»، وهو ما تقوله أمي دائمًا إذا سألها أحدهم كيف حالها، حتى لو كانت قد أخبرتني وآبي للتو بأنها على وشك الجنون بسببنا.أجبت:
- بخير.
- هل تنتظرين أحدًا؟
فكرت في الأمر. لم أكن حقًا أنتظر أحدًا؛ على الأقل لم يكن هذا ما كنت أرغب في فعله حينها. لذلك هززت رأسي، فقال:
- لماذا تجلسين في غرفة الانتظار إذن؟
فهمت أن ذلك كان تناقضًا كبيرًا. فتح حقيبة صغيرة كانت على ركبتيه. فتش قليلًا، بدون استعجال. ثم أخرج من محفظة ورقة ذات لون وردي .
- ها هي، كنت أعلم أنني أحتفظ بها في مكان ما.
كانت الورقة تحمل الرقم 92. قال:
- هذه تذكرة لآيس كريم، إنني أدعوك.
أخبرته أنني لا أقبل أشياء من الغرباء.
- لكنها مجانية، لقد ربحتها.
- لا.
نظرت إلى الأمام وساد صمت بيننا.
قال، دون أن يظهر عليه الغضب:
- كما تحبين.
أخرج من حقيبته مجلة وبدأ في حل الكلمات المتقاطعة. ثم . فُتح باب غرفة الاستشارات مرة أخرى وسمعت أبي يقول: «لن أسمح بهذه الحماقة.» أتذكر ذلك لأن هذه العبارة هي التي ينهي بها والدي تقريبًا أي جدال أو نقاش، ولكن لا يبدو أن أحدا قد سمعه.
قلت:
- اليوم عيد ميلادي.
كررت في نفسي: إنه عيد ميلادي. ماذا يجب أن أفعل؟
أمسك الرجل القلم ليضع علامة في أحد مربعات اللغز، ونظر إليّ بدهشة. أومأت برأسي دون أن أنظر إليه، مدركة أنني جذبت انتباهه مرة أخرى.
قال وقد أغلق المجلة:
- لكن… في الحقيقة، أحيانًا أجد صعوبة في فهم النساء. إذا كان عيد ميلادك، لماذا أنت في غرفة الانتظار؟
لقد كان رجلاً مراقباً. اعتدلت في جلستي ورأيت أنني، حتى في تلك اللحظة، لم أصل إلا إلى كتفيه.ابتسم وعدلت شعري. ثم قلت:
-لا أرتدي ملابس داخلية.
لم أعرف لماذا قلت ذلك. كان يوم عيد ميلادي وكنت بدون ملابس داخلية، وكان ذلك شيئًا لم أستطع التوقف عن التفكير فيه. كان لا يزال ينظر إليّ. ربما شعر بالقلق أو الإهانة، وفهمت أنه رغم أنني لم أكن أقصد ذلك، كان هناك شيء غير لائق في ما قلته للتو.
قال:
- ولكنه عيد ميلادك .
أومأت برأسي.أضاف:
- هذا ليس عدلًا. لا يمكن للشخص أن يتجول بدون ملابس داخلية في عيد ميلاده.
قلت:
- أعرف .
قلت ذلك بثقة كبيرة، لأنني الآن فهمت تمامًا كيف كان عرض آبي بأكمله بمثابة إهانة شخصية لي.
جلس للحظة دون أن يقول شيئًا. ثم نظر باتجاه النوافذ الكبيرة التي تطل على موقف السيارات.ثم قال:
- أعرف أين يمكن الحصول على ملابس داخلية لك .
- أين؟
- المشكلة محلولة.
جمع أغراضه ووقف.
ترددت في النهوض. كان ذلك بسبب عدم ارتدائي للملابس الداخلية، ولكن أيضًا لأنني لم أكن أعرف ما إذا كان يقول الحقيقة أم لا. نظر نحو مكتب الاستقبال ولوح بيده للموظفات.
قال، مشيرًا إليّ:
- سنعود حالًا .. إنه عيد ميلادها.
ثم فكرت، يا إلهي، من فضلك لا تدعه يقول أي شيء عن ملابسي الداخلية، لكنه لم يفعل: فتح الباب وغمز لي، وعندها عرفت أنني يمكن أن أثق به.
خرجنا إلى مواقف السيارات. وأنا واقفة بالكاد كنت أبلغ خصره. كانت سيارة والدي ما زالت بجانب سيارات الإسعاف، وكان شرطي يدور حولها، منزعجًا. ظللت أراقبه وهو يرانا نبتعد. كان الهواء يلتف حول ساقيّ ويرفع تنورتي إلى أعلى لتبدو مثل خيمة ؛ كان يجب عليّ المشي وأنا أمسك بها، مع الإبقاء على ساقيّ ملتصقتين بشكل غير مريح. .
التفت إليّ ليرى إذا كنت أتبعه ورآني أتعامل بصعوبة مع ملابسي.
- من الأفضل أن نلتصق بالجدار..
- أريد أن أعرف إلى أين نحن ذاهبان.
- لا تكوني لحوحة، يا عزيزتي..
نعبر الشارع وندخل إلى مركز التسوق. لقد كان مركز تسوق قبيح للغاية، وكنت متأكدة أن أمي لا تأتي إلى هنا. سرنا إلى الخلف حيث كان هناك متجر ملابس كبير، متجر ضخم حقًا لا أعتقد أن أمي زارته أيضًا. قبل أن ندخل، قال "لا تبتعدي" وأعطاني يده، التي كانت باردة وناعمة جداً. رحب بالصرافين بنفس الطريقة التي رحب بها بالموظفات عند خروجنا من المستشفى، لكنني لم أرَ أي شخص يرد عليه.
تقدمنا بين أروقة الملابس. بالإضافة إلى الفساتين والسراويل والتيشرتات، كانت هناك ملابس عمل: خوذات، ملابس عمل صفراء مثل التي يرتديها عمال النظافة، زيّ عاملات النظافة، أحذية بلاستيكية، وحتى بعض الأدوات. تساءلت إذا كان يشتري ملابسه من هنا وإذا كان يستخدم أيا من هذه الأشياء، ثم تساءلت أيضاً عن اسمه. قال:
- ها نحن هنا.
كنا محاطين بطاولات الملابس الداخلية للرجال والنساء. إذا مددت يدي، كان بإمكاني لمس صندوق كبير من السراويل الداخلية العملاقة، أكبر من أي شيء رأيته في حياتي، وسعر كل منها ثلاثة بيزو فقط. بواحد من تلك الملابس الداخلية يمكنك صنع ثلاثة سراويل لشخص بحجمي . قال وهو يأخذني إلى قسم آخر يحتوي على سروايل أصغر:
- ليست هذه . انظري إلى كل هذه السراويل... أي واحدة ستختارين، سيدتي؟
نظرت قليلاً. كانت معظمها وردية أو بيضاء. أشرت إلى واحدة بيضاء، واحدة من القلائل التي لم يكن عليها شريط.
قلت:
- هذه. لكن لا أستطيع دفع ثمنها .
اقترب قليلًا وقال في أذني:
- لا يهم .
- هل أنت المالك؟
-لا. إنه عيد ميلادك.
ابتسمت.
– ولكن علينا أن نجد أفضل منها. يجب أن نكون متأكدين .
قلت بحذر:
- حسنًا يا عزيزي .
قال:
- لا تقولي: حسنًا يا عزيزي، لأنني أشعر بالغضب .
وقام بتقليدي وأنا أمسك بتنورتي في موقف السيارات.
لقد أضحكني. وعندما انتهى من المزاح، مدّ أمامي قبضتيه المغلقتين وبقي على هذا الوضع حتى فهمت ولمست اليد اليمنى. فتحها: كانت فارغة..
- مازال يمكنك اختيار الأخرى.
لمست القبضة الأخرى. استغرق الأمر مني بعض الوقت لأفهم أنه كان لباسًا داخليًا لأنني لم أر قط سروالًا أسود. وكانت للفتيات لأنها كانت مزينة بقلوب بيضاء، صغيرة جدًا حتى أنها بدت وكأنها نقاط، وكان وجه هيلو كيتي في المقدمة، في المكان الذي عادة ما يكون فيه الشريط الذي لا يعجبني أنا وأمي على الإطلاق. قال:
- عليك أن تجربي ذلك.
وضعت السروال الداخلي على صدري. مد لي يده مرة أخرى وذهبنا إلى غرف القياس التي بدت خالية. ألقينا نظرة من بعيد. قال إنه لا يعرف إن كان بإمكانه الدخول معي، لأن الغرف كانت للنساء فقط. قال إنني سأضطر للذهاب وحدي. كان ذلك منطقيًا لأن، ما لم يكن شخصًا تعرفينه جيدًا، لا ينبغي أن يرى الناس ملابسك الداخلية. لكنني كنت خائفة من الذهاب إلى غرفة القياس وحدي، أو الأسوأ: أن أخرج من الغرفة ولا أجد أحداً. سألت:
- ما اسمك؟
– لا أستطيع أن أخبرك بذلك.
- لماذا؟
انحنى قليلاً، ليصبح تقريباً في نفس طولي، أو ربما كنت أنا أطول منه ببضعة سنتيمترات.
- لأنني ملعون .
- ملعون؟ ما هي اللعنة؟
- امرأة تكرهني قالت إنه في المرة القادمة التي أذكر فيها اسمي سأموت..
ظننت أن ذلك قد يكون مزحة أخرى، لكنه قالها بجدية تامة.
- يمكنك أن تكتب لي الاسم.
- أكتبه؟
- إذا كتبته فلن تقوله، بل ستكتبه. وإذا كنت أعرف اسمك، فيمكنني الاتصال بك ولن أخاف من الذهاب إلى غرفة القياس بمفردي.
- لكننا لسنا متأكدين. ماذا لو كانت الكتابة بالنسبة لتلك المرأة هي أيضًا قول؟ ماذا لو كانت تعني بالقول الإشارة أو إبلاغ اسمي بأي طريقة كانت؟
- وكيف ستعرف؟
- الناس لا يثقون بي وأنا الرجل الأسوأ حظًا في العالم.
- هذا غير صحيح، ولا توجد طريقة لمعرفة ذلك.
- أعرف ما أقوله لك.
نظرنا معًا إلى السروال الداخلي في يدي. فكرت أن والديّ قد يكونان قد انتهيا الآن
من أمر آبي. قلت:
- لكنه عيد ميلادي.
ربما فعلت ذلك عمدا، هذا ما شعرت به في تلك اللحظة: امتلأت عيناي بالدموع. ثم عانقني، وكانت حركة سريعة جدًا، وضع ذراعيه على ظهري وضمني بقوة لدرجة أن وجهي دُفن في صدره. ثم أطلق سراحي، وأخرج مجلته وقلم رصاص، وكتب شيئًا على الهامش الأيمن للغلاف، ثم مزقه وطواه ثلاث مرات قبل أن يسلمني إياه. قال:
- لا تقرئيها .
ثم نهض ودفعني برفق نحو غرف القياس.
تجاوزت أربعة غرف قياس فارغة، متبعة الممر، وقبل أن أستجمع شجاعتي وأدخل الغرفة الخامسة، وضعت الورقة في جيب تنورتي والتفتت لأنظر إليه، وتبادلنا الابتسامات.
جربت السروال الداخلي. كان مثاليًا. رفعت المعطف لأرى كيف يبدو عليّ. كان مثاليًا جدًا. كان يناسبني بشكل مذهل، ولأنه كان أسود اللون، لن يطلب مني والديّ استخدامه ليلوح به من النافذة خلف سيارة الإسعاف، وحتى لو فعل ذلك، لن أشعر بالحرج الشديد من أن زملائي يرونه. "انظروا إلى السروال الداخلي الذي تملكه هذه الفتاة"، سيفكرون، "ما أجمله من سروال داخلي". أدركت أنني لا أستطيع خلعه الآن. وأدركت شيئًا آخر: لم يكن له علامة أمان. كانت هناك علامة صغيرة حيث تكون العلامة عادة، ولكن لم يكن هناك إنذار.وقفت لحظة أطول أنظر إلى نفسي في المرآة، ثم لم أستطع التحمل أكثر وأخرجت الورقة الصغيرة، فتحتها وقرأت ما فيها .
خرجت من غرفة القياس ولم يكن هو في المكان الذي تركته فيه، ولكن كان أبعد قليلًا، بجانب ملابس السباحة. نظر إليّ، وعندما رأى أنني لم أكن أحمل الملابس الداخلية، غمز لي، وكنت أنا من أخذت يده. هذه المرة ضمّني بإحكام أكثر وكنت راضية عن ذلك؛ معًا، مشينا نحو المخرج. كنت أثق في أنه يعرف ما يفعله. إن الرجل الذي بدت عليه ملامح الحظ السيئ يعرف كيف يتعامل مع هذه الأمور.
تجاوزنا خط الدفع من المدخل الرئيسي. نظر إلينا أحد رجال الأمن وهو يضبط حزامه. من المؤكد أنه سيعتقد أن الرجل الذي لا يحمل اسمًا هو والدي، وشعرت بالفخر.
مررنا عبر أجهزة الكشف عند الخروج ودخلنا إلى المركز التجاري، وواصلنا المشي في صمت حتى عدنا إلى الشارع في تلك اللحظة رأيت أختي آبي، وحدها، في وسط موقف سيارات المستشفى. ورأيت أمي، على جانبنا من الشارع، تبحث بشكل محموم. كان والدي أيضًا قادمًا نحونا من موقف السيارات. كان يتبع الشرطي الذي كان ينظر إلى سيارته، والذي كان الآن يشير إلينا. حدث كل شيء بسرعة كبيرة رأنا والدي، صرخ باسمي، وبعد ثوانٍ قليلة، كان ذلك الشرطي واثنان آخران ظهروا من العدم قد وصلوا إلينا بالفعل. تركني الرجل غير المحظوظ، لكن يدي ظلت ممدودة نحوه لبضع ثوانٍ. أحاط به الجميع ودفعوه بطريقة سيئة. سألوا عما كان يفعله، وسألوه عن اسمه، لكنه لم يرد.
احتضنتني أمي وتفقدتني من رأس إلى أخمص القدمين. كانت تحمل سروالي الداخلي الأبيض في يدها اليمنى. ثم، أثناء فحصي، لاحظت أنني كنت أرتدي سروالًا داخليًا آخر. رفعت تنورتي بحركة واحدة: كان من غير اللائق والفاحش أن تفعل ذلك أمام الجميع، لدرجة أنني ارتجفت وتعين عليّ أن أتراجع بضع خطوات حتى لا أسقط. نظر إليّ الرجل غير المحظوظ ونظرت إليه. عندما رأت أمي السروال الداخلي الأسود صرخت "ابن العاهرة، ابن العاهرة"، واندفع والدي نحو الرجل وحاول ضربه. حاول الأمن الفصل بينهما. بحثت عن الورقة في جيبي، وضعتها في فمي، وعندما ابتلعتها، كررت اسمه بصمت، عدة مرات، حتى لا أنساه أبدًا.
(تمت)
***
......................
المؤلفة: سَمَانتا شْوِبْلِين / Samanta Schweblinوُلدت في بوينس آيرس، الأرجنتين، في عام 1978. حصل أول كتاب لها، "نواة الاضطراب" (2002)، على جائزة هارولدو كونتي وجائزة الصندوق الوطني للفنون. الثاني، "طائر في الفم" (2009)، حصل على جائزة Casa de las Américas وترجم إلى ثلاث عشرة لغة. حصلت على منح دراسية من مؤسسات مختلفة، وعاشت مؤقتاً في المكسيك وإيطاليا والصين وألمانيا (برلين)، حيث تقيم الآن. اختيرت من قبل المجلة المرموقة "Granta" كواحدة من "أفضل الرواة باللغة الإسبانية" و حصلت مؤخراً على جائزة خوان رولفو من فرنسا.