أقلام ثقافية
بنيامين يوخنا دانيال: اتجاهات حديثة في السياحة الخضراء

تقوم فكرة (السياحة الخضراء) على الأخذ ببعض الاتجاهات الرامية إلى الاهتمام بالبيئة الطبيعية وما تزخر به من حياة نباتية وحيوانية مختلفة وعناصر متميزة وتنوع بيولوجي (حيوي) أولا، والمحافظة عليها وتنميتها على نحو مستدام وفقا لضوابط وأسس الاستدامة المعروفة ثانيا، مع الحيلولة دون تلوثها على قدر المستطاع ثالثا، وتخفيف حدة الآثار السلبية التي قد تتركها بعض الممارسات السياحية التقليدية عليها رابعا، وتجنب مثالبها وعيوبها خامسا. ويمكن تحقيق كل ذلك من خلال تكييف أنشطة وبرامج الشركات السياحية المعنية لتغدو خضراء وصديقة للبيئة ومستوعبة لاهميتها من جانب (البرامج السياحية الخضراء)، ومجدية اقتصاديا من جانب آخر، وبما يتماشى مع هذه الاتجاهات التي باتت ضرورية في الوقت الراهن، مع الارتقاء بمستوى الوعي البيئي لدى السواح وغيرهم، فتكون بذلك : أولا – قائمة على جملة من الحلول المبتكرة والنماذج الحديثة ل (مبادرات مستدامة) بهذه الاتجاه، مثل إيجاد طاقة بديلة جديدة مستمدة من الرياح أو الشمس أو مياه الينابيع المعدنية الساخنة ومياه البحر، وذلك لتغطية احتياجات (المشاريع السياحية الصديقة للبيئة). وتقديم الأطعمة المعتمدة على المنتوجات الزراعية المزروعة بالوسائل التقليدية وغيرها. ثانيا – محققة لمبدأ الاستغلال الأمثل لمكونات هذه البيئة والاستثمار الرشيد لل (أرث الطبيعي والحضاري) القائم وتوسيعه وتكثيفه وتنويعه، باعتبارها مغريات (مشوقات – مجذبات) سياحية مهمة تدخل وبفاعلية في المعادلة التي تربط السياحة بالبيئة. ثاثا – جاعلة السياح على علم بأهمية البيئة الطبيعية عموما، وبالنسبة للنشاط السياحي ومدى ارتباطه بالبيئة على وجه الخصوص باعتبارها أرضية شاسعة وخصبة، تستوعب العديد والعديد من الأنشطة والفعاليات السياحية في ظل تنامي وعي هؤلاء بأهمية هذا الجانب. رابعا – ضامنة لبيئة طبيعية نظيفة ومريحة وخالية من التلوث بأنواعه. مع طرح السبل والكفيلة بحفظها وادارتها على نحو رشيد ومستدام. خامسا – مستوعبة لمعالجات تخص مواضيع جوهرية في الوقت الراهن، مثل إدارة النفايات، صلبة كانت أو سائلة والأخذ بالاتجاهات القائمة على المعالجة وإعادة التدوير، والتقليل من انبعاثات غاز الكربون التي تساهم النشاطات السياحية في توليد (5 %) منه عالميا، والمحافظة على التنوع البيولوجي (الحيوي) الذي بات مهددا خلال الأعوام ال (20) الأخيرة بسبب هذه النشاطات بدليل تزائد السياحة الموجهة إلى المناطق الغنية بهذا التنوع بنسبة (100 %). وإدارة المياه التي تزداد ندرة يوما بعد يوم لعدة أسباب. وصارت تشكل مشكلة فعلية فائمة بعينها، مع إيجاد السبل المثلى للتخلص من المياه غير المرغوبة، وذلك باستخدامها في الحدائق بطرق علمية آمنة، أو لتصنيع السماد العضوي المستخدم في استنبات وانتاج المحاصيل الزراعية الصحية التي باتت مرغوبة الآن لأسباب كثيرة. وبإمكاننا أن نسوق هنا العديد من الأمثلة على هذه الحلول والنماذج التي تزداد وتنتشر يوما بعد يوم. ومنها مشروع السيدة (مليكة حكار) وزوجها الذي أطلق قبل أعوام في منطقة (الشعيبات) ب (دكالة) في (تازوران) جنوب مدينة (الدار البيضاء) المغربية، وهو عبارة عن استراحة قروية روعيت فيها خصائص المجتمع المحلي القائم فيها، وباعتماد مجموعة شروط وتفاصيل تخص جوانب الخدمات والإقامة والاطعام والشراب والترفيه والترويح وغيرها كثيرة. وكلها منسجمة ومتماشية مع المبادئ والأسس البيئية، مثل إيجاد طاقة بديلة عالية المستوى لتوفير قدر وافر من الإضاءة، واستخدام المياه الباردة المستخرجة من الآبار القريبة. كذلك مشروع (حديقة سلام نهر الأردن) بالقرب من (باقورة) أو (نهاريم) جنوب بحيرة (طبريا) على الحدود الأردنية الإسرائيلية الممتد بطول (200) كلم، والذي خططت له منظمة حماية البيئة (أصدقاء الأرض – الشرق الأوسط)، ويدعمه الاتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والمتضمن مجموعة فنادق صديقة للبيئة والدروب الخاصة بالتنزه وركوب العجلات الهوائية (البايسكلات) وغيرها من الخدمات. أما جهود حكومة كوريا الجنوبية الأخيرة المنصبة في هذا الجانب فقد شملت اطلاق (10) مشاريع صديقة للبيئة في المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين كوريا الشمالية وبمحاذاتها وبطول (5 – 10) كلم تقريبا وبمساحة (4) كلم 2 والمعروفة بغناها وتنوعها البيولوجي إثر تركها لسنوات عديدة، حتى باتت مرتعا لمختلف الحيوانات البرية ومنبتا لمختلف الأشجار والنباتات البرية، وهي من أكثر المناطق تسليحا في العالم، وكانت محظورة حتى عام 2005 باعتبارها منطقة عسكرية خطرة، وذلك بعد تهيئة بنيتها التحتية، وبما يؤسس ل(سياحة خضراء) ذات ملامح مستدامة، وتوفير الخدمات الضرورية للسواح، مع محاولة ادراجها ضمن قائمة منظمة (الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) (اليونسكو) الخاصة بالمناطق الطبيعية المحمية. كذلك مملكة تايلاند التي تبنى (المجلس الوطني للنهضة الاقتصادية والاجتماعية) فيها فكرة تعزيز (السياحة المستدامة) ومنذ عام 1997 وتحت شعار (مجتمع أخضر وسعيد) وتخطط وتعمل بجدية ومنذ عام 2010 ومن خلال أجهزتها الرسمية والخاصة (القطاع العام والخاص) لترسيخ وتطوير مبادئ (السياحة الخضراء) للسنوات ال (50) التالية، فأطلقت هيئة السياحة التايلاندية جملة (مبادرات مبتكرة) في سبيل ذلك، تتعلق بالفنادق والمنتجعات السياحية (الورقة الخضراء) وأنشطة الغوص (الزعانف الخضراء) وغيرها كثيرة. ومن مشاريعها الرائدة في هذا المضمار تلك التي بوشر بتنفيذها في (باي) بمنطقة (ماي هونغ سو) وفي (كوساموي) بأقليم (نان) الشمالي (ينظر أيضا : رومباباك لويكفير اواتانا – السياحة الخضراء الناجحة في المناطق المجتمعية الثقافية النائية، مجلة العلوم الاجتماعية. وهي حول تجربة السياحة الخضراء في قرية وانغ ياي من مقاطعة وانغ سام سو التايلاندية وتقطنها جماعة فو تاي العرقية). بالإضافة إلى تجربة جمهورية جنوب أفريقيا الرائدة في هذا المجال وتحت مظلة مؤسسة (فير تريدينغ ان تورزم جنوب أفريقيا) الهادفة إلى ترسيخ وتطوير مبادئ (سياحة خضراء مستدامة) بعمل على منوالها في جنوب أفريقيا والعالم. ومشروع مصر الأخير الرامي إلى تحويل عدد من الفنادق التقليدية في شرم الشيخ إلى (فنادق صديقة للبيئة) باكسابها المواصفات والسمات البيئية الضرورية المرتبطة بالاستدامة، وبدعم من (مؤسسة التمويل الألمانية) (جرين ستار هوتيل انيتيتف) المعروفة اختصارا ب (جي آي زت)، بحيث توفر (سياحة خضراء) بأداء بيئي متميز وفريد، ومعول ومعتمد عليه وموثوق فيه على النحو المشروح أعلاه. ومن التجارب الرائدة في مجال (السياحة الخضراء) التي طرحت كمصطلح منذ الثمانينيات من القرن الماضي تلك التي تبنتها السلطات السياحية في ماليزيا في منطقة الساحل الشرقي الاقتصادية المتكونة من ثلاث ولايات ومنطقة واحدة (كلنتن، ترينجانو، بهانج، ومنطقة ميرسينغ في جوهور) (للمزيد من الاطلاع ينظر : الدراسة القيمة لمحمد بهويان وشاموري سيوار وخير الأدهم بعنوان – السياحة الخضراء من أجل التنمية الإقليمية المستدامة في المنطقة الاقتصادية للساحل الشرقي من ماليزيا). وهنا لابد من الإشارة إلى التعريف الذي قدمته (منظمة السياحة العالمية) التابعة للأمم المتحدة عن (السياحة الخضراء) بأنها (أنشطة سياحية يمكن الحفاظ عليها أو استدامتها إلى أجل غير مسمى في سياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية 2012). وهو تعريف يتداخل مع مفهوم السياحة البيئية والسياحة الطبيعية والسياحة الريفية وفقا ل (سونغ – كوون وآخرون 2003، آثار تطور السياحة الخضراء المحتملة، حوليات أبحاث السياحة، 30 : 323 – 341).
***
بنيامين يوخنا دانيال
....................
* عن (مقالات في السياحة) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2012 *