أقلام ثقافية
نورالدين حنيف: شَحْذُ السِّهَامِ فِي كِتَابِ الْأَيَّامِ

(قصّة قصيرة تُفلسفُ سيرةَ الْحاكِي في قبْضةِ أيّامِ الأسبوع)
- الْأحَدُ ...
يُضِيءُ الْأَحَدُ دَمِي بِالْجُنُونِ، قَبْلَ أَنْ يُوقِظَنِي وَرْداً غَجرِيّاً فِي سَدِيمِ الْفَجْرِ الصَّامِتِ، مِنْ أُرْجُوحَةِ لَذِيذِ الْوَسَن. يَلُفُّنِي فِي عَبَاءَةِ الْاِسْتِرْخَاءِ الْإِضَافِيّ، ويُعْلِنُ فِي وَجْهِي أَنَّ النَّهَارَ سَحابَة، وَأَنَّ الْعَرَقَ مَحْظُورٌ، وأَنَّ الْأَرْقَامَ مُلْغَاة...
شَيْءٌ مِنْ فَوْضَى الْأعْضَاءِ تَعُومُ فِي تَهَافُتِ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ يُهَرْوِلُ فِي اتِّجَاهِ الْمُتْعَةِ المغلّفة بالسَّرَابِ. وفِي عُجَالَةِ الْعَاشِقِ الْيَائِسِ، تَرَاهُ يُقَلِّصُ مِنْ نِسْبةِ الضّوْءِ كَأنّهُ عَلى مَوْعِدٍ خُرافِيّ مَعَ أنْثى مَجْهُولَة .
- الاِثْنَيْن ...
يَدْعُو الاثْنَيْنُ دَمِي إِلَى الدُّخُولِ فِي لَعْنَةِ الزِّحَامِ. كُرَيَّات بَيْضَاء وحَمْرَاء تَتَنَازَعْنَ الْمَسافاتِ. وتَتَعَلّمْنَ الْمُرُورَ الْمَمْنُوعَ، مِنْ تَعَثُّرِ الاِنْسِيَابِ إِلَى تَهَجِّي كلِّ أشكالِ التَّوَتّرِ. تَتَفَقَّدْنَ الْخَطْوَ، الْتَهَمَهُ الْأَمْسُ وامتصّهُ الضّبابُ. نَسِيَ شَكْلَهُ أَوْ كَاد.
تَأْتِي الرُّوحُ، حَكِيمَةً، تُهَدْهِدُ جُثَّةَ الْكَلامِ تسْتَجْدِيهَا قِطَافَ بَكارَاتِ الْيَقَظَةِ والْيَقَظَةُ عَنْقَاءُ، مَا زَالَتْ لَمْ تُدْرِكْ رَمَادَ النَّهَار. والنَّهَارُ كَائِنٌ كَسُولٌ يَتَثَاءَبُ فِي فَنَاجِينَ صَامِتَة، لَا قَاعَ لَها ولَا بُنّ.
- الثُّلَاثَاءُ ...
يَدْلِفُ الثُّلَاثَاءُ إِلَى دَمِي، مِثْلَ نَشَّالٍ ظَرِيفٍ مَاهِرٍ. يَسْرِقُ مِنِّي آخِرَ حَبَّةِ رَمَادٍ، ويُعِيدُ لِلطَّائِرِ آخِرَ رِيشَةٍ كَيْ يَسْتَقِيمَ الْاِشْتِعَالُ فِي الْأَجْنِحَةِ. تَاْخُذُ الْأَوْرِدَةُ شَكْلَ الْوَرْدَة. تَأْكُلُ أَكْمَامَها فِي الْتِهَامٍ مَازُوشِيّ، يَسْتَبِقُ الْخَطْوَ فِي غَيرِ الْتِفَاتٍ، ولَا رُجُوع.
الثُّلاثَاءُ كَائِنُ خَبِيرٌ بِتَلاوِينِ مَا تَبَقّى فِي نَسْغِ الوَرْدَةِ مِنْ رُوح، يَرْسُمُ لَها خُطُوطَ الطُّولِ، ويَنْسَى مَلامِحَ الْعَرْضِ. يُطَرّزُ عَلَى رَأسِهَا تَسْرِيحَةً عَصْرِيّةً لِشَعَرٍ أشْعَثَ، قَبْلَ أنْ تُعانِقَ حَبِيبَ اللّقاء.
- الْأَرْبِعَاءُ ...
يَتَرَبَّعُ الْأَرْبِعَاءُ عَلَى دَمِي، فَتىً مَرْبُوعَ الْقَدِّ يَرْشَحُ جَبِينُهُ دَبِيباً لتَعَبٍ لَذِيذٍ. يَقْسِمُ سُلَّةَ الْاِمْتِدَادِ شَطْرَيْنِ: شَطْرٌ لِلْأَعْشَابِ النَّاشِفَةِ، فِي قَرارِ الاِنْسِحَابِ مِنْ فَوْضَى الْخَلَايَا. وَشَطْرٌ ثَانٍ يَسْتَقْبِلُ احْتِمَالَاتِ الْأَشْجَارِ، تَحْبُلُ بِالْمَعْنَى، ثَمْراً أَلَذّ، ثَمْراً أَشَدّ، وثَمْراً بَعِيداً عَنْ كَمَائِنِ الْقِطَافِ. زِئْبَقِيّ الْمَلْمَسِ، يَنْفَلِتُ مِنْ قَبْضَةِ الطَّعْمِ، ويَشْكُو الْاِلْتِذَاذ.
هَا نَكْهَةِ الاِنْتِظَارِ تَتَرَقّبُ سَجِينَها الْبَرئ فِي خَرَائِطِ الْعَمَى كَبُسْتَانٍ مُشَمَّعِ الْقُفْلِ، عَلى أزْهَار غَاضِبَة تَسْتَعْصِي عَلى التَّرْوِيضِ .
- الْخَمِيسُ ...
لِدَمِي لَوْنٌ صَاخِبٌ، كَمَا الْخَمِيسُ رَاكِضُ الْإِيقَاعِ فِي امْتِلَاءِ الشِّفَاهِ بِموسِيقَى الرّوكْ، يُغْرِينِي هَذا الْوَجْهُ، وأكْسِرُ لَعْنَةَ الشَّبَهِ والتِّكْرَارِ. يُدْخِلُنِي فِي سِبَاقٍ غَرِيبٍ، أُنَافِسُ ظِلِّي عَلى اعْتِلَاءِ رَأْسِ اللَّحَظاتِ الْهَارِبَةِ، تَتْوِيجاً رَاقِصاً، يُمْسِكُ بِثَدْيِ الْغَزَالَةِ الْبَرِّيَةِ. يَهْصِرُ دَرَّها الْمُكْتَظَّ بِيَدَيْنِ عَامِرَتَيْنِ بِالرَّغْبَةِ، تُوَزِّعَانِ الْغَمْرَ عَلى كُلِّ مَنْ مَرَّ عَلى بَطْنِ رَاحَتَي، وانْتَشَى فِي خُطُوطِهَا بِرَقْصَةِ الْعَطاء.
-الْجُمُعَة ...
وَ لَقَدْ زَارَتْنِي فِي عَباءَتِها الْبيْضَاء، تَفْحَصُ دَمِي، قَالَتْ: يَشْهَدُ مِهْرَجَانُ الضَّخِّ الْيَوْمَ أَصْغَرَ، بَلْ أَسْرَعَ دَوْرَةٍ فِي تَارِيخِ الرَّكْضِ نَحْوَ النِّهَايَاتِ والْبِدَايَاتِ... لَيْسَ لَكَ إِلّا شُرُودُ الْخَطْوِ، فَلا يَلْتَفِتْ مِنْ مِيَاهِكَ مَاءٌ .
اِمْضِ إِلَى نَشِيدِ النَّبْعِ، لَمْلِمْ مَا تَبَقَّى مِنْ أَطْيَافِ الْوَقْتِ الْعَابِرِ.فَالْوِسَاداتُ مَنَاشِفُ سَعِيدَةٌ بِالْغِيَاب.
-السَّبْتُ ...
دَمِي سَاخِنٌ، دَرَجَاتٍ فَوْقَ احْتِمَالِ الْعَرْبَدَة. رَقِيقُ الْمَلْمَسِ هَذا الْيَوْمُ، عِرْبِيدٌ... جَرِئٌ عَلى تَنُّورَاتِ الْمَليحاتِ ومُشَاكِسٌ، مُتَحَوِّلٌ وخُنْتَى غَجَرِيَّة تَلْبَسُ فَوْضَى النَّهْر، تَتَكَحَّلُ بِسَوَادِ الْمَغِيبِ. قِوَامُهَا قِيثَارَةٌ تَعْزِفُ لَحْنَ التِّكْرَارِ الْأَهْوَجِ، تُمْسِكُ فِي يُمْنَاهَا قَرَارَ الْهُرُوبِ إِلَى الْأَلْوَانِ، وفِي يُسْرَاهَا فَنَاجِينَ مَشْقُوقَة. تَقْرَأُ فِي قِيعَانِهَا قَدَرَ الْأَحَدِ وَالْإثْنَيْنِ وبَاقِي الرَّنِينِ .
***
نورالدين حنيف أبوشامة\ المغرب