أقلام فكرية

كارل ميتشام: أهمية الفلسفة للهندسة

بقلم: كارل ميتشام

ترجمة: د. ابراهيم طلبه سلكها / 2025م

***

The Importance of Philosophy to Engineering

Carl Mitcham

الملخص (بالإسبانية)

لم تُولِ الفلسفة اهتمامًا كافيًا بالهندسة. ومع ذلك، لا ينبغي للهندسة أن تتخذ من هذا الإهمال ذريعة لتجاهل الفلسفة. الحُجّة المطروحة هنا هي أنّ الفلسفة مهمّة للهندسة لثلاثة أسباب على الأقل: أوّلًا، الفلسفة ضرورية لكي يتمكّن المهندسون من فهم والدفاع عن أنفسهم ضد الانتقادات الفلسفية. والواقع أنّ هناك تقليدًا في فلسفة الهندسة تمّ تجاهله حتى من قِبل المهندسين أنفسهم. ثانيًا، الفلسفة، وخاصة الأخلاق، ضرورية لمساعدة المهندسين على التعامل مع المشكلات الأخلاقية المهنية. ودراسة متطلّبات الأخلاق في مناهج كليات الهندسة في الولايات المتحدة تدعم هذا الطرح. ثالثًا، نظرًا للطابع الفلسفي الجوهري للهندسة، يمكن للفلسفة أن تؤدّي بفعالية وظيفة أداة لتحقيق فهم أعمق للهندسة ذاتها.

الملخص (بالإنجليزية)

لم تُعطِ الفلسفةُ الهندسةَ الاهتمام الكافي. ومع ذلك، لا ينبغي للمهندسين أن يستخدموا هذا عذرًا لتجاهل الفلسفة. الحُجّة هنا هي أنّ الفلسفة مهمّة للهندسة لثلاثة أسباب على الأقل: أوّلًا، الفلسفة ضرورية لكي يفهم المهندسون الانتقادات الفلسفية ويدافعوا عن أنفسهم منها. والواقع أنّ هناك تقليدًا في فلسفة الهندسة تمّ إغفاله إلى حدٍّ كبير، حتى من قِبل المهندسين أنفسهم. ثانيًا، الفلسفة، وخاصة الأخلاق، ضرورية لمساعدة المهندسين في مواجهة المشكلات الأخلاقية المهنية. وتدعم دراسة حالة لمتطلبات الأخلاق في مناهج التعليم الهندسي في الولايات المتحدة هذا الرأي. ثالثًا، وبسبب الطابع الفلسفي الجوهري للهندسة، يمكن للفلسفة أن تعمل في الواقع كوسيلة لتحقيق فهم أعمق للهندسة ذاتها.

المقدمة

تتمثّل أطروحة هذه الورقة في أنّه، على عكس ما يُفترض عادة، تُعَدّ الفلسفة ذات أهمية محورية للهندسة. فعندما يقوم المهندسون وطلاب الهندسة — فضلًا عن أولئك الذين يستفيدون من الخدمات الهندسية — برفض التحليل والتأمل الفلسفي باعتبارهما أمرًا هامشيًا بالنسبة لممارسة الهندسة، فإنهم يخطئون على الأقل في بُعدين: تاريخي ومهني.

كما يمكن القول أيضًا إنّ للهندسة أهميّة بالنسبة للفلسفة — وإنّ الفلاسفة قد بذلوا جهودًا غير كافية لفهم الواقع التقني وتقديره، وهو الواقع الذي يفترضون كثيرًا نقده. ولو أنّ الفلاسفة رتّبوا بيتهم الداخلي فيما يخص علاقتهم بالهندسة، لكانت الفلسفة بلا شكّ أكثر أهمية للهندسة مما هي عليه اليوم .

ومع ذلك، وحتى مع الاعتراف بأنّ الفلسفة لم تولِ الهندسة الاهتمام الكافي، فإنّ الفلسفة تظلّ ذات دلالة بالغة الأهمية، بل ومتزايدة، بالنسبة للهندسة. وسيرتكز البرهان الداعم لهذه الأطروحة، على نحو ملائم، إلى الخبرة الهندسية نفسها. وسيمضي البحث عبر مراجعة تاريخية لمحاولات المهندسين ممارسة الفلسفة، جزئيًا كوسيلة للدفاع عن الذات ضد النقد الفلسفي. ثم، في دراسة حالة محورية، سيُعرض تلخيص وتأمّل في الجهود المبذولة داخل مجتمع المهندسين المحترفين في الولايات المتحدة لإدخال الفلسفة في مناهج التعليم الهندسي. أمّا الأقسام اللاحقة من الورقة فستسعى، بجهد أكثر تأمّلًا، إلى استشراف عمق العلاقة بين الهندسة والفلسفة في عالم يزداد تشكُّلًا بواسطة الهندسة. وسأقترح أخيرًا أنّ المهندسين هم الفلاسفة غير المُعترَف بهم للعالم ما بعد الحداثة.

1- الدفاع الذاتي والفلسفة

لنبدأ إذن بمسألة الدفاع عن النفس. وكتمهيد لهذه المسألة، تأمّل عرضًا تخطيطيًا – على طريقة الهندسة – للمشكلة. فالمشكلة تكمن في أن الهندسة والفلسفة يُنظر إليهما، في العادة، على أنهما مجالان منفصلان لا يلتقيان، وذلك على النحو الآتي:1881 IBRAHIM

(شكل يوضح الفصل التام بين المجالين)

في أذهان معظم الناس، لا يبدو أنّ للهندسة والفلسفة صلة وثيقة. فكأنّهما جزيرتان هائلتان تفصل بينهما مساحات واسعة من الماء (انظر: Snow, 1959، لعرض كلاسيكي لهذه الرؤية).

في الواقع، ومن منظور بعض أفراد مجتمع المهندسين — ناهيك عن بعض أفراد مجتمع الفلاسفة — تبدو الحالة أسوأ. إذ جرت العادة على تقسيم الهندسة إلى فروع متعدّدة: الهندسة المدنية، والميكانيكية، والكهربائية، والكيميائية، والنووية، وهندسة الحاسوب، إلخ. وبالمثل، تنقسم الفلسفة إلى فروع مختلفة: المنطق، ونظرية المعرفة، والميتافيزيقا، والأخلاق، والجماليات، والفلسفة السياسية، إلخ. وقد بدا أنّ بعض ممثلي هذه المجالات الفلسفية، لا سيما الأخلاق والجماليات، قد نصبوا مدافعهم على أطراف جزيرتهم الفلسفية لإطلاق النار على مناطق مختارة من عالم الهندسة.

على الأقل منذ ستينيات القرن العشرين، اتهم أعضاء من المجتمع الفلسفي — أو المتحالفون معهم — المهندسين ببناء أسلحة نووية يمكنها تدمير الحضارة كما نعرفها، وتصميم أنظمة مواصلات تشوّه الثقافة الحضرية، وابتكار تقنيات اتصالات يمكن أن تعزّز السلطات المركزية أو السلطوية لدى الحكومات أو الشركات الخاصة، وخلق حواسيب تجرّد الحياة الإنسانية من طابعها الشخصي. وبوجه عام، يقول النقّاد، إنّ المهندسين لوّثوا العالم الطبيعي بالمواد السامة وغازات الاحتباس الحراري، بينما أغرقوا العالم الإنساني بهياكل قبيحة ومنتجات استهلاكية عديمة الفائدة (انظر: Ellul, 1954؛ Mumford, 1967–70).

حتى الفيلسوف مارتن هيدجر، أحد أبرز فلاسفة القرن العشرين، ذهب إلى حدّ القول إنّ جميع هذه الإخفاقات الأخلاقية والجمالية متجذّرة في موقف هندسي أساسي من العالم، يُحوِّل الطبيعة إلى موارد ضمن إطار هيمنة ما يسميه بـ "الجشتِل" Gestell أو التطويق أو "الإطار التقني"[هيدجر، 1954].. وربما كان هيدجر أكثر دقّة في هذه النقطة مما يُدركه البعض. لكن وفقًا لتفسير شائع، يمكن اعتبار هيدجر أنّ "علوم الاصطناع" لدى هربرت سايمون (سايمون ، 1969) (Simon, 1969)، على سبيل المثال، تروّج لأنطولوجيا مقيدة تختزل العالم إلى صيغ رياضية، وإبستمولوجيا واقع افتراضي. كما ربط بعض النقّاد النسويين الهندسة بالهيمنة الأبوية، وبموت الطبيعة، وبفقدان رعاية العالم (ميرشاند "1980") [Merchant, 1980].

تشكل هذه الاتهامات، في جوهرها، هجومًا رجعيًا كبيرًا على التعريف الذاتي للهندسة، وهو التعريف الذي يعود إلى صياغة توماس تردجولد في القرن الثامن عشر، وأعيد تكراره في مراجع أساسية مثل الموسوعة البريطانية وموسوعة ماكغرو- هيل للعلوم والتقنية. ووفقًا للتعريف الكلاسيكي – الذي لا يزال التعريف القياسي الذي يتبناه المهندسون لمهنتهم – فإن الهندسة هي: «تطبيق المبادئ العلمية لتحقيق التحويل الأمثل للموارد الطبيعية إلى هياكل، وآلات، ومنتجات، وأنظمة، وعمليات، بما يعود بالنفع على الإنسانية»(1). أما خلاصة الهجمات الفلسفية، فهي استبدال هذا الفهم التقليدي للذات بآخر قد يُصاغ على النحو التالي: «الهندسة هي الفن العلمي الذي تدمر به فئة معينة من البشر الطبيعة وتلوث العالم بطرق عديمة الفائدة أو ضارة بالحياة الإنسانية»(2).

وبقدر ما أصبح المهندسون واعين بمثل هذه الهجمات — وسعيًا لفهمها والدفاع ضدها — تصبح الفلسفة أمرًا حيويًا لهم. وبالتالي، انخرط بعض المهندسين في دراسة الفلسفة بغية الردّ وبناء حصون ضد هذا الهجوم الفلسفي. وقد نشأت بالفعل مدرسة كاملة من "الفلاسفة المهندسين" تصدّت لهذا التحدّي، غير أنّ هذه المدرسة لم يُعترف بها بصورة كاملة حتى داخل معاهد وكليات الهندسة، ناهيك عن كليات الآداب التي يُدرّس فيها معظم الفلسفة. وسأكتفي هنا بذكر بعض الممثلين البارزين لهذه المدرسة أو التقليد(3):

أول هؤلاء هو إرنست كاب (1808–1896)، المعاصر لكارل ماركس. فعلى الرغم من تلقيه تعليمًا فلسفيًا في الأصل، هاجر كاب من ألمانيا إلى وسط تكساس، حيث أصبح من الرواد، وطوّر رؤية للتقنية باعتبارها امتدادًا معقدًا أو إسقاطًا لقدرات الإنسان وأنشطته. وفي صياغة لاحقة لهذا التصور الأنثروبولوجي الفلسفي للتقنية، كان كاب هو من صاغ مصطلح "فلسفة التقنية" أو **"فلسفة الهندسة"**(4) [كاب، 1877].

ثم أذكر بيتر إنجيلماير (1855–حوالي 1941)، أحد مؤسسي الهندسة المهنية الروسية. فقد جادل إنجيلماير، قبل مئة عام، تحت شعار "فلسفة التقنية"، بضرورة أن تتجاوز التربية الهندسية حدود التعليم التقني البحت. فإذا كان للمهندسين أن يشغلوا مكانتهم المستحقة في شؤون العالم – كما يرى – فلا بد أن يُثقَّفوا ليس فقط في مجالاتهم التقنية، بل أيضًا في معرفة التأثير الاجتماعي للتقنية وأثرها.(5)

وثالث هؤلاء هو فريدريش دساور، الذي يُعد بحق مساهمًا محوريًا في هذا التقليد الفلسفي الهندسي للتقنية. فقد كان مخترع العلاج بالأشعة السينية ذات الاختراق العميق، ومعارضًا سياسيًا للنازية، ومهنيًا تقنيًا في حوار مع فلاسفة كبار مثل كارل ياسبرز، وخوسيه أورتيجا إي جاسيت، وهيدجر، وغيرهم. وقد قدم دساور تفسيرًا للاختراع الهندسي باعتباره خبرة تتجاوز حدود الظواهر الحسية الكانطية، وتصل إلى الأشياء في ذاتها (انظر: دساور، 1959، وهو نسخة معاد كتابتها بالكامل وموسعة جدًا من عمله عام 1927).

وبمعزل عن تفسير دساور، وباعتباره مثالًا أخيرًا على تقليد فلسفة الهندسة، قدّم المهندس المدني النيويوركي صمويل فلورمان تفسيرًا مشابهًا حول "اللذات الوجودية للهندسة"، ردّ فيه على كثير من النقاد الفلسفيين المعاصرين، ودافع عن الهندسة بوصفها نشاطًا إنسانيًا أساسيًا في حد ذاته [فلورمان، 1976]. فالهندسة ليست مجرد وسيلة لتحقيق غايات بشرية أخرى، بل هي نشاط ذو معنى وجودي في ذاته، يحمل قيمة جوهرية أو أصيلة إلى جانب قيمته الأداتية أو الخارجية. (انظر أيضًا: فلورمان، "1981"، " 1978"، "1996 ").

إذن، في المقام الأول، تُعَدّ الفلسفة مهمّة للهندسة لأنّ هناك من ينتقدها فلسفيًا. ومن باب الدفاع عن الذات، على الأقل، ينبغي للمهندسين أن يعرفوا شيئًا عن الفلسفة كي يتمكّنوا من مواجهة نقّادهم. بل إنّ بعض المهندسين قد نهضوا بالفعل لمواجهة هذا التحدّي.

2- المصلحة الذاتية والفلسفة

تُعَدّ الفلسفة مهمّة أيضًا، في مقام ثانٍ، لأنّ المهندسين يواجهون في الواقع مشكلات داخلية أو مهنية يعترفون بأنّها لا يمكن حلّها بطرق هندسية محضة. وأشير هنا بصورة أساسية إلى القضايا الأخلاقية المهنية.

هناك أوقات في عالم الهندسة يطرح فيها المهندسون على أنفسهم أسئلة حول ما ينبغي عليهم فعله، أو كيف ينبغي أن يفعلوه، وهي أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بالخبرة التقنية وحدها. فعلى الرغم من أن كلايف دايم يستبعد منهجيًا الجوانب الجمالية – وبالتالي الأخلاق – من تحليله للتصميم، بغية إبقاء مناقشته "محدودة وقابلة للإدارة" [دايم، 1994، ص 15]، إلا أنه يعترف أيضًا بأن الأخلاق تؤدي في كثير من الأحيان دورًا جادًا في التصميم الهندسي(6). إن قضايا السلامة، والمخاطر، وحماية البيئة، ليست سوى أبرز الأمثلة على المتغيرات التي تتطلب حكمًا أخلاقيًا لتقييم أثرها المناسب على قرارات التصميم. ومن ثم، فإن الفلسفة (وخاصة الأخلاق) تمثل حاجة عملية داخلية للهندسة، وهو ما تعترف به بالفعل الجماعة المهنية للهندسة.

ولكي نُوضّح النقطة المطروحة هنا بشكل أوسع قليلًا، دعونا نقارن بين الأدوار التي تؤديها العلوم والآداب في تعليم الهندسة. ولهذا الغرض، سأعرض دراسة حالة تجريبية عن متطلّبات اعتماد برامج التعليم الهندسي في الولايات المتحدة. والهدف من هذا العرض أن أتيح للمهندسين، عبر مجتمعهم المهني، أن يتحدثوا بأنفسهم عن كيف يرون الفلسفة في صالحهم، مع تقديم بعض الشروح المكمِّلة.

الهيئة التي تعتمد برامج التعليم الهندسي في الولايات المتحدة هي مجلس الاعتماد للهندسة والتقنية (Accreditation Board for Engineering and Technology – ABET)، والمعروفة أكثر بالاختصار (ABET). (وقد نشأت ABET عن مجلس تطوير المهندسين المحترفين ECPD، الذي تأسس سنة 1932).

ووفقًا لمعايير الاعتماد الحالية (7) لدى ABET ، تتطلب برامج الهندسة حدًا أدنى من:

1- عام واحد في دراسة الرياضيات والعلوم الأساسية.

2- نصف عام في دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية.

3- عام ونصف في دراسة موضوعات هندسية.

من المهم التأكيد على أن هذه متطلبات محتوى دنيا، وأن الدرجة الجامعية القياسية في الهندسة بالولايات المتحدة تتطلب دراسة مدتها أربع إلى خمس سنوات.

ولا تشمل هذه المتطلبات الدنيا ما يُعرف بـ "مقررات المهارات"، التي تركز على تنمية الكفاءة في التواصل الكتابي والشفهي، وهي مقررات مطلوبة أيضًا. وإذا ما أُدرجت مقررات مهارات التواصل اللغوي مع مقررات العلوم الإنسانية والاجتماعية – كما هو الحال في التعريفات التقليدية للفنون الحرة – فإن ABET، في الواقع، تفرض على طلاب الهندسة إتمام عام كامل من دراسات الإنسانيات (studia humanitatis).

فلننظر الآن في المبررات التي تقدمها ABET للمكونات الأساسية الثلاثة للتعليم الهندسي. وبالطبع، فإن معيار "الموضوعات الهندسية" لا يحتاج إلى تبرير، إذ إن موضوع البحث هو التعليم الهندسي نفسه. ومع ذلك، من المفيد الإشارة إلى أن "الموضوعات الهندسية" تشمل – صراحة – كلًا من العلوم الهندسية (المتميزة عن العلوم الأساسية) والتصميم الهندسي (المتميز عن غيره من أنواع التصميم) (IV.C.3.d.[3][a]).

أما العلوم الهندسية، فهي "متجذرة في الرياضيات والعلوم الأساسية، لكنها تدفع المعرفة قُدمًا نحو التطبيق الإبداعي" (IV.C.3.d.[3][b]). وهذا التجذر هو ما يبرر اشتراط دراسة مقررات في الرياضيات والعلوم الأساسية. وكما جاء في نص معايير ABET: "إن الهدف من دراسة العلوم الأساسية هو اكتساب معرفة أساسية بالطبيعة وظواهرها، بما في ذلك التعبير الكمي عنها" (IV.C.3.d.[1][b]).

وأما "التصميم الهندسي"، فهو يُعرّف بكونه عملية ابتكار نظام أو مكوّن أو عملية لتلبية حاجات مطلوبة. إنّه عملية اتخاذ قرار (غالبًا تكرارية)، تُطبّق فيها الرياضيات والعلوم الأساسية والعلوم الهندسية لتحويل الموارد بصورة مثلى لتلبية هدف محدّد. ومن الواضح أنّ مثل هذا الفهم للتصميم الهندسي يقدم تبريرًا إضافيًا لمقررات الرياضيات والعلوم الأساسية.

لكن ماذا عن نصف العام المخصّص للعلوم الإنسانية والاجتماعية — أو عام كامل إذا أُدرجت دراسات التواصل الكتابي والشفوي؟ ما مبرّر إدخال هذه المواد كمكوّن رئيسي في متطلبات المنهج الهندسي؟

قبل أن نذكر جواب ABET على هذا السؤال، لاحظ أنّ تعريف ABET للتصميم الهندسي يسقط بهدوء جانبًا جوهريًا من التعريف التقليدي للهندسة. فكما ذُكر سابقًا، فإنّ تعريف تردغولد، والتعريف الأكثر تداولًا حتى وقت قريب، يقول إنّ الهندسة هي: "تطبيق المبادئ العلمية للتحويل الأمثل للموارد الطبيعية إلى هياكل وآلات ومنتجات وأنظمة وعمليات لفائدة الإنسانية".أما ABET فقد استبدلت غاية "الفائدة الإنسانية" و"المنفعة" بعبارات مثل "تلبية بعض الحاجات المطلوبة" أو "تحقيق هدف محدّد". وهكذا أُزيل البُعد المعياري للتعريف التقليدي لصالح عملية محايدة قيميًا أو مرتبطة بالسياق.

لذلك، عند النقطة التي يُبرَّر فيها إدخال العلوم الإنسانية والاجتماعية، تقول معايير ABET: إنّ دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية لا تخدم فقط أهداف التعليم الواسع، بل تخدم أيضًا أهداف المهنة الهندسية. ومن أجل جعل المهندسين على وعي كامل بمسؤولياتهم الاجتماعية وتمكينهم من النظر في العوامل ذات الصلة في عملية اتخاذ القرار، يتوجّب على المؤسسات أن تفرض مقررات في العلوم الإنسانية والاجتماعية كجزء أساسي من البرنامج الهندسي. وهذه الفلسفة لا يمكن التأكيد عليها بما يكفي.

بمعنى آخر: عندما خُفِّض هدف التصميم الهندسي من "أن يكون نافعًا ومفيدًا للإنسان" إلى كونه عملية مرتبطة بالسياق، صارت العلوم الإنسانية والاجتماعية وسيلة لفهم هذه السياقات وتقييمها. وإلا فإنّ المهندسين سيكونون مجرّد "مرتزقة" — يستطيعون أن يخدموا المهنة على النحو نفسه سواء بتصميم معسكرات اعتقال أو مصانع خضراء (غير ملوِّثة).

إذن، في حين أنّ الرياضيات والعلوم الأساسية تؤسّس للعلوم الهندسية، فإنّ الآداب (الإنسانيات) تؤسّس — بطريقة مختلفة ولكن مرتبطة — للتصميم الهندسي. أفلا يكون من الجريء أن نفترض أنّ التصميم الهندسي، كما يُنظر إليه، هو بمثابة تطبيق إبداعي لأنماط من التفكير ومثل عليا قادمة من العلوم الإنسانية والاجتماعية؟

لننظر سريعًا إلى تجربتين هندسيتين يمكن تفسيرهما على أنّهما تدعمان، من زوايا مختلفة، الفرضية السابقة: الأولى خيالية ولكنها حقيقية في معناها: حالة فاوست في الجزء الثاني من المسرحية لجوته. فـفاوست، وقد هجر أولًا دراساته الإنسانية ثم السحر البدائي، صار في النهاية مهندسًا مدنيًا يبني السدود ويجفّف المستنقعات — لكنه عن غير قصد يتسبّب في مقتل أبرياء. (انظر تعليق المهندس شيلنجر، 1984، حول وضع فاوست).الثانية تاريخية، ولكن أُعيد بناؤها بخيال: حالة المهندس الروسي بيتر بالشنسكي. أُعدم على يد ستالين لأنّه رفض أن يفصل بين المعرفة التقنية والمثل الإنسانية. لكن شبح المهندس المعدوم عاد منتصرًا في حقبة الغلاسنوست التي رافقت انهيار الاتحاد السوفيتي (انظر: Graham, 1993).هذا المعنى يُعاد التأكيد عليه في نهاية بيان معايير ABET: فبعد التأكيد على أنّ الكفاءة في التواصل "أمر جوهري لخريج الهندسة"، يضيف البيان: "إنّ فهم الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسلامة في الممارسة الهندسية أمر جوهري لنجاح المسيرة المهنية الهندسية".

إنّ ABET تعمل حاليًا على مراجعة معاييرها وتبسيطها. ووفقًا لمجموعة معاييرها الجديدة التي سُمّيت "معايير الهندسة 2000" (Engineering Criteria 2000)، سيُقيَّم اعتماد البرامج الهندسية بناءً على أحد عشر مخرجًا تعليميًا (outcomes)، وهي: ابتداءً من عام 2000، لكي تُعتمَد البرامج الهندسية من ABET، يجب أن تُثبت أنّ خريجيها يمتلكون:

أ- قدرة على تطبيق معارف الرياضيات والعلوم والهندسة.

ب- قدرة على تصميم وتنفيذ التجارب، وكذلك تحليل البيانات وتفسيرها.

ت- قدرة على تصميم نظام أو مكوّن أو عملية لتلبية حاجات مطلوبة.

ث- قدرة على العمل في فرق متعددة التخصصات.

ج- قدرة على تحديد وصياغة وحلّ المشكلات الهندسية.

ح- فهمًا للمسؤولية المهنية والأخلاقية.

خ- قدرة على التواصل بفعالية.

د- تعليمًا واسعًا يتيح فهم أثر الحلول الهندسية في السياق العالمي والاجتماعي.

ذ- إدراكًا لحاجة التعلّم المستمر، وقدرة على الانخراط فيه.

ر- معرفة بالقضايا المعاصرة.

ز- قدرة على استخدام التقنيات والمهارات والأدوات الهندسية الحديثة اللازمة لممارسة الهندسة.

ومن بين هذه المخرجات الأحد عشر، يمكن تصنيف أربعة على الأقل — أي أكثر من ثلثها — على أنّها مرتبطة مباشرة بالآداب والعلوم الإنسانية. وهكذا، مرة أخرى، في برنامج مدته أربع إلى خمس سنوات، يمكن توقّع أن يتجاوز محتوى المقررات الموجّهة نحو studia humanitatis (الدراسات الإنسانية) عامًا دراسيًا كاملًا.ووفقًا للمعايير ذاتها، يجب أن تلتزم هذه المقررات بالتعريفات المتداولة عمومًا للعلوم الإنسانية والاجتماعية: فالإنسانيات هي فروع المعرفة التي تهتم بالإنسان وثقافته، بينما العلوم الاجتماعية هي دراسة علاقات الأفراد داخل المجتمع ومعه. ومن الأمثلة التقليدية على هذه المواد: الفلسفة، والأديان، والتاريخ، والأدب، والفنون الجميلة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والأنثروبولوجيا، والاقتصاد، واللغات الأجنبية. ومن الأمثلة غير التقليدية: "التقنية والشؤون الإنسانية"، و"تاريخ التقنية"، و"الأخلاقيات المهنية والمسؤولية الاجتماعية".

3- استطراد: ثلاثة أسئلة

إنّ هذا العرض يثير بسهولة ثلاثة أسئلة — أسئلة تستلزم استطرادًا موجزًا. وهذه الأسئلة هي:

1- ماذا يعني استدعاء "التعريفات المقبولة عمومًا" للعلوم الإنسانية والاجتماعية؟ وهل العلوم الإنسانية والاجتماعية، بما في ذلك الفلسفة، بناءات تاريخية أو اجتماعية؟

2- ما الفلسفة تحديدًا؟ وما علاقتها بالآداب (العلوم الإنسانية)؟ وهل يمكن أن تكون الفلسفة — وقد ذُكرت أولًا — أكثر أهمية أو ذات دلالة مغايرة عن غيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية؟

3- في ضوء التعريف المتداول للفلسفة بوصفها تتضمّن الأخلاق — ومع التصريحات الواردة هنا وفيما سبق عن أهمية الأخلاق المهنية لنجاح "المسيرة الهندسية" — فما الذي يمكن للفلسفة والأخلاق أن تقدّماه بصورة ملموسة للهندسة؟

هذه أسئلة جادة، ولا يمكن أن تُجاب بسرعة أو نهائيًا في هذه الورقة. إنها من نوع الأسئلة المفتوحة المصمَّمة لاستفزاز تأمّل ممتد أكثر من تقديم حلول مباشرة. ومع ذلك، من المناسب هنا البدء باستكشاف بعض الحدود الممكنة لهذه الأجوبة.

فيما يخص السؤال الأول: فإنّ الإشارة إلى "التعريفات المقبولة عمومًا" للعلوم الإنسانية والاجتماعية لافتة بحدّ ذاتها؛ فهي تدلّ على وعي بأنّ هذه التعريفات مُنشأة تاريخيًا واجتماعيًا وثقافيًا(8). وهذه البناءات نفسها محلّ نزاع حادّ — بطرق متعدّدة ومختلفة.

وفي الولايات المتحدة يُعرف هذا الصراع متعدد الطبقات باسم "حروب الثقافة" (culture wars). أحد جبهات هذه الحروب دارت بين أنصار مدرسة "الرجال البيض الأموات" (من هوميروس فصاعدًا) الذين يرون الثقافة في التراث الكلاسيكي، وأنصار المدرسة "الصحيحة سياسيًا" الذين يؤكدون أنّنا ضحايا تمييز. وهذه تسميات تبادلية ساخرة أطلقها كل طرف على الآخر. ومن هذه الزاوية، فإنّ عبارة معايير ABET التي تُعرّف الإنسانيات بأنّها "معنية بالإنسان وثقافته" يمكن أن تُعَدّ في آنٍ معًا حذرة — وغير حذرة إطلاقًا.

ومع تجاوز هذا الخلل البيّن، يمكن ملاحظة أنّ المهندسين قد فتحوا جبهة خاصة بهم في هذه "الحروب الثقافية". كما روى جون ستودنماير في كتابه "رواة قصة التقنية " ، فقد تأسست جمعية تاريخ التقنية في أواخر الخمسينيات جزئيًا على يد مهندسين وجدوا أنفسهم مُستبعَدين من التاريخ الغربي بقدر ما استُبعدت النساء أو الأقليات العرقية (ستودنماير "1985" خاصة الفصل الأول ص ص 1- 8). وقد جادل مؤرّخو الهندسة بأنّ التاريخ هو تاريخ التقنية بقدر ما هو تاريخ السياسة. فالعلوم الإنسانية والاجتماعية عكست المصالح المحدودة والتحيّزات الإيديولوجية لغير المهندسين — لا سيما أولئك الذين يستخدمون معرفة السلطة في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية لضبط أنفسهم وغيرهم (في إشارة واضحة إلى فوكو، 1980). وبذلك، كان للمهندسين مصلحة في "فتح الصناديق السوداء" في التاريخ، ليلاحظوا أنّ المشكلات السياسية وحلولها كثيرًا ما تعتمد على مدخلات هندسية، من أجل تضمين المهندسين لا بوصفهم ضحايا آخرين، بل باعتبارهم غزاة غير معترَف بهم.(9)

إذن، فالعلوم الإنسانية والاجتماعية — بما في ذلك الفلسفة — بناءات تاريخية واجتماعية. ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أنّ الهندسة بدورها — وإن لم يكن ذلك جليًا دائمًا — بناء تاريخي واجتماعي أيضًا. فكلاهما، الهندسة والفلسفة، لهما أصول تاريخية خاصة، ولم يُفهما أو يُمارسا دائمًا كما هما اليوم.لقد ظهرت الفلسفة كنهج معترف به للحياة الإنسانية في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. ووفقًا لرواية أرسطو، نشأت الفلسفة حين استبدل البشر الحديث عن الإله أو الآلهة بالحديث عن الطبيعة (phusis) [الميتافيزيقا، XII، 6؛ 1071b27]. أما اليوم، فقلّة من الفلاسفة يتحدثون عن الطبيعة، بل هم أقرب إلى الحديث عن الظواهر أو اللغة.

أما الهندسة، فقد ظهرت كنشاط إنساني معترف به في لحظة محدّدة من التاريخ — هي القرنان السابع عشر والثامن عشر. فأوائل المهندسين كانوا من العسكريين الذين صمّموا وبنوا وأداروا وصانوا التحصينات وآلات الحرب كالمقاليع والمدافع. وكان مصطلح "الهندسة المدنية" يُشير في الأصل إلى محاولة نقل هذا النشاط والمعرفة من السياق العسكري إلى المدني. وجاء تعريف تردجولد للهندسة — كما ذُكر سابقًا — كجزء من هذا الجهد التاريخي والاجتماعي لنقل المفهوم.

وبالفعل، فإنّ كلًّا من الهندسة والفلسفة يُظهر خصائص مختلفة عبر الجغرافيا كما عبر التاريخ — حتى عند المقارنة بين مجتمعات قريبة مثل أوروبا والولايات المتحدة.

إذن، يمكن القبول بأنّ الهندسة والفلسفة كلاهما بناءان تاريخيان واجتماعيان. وهذا الاعتراف قد يوحي بإعطاء الأولوية للتاريخ والعلوم الاجتماعية في منظومة الآداب.

غير أنّ التاريخ والمجتمع لا يدوران حول التغيّر فقط؛ بل حول الاستمرارية أيضًا. فالبناء التاريخي والاجتماعي ليس من العدم (ex nihilo)، بل هو بالأحرى إعادة بناء. وجهودنا لتسمية ما يخضع لإعادة البناء هذه — أي ما يتجاوز التاريخ إلى حد ما — هي نفسها عرضة للتنقيح. ومع ذلك، في أي لحظة زمنية علينا منطقيًا (ولو مؤقتًا) أن نقبل بناءاتنا الاجتماعية- التاريخية لنشير بها إلى هذه السمات المتجاوزة للتاريخ، أو متعددة الأبعاد التاريخية- الاجتماعية.

وبالنسبة للسؤال الثاني، نسأل: ما هذه السمات المشتركة متعددة الأبعاد التي تُظهرها الفلسفة؟ ما الذي يجعلنا منذ القرن الخامس قبل الميلاد إلى اليوم نتحدث عن وجودها واستمرارها؟ ماذا نعني اليوم بالفلسفة؟

اليوم، تتضمن العناصر المشتركة في الفلسفة مزيجًا من الآتي:

أ- التحليل المفاهيمي: يساعدنا على توضيح وتصحيح الاستخدامات العملية والنظرية للمصطلحات، ويشمل المنطق.

ب- الفحص التأملي للممارسة والفكر: بغية تعميق الفهم أو النقد أو التوسيع، ويشمل مجالات الفلسفة الأساسية: الأخلاق، ونظرية المعرفة، والميتافيزيقا.

ج- التفكير في جوانب الخبرة العامة: بما يتجاوز نطاق أي تخصّص واحد، وقد يكون هنا التركيز جوهريًا أكثر منه منهجيًا.

د- ممارسة أسلوب حياة وفكر مميّز: يُعتبر خيرًا في ذاته، وله معرفة خاصة بالواقع. وقد يُعمَّم هذا إلى ممارسات فرد أو جماعة، كما نقول "فلسفة شخص ما" أو "فلسفة مؤسسة".

كل هذه المظاهر تجعل الفلسفة معنيّة بقضايا غير تجريبية أساسًا، وإن لم تخلُ من مرجعيات واقعية. كما أنّ كل مجال من مجالاتها الأساسية يجمع بين البُعد الوصفي والمعياري، وإن كان البُعد المعياري هو الأصعب في المتابعة دون التخلي عن أبعاده المفاهيمية والنقدية.

تاريخيًا، أدّت الفلسفة أيضًا وظيفة الحاضنة التي خرجت منها العلوم والإنسانيات: فقد ولدت العلوم الطبيعية من "الفلسفة الطبيعية"، وخرجت العلوم الاجتماعية من الفلسفة الاجتماعية، مثلما نجد عند كونت وماركس ودوركايم وفيبر. وبالمثل، انبثقت من التحليل الفلسفي مجالات مثل الاقتصاد، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس، ودراسات الأديان.ومن ثمّ، يبدو أن للفلسفة مكانة مميزة بين بقية العلوم الإنسانية والاجتماعية — فهي الأولى بين أندادها. وهو ما يبرر افتراض أنّ الفلسفة، أكثر من غيرها، قد تكون ذات أهمية خاصة للهندسة.

بالعودة إلى السؤال الثالث في هذا الاستطراد، يمكننا أن نتأمل مجددًا: ما الذي تقدّمه الفلسفة، وخاصة في صورة الأخلاق، للهندسة المهنية؟

4- الهندسة والأخلاق

ليس من الصحيح القول إنّ الفلسفة قد احتضنت الهندسة أو رعَتها بالطريقة نفسها التي فعلت بها مع العلوم الطبيعية أو العلوم الاجتماعية أو العلوم الإنسانية. بل إنّ للهندسة نزعة قوية إلى تمييز نفسها عن الفلسفة، لا باعتبارها مجالًا منبثقًا عنها، بل باعتبارها مجالًا مغايرًا لها على نحوٍ حاسم.

كما يلاحظ لويس بوتشياريلي في دراساته الإثنوجرافية عن المهندسين، فإنه حين يشتغل الطلاب على مسائل هندسية، يُنظر عادةً إلى أنّه “لا ينبغي لهم أن يغرقوا في انحرافات ‘فلسفية’ عديمة الجدوى” [بوتشياريلي، 1994، ص 105- 106]. وكما يشير في أكثر من موضع، فإنّ الفلسفة تحمل دلالات سلبية قوية في الوسط الهندسي. ومع ذلك، ففي ختام دراسته، يوضّح بوتشياريلي – المهندس – بعد أن جادل بأنّ التصميم الهندسي عملية اجتماعية، أنّ هذا يعني وجود بدائل. وحين توجد بدائل، كما يقول، فهناك ما هو أفضل وما هو أسوأ. وفي مثل هذا الوضع، يصبح “السؤال المهم والمثير حقًا هو: ماذا نعني بتصميمٍ أفضل؟” [بوتشياريلي، 1994، ص 197]. غير أنّ هذا السؤال في جوهره سؤال فلسفي بامتياز.

لا يمكن معالجة مثل هذه القضية معالجة كافية إلا عبر التحليل المفهومي، والتأمل العقلي، وأنماط التفكير العامة. وبالضبط بسبب كثرة التجليات الخاصة لهذا النوع من التساؤل — أي التساؤل: “ماذا نعني بتصميم أفضل؟” — أقام المهندسون جسورًا، وإن لم يدركوا هم أو الفلاسفة دائمًا أنها كذلك، بين الهندسة والفلسفة، ولا سيما نحو ذلك الفرع من الفلسفة المتمثل في الأخلاق. وباختصار، يمكن تمثيل هذا التحول من صورتين دائريتين متباعدتين إلى وضعٍ أشبه بما يلي:1882 IBRAHIM

الشكل (ب)

التداخل بين الهندسة والفلسفة عبر سؤال: "ما هو التصميم الأفضل؟".

في محاولة للبدء في معالجة المعضلات التصميمية والتشغيلية التي خضعت للتدقيق في قضايا محددة مثل: خزان وقود سيارة فورد بينتو الذي كان عرضة للانفجار عند الاصطدام الخلفي [بيرش وفيلدر، 1994]، وفشل نظام التحكم الآلي في قطارات النقل السريع لمنطقة خليج سان فرانسيسكو (BART) [أندرسون، بيريكوتشي، شيندل وتراختمن، 1980]، وأعطال باب شحن طائرة DC- 10 وحوامل محركها [كيرد وماي، 1984؛ فيلدر وديرش، 1992]، ومفاصل الوقود الصلب في معززات المكوك الفضائي تشالنجر [بوا جولي، 1991؛ فوغان، 1996] — وهي أربعة أمثلة أمريكية معروفة تمثل مجالات الهندسة الميكانيكية والحاسوبية والطيرانية والإنشائية — قام مهندسون بارزون مثل ستيفن أونغر [أونغر، 1994]، ورولاند شينزينغر [مارتن وشينزينغر، 1996]، وتشارلز هاريس ومايكل رابنز [هاريس، بريتشارد ورابنز، 1995]، وآرن فيسيليند وأليستير غَن [فيسيليند وغَن، 1998]، وغيرهم بـ:

(أ) إجراء تحليلات مفهومية لما هو صواب أو خطأ، وما هو خير أو شر في الممارسة الهندسية؛

(ب) السعي إلى تعميق انعكاسي لفهمهم للأبعاد الأخلاقية في التجربة الهندسية؛

(ج) متابعة أبحاث تعاونية متعددة التخصصات تتناول مواثيق أخلاقيات المهنة، والإجراءات التأديبية، والاستراتيجيات التعليمية الأخلاقية، وغيرها.

ومع ذلك، فإنّه إلى جانب جهود هؤلاء المهندسين المتخصصين في الأخلاقيات لتحليل مواثيق السلوك المهني، وتعميق الأبعاد الأخلاقية للممارسة الهندسية انعكاسيًا، وإعادة بناء المنظمات المهنية بما يضمن دعمًا أفضل لاستقلالية الممارسة الهندسية، والانخراط في جهود تربوية متعددة التخصصات، يمكن تمييز نزعة أخلاقية أساسية كامنة في صميم التحليل الهندسي للتصميم. ولعدم وجود عبارة أفضل، يمكنني أن أسمّيها الالتزام بضرورة البقاء على اتصال(10). إنّ الفشل في البقاء على اتصال بحدود الوضع الإنساني، هو على سبيل المثال أحد الأوجه الممكنة لتعريف مشكلة فاوست بوصفه مهندسًا. أمّا الإصرار على البقاء على اتصال بما هو معروف واقعيًا وعمليًا عن العالم، فقد كلّف كثيرًا من المهندسين، مثل بالتشينسكي، وظائفهم إن لم يكن حياتهم نفسها.

ان أحد الدوافع الكامنة وراء نمذجة كليف دايم الحاسوبية لتمثيل التصميم، هو تعزيز التواصل بين مهندسي التصميم وفِرق التنفيذ، وذلك لتجنّب الكوارث التي قد تنجم عن سوء الفهم، كما حدث في انهيار الممشى العلوي بفندق هايـات ريجنسي في مدينة كانساس، حيث فشل المُصنِّع في إدراك الأهمية الحاسمة لمواصفة تصميمية جوهرية [مارشال وآخرون، 1982؛ وانظر تحليل دايم، 1998]. غير أنّ خطأ مقاول فندق هايـات ريجنسي كان بدوره نتيجة لفشلٍ في التصميم الهندسي، إذ لم يُدرك المهندسون المشكلة الإنشائية الملازمة لتلك المواصفة التصميمية الحرجة محل النزاع.

لم تكن قضبان التعليق الطويلة بما يكفي لنقل حمولة ممشى الطابق الثاني عبر ممشى الطابق الرابع مباشرةً إلى الجمالونات السقفية في الأعلى متوافرة. ولأنّ المقاول لم يفهم ديناميكية انتقال الأحمال، استبدل قضيبين قصيرين بها، مما جعل ممشى الطابق الثاني معلّقًا فعليًا بممشى الطابق الرابع. لقد أبرزت هذه الحادثة الحاجة الماسّة إلى تحسين التواصل — أي تعزيز الصلة — بين نية التصميم وتجسيده في التنفيذ؛ وهذه الحاجة تمثل ضرورة أخلاقية بقدر ما هي تقنية.

قد يكون من الصحيح، كما يجادل المهندس هنري بيتروسكي، أنّ فشل التصميم أمر ملازم للممارسة الهندسية بما تنطوي عليه من قابلية للخطأ، وأنه يمثل جزءًا من منحنى التعلّم الذي يشكّل بدوره جوهر التقدّم التقني [بيتروسكي، 1985]. غير أنّ التحليل المفهومي والتأمل النقدي يكشفان أنّ الإخفاقات ليست جميعها متساوية. بل إنّ التحليل الفلسفي والتفكير التأملي يشكّلان جزءًا من العملية نفسها التي يتعلّم من خلالها المهندسون من إخفاقات التصميم. وهنا يُعدّ عمل كلَيف دايم حول "لغات التمثيل في التصميم" مثالًا بارزًا على ذلك.

من الجوهري في هذا السياق التأكيد على أنّه لا ينبغي النظر إلى التخصصات باعتبارها حواجز في وجه المتطفلين، بل باعتبارها مجالات انتقائية تشجّع على أشكال متباينة من النمو. فنحن جميعًا — إلى حد ما — مهندسون، ما دمنا نصمّم ونبني وندير العوالم الصغرى في حياتنا اليومية. بل إنّ أمرًا بسيطًا مثل تعبئة صندوق هو مشكلة تصميمية مصغّرة يومية. وبالمثل، نحن جميعًا — إلى حد ما — طلاب فلسفة، بقدر ما ننخرط في التحليل المفهومي والتأمل والتعميم بشأن جوانب حياتنا وأعمالنا.

وبما أنّ الأمر كذلك — أي بما أنّنا أشخاص مُعزَّزون على نحوٍ انتقائي — يصبح من الممكن، بل ومن المنطقي، أن نتوجّه إلى أفراد آخرين أو جماعات مهنية أخرى ممن يتمتعون بأشكال مميزة من التعزيز لطلب المساعدة. وبما أنّ المهندسين يمارسون الفلسفة بالفعل إلى حد ما، فإنّ من الطبيعي أن يمدّوا الجسور إلى الفلاسفة (الذين يمارسون بدورهم الهندسة بدرجة ما) وأن يطلبوا عونهم. وهذا ما فعله بالفعل مهندسون مثل أونغر، وشينزينغر، ورابنز، وقد استجاب لهم فلاسفة مثل توم روجرز، ومايك مارتن، ومايكل بريتشارد(11). وفي كل حالة من هذه الحالات، نحن أمام أكثر من مجرد بناء جسر بين الهندسة والأخلاق؛ فما نراه الآن هو اندماج جزئي أو تداخل فعلي بين عالمي الهندسة والفلسفة، وهو ما يمكن تمثيله على النحو التالي:1883 IBRAHIM

5- المعرفة الذاتية والفلسفة:

ما بعد الأخلاقيات التطبيقية

لقد تكونت الهندسة في الماضي تاريخيًا واجتماعيًا بطريقة أبعدتها عن الفلسفة. كما أنّ الفلسفة في الماضي ربما سعت بدورها إلى إبقاء الهندسة على مسافة. غير أنّ الزمن والعالم قد تغيّرا. وتغيّرت الهندسة بدورها. بل يمكنني أن أجرؤ على القول إنّها أصبحت أكثر فلسفية بكثير. فهي اليوم ليست مثقلة بالقضايا الفلسفية فحسب، بل تمثل أيضًا أسلوب حياة يحمل دلالة فلسفية عميقة. أما الفلسفة، فمن جهتها، فقد باتت أكثر انفتاحًا على الفكر والممارسة الهندسية — وإن لم يكن ذلك بالقدر أو بالسرعة التي يرى البعض أنها مناسبة.

لماذا تُعَدّ الفلسفة مهمة للهندسة؟ لقد جادلتُ بأنّ السبب الأول هو الدفاع عن الذات في مواجهة النقاد الفلاسفة. والسبب الثاني هو المصلحة الذاتية، إذ تساعد الفلسفة على معالجة قضايا السياق الاجتماعي والأخلاق داخل الممارسة الهندسية. غير أنّ هناك سببًا ثالثًا يجعل الفلسفة مهمة للهندسة: وهو أنّ الهندسة بصدد بلورة فلسفة جديدة للحياة. وفي هذه الحالة لا يقتصر الأمر على بناء جسور، بل نشهد ما يشبه حركة الصفائح التكتونية؛ حيث لا تلتقي القارات فحسب، بل تبدأ أيضًا في التداخل والتأثير الجيولوجي المتبادل.

وكما أنّ حركة الصفائح التكتونية بطيئة إلى حدٍ لا يُدرَك بسهولة، وبالتالي يصعب تقديرها، فإنّ هذا التفاعل الثالث بين الهندسة والفلسفة يتسم بالبطء نفسه. وهو تفاعل يقوم في جوهره على المعرفة الذاتية، بل ويتطلب تعميق هذه المعرفة لدى جميع الأطراف المنخرطين فيه.

ما الذي يمكن أن يقدّمه التحليل المفهومي والبصيرة التأملية والتفكير البين- تخصصي للهندسة؟ إنّ مجرد طرح السؤال بهذه الصياغة يكاد يكون جوابًا بحد ذاته. أليست الهندسة هي الأخرى مميّزة بطابع التحليل المفهومي، والرؤية التأملية، والتفكير العابر للتخصصات؟

كلما ازددنا انخراطًا في بناء العالم، ازداد إدراكنا للعالم بوصفه عالمًا مُنشأ. ومع انتقال البشر من عالم طبيعي إلى عالم مشكَّل بالصناعة اليدوية ثم إلى عالم هندسي، فلا شك أنّه ليس من قبيل المصادفة أن تُطرَح التساؤلات حول الطبائع والماهيات، وأن تحلّ العملية محل الجوهر، وأن يُعاد تأطير المعرفة أكثر فأكثر ضمن الاقتصاد والسياسة بقدر ما تُصاغ في إطار المنهجيات المعرفية. كما لم يعد غريبًا أن تتصدّر القضايا الأخلاقية النقاشات العامة والتقنية على حد سواء، عبر طيف واسع من الأنشطة الإنسانية، بدءًا من الطب وصولًا إلى الحوسبة.

إنّ الخطابات الفلسفية التطبيقية مثل أخلاقيات الطب وأخلاقيات البيئة وأخلاقيات الحاسوب وأخلاقيات الهندسة لا تمثل في الحقيقة سوى قمة جبل جليدي يتشقق في بحر من التأملات الميتافيزيقية (من الكوسمولوجيات العلمية إلى الوجوديات الجديدة القائمة على إسقاطات المخاطر، والشبكات الإلكترونية، والواقع الافتراضي)، والانفجارات المعرفية (مثل الإحساس والإدراك المتجاوز للإنسان أو البعيد المدى، وجمع البيانات وتحليلها آليًا، والمقالات البحثية التي تتحوّل إلى إعلانات وحملات ترويجية للجولة التالية من المنح)، وكذلك التكوينات الجمالية (عروض الوسائط المرئية والتحليلات الاحتمالية، والاتصالات عبر النصوص الفائقة، والمشروعات الهندسية من الماكرو إلى المايكرو، والمواقع التفاعلية على شبكة الإنترنت).

قد يكون عالمنا مخترقًا بالتكنولوجيا في كل تفاصيله، غير أنّ هذه التكنولوجيا نفسها متشابكة بدورها مع حوار فلسفي عميق. بل إنّ هذه التحوّلات ذاتها في عالم المعيشة هي ما جعلته الفلسفة ما بعد الحداثية موضوعها الرئيس، في الوقت الذي يبتكر فيه المهندسون تلك التحوّلات عينها التي يتحدث عنها الفلاسفة. غير أنّ المهندسين ظلّوا صامتين. وبسبب هذا الصمت تحديدًا، فقد همّشوا — على نحوٍ مفارق — قدراتهم، إذ فشلوا في إدراك ذواتهم وممارساتهم بوصفها جزءًا مركزيًا من البنية الفوقية الثقافية التي يُنشئونها، والتي تعود فتُنشئهم بدورها.

لنأخذ مثالًا على ذلك: مركز أبحاث زيروكس بالو ألتو (PARC). فهذا المركز البحثي الهندسي يُعَدّ، ربما أكثر حتى من مختبرات بِل، واحدًا من أعظم مراكز الابتكار في التاريخ. ففي أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين، ابتكر المركز جميع العناصر الكبرى تقريبًا التي شكّلت لاحقًا ثورة الحاسوب الشخصي: الواجهة الرسومية، والفأرة، وغيرها. غير أنّ راعيه المؤسسي أخفق في استثمار تلك الابتكارات التقنية الريادية [سميث وألكسندر، 1988]. لقد استُلهم إبداع زيروكس PARC جزئيًا من تفاعلاته الفلسفية وحساسيته تجاه التطورات الثقافية. غير أنّه، في تفسير معقول، عجز عن تسويق تلك الابتكارات بسبب استجابته السلبية تجاه المؤثرات الفلسفية والثقافية ذاتها.

إنّ مارك وايزر، كبير التقنيين الحالي في مركز أبحاث زيروكس PARC، المتأثر في رؤيته بالانعكاسات الفلسفية العميقة لكلٍّ من هيربرت سايمون، ومايكل بولاني، وهانس جورج جادامر، ومارتن هايدغر، يتجاوز حدود الحواسيب المركزية والشخصية ليطرح ما أسماه بـ الموجة الثالثة من “الحوسبة الشاملة” (Ubiquitous Computing أو Ubicomp)(12). ومن خلال هذا المفهوم، يعمل وايزر مع غيره من مهندسي زيروكس PARC على جعل الحواسيب تندمج في خلفية حياتنا اليومية، لتتلاشى في بيئتنا المحيطة(براند "1987"). ومع ذلك، فإن مراكز الابتكار الهندسي الجذري المماثلة، مثل معمل الوسائط في معهد MIT، تُظهر ميلًا قويًا إلى امتصاص التأثيرات الفلسفية لما بعد الحداثة فحسب، حتى وهي تُجسِّدها وتعيشها في ممارساتها.

إنّ عملية التصميم الهندسي تجسّد وتُظهر بالضبط ذلك النمط من العمليات الطارئة، واللامتمركزة، والمتخطّية للحدود، والمنتجة لأنماط جديدة من التنظيم، وهي العمليات التي تقوم ما بعد الحداثة بتحليلها واستكشافها والاحتفاء بها. فالمهندسون يعيشون ما بعد الحداثة، لكنهم لا ينطقون بها.

إنّ المهندسين هم الفلاسفة غير المُعترَف بهم للعالم ما بعد الحداثي. فما يميّز القاعدة المادية لما بعد الحداثة هو أنّها مادية مُهندَسة. إنّ الطابع المرح في عمارة ما بعد الحداثة لدى روبرت فنتوري ليس سوى لعبٍ هندسي بارع(فينتيورينى "1977") . أما فرانسوا ليوتار، فإنّ “الوضع ما بعد الحداثي” لديه، القائم على المرجعية الذاتية، إنما يحاكي الممارسات والإجراءات التكرارية ذات المرجعية الذاتية التي يقوم عليها التصميم الهندسي (ليوتار"1979"). وأما الكائن الهجين – الكايوتي/السيبورغ – العابر للحدود عند دونا هاراواي، فلن يكون له وجود أصلًا لولا التكنولوجيا الطبية الحيوية(هاراواي "1991").

لقد اعتمد الإنسان، على مدى آلاف السنين، في صنعه واستعماله، على ما هو مُعطى في الطبيعة. وفي ظل هذه الظروف، ظلّ الاصطناع محدودًا على نحوٍ لا يمكن تجاوزه، سواء من حيث الكم أو من حيث الجوهر. وكان هذا النقص في الكم ينعكس في خصوصية ما يُصنع يدويًا وذهنيًا، حيث لا يتجاوز الجمال الظاهر لتلك المصنوعات سطحها الخارجي. وقد كتب أرسطو قائلًا: “لو نبت السرير، لما خرج سرير، بل شجرة بلوط” [الطبيعة، الكتاب الثاني، الفصل الأول؛ 193b10].

إنّ الاستخراج الهندسي من الطبيعة لكلٍّ من المواد الخفية والطاقات، إلى جانب تصميم الآلات العاقلة، قد أتاح انتشارًا كميًا واسعًا للصناعة المصطنعة وتوحيد معاييرها المنسّقة. وقد بدا أنّ هذا التوحيد حرم العالم من جمال الصنعة اليدوية بوصفه ثمناً ضروريًا للرخاء. غير أنّ التوحيد الذي أقامه المهندسون، ليس فقط بآلاتهم وعملياتهم الصناعية، بل أيضًا من وراء الكواليس عبر التفاوض حول الرموز التقنية، قد أنبأ مع ذلك بوجود مادي مصنوع يشكّل أساس بيئة جديدة من الصناعة المصطنعة.

ومع امتداد العمليات الهندسية إلى المستويات الدقيقة، والنانوية، والجينية، والجزيئية، والذرية، بل وما دون الذرية، فإن منتجاتنا الجديدة، حين تنبثق، لا تُبعث من موادها القديمة الخالية من الشكل، بل في بنيات جديدة مشكّلة بعناية.

لم يعش أحد بعمق في هذا العالم الصناعي الحي كما فعل المهندسون. فهم لا يزالون في بداية مساعيهم لمشاركة حياتهم التصميمية مع العالم الأوسع عبر التحليل المفهومي والتأمل النقدي. وهذا التحليل والتأمل يمكن أن ينتفع منه العالم الفلسفي بلا شك، ويمكنهم هم أيضًا أن يساهموا فيه، إذا ما بذلوا الجهد لدخول هذا المجال.

لماذا تُعَدّ الفلسفة مهمة للهندسة؟ في جوهر الأمر وأعمقه، لأنّ الهندسة هي الفلسفة ذاتها — ومن خلال الفلسفة تصبح الهندسة أكثر تحقيقًا لذاتها.

أيها المهندسون في العالم، تفلسفوا! فلن تخسروا شيئًا سوى صمتكم.(13)

***

قسم الفلسفة

برنامج العلم، التكنولوجيا، المجتمع

جامعة ولاية بنسلفانيا

University Park ، بنسلفانيا 16802،

الولايات المتحدة الأمريكية

البريد الإلكتروني: [email protected]

.....................

الملاحظات

1- الموسوعة البريطانية الجديدة (1995)، المعجم الصغير، المجلد 4، ص 496.الموسوعة ماكجرو- هيل للعلوم والتقنية (1997)، المجلد 6، ص 435، "كنوز الحداثة" يوسّع هذا التعريف عند وصفه للهندسة بأنها: «بأبسط صورة، هي فن توجيه المصادر العظمى للقوة في الطبيعة من أجل خدمة الإنسان وراحته. وفي صورتها الحديثة تشمل: الإنسان، والمال، والمواد، والآلات، والطاقة». أما الصياغة الأصلية لتوماس تردغولد فكانت: «الهندسة هي فن توجيه المصادر العظمى للقوة في الطبيعة من أجل استخدام الإنسان وراحته» (من مسودة ميثاق المؤسسة البريطانية للمهندسين المدنيين، 1828).

2- «إن ما نسمّيه قدرة الإنسان على الطبيعة يتضح أنه ليس سوى قدرة يمارسها بعض البشر على بشر آخرين مستخدمين الطبيعة كأداة» [لويس (1947)، ص 35].

3- للاطلاع على سرديات موسّعة حول الفلسفات الهندسية للتقنية المشار إليها أدناه، والأفكار ذات الصلة، انظر: ميتشام (1994)، ص ص 19- 38. كما يمكن العثور على بعض هذه المادة أيضًا في: ميتشام (1989)، الجزء الأول.

4- إنّ كلمة Technik بالألمانية يمكن ترجمتها إلى كلٍّ من: التقنية والهندسة.

5- أفضل دراسة عن إنغلمانير هي: غوراخوف (1997).

6- في محادثة شخصية بمدينة دلفت – هولندا، بتاريخ 17 أبريل 1998، أقرّ دايم بأهمية الأخلاق.

7- جميع الاقتباسات من مواد ABET مأخوذة من وثائق متاحة على الإنترنت عبر الرابط: http: //www.abet.org. وجميع الاقتباسات من المواد ذات الصلة مذكورة في النص مع الإشارة إلى أرقام الأقسام والفقرات.

8- لأغراض البحث الحالي أستخدم مصطلحي التاريخي والاجتماعي كمؤهّلين أساسيين، مع الاعتراف بأنّه في سياقات أخرى سيكون من الضروري وضع تمييزات أكثر دقة.

9- على الرغم من أنّ مفهوم فتح “الصندوق الأسود” صار مرتبطًا ببرامج علماء الاجتماع في مجال التقنية (وخصوصًا الموجّهة تاريخيًا) مثل برونو لاتور وويبه بيكر، فإنّ الاقتراح الأصلي جاء من مؤرّخ الهندسة إدوين لايتون [لايتون (1977)، ص 198]. وقد طوّره لاحقًا الاقتصادي ناثان روزنبرغ [روزنبرغ (1982)] قبل أن يُطرح باعتباره برنامجًا لدراسات التقنية [بيكر، هيوز، وبنش (1987)].

10- شرح آخر مختلف ولكنه مرتبط بهذا الواجب الأخلاقي الهندسي، انظر: ميتشام (1994أ).

11- شارك الفيلسوف سي. توماس روجرز مع أونغر في أعمال بحثية حول أخلاقيات الهندسة، وأُشير إليه في أونغر (1994)، ص 115. كما ألّف الفيلسوف مايك دبليو. مارتن بالاشتراك مع المهندس رولاند شينزنغر كتاب أخلاقيات في الهندسة [مارتن وشينزنغر (1996)]. وعمل الفيلسوف مايكل إس. بريتشارد على نطاق واسع مع المهندسين تشارلز هاريس ومايكل رابنز، وهو تعاون انعكس ليس فقط في كتابهم أخلاقيات الهندسة: مفاهيم وحالات [هاريس، بريتشارد، ورابنز (1995)]، بل أيضًا في مجموعة من أكثر من ثلاثين حالة دراسية متاحة عبر الرابط: http: //ethics.tamu.edu

12- وايزر (1991)، ص ص 94- 95، 98- 102، و103. مزيد من المعلومات متاح على الرابط:

http: //sandbox.xerox.com/hypertext/weiser/UbiHome.html

. انظر أيضًا الانفتاح الفلسفي الواضح لدى المهندسين تيري وينوغراد وفرناندو فلوريس [وينوغراد وفلوريس (1987)].

13- طُوِّر هذا الطرح لأول مرة كمحاضرة عامة في جامعة دلفت التقنية – هولندا، بتاريخ 16 أبريل 1998، بالتزامن مع ورشة عمل دولية بعنوان «التحوّل التجريبي في فلسفة التقنية». ومن المخطط أن يُنشر إصدار موسّع منه عبر جامعة دلفت التقنية. كما من المقرر أن يُنشر مجلّد وقائع الورشة، بتحرير خاص من بيتر كروس وأنطوني مييرز، في عدد لاحق من مجلة أبحاث في فلسفة التقنية.

المراجع

- ويبيكر، توماس هيوز، وتريفور بنش (محررون) (1987): البناء الاجتماعي للأنظمة التكنولوجية: اتجاهات جديدة في سوسيولوجيا وتاريخ التقنية. كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

- ل. ل. بوتشياريلي (1994): تصميم المهندسين. كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

- مايكل ديفيس (1998): التفكير كمهندس: دراسات في أخلاقيات مهنة. نيويورك: مطبعة جامعة أكسفورد.

- بيتر تورستون دوربين (محرر) (1991): وجهات نظر نقدية حول العلم والهندسة غير الأكاديمية. بيتلهيم، بنسلفانيا: مطبعة جامعة لِهاي.

- بيتر تورستون دوربين (محرر) (1992): المسؤولية الاجتماعية للمهندس: التزامات المهندس. نيويورك: جارلاند للنشر.

- غيرهارد إنغلمانير (1989): فلسفة التقنية: الأسس، المشكلات، والآفاق. ميونخ: بك.

- أندرو فينبرغ (1991): النظرية النقدية للتقنية. نيويورك: مطبعة جامعة أكسفورد.

- أندرو فينبرغ (1995): حداثة بديلة: التحول التقني في الفلسفة والنظرية الاجتماعية. بيركلي: مطبعة جامعة كاليفورنيا.

- ر. ج. فري، وك. و. موريس (محرران) (1991): القيمة، الرفاهية، والأخلاق. كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج.

- فيكتور غوراخوف (1997): التفكير التكنولوجي والتفكير الهندسي. موسكو: معهد الفلسفة، الأكاديمية الروسية للعلوم.

- تشارلز هاريس، مايكل بريتشارد، ومايكل رابنز (1995): أخلاقيات الهندسة: مفاهيم وحالات. بلمونت، كاليفورنيا: وادزورث.

- برونو لاتور (1987): العلم في العمل: كيف نتابع العلماء والمهندسين عبر المجتمع. كامبريدج، ماساتشوستس: مطبعة جامعة هارفارد.

- إدوين لايتون (1977): شروط التطور التكنولوجي. في: إسبايغل- روزينغ ودي سولا برايس (محرران)، العلم، التقنية، والمجتمع: منظور متعدد التخصصات. لندن: سِيج.

- كليف ستايبل لويس (1947): إلغاء الإنسان. لندن: مطبعة جامعة أكسفورد.

- مايك و. مارتن، ورولاند شينزنغر (1996): الأخلاقيات في الهندسة. نيويورك: ماكغرو- هيل.

- كارل ميتشام (1989): ما هي فلسفة التقنية؟ في: بيتر دوربين (محرر)، الفلسفة والتقنية: تفسيرات واسعة وضيقة. دوردريخت: كلور، ص ص 167–197.

- كارل ميتشام (1994): التفكير عبر التقنية: الطريق بين الهندسة والفلسفة. شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو.

- كارل ميتشام (1994أ): أخلاقيات الهندسة. في: لورانس بيكر (محرر)، موسوعة الأخلاق. نيويورك: جارلاند.

- ناثان روزنبرغ (1982): داخل الصندوق الأسود: التقنية والاقتصاد. كامبريدج: مطبعة جامعة كامبريدج.

- د. ك. سميث، وروبرت ألكسندر (1988): إضاعة المستقبل: كيف اخترعت زيروكس أول حاسوب شخصي ثم تجاهلته. نيويورك: ويليام مورو.

- ستيفن أونغر (1994): التحكم في التقنية: الأخلاقيات والمهندس المسؤول. نيويورك: وايلي.

- والتر فينسنتي (1990): ما يعرفه المهندسون وكيف يعرفونه: دراسات تحليلية من تاريخ الطيران. بالتيمور: مطبعة جامعة جونز هوبكنز.

- مارك وايزر (1991): الحاسوب للقرن الحادي والعشرين. ساينتيفك أمريكان (سبتمبر)، ص ص 94–104.

- تيري وينوغراد، وفرناندو فلوريس (1987): فهم الحواسيب والإدراك: أساس جديد للتصميم. نوروود، نيوجيرسي: إيبلكس.

في المثقف اليوم