أقلام حرة
توفيق التونچي: الاصطفاف الصباحي والأوساخ تحت الأظافر

skit under naglarna”
كما يقال إذا تكرر حوادث التاريخ يوم ما فإنها تتكرر مهزلة ساخرة كوميدية. قبل حوالي أربعون عاما وجدت زوجتي نفسها مع طفلين صغيرين في مطار بوخارست المسماة (اوتوپين) في رحلة لجوء إلى السويد لتلتحق بي بعد ان كنت قد عانيت الانتظار سنتين من الانتظار في معسكرات اللاجئين.
كانت رومانيا آنذاك تحت حكمً النظام الشيوعي وتحت سلطة الدكتاتور (نيكولاي شاوشيسكو) والذي كان قد امر رجال امنه والضباط في المطار تفتيش المغادرين من المطار ومصادرة كل مقتنياتهم من نقود وجواهر وكل ذو قيمة من مقتنيات الشخصية ناهيك عن الإهانات التي كانت توجه للقلة ممن تمكنوا من الحصول على جواز سفر لمغادرة البلاد بطريقة رسمية وكان الزواج من الأجنبي احدىً تلك الطرق. وشاءت الصدف ان تكون ابنتي الصغيرة ذو الثلاث سنوات ان تكون هناك أقراط ذهبية معلقة في أذنيها أهدتها والدتي لها حين ولدت وأرسلتها من بغداد (صوغه) فما كان من رجال الشرطة في المطار إلا أن ينزعوا عنها أقراطها ويصادروها وهي تبكي وكانوا قد صادروا شقتنا في العاصمة وجميع مقتنيات العائلة التي كنت قد جمعتها خلال سنوات دراستي العالية في رومانيا وتركوا فقط الملابس وبعض الكتب معهم. طبعا حين وصلوا إلى السويد كان أول شيء اشتريت لها أقراط الذهب ووضعها في شحمةً آذنيها كي أعيد لها الفرحة.
رغم ان المصطلح السويدي (skit under naglarna”) الذي بدأت به حديثي يستعمل صوريا ولا تعني كل كلمة بمعناها منفردة، بل في سياق الجملة وفي علم النفس والتغير يستعمل المصطلح لمعالجة الخصام وعدم التفاهم بين الأطراف والغوص في جذور الأساسية لأسباب الخصام ومعالجتها من الجذور. بصورة عامة نحن قد نستعمل المصطلح لأشياء وأمور ليس لها قيمة وتافهة كذلك وربما جاءت من تقيم الناس العاملين والفلاحين لوجود بعض السواد تحت أظافر أيديهم. المهم ان الموضوع لا يستأهل وتافه، ولكن في السياسة مهمة إذا وصلت حالة الدول أن تبدّا بمراقبة مواطنيها وتفتش حتى تحت أظافرهم.
كلنا نتذكر حين كنا صغارا في المدرسة قبل اكثر من نصف قرن كان هناك اصطفاف صباحي وفيها نمد أيادينا إلى الأمام (الصورة) كي يقوم المعلم المار من أمام صفوف التلاميذ من روية الأظافر وان كل واحد منا له منشفة صغيرة نظيفة يمسكها بيده.
هكذا اصبح حال الدنيا اليوم يفتشون حتى في المطارات عن كل شيء وحتى "الأوساخ تحت الأظافر".
***
السويد
2025