أقلام حرة
نهاد الحديثي: في عيد الصحافة العراقية

الصحافة والثقافة.. وجهان لعملة واحدة، لخدمة الشعب
الصحافة والثقافة وجهان لعملة واحدة، فالصحافة هي أداة لنشر الثقافة، والثقافة بدورها تشكل مادة أساسية للصحافة. الصحافة الثقافية تتطلب من الصحفيين معرفة واسعة بالثقافة، وقدرة على تحليل الأحداث الثقافية وتقديمها للجمهور بأسلوب شيق ومفهوم.، الصحافة تقوم بنقل المعرفة والأفكار والقيم الثقافية من جيل إلى جيل، ومن مكان إلى آخر. تنشر الصحافة الأخبار والأحداث الثقافية، وتحلل وتشرح الظواهر الثقافية، وتساهم في تشكيل الرأي العام حول القضايا الثقافية.،، لصحافة الثقافية أداة تطوير للإبداع ورؤية المجتمع لحاضره ومستقبله-- توسعت التغطية الثقافية في وسائل الإعلام الإخبارية سواء المغربية أو العربية أو العالمية لتتجاوز أقسام الفنون والأدب أو الثقافة، إلى أقسام الأخبار والأعمال والتعليقات والرأي والسفر وأسلوب الحياة، ولو بتفاوت، لكن يبقى للصحافة الثقافية في العشرين عاما الأخيرة، مساهمة هامة في صناعة المعرفة والتنمية ودعم الفنون والإبداع ونقل القيم وتطوير فهمنا للثقافة ودورها في المجتمع، وذلك رغم ما تعانيه من مصاعب جمة.
ينصب الاهتمام الأساسي للصحافة الثقافية على الفنون والعمل الإبداعي بكل تفريعاتهما التي أصبحت تتسع لتشمل كل ما يتعلق بالأدب والفنون البصرية والموسيقى والأفلام والمسرح والرقص والتصوير والهندسة المعمارية والتصميم وألعاب كمبيوتر، ولا يخرج الأمر على الشركات والمؤسسات والسياسات التي أضحت تصنع وتؤثر في محتوى الإعلام الثقافي.
وقد أدت كل التطورات التي تعرفها مجالات الإنتاج الثقافي وما وراء الخطاب إلى ولادة نماذج محترفة من الصحافة الثقافية رغم ظروف العمل وتحديات دور وظيفة الصحافي الثقافي،
إذا كانت الصحافة الثقافية تشمل مجالا واسعا وغير متجانس من الموضوعات حيث لا يمكن فصلها في الوقت الحالي عن سياق الصناعات الثقافية والصناعات الإبداعية، وكذلك عن التقنيات الجديدة التي تتطلب إعادة تعريف وتوسيع الصحافة الثقافية ومهارات جديدة للصحافيين، بالتالي لا يمكن اعتبار هذا الجنس من الصحافة مجالًا صغيرًا ومحدّدًا نسبيًا للممارسة الصحافية، بل أضحت ركيزة في صناعة القصة الخبرية كونها تشتغل في التقاطع بين الإعلام السياسي وكل الأشكال الثقافية والصناعات الإبداعية بشكل عام، كما يدخل في نطاق اهتمام الإعلام الثقافي بكل أشكال التعبير الثقافي التقليدي والجديد مثل السينما وفن الفيديو والأدب وفن الشارع والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى، وما إلى ذلك، وتأثير التكنولوجيا
وإذا كانت الصحافة الثقافية تساعد على فهم الروابط بين الأحداث الثقافية والمجتمع والحاضر والماضي، فإن هذه العلاقة بين الصحافة والثقافة والمجتمع يمكن تصنيفها علاقة تكافلية، لهذا نجد الفلاسفة، يتفقون على أن الصحافة والثقافة تربطهما علاقة عضوية، وأن الصحافي الجيد لا يمكنه أن يتطور دون ثقافة جيدة تسنده، مشيدا بالأدوار التنويرية التي لعبتها الصحافة من خلال متابعتها للأحداث وتحليلها، والتي لم تسقط في التفسير الأسطوري عند تناولها لبعض الاحداث، بل كانت أميل إلى التفسيرات العقلانية لبعض الظواهر وعملت على إشاعتها والتبشير بها ضمنيا.
لم يعد متاحاً إيجاد فضاء إعلامي يلقي الضوء واسعاً على التعريف الوافي بالأدباء وسيرة الكتّاب، ويهتم بإبراز تجاربهم الإبداعية، ويتناول أعمالهم نشراً وتحليلاً ونقداً. ولم يعد ممكناً اتخاذ مقياس لفهم طبيعة تحولات المسألة الثقافية وتحديد اتجاهاتها الحديثة. ولم يعد مقبولاً أن يبقى الإعلام بعيداً عن التفاعل الإيجابي مع مشاريع الأنظمة السياسية وعن دعمها، وإلا تعرضت كل مؤسسة إعلامية تقدم دوراً ثقافياً للتهميش وللتوقف.
لقد ضاق مجال النشر الثقافي وهامش الإبداع الأدبي بعدما صار الفعل الثقافي مرتبطاً بالأيديولوجية السياسية وتحول إلى مروج لها، وطبيعي أن يكون مجاله الحيوي الجديد هو الصحف والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، وساعد في ترسيخ هذا الوضع حالة الفوضى بسبب غموض الخطاب السياسي وإصابة الخطاب الثقافي تبعاً لذلك بالضبابية، وكذلك تعرض مجال النشر للتعثر حيث سيطرت اعتبارات الولاء والانتماء على اعتبارات الإبداع الأدبي بعدما غاب الاحتكام إلى معايير الجودة، وبعدما نحت الصفحات الثقافية والفقرات التلفازية المتخصصة منحى الخبر الصحفي، بدلاً من نشر إبداعات المثقفين والدراسات النقدية والتحليلية. يرى البعض أن مجال الصحافة هو عالم مجاور للكتابة الأدبية، وأن للصحافة فضلاً كبيراً في تسليط الضوء على النصوص الأدبية وعلى الفعاليات الثقافية، والواقع أن للصحافة دوراً في جعل الكاتب نجماً جماهيرياً مضيئاً أو أن تتغاضى عنه فيقبع في ركن مظلم، وعليه يبدو الوضع قاتماً بعدما أصبحت الصحافة الثقافية تعيش أزماتها بسبب التصحر الثقافي وتراجع الحراك الفكري والثقافي، هذا برغم بزوغ بعض التجارب الجادة والحقيقية على استحياء في المشهدين الثقافي والإعلامي تعكس وجود محاولات محتشمة تريد أن تعمل بفعالية لذا تجد الصفحات الثقافية نفسها مكتفية بنشر المتاح في مناخ يفتقد إلى الزوايا النقدية البنّاءة، وإحجام الإصدارات عن اكتشاف المواهب المبدعة وتقديمها، والمتفق عليه هو أنه يجب انتظار صحافة ثقافية تلعب دوراً فكرياً وحقيقياً أكثر عمقاً
وسائل الإعلام اليوم الورقية منها والإلكترونية تعد من الأدوات الثقافية المهمة؛ لأنها تشكل وسيلة في الحصول على الثقافة والاطلاع على جميع أشكال الإبداع؛ لإثراء الزاد الثقافي لدى المواطنين وإكسابهم الخبرة الثقافية، ومن هنا تبرز مسؤولية وسائل الإعلام في توصيل ونشر الثقافة وفي التأثير في قرائها وعلى اهتمام المتتبعين لما تنشر بحكم سهولة اتصالها اليومي السريع بكل أطياف الشعب وعلى نطاق واسع، وكذلك بحكم اعتبارها وسيلة إعلامية مهمة بالنسبة للقارئ تتيح له فرصة قراءة الأخبار بتمعن وهدوء وتتبع أهم الأحداث من أي مكان وفي أي زمان، وهي بذلك تساهم في تشكيل الرأي العام سواء من خلال ما تقدمه من الأخبار أو تفيد به من المعلومات الثقافية -- يرى بعض المتشائمين أن تسييس المجتمع وانصراف شبابه عن مصادر المعرفة وتفضيله التوجه المحموم للارتماء في أحضان مصادر الثراء السريع قد حول المجتمع إلى وسط غير معرفي وغير منتج للأفكار؛ لذلك لم يكن من الممكن أن تحتل الثقافة الواجهة بل بقيت الصحافة الثقافية هي الأضعف، والمتفق عليه أن الفعل الثقافي لا يخلق الإعلام لكنه ينمو بالإعلام، فتأسيس فعالية ثقافية يمكن أن يكون حدثاً مهماً بصحافة ثقافية مهمة.لقد ترسخ لدى الكثير من العاملين بقطاع الإعلام أن الأدباء هم الأقدر على العمل في مجال الصحافة الثقافية لجعلها عملاً خلاقاً، وقد ظهر بناء على ذلك مصطلح (ثقافة الصحافة) كأيديولوجية مهنية مشتركة بين العاملين في مجال الأخبار، تعكس وجود توافق شامل بين الصحفيين تجاه فهم مشترك للهوية الثقافية للصحافة، ويتسع هذا المصطلح ليشمل التنوع الثقافي لأخلاقيات الصحافة والممارسة الإعلامية، لذلك قد يطلق كذلك تسمية الثقافة الصحفية أو ثقافات الصحف أو ثقافة إنتاج الأخبار، وهي تسميات يراد منها تبليغ رسالة تأكيد فضل الثقافة على الرسالة الإعلامية بجعل النشاط الصحفي من صفات الثقافة، أو بإضافة الثقافة إلى العمل الصحفي كنشاط أولي ورئيسي. كثيراً ما يخضع التناول الإعلامي للشأن الوطني ونشر الأخبار الوطنية للمراقبة وللمراجعة بالتغيير وبالإضافة والحذف وذلك لمراعاة بعض الحساسيات المذهبية والحسابات السياسية التي تحددها السلطة الحاكمة، في حين يزهو الأدباء بأن هموم الوطن وقضايا الوطن يكشفها الشعر والرواية والقصة بشكل مفصل ومؤثر.
***
نهاد الحديثي