أقلام حرة
محمد علي شاحوذ: حافي القدمين

تعودت قبل لقاء أي شخص لم ألتقه من قبل سواء إن طلب هو لقائي أو سعيت أنا للقائه خاصة إن كان من الشخصيات الجديدة في الساحة، أن أقرأ عنه كل ما تقع عليه عينيّ من معلومات من صفحته الخاصة بالفيس أو من غيرها، وحينما لا أجد ما يمكنني من تحليل شخصيته قبل اللقاء فإني ألجأ الى الخطة البديلة والتي تعتبر من سيئاتي، وتتلخص الخطة بتحليل شخصية الرجل والدخول الى دهاليز دماغه وقراءة أفكاره من خلال نوع وشكل وشخصية وحذاءه !! .لذلك أحتاج الى كسب الوقت في أول خمس دقائق من اللقاء اذ نظرات عينيّ تطير بإتجاه حذائه مباشرة !!، ولكوني مهّوس بتحليل الشخصيات فقد قرأت وتدربت على تحليل شخصية الرجل من خلال نظرية التحليل النفسي الثلاثية ألابعاد، وهذه النظرية تقوم على تحليل ثلاثة عناصر لآي شخص من خلال تحليل حركات يديه ونظرات عينيه ونوع حذائه الذي في قدمه، وبذلك تصبح عندي فكرة عن طبيعة الرجل ولتجنب أي خصال غير حميدة قد تبدر منه تجاهي !!. وشخصيا إكتشفتُ أنها أفضل طريقة علمية، فتحليل الشخصية عبرّ الحذاء تعطي مؤشرات واضحة لا تقبل الخطأ والشك عن شخصية صاحبه،لا يمكنك أن تستنتجها من حركات يديه أو عينيه أو ملامح وجهه حيث الحذاء لا يكذب ولا يخدع ولا يراوغ كما تفعل العينان واليدان واللسان !!. ولكن ما يزعجني في بعض المرات أنني لا أتمكن من رؤية الحذاء كون صاحبه يجلس خلف مكتبه الخشبي الضخم في غرفته، فتضيع مني فرصة إستكشاف أسراره، فأحاول أن أتحرك في مقعدي بإتجاهات مختلفة تمكنني من رؤية ما بقدمه، بالرغم من أن حركاتي هذه قد تثير ريبة وشكوك البعض منهم، وإن عجزت فأضطر إلى إسقاط مفاتيحي من يديّ، فأقوم بإلتقاطها من ألارض حتى أتمكن من تغيير زاوية الرؤية للنظر عن قرب الى الحذاء وقراءة شفراته، ومن سوء حظي فقد لازمني النحس في بعض مقابلاتي، حيث كان نوع بعض ألاحذية في أقدام مرتديها من النوع الباهظ الثمن ذات الماركات التجارية العالمية وهو أمر سيئ لي لآنه وحسب ما جاء في نظرية التحليل النفسي للحذاء والنعل فأن ذلك يدل على أنني سأتعامل مع شخصيات متذبذبة ومضطربة عاطفيا وتمتاز بالوصولية والأنانية وطموحها العالي للإرتقاء بأدائها حتى على حساب غيرها، وبعضهم وصل حذاؤهُ الى الكاحل وهو علامة مزعجة تشير الى عدوانية مفرطة ومحاولة التسلط على الغير للتغطية على عقدة نقص سابقة تعرضوا لها في طفولتهم، وفي إحدى المقابلات المهمة لي مع أحدى الشخصيات، جلست أمام الرجل وكان يخفي أقدامه أسفل المكتب الأنيق، فتحركتُ يمنة ويسرة وصارت رقبتي كرقبة الزرافة لعلي ألمحُ حذاءه ولكني فشلت في مسعاي، ولم تبق محاولة إلا وفعلتها، وفي النهاية تعمدت إسقاط مفاتيحي أسفل مكتبه فنزلتُ وألتقطتها ولكنني تفاجأت به وهو حافي القدمين !!
وفورا إنتبه الرجل الى دهشتي كونه حافيا، فعلل ذلك أنه يعاني من تشققات في كعوب أقدامه مما يضطره لخلع حذائه أثناء العمل ووضع المراهم في شقوق الكعبين، وأنها حالة وراثية، ورثها عن أبيه وجده، وهنا تزاحمت الاسئلة في سري، أيُعقل أنه تأثر بأغنية كاظم؟ أو أن أحدا وشى له عن طريقتي في التحليل النفسي وخلع حذاءه قبل دخولي عليه؟؟
أم أنه فعلا مريض ؟، وكيف سأحلل شخصية رجل حافي القدمين مشقوق الكعبين ؟؟ ولكن السوأل ألاهم الذي ضرب كل مراكز الوعي والادراك في قشرة مخي وسبّب شللها وجعل أعصابي القحفية تلعن كل أنواع الاحذية هو: كيف وصل هذا الحافي إبن الحافي الى هذا المركز؟
***
د. محمد علي شاحوذ