أقلام حرة

نهاد الحديثي: كف الأذى عن الناس صدقة

المرء بطبعه اللاإنساني شرس بالرغم من توفره على العقل الذي يمنح السلامة الفكرية والإدراك الواعي، وامتلاكه للقلب الذي يعطي القوة الوجدانية والتخلق الفاضل، ولا يكون ذلك الطبع الممقوت إلا بفقدان الشخص لبصيرته التي هي نور عقله وقلبه؛ وهذا ما يفسر غياب النظرة الرزينة للأمور وانعدام الوازع القيمي النافذ في السلوك، الشيء الذي يظهر أنانية الفرد البشعة؛ فيصير واضحا للعيان بأنه لا يرى إلا مصالحه ورغباته وشهواته التي يسيطر عليها حبه للتملك عن غير استحقاق، ولو وقعت مظالم للآخرين وسلبت حقوقهم المهم عنده نيل ما يطمع إليه، والحصول على ما يبتغيه مهما كلفته تلك الأذية المتعمدة التي مس بها غيره من خسائر دنيوية وخيمة وعواقب أخروية مهولة، للاسف الشديد تزايد ت في هذا الزمن نوازع الشر وايذاء الناس فاللارأفة هي التي تسود في المجتمعات المعاصرة وتجعل رغبات الأنا وقوانين الغابة هي المسيطرة على سلوك الأفراد، والحاكمة في العلاقات القائمة بين الناس، وعدم الرفق وفقدان العطف أوصاف شيطانية حتى الحيوانات تتجنب الوقوع فيها في أحيان كثيرة، وللاسف الشديد، لقد أصبح كثير من الناس ذئابا في ثياب بشر، فلا يهدأ لهم جنب ولا تنام لهم عين إلا إذا باتوا على أذى الخلق، وليس لهم ديدن إلا إصابة الآخرين بالسوء، فأين هم من دينهم ومن الخوف من الجليل؟! وما الذي جعل الإنسان يستسهل من إيذاء غيره؟ ولماذا صارت أذية الخلق بغير حق عادة وطبعا وهواية وإن كان الذي يقوم بالإيذاء المتعمد من أهل الصلاة والصيام والصدقة؟ للأسف الشديد فالذي يتلذذ بإيذاء الآخر لا يمكنه الاستفادة مما يصنعه من حسنات، لأنه يعد مفلسا فما يفعله هو من أكثر ما يأكل حسناته ويزيد من حجم سيئاته، الأمر الذي قد يوصله إلى وضع تصبح فيه أبواب الجنة موصدة أمامه لا يحل له الدخول لها؛ فيحرم منها بسبب ما فعله مع غيره، ولذلك فالذي لا يتورع عن أذية الخلق هو في خطر عظيم، بل يخشى عليه من دخول النار والعياذ بالله. والمتمعن في واقعنا الحاضر يرى أن أغلب الخلافات العدوانية والصراعات التناحرية ما كان ليكون لها وجود لو كان التصرف والتعامل عند الإنسان مطبوع بقيمة الرحمة الأصيلة في النفس الإنسانية السوية، فاللارأفة هي التي تسود في المجتمعات المعاصرة وتجعل رغبات الأنا وقوانين الغابة هي المسيطرة على سلوك الأفراد، والحاكمة في العلاقات القائمة بين الناس، وعدم الرفق وفقدان العطف أوصاف شيطانية حتى الحيوانات تتجنب الوقوع فيها في أحيان كثيرة، والمتمعن في واقعنا الحاضر يرى أن أغلب الخلافات العدوانية والصراعات التناحرية ما كان ليكون لها وجود لو كان التصرف والتعامل عند الإنسان مطبوع بقيمة الرحمة الأصيلة في النفس الإنسانية السوية

الإيذاء عبارة عمّا يكسر خاطر الإنسان، فيكون بألفاظ صريحة من الكلمات الجارحة ‏المتضمّنة للسّوء من القول، وهذا ظاهر، ويكون الإيذاء خفيّاً باستعمال الكناية البعيدة ‏والتّعريض، وبعض الناس يستعمل الكنايات الخفيّة في الإيذاء لا للتخفيف على نفس الذي ‏يُؤذى، بل للجبن عن المواجهة، فيجعل الكنايات متارس يحاول الاحتماء بها، وذلك إن كان ‏يجنّبه بعض المواجهة، فلا يجنّبه التّبعات يوم القيامة

أكبر أنواع الإيذاء ما مسّ إحدى الضروريّات الخمس التي لا تلتئم مصالح الدّارين إلّا ‏بصيانتها، وهي (الدّين والنفس والعقل والمال والعرض)، وأكبر أنواع الإيذاء في الدين تغرير ‏الناس في معتقدهم وتلبيسه بالبدعة، كما صنعه المبتدعة وأهل التحزبات على ممرّ العصور، ‏وفي مقدّمتهم الخوارج فهم الذين فتحوا على الأمة باب الشّرّ والفتنة، وفتنتهم تتشكل في كلّ ‏عصرٍ بحسب ما يظنّون أنه يضرّ المجتمعات، وفي سبيل دفع الأذى الخطير الذي يحملونه ‏يجب على المجتمع التكاتف والالتفاف حول القيادة التي تجتهد في الدفع في نحورهم، فذلك ‏ترياق سمومهم، وقد جرّب مجتمعنا بحمد الله تعالى نفع الالتفاف حول القيادة في مواجهة الفتانين، ومن أكبر أنواع الإيذاء ‏المساس بحياة الناس وأبدانهم، واستهداف عقولهم بالمدمّرات، سواء كانت معنويّةً كالأفكار ‏الهدّامة المتطرّفة من أكبر الإيذاء امتداد اليد إلى أموال الآخرين، سواء العامة كالاستيلاء ‏على المال العام، أو استخدامه فيما لا يسمح به النظام، أم الخاصّة كأكل أموال النّاس ‏بالباطل بأيّ وجهٍ كان من الأوجه غير الشرعيّة، وكذلك من أكبر أنواع الإيذاء الوقيعة في ‏أعراض الناس، ولصق القبائح بها، والنّيل من أعراض الناس مؤذٍ حتى لو واجه به الإنسان ‏أخاه في الخلوة، فما بالكم لو حصل في مكانٍ عامٍّ أمام المارّة، ومن باب أولى أن يحصل في ‏وسائل التواصل الاجتماعي حيث تطير الكلمة في الآفاق، وسبيل دفع الإيذاء المتعلق ‏بالأنفس والعقول والأموال والأعراض الرفع بها إلى الجهات المختصّة على حسبما تقرّره ‏الأنظمة المرعيّة؛ فإن هذه الإيذاءات تستوجب عقوباتٍ يناط النّظر في ثبوت موجبها ‏وتطبيقها بوليّ الأمر ومن ينيبه، وليس لأحدٍ الحقّ في الافتيات عليه في ذلك، كما أنه لا ‏يسوغ التستّر على من تورّط فيها؛ لأن إفلاته من العقوبة يضرّ بالأمن والمصالح العامّة

لا تفتح أبواب الجنة للمتلذذ بأذية الخلق بغير حق -- كف الأذى عن الناس صدقة --- وقولوا للناس حسنا ---- صيانة الفرد والمجتمع ركيزة أساسيّة في الإسلام، وتحقّق السّلامة العامّة والخاصّة مقصد من ‏مقاصده العليا، وتلك السلامة تشمل سلامة النّاس في المعتقد والنفوس والعقول والأموال ‏والأعراض، وسلامتهم من كلّ ما يتأذّى به الإنسان جسديّاً ومعنويّاً.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم