أقلام حرة
صادق السامرائي: التشجير والتعمير!!
التشجير والتعمير من أساسيات الحياة الحرة المستقيمة، التي تحفظ الكرامة وتعز الوطن والمواطنين. وهناك علاقة خفية بين المطر واللون الأخضر وكأن الشجر في تخاطب متواصل مع السماء. التشجير بحاجة إلى منظومة رعاية، فالشجرة تريد من يرعاها، فالتشجير بلا رعاية جهد ضائع، وتدمير للبيئة وعدوان على الحياة.
المياه الجوفية وشق الأنهار الموازية والبحيرات وبناء الخزانات ومنع الهدر المائي إجراءات وقائية ضرورة لصناعة الحياة الطيبة ، ومياه النهرين من المفروض أن تسقي تراب وأبناء البلاد لا أن تذهب إلى البحر.
حدود المدن عليها أن تكون من أشجار الكالبتوس الدائمة الخضرة، والتي تحمي ضد الهجمات الغبارية والرملية.
والنخلة من أولويات الشجر الذي عليه أن يكون في كل مكان يناسبه، لأن النخلة عنصر مهم في سلة الطعام، فهي التي تمنع الجوع وتوفر العديد من الحرف والتفاعلات الإقتصادية النافعة.
أما الإعمار فمن ضرورات القوة النفسية والعزة والكرامة الوطنية، وتنمية الثقة وتحفيز القدرات على التفاعل المتميز مع العصر، وفي البلاد الكفاءات الهندسية الكافية لبناء وطن متفوق عمرانيا على ما حوله من الأوطان، فهو يمتلك المواد والعناصر والقدرات الجاهزة للإنطلاق في حملة إعمار وطنية.
الوطن الأخضر الجميل بعمرانه الباهي المتميز يعز أبناءه ويطعم المشاعر الوطنية بما هو إيجابي، ويشد المواطن إلى تراب بلاده، ويمنحه شعورا بالسعادة والسرور، فيتماهى معه، ويذود عنه ويشارك في بناء حاضره ومستقبله.
لابد من برامج وخطط وآليات رعاية وإدامة لكل خطوة أو مشروع.
الأشجار بحاجة للماء، وعندما ننطلق بمشاريع كهذه لتوفير منظومة إرواء قادرة على تأمين حياة الشجرة ورعايتها وفقا للضوابط الخاصة بها .
وبما أن البلاد فيها مخزون هائل من المياه الجوفية، فيمكن للأشجار بعد فترة أن تصل بجذورها إليها، فتستغني عنا، وتتمكن من إرواء نفسها، فربما تكون رعايتنا للشجر قصيرة الأمد، فحالما تستقر الشجرة في مكانها تصبح قادرة على الحياة لوحدها.
المجتمعات التي لا تهتم بالتشجير ولا تحترم اللون الأخضر يداهمها الخطير.
التشجير يساهم في تنشيط التفاعل الإيجابي مع الحياة، ويدفع إلى طرد التصحر وإستدعاء الأمطار، فالعلاقة بين الشجر والسماء خفية وذات مخاطبات متبادلة، فعندما تعطش النباتات تستدعي الغيوم فيهطل المطر.
قد لا تصدقون ذلك لكن النباتات عندها آليات إستسقائية متواصلة مع الفضاءات البيئية التي تكونها وتؤسس لمنطلقاتها الحياتية.
لفد علمتني الحياة في البرية وجود تلك اللغة التخاطبية بين الزرع وأسباب المطر، ولا يهم الفصل الذي تتحقق فيه أمنيات النباتات، وكيفيات إدامة مروجها الخضراء.
كان العراق يسمى بلاد السواد أي أنه كان بساطا أخضرا من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فتفاعلت معه إرادة السماء وأرسلت الماء عليه مدرارا، تناغما مع نداءات الزرع المتسامق في ربوعه.
ويبدو أنه أبتلي بأجيال تقطع ولا تزرع، فذبلت مروجه وتحول نخيله إلى أعجاز خاوية، ونشطت إرادة الصحراء فزحفت على الأراضي الخصبة وأحالتها إلى يباب، وشارك النهران بغضبهما على الذين لا يحترمون الماء والتراب فساد التصحر والجفاف، وعز عطاء الأرض، حتى صارت البلاد تستورد الخضراوات من باقي البلدان.
حياةٌ دون تشجيرٍ خواء
فصن وطنا يباركه الرجاء
علائم هوننا إنا قطعنا
فعز طعامنا وطغى البلاء
إذا الأقوام ما زرعت نباتا
توسدها التذلل والعناء
***
د. صادق السامرائي







