اخترنا لكم
فهد سليمان الشقيران: برتراند راسل.. حكمةٌ صقلتْها السنين
لم يعد خطاب السعادة القديم فعّالاً في المجال النظري، ثمة تحديات تواجه هذا المفهوم وبخاصةٍ بعد سكنى البشرية للسوشال ميديا وانتصار التباعد البشري على التواصل الواقعي.
لقد زاد الشعور بالوحدة والتعاسة، وبالأرقام فإن حالات الاكتئاب والقلق والهم تضاعفت وبشكلٍ مدمّر خلال العقدين الأخيرين، ومعضلة الحكمة الحياتية أن الوصول إليها يتطلّب خوض التجربة، والتجربة تحتاج إلى زمن وعمر، ومعظم الحكم الكبرى وصل إليها الناس في أواخر سنينهم، ولكن من عيوب البشر أنهم لا يستفيدون من الحكم المطروحة ممن سبقهم إلا بعد ضياع العمر.
حين نقلّب سيرة فيلسوف مثل برتراند راسل الإنجليزي الذي عاش قرناً كاملاً شهد فيه الحروب والفظاعات، هذا على المستوى السياسي، فضلاً عن تجربته الشخصية، حيث نجا من الموت بأعجوبة بعد أن تحطّمت به الطائرة حين نتأملها نعثر على حكمٍ مذهلةٍ وحياةٍ صاخبةٍ، وآراء مدهشة.
يصرّ في كتاباته على توريث الأجيال بعض دروس الحياة، فهو بقدر ما مرّ بظروف شقاءٍ ومنها السجن، إلا أنه آمن بالحياة السعيدة واعتبر نفسه محظوظاً بأنه عاش حياة السعادة حتى مع الشيخوخة.
حين سُئل: «ماهي السعادة؟» اختصرها في التالي: الصحة، وتوفّر الوسائل الضرورية للتحصّن من الحاجة، وعلاقات جيدةٍ مع الآخرين، ومن ثمّ النجاح بالعمل.
الخطر الأساسي للتعاسة بحسب «راسل» مقارنة الإنسان لنفسه بالآخرين، من هنا تبدأ المشكلة، هذه المقارنة تقود بالضرورة إلى مرضٍ عضال هو الحسد وقد خصّص عنه كتاباتٍ عديدة وكان مهموماً بهذا المعنى في كل كتاباته حول الحياة والسعادة، ويعتبره العائق الأساسي أمام الفرد لكي يعيش حياته بشكلٍ طبيعي.
يرى راسل أن: «الحسد يتسبب في شقاء الكثير من الناس، أفكّر مثلاً بالرسّام هايدون، الذي لم يكن رساماً جيداً لكن كان بودّه أن يكون كذلك، في مذكراته يمكننا أن نقرأ الجملة التالية: لقد قضيتُ صبيحةً شقية في مقارنة نفسي برافائيل».
راسل الذي ألّف كتابه «الفوز بالسعادة» يعتبر الحيويّة الدنيويّة والانسجام مع الانتظام الاجتماعي، والقدرة على خلق أفكار وأعمال تعبّر عن حضور الذات أساسي للوصول نحو المبتغى الذي يسعى إليه كل البشر، وهو الظفر بحياةٍ سعيدة.
ببساطة معيار السعادة عند راسل «أن لا تكون تعيساً»، لقد طرحت التقنيات الحديثة تحدياتٍ جمة وكبيرة على البشرية، صار الإنسان لا يعرف ماذا لديه، وإنما يقضي كل وقته في النظر بالأمر الذي يصل إليه.
الخلاصة، أن الحياة السوشليّة ليست حقيقيّة، وليست الهدف المنشود للفرد في المجال العام، إن الإنسان الطبيعي هو الذي يعيش بصحةٍ وتكيّف اجتماعي وتجارب عمليّة، وإنجازات شخصية، إن ما كتبه راسل من حكم يعبّر عن تجربةٍ مؤصلةٍ عمرها قرن من الزمان، والأجيال الصاعدة لا بد أن نعلّمها بأن الحياة الطبيعية اليومية والتأقلم معها والتعامل بأخلاقٍ وقيمٍ مع الناس هي شرط للحيوية الدنيوية السعيدة.
***
فهد سليمان الشقيران - كاتب سعودي
11 نوفمبر 2025 00:34






