آراء

غالب المسعودي: تأمل الجوعى وهم يموتون تسلية استعمارية

المنظر يعكس التوتر بين الحياة والموت، ويشير إلى كيف يمكن أن تؤثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية على الأفراد والمجتمعات، يمكن اعتبار المجاعة أزمة حقيقية، حيث تؤدي إلى فقدان الحياة وإضعاف المجتمعات. تعكس المجاعات الفشل في توفير الاحتياجات الأساسية للعيش، مما يؤدي إلى معاناة كبيرة. تستخدم لهذه الغاية افكار وايديولوجيات مختلفة لتدجين الشعوب والسيطرة، حيث يتم تقديمها على أن هذه الأفكار والايديولوجيات ضرورية للحفاظ على الاستقرار. ان (تدجين) الإنسان كآلية للسيطرة على المجتمعات هو مفهوم مثير للجدل يركز على كيفية استخدامه من قبل الأنظمة لتشكيل سلوك الأفراد والمجموعات ويؤدي بالتالي إلى تكييف البشر مع الظروف القاسية، بما في ذلك المجاعة، كما يمكن أن يؤدي التدجين إلى القبول بالواقع المرير، مما يقلل من ردود الفعل ضد الظلم، يعتمد ذلك على السياق والظروف التاريخية والاجتماعية. في اغلب الاحيان تكون المجاعة نتيجة لسياسات فاشلة، صراعات، مما يعكس تعقيد التجربة الإنسانية في مواجهة التحديات ويبقى التدجين استجابة للبقاء على قيد الحياة.  في حالات الأزمات، يتكيف الأفراد والمجتمعات مع الظروف القاسية عبر قبول الواقع والبحث عن طرق جديدة للبقاء، وهنا يؤدي التدجين دوره حيث يتعلم الأفراد كيفية التأقلم مع الألم والفقد، مما يساعد على استمرار الحياة رغم الظروف الصعبة، في أكثر الأحيان يؤدي التدجين إلى شعور بالاستسلام، مما يمنع الأفراد من السعي للتغيير أو التمرد على الظروف القاسية، رغم أن التدجين آلية للبقاء، لكنه أيضاً يحد من القدرة على التغيير والنمو.

الاحياء يتأملون الموتى

تأمل (الأحياء...؟) للموتى نتيجة المجاعة يمكن أن يُعتبر أزمة في السياق الإنساني العام، ويمكن ملاحظة تأثير التدجين في كيفية استجابة المجتمعات للأزمات، المجاعة تمثل أزمة حقيقية تؤدي إلى فقدان الأرواح وتدمير المجتمعات. هذه الأزمات عادة ما تكشف عن ضعف الأنظمة الاجتماعية، الاخلاقية والسياسية، الأحياء يتأملون في الموتى يعكس عمق مشاعر الحزن. ان الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه الأحداث والأزمات تضع الأحياء في مواقف صعبة وتتطلب اتخاذ قرارات مهمة للبقاء على قيد الانسانية تصل إلى تغير سلوكيات وقيم مجتمعات، في هذه المساحة الضيقة يلعب التدجين الأيديولوجي لعبته المفضلة ويؤدي إلى تقبل حالة المعناة كجزء من القدر أو الحظ، مما يعزز الاستسلام بدلاً من البحث عن حلول. لذا، من الضروري التفكير في كيفية التوازن بين الوعي بالأزمة وفهم تأثير التدجين على سلوك الأفراد والمجتمعات.

التدجين واصطياد الجوعى

تعتبر فكرة (التدجين واصطياد الجوعى) موضوعًا معقدًا يمكن تحليله من جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية. يمكن أن تُفهم هذه الفكرة على أنها تعكس بعض الخصائص التي تتعلق بالبرجوازية، يتم استخدام حالة الجوع والفقر كوسيلة للهيمنة، حيث تستفيد الفئات الأكثر ثراءً من معاناة الجوعى كوسيلة لتعزيز مكانتها الاقتصادية والاجتماعية ويمكن أن يؤدي التدجين إلى تقبل الأفراد لأوضاعهم، مما يسهل استغلالهم من قبل البرجوازية، تُعتبر حالات الجوع وسيلة للتسلية لبعض الفئات البرجوازية، حيث ترى معاناة الفقراء كعرض فني يُستخدم لزيادة الترفيه أو الاستهلاك في بعض السياقات. يمكن أن تُستخدم المجاعات كموضوعات للأعمال الخيرية ذات الطابع البرجوازي، مما يعكس نظرة سطحية تجاه معاناة الآخرين، يمكن أن يؤثر التدجين على قدرة الأفراد في الطبقات العليا على التعاطف مع الجوعى، مما يؤدي إلى فصل أكبر بين الطبقات الاجتماعية، بعض الشركات تستغل قضايا الفقر والجوع في حملاتها الدعائية، مما يعكس استغلالًا للمأساة لتحقيق الربح ،رغم ذلك هناك تحركات اجتماعية ترفض استخدام معاناة الجوعى كوسيلة للتسلية، وتدعو إلى وعي أكبر حول قضايا الفقر والجوع والظلم الاجتماعي، بعض الأفراد والجماعات يسعون لتحويل المعاناة إلى حافز للعمل الإنساني، بدلاً من التسلية بينما يمكن أن تُعتبر فكرة (التدجين واصطياد الجوعى) تعبيرًا عن بعض السمات البرجوازية، فإنها أيضًا تثير قضايا أعمق حول الأخلاق الاجتماعية ،يتطلب الأمر وعيًا نقديًا لفهم هذه الديناميكيات وكيفية تأثيرها على الأفراد والمجتمعات.

دور الاعلام الأخلاقي

تؤثر وسائل الإعلام على كيفية إدراك الناس للأزمات، حيث تقلل الرسائل الثقافية من أهمية المجاعة وتعزز التسليم بالأقدار، وتؤدي إلى فقدان الهوية، بينما تمثل المجاعة أزمة حقيقية تتطلب استجابة فورية، فإن تأثير التدجين يمكن أن يعوق الاستجابة الفعالة ويؤدي إلى استسلام الأفراد والمجتمعات. يلعب الإعلام الأخلاقي دورًا حيويًا في مواجهة ظاهرة (اصطياد الجوعى) كوسيلة للتسلية البرجوازية. كما يساهم الإعلام الأخلاقي في نشر الوعي حول قضايا الفقر والجوع، مما يساعد الجمهور على فهم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذه القضايا، يقدم قصصًا إنسانية تركز على الأبعاد الشخصية للمعاناة بدلاً من تقديمها كمواضيع للتسلية، يلتزم الإعلام الأخلاقي بتجنب تصوير المعاناة بطريقة تفتقر إلى الإنسانية، بدلاً من ذلك يسعى لتقديمها بطريقة تحترم كرامة الأفراد كما يركز على تسليط الضوء على المبادرات والمشاريع التي تعمل على تحسين الظروف، مما يعزز الوعي بالعمل الإنساني، يقوم الإعلام الأخلاقي بانتقاد المؤسسات والشركات التي تسوّق للمعاناة، مما يساهم في محاسبتها على استغلال الظروف الصعبة ،ويحقق في الانتهاكات التي تحدث بسبب الاستغلال، مما يزيد من الضغط على الجهات المسؤولة للعمل بشكل أخلاقي، كما يتيح للأشخاص المتأثرين من الجوع والفقر التحدث عن تجاربهم، مما يعزز من قدرتهم على التعبير عن أنفسهم ومطالبهم ويعمل على تغيير السرد العام حول الفقر والجوع، بدلا من تقديمه كموضوع للتسلية ،يمثل الإعلام الأخلاقي خط الدفاع الأول ضد ظاهرة (اصطياد الجوعى) كوسيلة للتسلية البرجوازية، من خلال التوعية، نشر المحتوى الأخلاقي، تعزيز المساءلة، وتمكين المجتمعات. يتطلب الأمر التزامًا قويًا من الإعلاميين لضمان تقديم قضايا الفقر والجوع بطريقة إنسانية ومسؤولة من خلال التركيز على التنوع، تجنب الصور النمطية، وفهم السياقات، يمكن للإعلام الأخلاقي أن يتجنب الوقوع في فخ التنميط السلبي الذي يتطلب التزامًا قويًا بالمعايير الأخلاقية والابتعاد عن التبسيط المفرط للقضايا المعقدة.

تأمل الجوعى وهم يموتون في غزة تسلية استعمارية

هذه العبارة تعكس قسوة الاستعمار وتأثيره المدمر على المجتمعات. الجوع والفقر الناتجان عن السياسات الاستعمارية يمكن أن يسببوا معاناة هائلة. تأمل (الأحياء...؟) الذين يشهدون هذه المعاناة يمكن أن يُفهم كنوع من التسلية أو الترفيه عن الألم، مما يعكس اللامبالاة تجاه معاناة الآخرين، تأمل الأحياء للجوعى في غزة وهم يموتون يعكس عمق المعاناة الإنسانية نتيجة السياسات الاستعمارية.  يُظهر العالم مشاهد الجوع والمرض، لكن اللامبالاة تتجلى في عدم اتخاذ خطوات فعالة لإنهاء المعاناة، تُختزل معاناة الناس إلى صور وصوت، مما يُفقدهم إنسانيتهم ويجعل ألمهم مجرد "تسلية" للمتفرجين، تستخدم بعض وسائل الإعلام معاناة سكان غزة كوسيلة لجذب الانتباه دون تقديم حلول حقيقية، مما يجعل معاناتهم عرضة للاستهلاك الإعلامي، يُغفل الكثيرون الأسباب الجذرية للصراع، مما يعزز من الشعور بالتسليم. واقعيا تعاني المجتمعات من صدمات متكررة، مما يؤدي إلى تآكل الأمل والرغبة في التغيير، يواجه الأفراد تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة، مما يجعل التفكير في المستقبل أمرًا شبه مستحيل، تأمل (الأحياء ...؟) للجوعى في غزة يُظهر كيف يمكن أن تصبح المعاناة الإنسانية مصدر تسلية في غياب التعاطف الفعلي والعمل الجاد، من الضروري أن نعيد النظر في مسؤوليتنا الإنسانية تجاه تلك المعاناة وأن نسعى جاهدين لتحقيق التغيير.

***

غالب المسعودي – باحث عراقي

في المثقف اليوم