آراء
عبد الأمير الركابي: حرب الانهار والابار والابراهيميه الثانيه (5) ملحق

ستتزايد الدلائل على وصول مايعر ب"الحضارة" بصيغتها المعروفة حتى الان واجمالي وحدود ممكناتها الارضوية المرتهنه لليدوية الجسدية، الى انتهاء صلاحية الطور المشار اليه من التاريخ البشري الارضوي وان من دون ادراك، ومع حكم القصورية العقلية المجتمعية الباقية حائلا دون توفر العقل بصيغته المتاحة الى الان، على مايتوجب من الاحاطة الادراكية للحقيقة المجتمعية ومنطوياتها الناظمة لسيرورتها.
مع العلم ان الاصرار على التمسك النهائي بالاحادية المجتمعية، وبالارضوية الجسدية ومايتصل بها من "مفاهيم"، ماتزال وهي مستمرة معتبرة على انها حقائق نهائية مطابقه ل" الطبيعة" واحكامها، دلاله على عمق متبقيات المنظور الارضوي اليدوي برغم وقوع الانقلابيه الالية، فالبشرية لاتنتقل فورا من اليدوية، من دون الاخذ بالاعتبار طبيعة الجانب الواقع و الحاصل من الانتقال التاريخي، بما هو الجانب المادي الابتدائي الضروري من العملية الانتقالية، وهوبحد ذاته ليس الانتقال التاريخي النوعي المفترض والمنتظر، فالجانب العقلي الريؤي من التحول الحاصل، وهو الاساس، من طبيعته انه لايحضر في ساعته وعند ذات اللحظة التي يكون فيها الانتقال الالي قد ابتدأ، اي ان مسالة التحول النوعي التاريخي، وان تكن محكومة للاشتراطات المادية ابتداء واولا، الاانها لاتكتمل قبل حصول الادراكية الضرورية التي لاانتقال بين الطورين والمرحلتين من دونها.
ويبقى المعضل الاكبر مرتهنا لقصورية تاريخيه واستحالة لازمت، كما سبقت الاشاره، علاقة العقل بالظاهرة المجتمعية، الامر الذي تذهب اعمال العقل المرافقه للابتداء الالي للاشاره اليه، وتركيز الاهتمام حوله، بلا انجاز فعلي يقارب الجوهر والحقيقة الفاصلة المنتظرة، والكامنه في كشف النقاب الحاسم عن الحقيقة المجتمعية الازدواجية، بتا\أكيد حضور اللاارضوية الاصل ودلالات ذلك على النظر للظاهرة المجتمعية والقانون الناظم لتفاعليتها التاريخيه، وماهي مهيأة لكي تصله كهدف مقرر.
ماحدث مع القرن السابع عشر هو نقطة تحول، وبداية انقلاب نوعي من المجتمعية اليدوية الارضية، الى التحولية اللاارضوية الكونية العقلية، وحلولها مكان الجسدية حيث تنتهي علاقة الكائن الحي البشري بالكوكب الارضي واشتراطاته، ليغدو كونيا وقد تامنت الاسباب المادية الضرورية لانتقاله خارج الجسدية، وخارج الكوكب الارضي، مع مايمكن تخيله من تبدل شمولي هائل عقليا تصورا وادراكا وواقعا، بما يخرج بالعقل من نطاق المقارنه او المقابله بين مامضى، وماقد صار قريب الحدوث من هنا فصاعدا، بعدما ظل خارج ممكنات العقل وقدرته المتاحة حتى الساعة على الاحاطة، بما في ذلك المقدمات ومؤشرات التحول الاعظم، وفي مقدمها تهافت وانحلال النمطية المجتمعية القائمه، وبالاخص منها متبقيات التوهمية الارضويه الحالة على العقل البشري، ابتداء من الانقلاب الالي المصنعي وماقد ساد وظل غالبا بناء على قوة مفاعيله من نظر الى الانقلاب الحاصل اللاارضوي، ومابعد الانسايواني والكوكبي، من رؤى متدنيه نوعا ومقاصدا، ارضوية تمثل حدود النظر المتاح في الموضع الذي حدث ان وقعت عملية الانتقال الالي الابتدائي فيه، بغض النظر عن علو دينامياته الازدواجية "الطبقية" مقارنه بغيره من صنفه ونمطيته .
هنا نصل الى الساعه المنتظرة، والابراهيمة الاولى كتعبيرية حدسية نبوية اولى ضمن الزمن اليدوي وغلبته، تعود للحضور كما هو مفترض ولازم اليوم بصيغه اخرى مختلفة "عليّا سببيا"، وقد صارت الوسيلة المادية الانتقالية التحولية العقلية اقرب للحضور، بالتكنولوجيا العليا، مابعد التكنولوجيا الانتاجية الراهنه، فاذا بالمنقوص والمنتظر ادراكا، كما على مستوى الوسيله، وقد صارحاضرا، تدعمه اليات الانبعاثية الثالثة المستمرة من القرن السادس عشر،بعد الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، ـ قبل انبثاق الاله المصنعية الاوربية ـ من ارض سومر الجديده، مع ظهور "اتحاد قبائل المنتفك"، وماتلاها من حقب تتسابق مع النطقية التاريخيه المؤجلة، بانتظار اللحظة والاوان. بينما صار كل مايحيط اليوم ببؤرة اللاارضوية التاريخيه، قوة تاجيج وتمخض نطقي مع انتهاء صلاحية الطور اليدوي وتوهميته العارضة، لنغدو على مشارف الانتقالية التحولية العظمى، سر الوجود المجتمعي ومقصده المؤجل.
***
عبد الأمير الركابي
......................
ملحق بالهوامش:
(1) اهم من قرأ وسعى لتجسيد الموضع الخاص للمؤسسة العسكرية في نظام الدولة الاحادية الضعيف الديناميات، الكاتب المصري / انور عبد الملك في كتابه/ مصر مجتمع جديد يبنيه العسكريون/ دار الطليعه ـ بيروت/ ط 1 ـ شباط 1964.
(2) يراجع/ الهامي الميرغني/ الاستثمارات الاماراتيه في مصر/ الحوار المتمدن/ العدد 2838 بتاريخ 23/6/2025.
(3) المقصود عبدالله العروي في كتابه الشهير / الايديلوجية العربيه المعاصرة/ دار الحقيقة ـ بيروت.
(4) ياجع كتاب طارق متري/ مدينه على جبل للوقوف على الاصول الفكروية للكيانيه الامريكيهم دار النهار م بيروت.
(5) المصدر نفسه مع كتاب مبشال بوغنون المذكر ادناه.
(6) ميشال بوغنون ـ موردان/ اميركا التوتاليتارية: الولايات المتحدة والعالم الى اين ؟م دار الساقي/ بيروت/ ص 24
(7) في حصيلة مشروعها التاريخي الخاص انتهت ايران الى موضع ابراهيمي يعبر عن ذاته ابراهيما ومن ثم اسلاميا شيعيا / عراقيا، وهو حال من التفاعلية التاريخيه تستحق الرصد على المستويات المختلفة، لمعرفه الجانب الاكثر فعالية وحضورا خارج التوصيفات الانيه، وهو امر يخص المنطقة المتوسطية ككل باعتبارها موضعا له تعبيريتة التي تنم عن سماته الغالبه بطابعها الكوني اللاارضوي.