آراء

صباح شاكر العكام: العراق وعصبة الأمم المتحدة

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) تشكلت عصبة الأمم المتحدة وهي منظمة الهدف الرئيسي منها منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، وتسعى لإحلال فكرة السلام مكان فكرة الحرب.

كان من أبرز دعاة تشكيل العصبة الرئيس الأميركي وودرو ولسن الذي تقدم بمقترحه إنشاء منظمة دولية إلى الكونغرس الأميركي في الثامن من شباط سنة 1918 ثم إلى مجلس الحلفاء الأعلى، وضمن المقترح نقاطه الأربعة حول تقرير المصير، وإعطاء ضمانات للاستقلال السياسي للدول، كبيرة كانت أم صغيرة. وقد أعد مشروع ميثاق للعصبة في 28 نيسان 1919 وعقد أول اجتماع لمجلس العصبة، وتكونت العصبة من أعضاء أصليين وهم الدول التي وقعت على الميثاق، ومن أعضاء غير أصليين يرومون دخول العصبة على أن تقبل اية دولة في العصبة اذا وافق على قبولها ثلثا اعضاء الجمعية العامة للعصبة بشرط أن تقدم ما يفيد على التزاماتها الدولية وخاصة في عدم اللجوء للحرب واحترام قواعد القانون الدولي والتعهدات الواردة في المعاهدات .وكان للعصبة جمعية عامة ومجلس وأمانة عامة (سكرتارية) ومؤسسات سياسية وقانونية مرتبطة بها من قبيل محكمة العدل الدولية واللجنة التحضيرية لمؤتمر نزع السلاح ولجنة الأقليات ولجنة الانتدابات، ومنظمة العمل الدولية، ولجنة التعاون الفكري، ولجنة الرق والعبودية، ولجنة اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية .وقد تعاقب على أمانتها0 العامة كل من السير اريك دروموند (1920-1933) وجوزيف أفينول (1933-1940) وشون ليستر (1940-1946) .

كان العراق في فترة الحكم العثماني الذي ابتدأ في النصف الثاني من القرن السادس عشر يتكون من ثلاث ولايات بغداد والموصل والبصرة وبعد احتلال العراق من قبل القوات البريطانية سنة 1917وقع العراق تحت الاحتلال البريطاني المباشر، وبعد احداث ثورة 1920 تخلي البريطانيون عن أسلوبهم في حكم العراق المباشر، وإفساح المجال لتشكيل حكومة عراقية، وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق في 21 آب سنة 1921،وبذلك فقد وقع العراق تحت الانتداب البريطاني، فكان لكل وزير في الحكومة العراقية مستشار بريطاني يصادق على قرارات الوزير، ويرتبط المستشارون بالمندوب السامي البريطاني مباشرة .

وفيصل بن الحسين (1883 – 1933) الابن الثالث للشريف الحسين بن علي الهاشمي الذي قاد ثورة ضد الدولة العثمانية في حزيران عام 1916التي سميت (الثورة العربية الكبرى) فتم طرد العثمانيين من مدن الحجاز، فكان الأمير فيصل أحد قادتها الذي اتجه بقواته شمالاً نحو دمشق وطرد العثمانيون من مدن سوريا، توج ملكاً على سوريا في 8 آذار 1920، وعند احتلال الفرنسيين لسوريا بعد معركة ميسلون خرج منها الى لندن تاركاً عرشه.

اختير فيصل ملكاً على العراق وتوج يوم 23 آب 1921، وجاء في خطاب التتويج الذي القاه أن غايته المنشودة، هي استقلال المملكة العراقية، لذلك تم التفاهم مع السلطة البريطانية المنتدبة على أن العراق سيبني نظامه السياسي الدستوري ويقر القانون الأساسي أي الدستور، ويجري الانتخابات لإنشاء برلمان (مجلس تأسيسي)، ويتفاهم مع بريطانيا من خلال التصديق على المعاهدات والاتفاقيات الملحقة بها وإبرام الصلح مع تركيا بعد انتهاء مشكلة مطالبتها بولاية الموصل، وتحديد حدود العراق، وتقوية الجيش للحفاظ على أمن العراق وشعبه.

لقد بذل الملك فيصل الأول رحمه الله (1921-1933) جهودا كبيرة لتقرير شؤون الدولة، وتحديد الأطر الدستورية والإدارية، والتنظيمية للدولة الجديدة وخاصة على صعيد بناء الجيش، ونشر التعليم، وتطوير الصحة، ووضع الإدارة على المنهج الصحيح، وتنظيم العلاقة مع الدولة المنتدبة بما لا يضر بمصالح العراقيين وطموحاتهم في بناء دولتهم الحديثة الموحدة القوية، وحل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يساعد على أن يكون للعراق دورا مؤثرا في محيطه العربي والإقليمي والدولي. وكانت المعاهدات بين العراق وبريطانيا واحدة من الأساليب التي نظمت العلاقة تلك ولعل أبرزها معاهدة 1922 ومعاهدة 1927 ومعاهدة 1930 التي مهدت لدخول العراق عصبة الأمم كدولة مستقلة، وانتهاء عهد الانتداب البريطاني .

ان دخول العراق عصبة الأمم يعد خطوة كبيرة نحو الاستقلال التام، لذلك بُذلت جهوداً كبيرة في هذا المضمار وتعهدت الوزارات العراقية المتعاقبة التي تشكلت إبان عهد الانتداب البريطاني (1920-1932) أن يكون من ابرز مهامها استكمال دخول العراق عضوا في عصبة الأمم . ومن جهتها عملت السلطات البريطانية المنتدبة على الإيفاء بتعهداتها في مجال إدخال العراق العصبة ولكن بعد أن وضعت شروطا وقيودا كان على العراق أن يعمل من اجل تحقيقها.

لقد اتخذت الكثير من الخطوات التي أوصلت العراق إلى عضوية العصبة ومنها التوقيع على معاهدة 1922 مع بريطانيا والبروتوكول الملحق بها ومما تضمنته المعاهدة أن ملك بريطانيا يتعهد بأن "يبذل مساعيه لتأمين إدخال العراق في عضوية عصبة الأمم في أقرب وقت ممكن ". وعلى هذا الأساس قامت مفاوضات بين حكومة نوري السعيد الأولى 23 آذار 1930 من اجل عقد معاهدة جديدة تؤكد فيها بريطانيا تأييد ترشيح العراق عضوا مستقلا في عصبة الأمم سنة 1932، وكانت معاهدة 1930 والتي أتاحت لحكومة نوري السعيد الفرصة، لتثبيت حدود العراق مع الأردن وإيران وسوريا والسعودية والكويت. كما سافر نوري السعيد إلى جنيف بسويسرا حيث مقر العصبة مرتين. كما سافر للمرة الثالثة للتمهيد لدخول العصبة وحل بعض الإشكالات المتعلقة بالتعامل التجاري، وبموضوع ضمان حقوق الأقليات العرقية والدينية، وأكد أن القوانين العراقية تحتوي من النصوص ما يضمن تلك الحقوق رافضاً مقترحاً بتحديد أماكن معينة للأقليات الدينية .

وعندما زالت جميع العقبات أمام دخول العراق العصبة صدر قرار مجلس عصبة الأمم قبول العراق عضوا مستقلاً، وتم الاحتفال برفع العلم العراقي فوق سارية مقر العصبة مع أعلام الدول الأخرى في اليوم الثالث من تشرين الأول سنة 1932باحتفال حضره نوري السعيد و11 نائباً في البرلمان العراقي رشحهم الملك فيصل الأول، وبذلك يكون العراق اول بلد عربي يصبح عضواً في عصبة الأمم المتحدة.

***

صباح شاكر العكام

.....................

المصادر:

1-  امين الريحاني – فيصل الأول ذكرى وتاريخ – مؤسسة هنداوي، 2017م .

2-  علي علاوي – فيصل الاول ملك العراق – مركز الرافدين للحوار، 2021م .

3-  محمد مظفر الادهمي الملك فيصل الأول حياته السياسية وظروف مماته الغامضة - دار الذاكرة للنشر والتوزيع، 2021م .

في المثقف اليوم