قضايا
صائب المختار: مفهوم الثقافة والمثقف في الفكر العربي

على الرغم من أن كلمتي المثقف والثقافة تتداول بكثرة بين افراد المجتمع العربي إلاّ أنه لا يوجد لأي منهما تعريف واحد متفق عليه عند الجميع، وبالتالي يكون مفهومها غير واضح عند أكثر الناس. وقد قيل إن هناك ما يقرب من مائتي تعريف لكلمة الثقافة. يذكر زكي الميلاد في كتابه "المسألة الثقافية" تعاريف كثيرة، مختلفة ومتباينة لكلمة الثقافة. وذَكَر امثلة متعددة لمفكرين ومثقفين كبار من مختلف انحاء العالم وضعوا تعاريف مختلفة للثقافة، لكن لم يلق أي من هذه التعاريف القبول من قبل الجميع. يبدوا أن هناك خلط عند معظم الناس حول مفاهيم المثقف والثقافة والحضارة والعلم. ولسنا هنا لندخل في جدل التعاريف بل لنقول كلمة في المفاهيم.
في اللغة العربية، فإن كلمة الثقافة مأخوذة من الفعل "ثَقَفَ" بمعنى حِذْق وفِطنة وحدة الذكاء، وتشمل مفهوم ثقافة الفرد وثقافة المجتمع. يمكن تعريف ثقافة المجتمع بأنها "تشمل كل العادات والعقائد والتقاليد والأعراف التي يتمتع بها افراد المجتمع، بالإضافة إلى السلوك ونمط التفكير وكل نواحي الحياة الاجتماعية التي يتعايش بها افراد المجتمع". فالثقافة هي نمط سلوك افراد المجتمع، ونمط أفكارهم وعاداتهم وعقائدهم (بضمنها الدينية والمذهبية)، التي اكتسبوها من ثقافة المجتمع الذي عاشوا وترعرعوا فيه. وبتوصيف عام نقول إن الثقافة: هي كيفية تعامل الفرد أو المجتمع مع الآخرين ومع المشاكل والأفكار التي يواجهونها في حياتهم اليومية. ذَكَر مالك بن نبي في كتابه "مشكلة الثقافة" مثالاً لتوضيح تأثير نمط سلوك الفرد على تصرفاته الشخصية في المجتمع (ثقافة الفرد) فقال؛ لو قارنا مثلا، سلوك طبيب إنكليزي بسلوك مزارع إنكليزي (في انكلترة) فسنلاحظ اختلافاً في سلوكهم المهني، كونهم يعملون في مجالين مختلفين، لكننا سنلاحظ تشابهاً في سلوكهم الاجتماعي، كونهم نشأوا في نفس البيئة. ولو قارنا سلوك طبيب إنكليزي مع سلوك طبيب صيني (في انكلترة)، فسنلاحظ تشابهاً في سلوكهم المهني، كونهم تعلّموا في مجال تخصصي واحد، لكننا سنلاحظ تبايناً في سلوكهم الاجتماعي، كونهم نشأوا في بيئتين مختلفتين. هذا التشابه والاختلاف في سلوك الافراد تجاه القضايا الفكرية والاجتماعية ينتج عن تأثير البيئة عليهما ويعكس مفهوم الثقافة (ثقافة الفرد وثقافة المجتمع). وعلى هذا الأساس، يمكن أن توصف ثقافة مجتمع مُعيّن (وثقافة افراده) بثقافة التسامح إذا ساد مبدأ التسامح في سلوك وفكر افراد المجتمع. أو يوصف بثقافة التديّن أو العنف أو العلم، أو غيرها من الصفات والمسميات إذا ما سادت هذه الصفات على سلوك افراده. ويكون المجتمع (وافراده) متعصبون أو طائفيون إذا عمّت هذه الأفكار عقولهم وتصرفاتهم، وهكذا.
وأود أن أركّز على نوعين مهمين من الثقافات؛ الأولى تسمى بثقافة النقل والتقليد (وأسَمّيها ثقافة التخلف أو ثقافة الجهل). والثانية تسمى بثقافة الإبداع والابتكار. وكلاهما يبحثان في طريقة التفكير وأسلوب استعمال العقل في التفكير.
أمّا ثقافة النقل والتقليد (والتي أسميتها ثقافة التخلّف والجهل) فهي، مع الأسف، السائدة في مجتمعنا. وفيها، إن أسلوب التفكير والتعامل مع المعلومات المعرفية عند افراد المجتمع، يكون مبنياً على أساس قبول المعلومة كما هي بحذافيرها، دون التفكير والتشكيك والتمحيص بصحة المعلومة قبل أن يتقبلها الفرد ويؤمن بها. وهو يعمل على نقلها تماماً كما هي، دون أي محاولة لتحويرها أو تطويرها، بمعنى أنه يقلدها، خصوصاً إذا كانت المعلومة غير صحيحة وغير مقبولة فكرياً. هذه الطريقة في التفكير والتعامل مع المعلومات المعرفية أثبتت فشلها وعقمها، لأنها تُغيّب استعمال العقل وتعتمد على نقل المعلومة كما هي.
أمّا ثقافة الإبداع والابتكار، والتي يتسم بها الفكر الأوروبي، فهي تمثل الأسلوب الصحيح لطريقة التفكير العقلاني، الذي يستعمل، ويعتمد استعمال العقل في التفكير، ويعتمد على المنطق في قبول المعلومة المعرفية. هذا النوع من التفكير السليم لا يقبل أسلوب النقل للمعلومات أو تقليد المعلومة، بل يجب أن يتم تفحّص المعلومة والتشكيك بصحتها للتأكد من صحتها ومن ثم قبولها. وهذا هو مبدأ الشك الذي قال به وعمل به ديكارت (وهو يعتبر مؤسسي النهضة الأوروبية). ومن قبله بأربعة قرون، عمل به الإمام الغزالي، أعني مبدأ الشك في المعلومة، وعمل به أيضاً الدكتور طه حسين. وكذلك يرفض هذا النوع من الثقافة مبدأ التقليد الأعمى للأفكار. إن ثقافة الإبداع والابتكار تعتمد على محاولة تغيير المعلومة وتطويرها للحصول على نموذج أفضل من الأصل، ورفض نقل المعلومة كما هي حتى لو كانت صحيحة، لأن التقليد يمنع العقل من التفكير فتسْبت العقول. هذا هو الابداع والابتكار الفكري الذي يعمل على طرح أفكار جديدة ونقاشات عقلانية منطقية تؤدي إلى تفتّح العقول وتنوع الافكار. وهذا ما يجب أن نسعى إليه ونحث الجميع على العمل به، أعني تغيير أسلوب تفكيرنا الحالي، الذي لا يعتمد على استعمال العقل والمنطق بل يركن إلى القبول والتقليد دون التفكير.
أمّا مفهوم المثقف، فهناك أيضاً تعاريف كثيرة، مختلفة ومتباينة لمصطلح المثقف. ونُجمل القول بأن المثقف هو من كانت لديه مجموعة جيدة من المعلومات المعرفية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية مثل التاريخ والسياسة والاجتماع والفقه والدين واللغة وما شابه ذلك. والمثقف غير المتعلم، فالمتعلم هو من حصل على تحصيل دراسي أو جامعي أو عالي. فهو متخصص في مجال دراسته، ويكون بارعاً ومتمرساً في مجال تخصصه. ولأن مجال دراسته لا يشمل ما سميناه بالعلوم المعرفية، لذلك لا يعتبر المتعلم مثقفاً بالضرورة. لكن يمكن أن يَجمع المتعلم العلوم المعرفية إضافة لعلومه التخصصية فيصبح متعلماً ومثقفاً. وهناك الكثير من المثقفين الكبار ممن لديهم تخصص علمي مهني. وبنفس القياس، ليس بالضرورة أن يكون المثقف متعلماً أو له تحصيل دراسي معين. عباس محمود العقاد، على سبيل المثال، لم تتاح له فرصة اكمال تعليمه بعد الابتدائي لظروفه الخاصة، لكنه تمكن أن يصبح واحداً من كبار مثقفي عصره، ومنح شهادة دكتوراه فخرية من جامعة القاهرة لكنه رفضها. وكذلك ينطبق القول على جبران خليل جبران وهو من أبرز ادباء وشعراء المهجر.
يمكن تصنيف المثقفين إلى طبقات ثقافية متباينة حسب عطاء المثقف الفكري لمجتمعه. فهناك المثقف المبدع أو المتميّز. وهو الذي يتمتع بقابلية عالية لاستنباط الأفكار القيّمة، ودراسة مشاكل المجتمع وتحليلها وإيجاد الأسباب والحلول المناسبة لها. وهو يملك القدرة والقابلية على جمع العلوم المعرفية وربط بعضها ببعض، واستنتاج خطط وأفكار جيدة تنير عقول افراد المجتمع وتنبههم إلى مشاكل المجتمع وكيفية التعامل معها. ليس المهم أن تكون هذه الأفكار مقبولة من جميع افراد المجتمع، لأن إرضاء الجميع غاية مستحيلة، لكن المهم ان تكون افكاراً جديدة توسع افق الناس وتفتّح عقولهم وتبعدهم عما هو تقليدي ومتعارف عليه، في القضايا الفكرية تحديداً.
وهناك المثقفون من الطبقة الوسطى. وهم الذين عندهم، تقريباً، نفس مميزات المثقف المبدع لكن بدرجة أقل وتأثير أقل على أفراد المجتمع، ويلاحظ لهم نشاط فكري واجتماعي معيّن، ويشكلون جزءاً مهماً من النسيج الثقافي للمجتمع. ويأتي بعد ذلك المثقف البسيط، وهو الذي يستمتع بالثقافة والفكر والمعرفة، ويسعى إلى دراستها وفهمها لكنه يفتقر إلى النشاط الفكري المجتمعي، فليس له مشاركات كتابية أو نقاشية أو أفكار تميّزه عن غيره. وهو ليس عيباً أو نقصاً فيه بل على العكس فهو من طبقة المثقفين الذين يرتفع بهم المستوى الثقافي للمجتمع. ومن الطبيعي أن يكون البشر متفاوتين في الطبقات.
يمكن تركيز الخطاب النقدي على فئة المثقفين والكتاب والمؤلفين العرب دون غيرهم من باقي أبناء الامة العربية، لأن هذه الفئة من الناس تتحمل العبء الأكبر في أسباب عدم نهضة الفكر العربي، باعتبارهم الفئة النخبة من المجتمع. ومن المفترض أنهم الفئة الواعية لما حدث ويحدث للمجتمع، ويفترض أيضاً أن تكون لهم القابلية والقدرة على التعرف على أسباب التدهور الثقافي وإيجاد الحلول المناسبة والناجعة. والسبب كما أوضحنا، فإن المثقف هو الشخص الذي يستطيع أن يرى مشاكل المجتمع ويقوم بدراستها وتحليلها بهدف الوصول إلى طرق مناسبة وناجحة لحل مشاكل المجتمع. مثل هؤلاء المثقفين هم قلة في المجتمع، اقل من 10%، كما هو متعارف عليه. ويشكلون النخبة في المجتمع.
عندما تُذكر نهضة المجتمع الاوروبي فإنها تقترن بأسماء المثقفين الذين قادوا النهضة الفكرية، مثل دانتي ومونتسكيو وفولتير وديكارت...الخ، وهم يشكلون النخبة من مجتمعهم. وهؤلاء استطاعوا بعلمهم وذكائهم أن يكتشفوا عوامل تخلّف مجتمعهم، ووجدوا الوسائل الناجحة لاستبدال التخلف بالنهضة، فأخرجوا شعوبهم من الظلام إلى النور. إنهم لم يلوموا شعوبهم على تخلّفهم، ولم يقللوا من شأن شعوبهم أو قدرتهم على النهوض، بل أوقدوا طرق التخلف المظلمة بشعلة نور من الثقافة، فكانوا كالذي قال "بدلاً من أن تلعن الظلام، أشعل شمعة". هؤلاء المثقفون هم قدوة المجتمع وقادته. فإين نضع المثقفين العرب بالمقارنة مع مثقفي الغرب الأوروبي؟
انبهر المثقفون العرب بالحضارة الاوربية انبهاراً لا مثيل له. واعتبروا النهضة الأوروبية الطريق الوحيد والأسلوب الصحيح لنهضة الفكر العربي، فأصبحت النهضة الأوروبية المثال القدوة التي يقتدي بها مثقفونا بكل حسناتها وسيئاتها على السواء. يقول طه حسين " يجب أن نأخذ كل شيء من الحضارة الأوروبية من حسناتها وسيئاتها". أخذ المثقفون العرب يقلدون الحضارة الاوربية تقليدا اعمى جعلهم لا يفرقون بين ما هو مناسب للمجتمع العربي وما لا يلائم أو حتى يتعارض مع القيم والأعراف والفكر العربي.
دأب المثقفون العرب منذ بداية مسيرتهم إلى اليوم، على تحميل انهيار الحضارة الإسلامية كل عوامل تخلّف الفكر العربي، وعابوا على شعوبهم حالة تخلفهم، وانتقصوا من كيان شعوبهم ووجودها، وما زالوا يلومون افراد مجتمعهم ويعيبون تخلفهم الفكري والحضاري، وكأن هؤلاء المثقفون العرب ليسوا افرادا من هذا المجتمع يتحملون مسؤولية كل مآسيه ومشاكله وتخلّفه. وكذلك نسي هؤلاء المثقفون، أو تناسوا، أن انهيار الحضارات سنة من سنن التاريخ، فلم تدم حضارة من الحضارات السابقة ولن تكون الحضارة الإسلامية ولا الأوروبية استثناءً من سنة التاريخ. فجعلوا أنفسهم لاعنين للظلام فقط، وما زالوا يلعنون الظلام دون ايقاد شمعة واحدة. لم يشعلوا شمعة واحدة لتنير طريق الثقافة والتقدم لتنهض شعوبهم، بل إنهم كانوا وما زالوا يلعنون الظلام، وشغلهم الشاغل هو التأكيد على تخلف مجتمعهم وسقوط وانهيار الحضارة الإسلامية. يلومون هذا المجتمع الذي يفترض أن يكونوا هم جزءاً فعالاً منه. إن الاستمرار بالتذكير بالفشل والتأكيد عليه، باعتباره ملازماً لأفراد المجتمع إنما يرسخ حالة الإحباط التي يمر بها المجتمع، ويقلل من حماسه للتطور والتحَضّر، ويجعله يشعر بالعجز وعدم القدرة على النهضة والتطور والابداع.
عندما انتبه الاوربيين في عصورهم المظلمة، إلى الفرق الحضاري الشاسع بينهم وبين المجتمع الإسلامي، ولاحظوا التطور الحضاري الهائل للمجتمع الإسلامي في كل مجالات الحياة، أدرك مثقفيهم انهم متخلفين عن حضارة العرب، وعرفوا أن عليهم أن يطوّروا أنفسهم ليصلوا إلى ما وصلت إليه حضارة الإسلام. بدأ مثقفيهم بتطوير أنفسهم، وعملوا على إيجاد الحلول والسبل التي تقود إلى النهضة. لم يُذّكِروا أمتهم أنهم متخلفين وفاشلين، بل شرحوا لهم معنى النهضة والطرق التي تؤدي إليها، وقادوا مجتمعهم على الطريق الصحيح. كانوا متأكدين ومؤمنين أنهم قادرين على أن يصلوا إلى ما وصل إليه المسلمون من الحضارة، بل وإنهم قادرون على يبدعوا ويبتكروا فيسبقوا غيرهم، ويكونوا أفضل من غيرهم. أذكر على سبيل المثال، ما قدّمه مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو للامة الفرنسية لحثّهم على التغيير والتطور، بحيث أن ذكر الثورة ومبادئها أصبح مقروناً بأسماء هؤلاء المثقفين، وبعد جهد جهيد نجحوا في اشعال فتيل الثورة ووضع أسس ومبادئ الثورة الفرنسية، التي مازال الشعب الفرنسي يتغنى بها. هذا مثال مما قدمه المفكرون الغربيون فماذا قدّم المفكرون العرب، لحد الآن، من أفكار وآراء تنعش الفكر والثقافة؟
ها هو الدكتور فؤاد زكريا، من كبار المثقفين العرب وكبار العلمانيين، يقول في كتابه الصحوة الإسلامية في ميزان العقل " الكل في بلاد العالم الثالث، ينهضون، وإن لم ينهضوا يقاومون، وتنتفض قلوبهم بروح الثورة والسخط على الأوضاع، ويتملكهم الأمل في مستقبل يتغير فيه مجتمعهم وانسابهم إلى الأفضل... إلّا العالم الإسلامي، فكل شيء فيه هامد خامد، وكل شيء فيه مبعثر ومنقسم، وكل روح فيه منطفئة مكدوده، أما الأمل، قصارى الأمل، ففي أن يدوم الحال، ولا يطرأ "مكروه" يقلب الأوضاع ويعكر الهادئ ويغير المستقر". فأي تشاؤم وسلبية وإحباط في حق العالم الإسلامي يمكن أن يقال أكثر مما وصف به مثقفنا الكبير عالمنا الإسلامي. هو يعلم بالتأكيد، أن كوسوفو والبانيا والبوسنة والهرسك، هي دول إسلامية غير متخلفة، وكذلك تركيا وإيران واندونيسيا تعتبر دولاً ناهضة. فلماذا ينتقص من دول العالم الإسلامي؟ أم أنه يقصد دول العالم العربي كونها تعتبر الدول المتخلفة من العالم الإسلامي! وإذا كان يصف مجتمعه المصري بتلك الصفات البائسة واليائسة، أليس المجتمع المصري جزءً من المجتمع العربي ويتصف بصفاته. ألم ينشأ فؤاد زكريا فيه وتربى فيه وتعلم فيه، وبالتالي فإن كل ما ذكره عن سلبيات مجتمعه تعود عليه أيضاً. أم إنه يعتبر نفسه أفضل من أبناء مجتمعه وأرقى منهم. إن دور المثقف في المجتمع هو دور قيادي. فهو يقود المجتمع بإيضاح الطرق والوسائل التي تقود المجتمع إلى النجاح والتقدم وليس عن طريق التجريح وإظهار الفشل والعجز واليأس. لكن مع الأسف، هذا ما دأب عليه المثقفون العرب. وهذه دعوة لكل المثقفين أن يكونوا متسامحين مع افراد المجتمع، وأن يكونوا محبين لهم، ويحترمون آرائهم وعقائدهم.
يمكن وصف ثقافة مجتمعنا العربي، مع الأسف، بثقافة التخلف، ذلك أن عقولنا وتعاليمنا وثقافاتنا بنيت على مبدأ النقل والنقل الاعمى، الذي لا يعتمد مبدأ التفكير ولا التقييم للرأي الآخر الذي نسمعه أو نقرءه. وهذا ما فعلناه وما زلنا نفعله، أقصد القبول بالرأي الأوروبي على أنه القدوة التي يؤخذ بها دون الاهتمام بقيمنا وتراثنا وعاداتنا، لأنها أصبحت بالية متخلفة لا تصلح للنهضة والتقدم، وهذا منطق من لا ثقة له بنفسه ولا بشعبه ولا تراثه. لذلك علينا العمل على تغيير أسلوب تفكيرنا من نقل وتقليد إلى ابتكار وابداع.
ونتساءل أيضا، لماذا يبدع الفرد العربي في مجال اختصاصه عندما يمارس عمله التخصصي في الدول الغربية، ويكون عاجزا عن الابداع في بلده العربي؟ من المنطقي أن الجواب لا يشير إلى تخلّف الفرد العربي، بل إن السبب يكون في فشل المجتمع، وتحديداً السلطة السياسية والإدارية، التي لم توفر له عوامل التقدم والابداع، وذلك بسبب كونها سلطة مستبدة لا تهتم بمصلحة الشعب والوطن، وبالتالي يبقى المجتمع متخلفاً. وهنا يبرز دور المثقف في تنوير المجتمع بدور السلطة وتحميلها مسؤولية أدائها لدورها في تقدم المجتمع، وتحديد سلطاتها التنفيذية عن طريق فصل السلطات.
***
د. صائب المختار