قراءات نقدية
الحسين أخدوش: مارتن هايدغر في ذكرى وفاته.. الفلسفة بصدد اللغة والشعر

(أوقفني وقال لي إن عبدتني لأجل شيء أشركت بي. وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة. وقال لي العبارة ستر فكيف ما ندبت إليه. وقال لي إذا لم أسووصفك وقلبك إلا على رؤيتي فما تصنع بالمسألة، أتسألني أن أسفر وقد أسفرت أم تسألني أن أحتجب فإلى من تفيض....)
محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري، المواقف والمخاطبات؛ دار الكتب العلمية بيروت،1417 هـ ــ 1997 م.
***
اعتبر فيلسوف الكينونة مارتن هايدغر اللغة مسكن الوجود، والعالم مقرّ سكن الإنسان بما هو كينونة (Da-sein) ملقاة في معتركه (،هذا العالم) وهي لا تفتأ تعيش تجربة الوجود في العالم (être dans le monde). فالعالم حسب هذه القراءة انبجاس وانفراج، في حين تظلّ الأرض هي العتمة والظُلمة التي تحتاج دوما إلى الاستنارة والإظهار؛ ولعل اللغة هي التي تقوم بهذه الاستنارة بالكشف والإظهار للعالم فيها.[1] بصدد هذه المسألة، ذهب هايدغر أبعد ممّا فعل فيتغنشتاين، حيث عمد إلى ترسيخ استقلالية الوجود، في حركيته انكشافه وانحجابه، عن أيّة علاقة تمثّلية مع اللغة.[2] فكيف سيعيد هذا الأخير مشكلة علاقة اللغة بالعالم إلى أرضيتها الأصلية: أرضية الشعر؟
يتحقق الشعر عندما ينادي الشاعر أشياء العالم للظهور، فينضم الكلام عنها ليجعلها تحضر في قصيده. إنّ الشاعر إذ ينادي على هذه الأشياء، إنما يصغي إليها من حيث كونه لا يتكلم إلاّ بمقدار ما يصغي إلى نداء الوجود (يقول: يتكلم الإنسان بقدار ما يجيب عن الكلام. والإجابة هي الإصغاء. فالإصغاء يحدث حين يتحقّق الصمت).
إنّ الاصغاء يحتاج إلى صمت يسبق فعل المناداة والمناشدة، بذلك لا يقول الشاعر كلامه في القصيد إلا وهو يرتحل جيئة ذهابا بين صمت اصغائي وتكلّم انشادي. هذا ما يسمى في عرف هايدغر لغة الوجود التي هي اصغاء وانشاد. وهذه التأرجح التبادلي لا يتحقق إلاّ في تلك القصائد الشعرية التي تتميز بإصغاء جيد للوجود حضور قوي لصداه، بحيث نستطيع دوما نحن القراء قراءتها وانشادها حتى بدون حاجة إلى ذكر اسم كاتبها.
فإذن، يوجد لدى فيلسوف الكينونة ألف سبب وسبب لجعل الشعر لغة الوجود. ذلك أنّ مقام الشعر، هو أصلا مقام اصغاء، يسبق قول القصيد، لا بل يشرطه. والكلام بوصفه قصيدة، لا يكون شعرا إلاّ متى كان صاحبه قادرا على أن يملي قولا فريدا يسميه: "القصيدة"؛ بحيث إنّ هذا القول هو ما سيظل وسيبقى دوما شعرا طالما هو فريد من نوعه، لأنّه قول لا يقول كلّ مرّة سوى القول ذاته (يقول: كل نص شعري يتكلم انطلاقا من هذا القول الشعري الفريد، ولا يقول ـ في كل مرة ـ سوى هذا القول).
ما يحدث في القصيد شيء عجيب متى تؤمّل من هذا الاعتبار الاشاري الذي يقرأ به هايدغر ماهية الشعر. ولعل هذا ما يدعونا إلى طرح السؤال مرّة أخرى: وهذه القصيدة التي يتحدث عنها هايدغر، ترى ما هي على التحقيق؟
في نص لهايدغر حول "الكلام في القول الشعري" يتحدث عن القاء الشعر، ويقول: "إنّ شاعرا عظيما لا يكون كذلك إلاّ بما يلقيه من قول شعري فريد". (la parole dans l’élément du poème, pp41.42)
بماذا يلقي الشاعر العظيم حسب هذا المنظور؟ يلقي بالفرادة في القول. تميز كبار الشعراء يكمن في اجتراحهم لمسالك ولدروب جديدة في أقوالهم الشعرية. يتفنن الشاعر الكبير في اظهار فرادة قوله الشعري، واخص فرادة يمكن أن تميز قولا شعريا كبيرا هي أن يقول كلّ شيء دفعة واحدة (البلاغ). غير أنّ كل بلاغ يحتاج إلى بيان وتبيين، وعندما يصل هذا البلاغ إلى أوج بيانه يصبح إظهارا للحال والأحوال، وهنا ـ حسب هايدغرـ تفعل اللغة أفاعلها بصاحب القول، فتقحم فكره في حوار شديد الانفعال مع القصيد الشعري، وكون قوله حوارا بين الفكر والقول الشعري.
ينقلنا هايدغر عبر قراءته هذه لشعر تراكل وهولدرلن إلى تلك التخوم التي يلتقي فيها الشعر العظيم مع الفكر الأصيل. يجعل هذا اللقاء بين الفكر والشعر الكلام حوارا ومراوحة بين البيان البليغ للقصيد والتفكير الأصيل. اللغة هنا، بما هي مسكن الوجود، إنّما هي المقام الذي ينبغي أن يهتدي الناس إلى الإقامة فيه (يقول: "يبتغي الحوار بين الفكر والشعر استثارة الكلام وانطاقه حتى يتعلم الفانون كيف يهتدون إلى الإقامة في الكلام من جديد).
مقام الشعر إذن يعود إلى هذا الحوار بين الفكر والقصيد، مادام حوار الفكر الصادق مع القول الشعري لا يمكن أن ينتمي إلى غير الشعر إلاّ إذا كان تفكيرا غير أصيل. يطبق هايدغر هذه الفرضية على قراءة مقاطع شعرية لتراكل وهولدرلن، فيخرج منها بحقيقة مثيرة بخصوص كنه الشعر: لا يمكن أن يوصف الشعر Dichtung بأنّه موضوع قصدي، إذ لا يتولد عن أيّ فعل يمنح المعنى. ولعل بورخيس قريب من توصيف هذا الأمر حين تحدث عن لغز الشعر. وهذا اللغز هو ما يكشف هايدغر عن كنه، حين اعتبر الشعر شيئا نتلقاه فقط ولا نتعلمه، وهو بذلك صدى روح غير بشرية تسري في كلام الشعراء.
قد تعتري الصدمة النقاد، الذين يبحثون عن التفسيرات المجازية لأساليب الشعراء الملغزة، عندما يسمعون بأنّ الشاعر نفسه ليس صاحب قوله الشعري. ففي هذه الحالة، لم تعد أهمية الشعر تعزى إلى الفعالية الإنسانية، بل إلى شيء غريب، يقصد به هايدغر حركة الانجذاب، أو تلك "النشوة التي يكابد فيها الوعي استعمال الكلمات على غير مقتضى أصول الكلام المعتاد (التعسف المجازي)".[3]
أينما كان الشعر، ثمة الكينونة. فنشيد الشاعر إصغاء أصيل لهذه الكينونة. ولطالما كلام الشعر لا يأتي إلاّ خلال صمت هذا الإصغاءً، فالشعر بذلك هو الأكثر قدرة على التقاط نداء الوجود الذي سيفصح عن ذاته، رغم هذه العرضة الدائمة لانحجابه عن مدى الرؤية كل مرة، ليحمل الإنسان موته فيها والبدء من جديد.
إن الشعر بوصفه هذه «القدرة الجوهرية لإقامة الكينونة في اللغة» هو ما يعني لدى الشاعر هُولدرلِن إنّ «الإنسان يسكن العالم على نحو شعري». فالعبور الشعري للكينونة خلال نضم الكلام يتم عبر اللغة بصفتها العنصر الدائم للإنسان في العالم. «اللغة هي مستقر الكينونة»، وحضور الكينونة لا يتمظهر إلا في القصيد، لأن فعل القول الأصلي هو الشعر. هكذا يفسر سؤال هُولدرلِن «لماذا الشعراء في زمن الضيق؟» كلّ شيء بخصوص هذه الحاجة الدائمة إلى الشعر؛ والضرورة الفلسفية هي التي تفرض على الشعراء في مثل هذا الزمن، «زمن الضيق»، أن يقولوا "جوهر الشعر". فالشعر يظهر ما ظلّ خفيا في اللغة العادية، وما اقتصر الناس على استعماله للكلام: أي العبور عبر القصيد إلى العالم. بالنسبة لـ«هيدغر» كل شعر يقول جوهره، وفي نفس الوقت الجوهر الكشّاف للغة، أي "القصيدة الأصلية"، أو هذا الحشد الصامت للكائن.[4]
تُبرز القصيدة قوّتها وقدرتها على إظهار الأشياء بالكشف عنها في العالم؛ إنها لا تفعل غير أن تنير العالم أو تسمح بذلك على الأقل، وهذه الخاصية هي ما يمنحها سماكة الأرض وقوّة التأسيس. إنّ الشعر، كما يقول «هيدغر»، هو "اللغة الأصلية" للشعب، أي الفنّ الذي يروي ما تكون اللغة قد أوصلته في صمت تراكمها وتكاثرها الأوّلي إلى المنفتح. وهذا الشعر هو التسمية التأسيسية للكائن ولجوهر كلّ الأشياء (وهو ليس قولا تعسّفيا) التي ستنكشف فيما بعد. إنّه ما يجعل اللغة قادرة على تحقيق (عندما تكون الكلمة الشعرية لغتها الإشارية المسموعة) إقامة الإنسان في العالم على نحو شاعري، عندما تصبح العبارة إشارة رحبة واسعة لا تضيق.
يفتح القصيد الآفاق الرحبة للإقامة في الأرض تحت رعاية السماء، مما يعطي اللغة الأهمية البالغة في إظهار ما يختفي ويتحجّب في هذا الوجود.[5] فأن نسمي الأشياء بإنشاد الشعر يعني، حسب «هيدغر»، أن ندع هذه الأشياء توجد؛ وهي القدرة التي نُسيت تماما من قبل اللغة الأداتية. فأن يُظهر الشعرُ الأشياء كما لو أنّها أعيدت إلى فجر ولادتها، أو كما لو أنّنا "نراها للمرة الأولى"، هو ما يؤكّد قوته على الكشف والإظهار. وهذه القدرة ليست تتم بفضل خيال الشاعر، بل تنتسب إلى الكشف الذي استكملته اللغة قبل ذلك في صمت. وهنا ما على الشاعر سوى أن يكتفي بأن يقول ما تقوله اللغة بصوت خافت.
على هذا الأساس يمكن تفسير الاهتمام القليل الذي يوليه «هيدغر» لذاتية الشاعر الذي يعظّم حقيقة أرض وحقيقة عالم، بدلا من تجربته. فليس الشاعر هو من يستعمل اللغة، بل اللغة هي من تستعمل الشاعر لتستنفد مهماتها بنجاح. فليس الشعر موسيقى اللغة فقط، أو قدرتها على الكشف فحسب، وإنّما حقيقته تكمن أيضا في الصور التي يولّها بطريقته الاشارية. فالصورة الشعرية ليست نسخة منحطة للواقع، ولا علاقة تماثلية فيها بين المحسوس والمعقول، ولا تخصيصا تجريبيا لرسم خيالي أنتجته ذاتية استعلائية.
إنّ الصورة الشعرية مجرّد طريقة في إيضاح العالم وإنارته، بحيث تمكّننا من رؤية شيء ما بداخله. إنّها تّظهر العالم الذي نعيش بداخله، أي عالمنا اليومي الذي تسعفنا في التواجد فيه؛ وهي إذ تسمح بذلك، تظهره لنا بطريقة خاصّة. إنّها تكشف اللامرئي فيه، أي لغز الحضور في قلب المرئي الأشد بساطة والأكثر وضوحا. إنّها، بالأحرى، تخفي ما يتلخّص من العالم العادي المعتاد لنا، فتكون تضمينات لا مرئية للغريب في مظهر المألوف. لكن ما هو هذا الغريب؟ هل هو قضية الفكر الأساسية حقّا؟
يعني عند «هيدغر» انسحاب الكائن المقدّس من عالمنا المعاصر؛ وهو ما يتخذ معنى انسحاب الإله. فالصورة الشعرية، هنا، تعرض الغرابة فجأة ولا تفسّر شيئا، بل وليس من طبيعتها أن تفسّر. هنا يلجأ «هيدغر» مرّة أخرى إلى شاعره الشهير «هولدرلين»، خاصّة في كلامه عن اللغة الشعرية والمقدّس الإله المتواري؛ معتبرا الشعراء، من هذا الطراز، هم رعاة الوجود وحماته الذين يقدرون على قوله شعرا. وهذا هو معنى قول «هولدرلين»: "ما يبقى يؤسّسه الشعراء".
إنّ الشعر لا يؤسّس فقط الوجود، ولكن يؤسّس التاريخ أيضا. فاللغة الشعرية بما هي فضاء رحب، ستكون هي الإقامة الجليلة الجديرة باستقبال هذا اللغز المحيّر والغريب الذي استعصى على طُرقنا المعتادة في استعمال اللغة.[6] فوحدها لغة الشاعر يتأتى عبرها قول ما يكشف عنه هذا الغريب. إنّ الشاعر، باعتباره هذه الكينونة التي يصدح الوجود شعرا عبره، هو الراعي الذي يقول ما يظهر من انكشاف الوجود وتجلّيه في العالم. فليس هناك شعرٌ، إذاً، كما ليس هناك فكر، دون هذه العلاقة الوطيدة التي يحققها الشاعر ويرعاها بين اللغة والوجود.
تكمن مهمّة الشاعر، حسب هذا المنظور، في أن يسائل المقدّس ويطالب به، لا أن يدّعي نبوة معيّنة ووعد بخلاص ما. إنّه الكائن الذي بمكنته أن يعبّر فقط عن شقاء معيّن، شقاء عصره، لا شقاء حياته الخاصّة. لذا، فلغة الشعرية مقدّسة بالمعنى الذي يفيد كونها نوعا من تجلّي المقدّس في كلامه من حيث كون انفعالاته ناجعة وليست هروبا من نوع سيكولوجي. إنّ حزن الشاعر ومنفاه وتمرّده وعذابه أو فرحه، كلّ هذه الإحساسات إنّما تهبط إلى أعماق عصره لتتغذّى من ينابيعه.
اللغة، ها هنا، أكبر من أن تكون أداة تعبير ونقل للمعلومة عن العالم فقط، بل هي تدفّق جديد لتاريخ الكينونة. إنّها ليست تصويرية ولا تخيلية، بل إشارية وصوفية. وتأكيدا لدور اللغة في انجاز هذا التفكير لمهمّته بخصوص الأسئلة الأساسية للفكر، اعتبر «هيدغر»، في معرض حديثه الشاعر جورج تراكل (George Trakl) أنّه لو أمكننا الاستماع اليه وهو يلقي إحدى أروع قصائده بنفسه، فإنّنا سنصغي إليه بكل طواعية وهو ينشدها، متخلّين عن أية رغبة في إدراكها بوضوح مباشر.[7]
فالبيّن مما سبق أنّ الشعر هو ما يضطلع بمهمة التفكير في الوجود، وإذ يسمح بذلك فإنّ هذه المهمة لا يحققها سوى الشعراء الكبار الذين ينيرون الوجود ويظهرونه على حقيقته بكل أصالة شعرية. لذلك لن يكون مهما عدد الذين يفهمون شعر الشعراء، بالقدر الذي يهم نوعيتهم وأصالة تفكيرهم وقدرتهم على الإصغاء لنشيد الشعر وهو يلقى على مسامعهم؛ فإلى هؤلاء الذين يولون الشعر أهميته القصوى التي يستحقها كان ينتمي الفيلسوف مارتن هايدغر.[8]
***
كتبه الحسين أخدوش / المغرب
.......................
[1] يستعمل هيدغر "الأرض" ولا يقصد بها الطبيعة التي خضعت للآلية الحسابية والموضعة التقنية والعلمية خاصّة في العصور الحديثة؛ حيث تم إفراغها من أسرارها حتى صارت مجالا لسيادة الإنسان الحديث. فالطبيعة قد أفشت جميع أسرارها، بينما الأرض بقية غامضة نوعا ما، لا تظهر إلاّ لتنسحب من جديد؛ فهي اللاانكشاف واللاتحجّب الذي يستعصي بطبيعته على أيّ انكشاف. أنظر بهذا الخصوص:
Heidegger (M): Le principe de raison ; éd Gallimard, Paris, 1962, p.237.
[2] - Heidegger (M) : En guise de contribution à la grammaire et à l’étymologie du mot « être » ; Introduction en la métaphysique (chap. 2), tr et commenté par Pascal David; éd du Seuil, Paris, p.67.
[3] تيموثي كلارك، المعتمد الأدبي في التفكيك: هايدغر، بلانشو، دريدا؛ ترجمة حسام نايل، مراجعة محم بريري، ط 1، (المركز القومي للترجمة: القاهرة، 2011)، ص 99,
[4] - Heidegger (M) : Acheminement vers la parole; tr Jean Beaufret, éd Gallimard, Paris, 1976, p.63.
[5] تقع قناعة فكرية في صلب تفكير هيدغر مفادها أنّ حقيقة الوجود لا تمنح نفسها لإرادة الهيمنة لدى الإنسان. فلئن كان الموجود معرّض دوما للاستغلال، فإنّ الإنسان بحكم إصراره على أن يبقى قوة مهيمنة لا يتوانى عن تعريض نفسه للإنهاك كما يحدث الآن في العصر الراهن. وعلى خلاف ذلك، يلزم الإنسان أن يتحول عن النمط الحديث للكينونة إلى نمط مختلف جديد يستطيع فيها، باعتباره راعيا للوجود، أن يتعلّم كيف يقيم بجوار الكينونة. يتسم مفهومه للإقامة هذه بطابع روحاني، لأنّه عندما تتعرض هذه "الإقامة الروحية في الوجود" للتصحّر غالبا ما نكون أمام ما يسمّيه هيدغر في كتابه مدخل إلى الميتافيزيقا ب"الانحطاط الروحي للأرض" الذي يسم عصرنا الراهن باعتباره عصر اكتمال التقنية بما هي ميتافيزيقا. أنظر بهذا الخصوص:
- Heidegger (M): Introduction à la métaphysique; traduction par Gilbert Kahn, éd Gallimard, Paris, 1967, p.68.
[6] لقد أعلى هيدغر من شأن الشعر معتبرا الفن في أرقى صوره شعر؛ ولأنّ الفن يهيّئا لانكشاف الحقيقة، حقيقة الوجود، فإنّ المهمة الأساسية للفن الشعري تتمثّل في صياغة الحقيقة شعريا. تكشف الحقيقة عن نفسها شعريا، وهذا ما يجعلها قصيدة (Poème)، واللغة ذاتها هي القصيدة الأصل، حيث يأتي الشعر تاليا لها ليعيد ما تقوله. والأرض هو أساس الفنّ ومأواه ومستقرّه، وهذه الأرض نفسها هي اللغة باعتبارها مأوى الوجود؛ والشعر بما هو، فنّ أصيل، يحاول تأسيس عالم هو بمثابة إنارة للأرض التي هي اللغة الأصلية، فغاية الشعر هنا أن يحاول حمل الوجود على الظهور إلى حيّز الظهور والانكشاف رغم استعصائه وتواريه الدائم. أنظر بهذا الخصوص:
Heidegger (M): Chemins qui ne mènent nulle part; éd Gallimard, Paris, 1987, p.28-29.
[7] - Heidegger (M): Question 4; nrf, éd Gallimard, 1976, p.50.
[8] مارتن هيدغر، التقنية، الحقيقة، الوجود؛ ترجمة محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح، نشرة المركز الثقافي العربي، ط الأولى، بيروت / الدار البيضاء، 1995، ص 38.