تجديد وتنوير
بتول فاروق: قبل التفسير.. يجب إعادة تعريف الإنسان

قبل أن يدخل رجال الدين إلى حقل تفسير النصوص الدينية، لا بدّ من إعادة النظر في مفهوم الإنسان نفسه، لأن أيّ قراءة للنصوص تُبنى على تصوّر ناقص للإنسان ستُنتج بالضرورة فقهًا ناقصًا وعدالة مبتورة.
لقد شكّل الفهم التراثي للإنسان رؤيةً جوهرانية، قسمت البشر إلى ذكرٍ فاعلٍ عاقلٍ مؤتمن على الدين والسلطة والتفسير فاهم وقادر على تفسير النص وتأويله وتمرير فهمه للآخرين ليقلدوه، وأنثى منقوصةٍ في العقل والدين، موضعٍ للضبط والرعاية والطاعة. هذا التصور لم يكن محض اجتهاد فقهي، بل هو إرث ثقافي أبوي سكن العقل الفقهي قبل أن يلامس النصوص، فقرأها بعينٍ منحازة، لا بعينٍ إنسانية. أن هذه الفكرة القبلية حكمت ذهن الرجل الذي دخل فيما بعد حقل التفسير والتأويل الديني .
إنّ أي مشروع لتجديد الفكر الديني أو تطوير التفسير، يفقد معناه ما لم يبدأ من سؤال بسيط وجوهري:
من هو الإنسان في نظر المفسر؟ المفسّر
فإن كان المفسّر لا يرى المرأة إنسانًا كامل الإنسانية، فمهما اجتهد في تفسير الآيات فلن ينتج سوى قراءة تبرّر التمييز وتعيد إنتاج التهميش.
لكي تُقرأ النصوص الدينية قراءة إنسانية عادلة، لا بدّ من إعادة تعريف الإنسان بوصفه كائنًا عاقلًا حرًّا متساويًا في الكرامة، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
فالمساواة في الإنسانية ليست مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل هي شرط يسبق كل فهم للنص. إذ لا يمكن لعقلٍ لا يعترف بإنسانية المرأة أن ينتج تفسيرًا منصفًا لها، تمامًا كما لا يمكن لعقلٍ يؤمن بالعبودية أن يفهم معنى الحرية.
إنّ هذا المبدأ التأويلي يقتضي إعادة بناء المنظومة الفقهية والمعرفية من الداخل، بحيث يُفهم الخطاب القرآني كخطابٍ موجهٍ إلى الإنسان الكلي، لا إلى الرجل باعتباره النموذج الكامل.
ذلك أن النصوص الدينية – في جوهرها – تتحدث إلى الإنسان الكلي، لا إلى الرجل وحده. لكن سلطة التفسير التاريخية حوّلت الخطاب من إنساني إلى ذكوري.
فما لم نُعِد تعريف " الإنسان" أولًا، سيبقى كل تفسيرٍ لاحقٍ محكومًا بمحدودية رؤيته، ومهما تغيّرت الكلمات ستبقى الفكرة القديمة هي ذاتها:
امرأة ناقصة…
ورجل يملك مفاتيح الأرض والدين والسماء.
***
د. بتول فاروق - النجف
١٦/ ١٠ / ٢٠٢٥