ترجمات أدبية

لورا إي. ريتشاردز: النوافذ الذهبية

لورا إي. ريتشاردز

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كان الفتى الصغير يعمل بجد في الحقل والحظيرة والمخزن طوال النهار، إذ إن أسرته كانت من الفلاحين الفقراء، ولا يستطيعون دفع أجر لعامل. لكن عند غروب الشمس، كانت هناك ساعة واحدة تخصه وحده، إذ منحها له والده. كان الفتى يصعد خلالها إلى قمة تل، وينظر عبر الوادي إلى تل آخر يرتفع على بُعد أميال. وعلى ذلك التل البعيد، كان هناك بيت ذو نوافذ من الذهب الصافي والماس. كانت تتلألأ وتلمع لدرجة تجعله يغمض عينيه حين ينظر إليها؛ لكن بعد وقت، بدا وكأن سكان البيت قد أغلقوا النوافذ بالمصاريع، فيتحول المشهد إلى ما يشبه بيتًا ريفيًا عاديًا. وكان الفتى يظن أنهم يفعلون ذلك لأن وقت العشاء قد حان، ثم يعود هو إلى بيته ويتناول عشاءه من الخبز والحليب، ومن ثم يذهب إلى فراشه.

ذات يوم، ناداه والده وقال له:

"لقد كنت فتىً صالحًا، وقد استحققت يوم عطلة. خذ هذا اليوم لنفسك؛ لكن تذكّر أن الله هو من وهبه لك، فحاول أن تتعلم فيه شيئًا نافعًا."

شكر الفتى والده وقبّل والدته، ثم وضع قطعة من الخبز في جيبه، وانطلق في طريقه ليبحث عن البيت ذي النوافذ الذهبية.

كان السير ممتعًا. كانت قدماه الحافيتان تتركان آثارًا في الغبار الأبيض، وعندما كان يلتفت إلى الوراء، كانت آثار الأقدام تبدو وكأنها تتبعه وتؤنسه. وكان ظلّه أيضًا يسير بجانبه، يرقص أو يجري معه كما يشاء؛ فكان ذلك باعثًا على البهجة والسرور.

بعد قليل، شعر الفتى بالجوع، فجلس بجانب جدول بنيّ اللون كان يجري عبر سياج من شجيرات الألدر على جانب الطريق، وأكل خبزه وشرب من الماء الصافي. ثم نثر الفتات للطيور، كما علمته والدته، ومضى في طريقه.

وبعد وقت طويل، وصل إلى تلٍ أخضر عالٍ؛ وعندما تسلق التل، رأى البيت في القمة؛ لكن بدا أن النوافذ كانت مغلقة، فلم يرَ النوافذ الذهبية. اقترب من البيت، وكاد يبكي، إذ كانت النوافذ من زجاج صافٍ كغيرها من النوافذ، ولم يكن هناك أثر للذهب في أي مكان.

خرجت امرأة إلى الباب، ونظرت إلى الفتى بلطف، وسألته عمّا يريد.

قال لها:

" رأيت النوافذ الذهبية من قمة تلنا، وقد جئت لأنظر إليها، لكنها الآن ليست سوى زجاج."

هزّت المرأة رأسها وضحكت. قالت:

"نحن أناس فقراء من أهل الزراعة، ولا يمكن أن يكون عندنا ذهب على نوافذنا؛ لكن الزجاج أفضل للرؤية من خلاله."

طلبت من الفتى أن يجلس على العتبة الحجرية العريضة عند الباب، وجلبت له كوبًا من الحليب وكعكة، ودعته إلى أن يستريح؛ ثم نادت على ابنتها، وكانت في مثل سنّه، وابتسمت لهما بلطف، ثم عادت إلى عملها.

كانت الطفلة حافية القدمين مثله، وترتدي ثوبًا قطنيًا بنيًا، لكن شعرها كان ذهبيًا كنوافذ البيت التي رآها، وعيناها زرقاوين كلون السماء عند الظهيرة. اصطحبت الفتاة الفتى وأخذت تتجول به في المزرعة، وأرته عجلها الأسود ذا النجمة البيضاء على جبهته، فحدثها هو عن عجله في البيت، الذي كان لونه كالكستناء وله أربع قوائم بيضاء. ثم، بعد ما أكلا تفاحة معًا، وصارا صديقين، سألها الفتى عن النوافذ الذهبية. فأومأت الطفلة برأسها، وقالت إنها تعرف كل شيء عنها، لكنّه أخطأ في تحديد البيت.

شرحت له:

" لقد جئت من الطريق الخطأ تمامًا! تعال معي، وسأريك البيت ذا النوافذ الذهبية، وحينها سترى بنفسك."

ذهبا إلى ربوة صغيرة خلف المزرعة، وبينما كانا يسيران، أخبرته الفتاة أن النوافذ الذهبية لا تُرى إلا في ساعة معينة، عند الغروب تقريبًا.

فقال الفتى:

" نعم، أعلم ذلك!"

عندما وصلا إلى قمة الربوة، استدارت الفتاة وأشارت بيدها؛ فإذا على تل بعيد يقف بيت ذو نوافذ من الذهب الصافي والماس، تمامًا كما رآها من قبل. وعندما أعادا النظر، رأى الفتى أن ذلك البيت لم يكن سوى بيته هو.

عند ذلك قال للفتاة الصغيرةَ أنه يجب أن يرحل؛ فأعطاها حجره الكريم المفضل، ذاك الأبيض ذو الخط الأحمر، والذي كان يحتفظ به في جيبه منذ عام. وأعطته هي ثلاث كستناء حصان: إحداها حمراء كالسَّاتان، وأخرى مرقطة، وثالثة بيضاء كالحليب. قبّلها، ووعدها أن يعود من جديد، لكنه لم يخبرها بما تعلّمه؛ وهكذا نزل التل عائدًا، وظلت الفتاة واقفة في ضوء الغروب تراقبه وهو يمضي.

كان الطريق إلى المنزل طويلاً، وكان الظلام قد حل قبل أن يصل الصبي إلى منزل أبيه ؛ لكن ضوء المصباح ولهيب الموقد كانا يسطعان من خلال النوافذ، مما جعلها تكاد تضيء كما رآها من قمة التل. وعندما فتح الباب، جاءت والدته لتقبّله، وأسرعت شقيقته الصغيرة لترتمي بذراعيها حول عنقه، ورفع والده عينيه وابتسم له من مقعده بجانب النار.

سألته أمه:

"هل كان يومك سعيدًا؟".

نعم، كان يوم الفتى سعيدًا جدًا.

سأله والده:

"وهل تعلمت شيئًا؟".

قال الفتى:

"نعم! لقد تعلمت أن نوافذ منزلنا من الذهب والماس."

(تمت)

***

...................

الكاتبة: لورا إليزابيث هاو ريتشاردز/ Laura E. Richards (27 فبراير 1850 – 14 يناير 1943) كاتبة أمريكية. ألّفت أكثر من 90 كتابًا، من بينها سير ذاتية، ومجموعات شعرية، وكتب للأطفال.  وُلدت لورا إليزابيث هاو في بوسطن، ماساتشوستس، في 27 فبراير 1850. كان والدها الدكتور صامويل جريدلي هاو، من مناهضي العبودية ومؤسس "مؤسسة بيركنز ومدرسة ماساتشوستس للمكفوفين". وقد سُمّيت على اسم تلميذته الشهيرة الكفيفة الصماء، لورا بريدجمان. أما والدتها، جوليا وارد هاو، فهي التي كتبت كلمات النشيد الشهير "نشيد معركة الجمهورية" (The Battle Hymn of the Republic). في عام 1917، فازت لورا بجائزة بوليتزر عن كتاب السيرة الذاتية "جوليا وارد هاو، 1819-1910"، الذي شاركت في تأليفه مع شقيقتيها، مود هاو إليوت وفلورنس هول.

في نصوص اليوم