أقلام ثقافية

علي حسين: البوكر تكرم القصة القصيرة

عندما فازت الكاتبة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل للاداب عام 2013، وصفتها لجنة الجائزة بـ"أستاذة القصة القصيرة المعاصرة"، آنذاك رحب كُتاب القصة القصيرة وقراء هذا النوع من الادب بفوز أليس مونرو، فقد اعتادت جائزة نوبل أن تكرم الروايات على حساب القصص القصيرة، وقد عُرف عن مونرو تعصبها للقصة القصيرة وقد قالت في تصريح لها نشرته محطة "بي بي سي " ان فوزها بالجائزة، لا يعد فوزاً لنفسها بل لفنها:": "آمل حقاً أن يجعل الناس ينظرون إلى القصة القصيرة كفن مهم، وليس مجرد شيء نلتهي به حتى ننتهي من كتابة رواية ". في ذلك الوقت كتب الصديق الشاعر فاضل السلطاني مقالاً في صحيفة الشرق الاوسط بعنوان " في مديح القصة القصيرة " قال فيه:" أجمع المعلقون، غربا وشرقا، على أن فوز أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب، هو إعادة اعتبار للقصة القصيرة، وهم محقون، من ناحية الشكل فقط. فهذا الفن النبيل، والصعب إلا على الخبيرين، شهد انحسارا ملحوظا لصالح الرواية، بعدما عرف ازدهارا كبيراً في الستينات والسبعينات، حتى تفرع منه، أو خرج من أحشائه، نوع أدبي آخر هو (القصة القصيرة جدا). "

بالأمس اعادت جائزة البوكر الدولية الاعتبار للقصة القصيرة حيث منحت جائزتها الكبرى للكاتبة الهندية " بانو مشتاق " عن مجموعتها القصصية القصيرة: " مصباح القلب"، لتكون بذلك أول مجموعة قصص قصيرة تفوز بهذه الجائزة المرموقة. وقد أشاد رئيس لجنة التحكيم بقصص " بانو مشتاق "، حيث ووصفتها بأنها "صورٌ مذهلة للبقاء والصمود". والمجموعة القصصية " مصباح القلب " التي ضمت 12 قصة قصيرة تناقشت فيها قضايا النساء المسلمات اللاتي يعشن في جنوب الهند.

رئيس لجنة التحكيم " اكس بورتر " وصف "مصباح القلب" بأنه "كتاب مميز للغاية من حيث مضمونه السياسي". وأضاف أن القصص "تعكس حياة النساء". حسب محطة سي ان ان.

وفي كلمتها أثناء تسلمها الجائزة، شكرت مشتاق القراء على السماح لكلماتها بالتجول في قلوبهم قائلة:" ولدت هذه القصص من الاعتقاد بأن أي قصة ليست صغيرة على الإطلاق؛ وأن كل خيط في نسيج التجربة الإنسانية يحمل وزن الجميع "، واضافت:" "في عالم يحاول في كثير من الأحيان تقسيمنا، يظل الأدب أحد آخر المساحات المقدسة التي يمكننا أن نعيش فيها داخل عقول بعضنا البعض، ولو لبضع صفحات فقط".

ولدت بانو مشتاق عام 1948 في بلدة صغيرة في ولاية كارناتاكا الجنوبية في حي مسلم، ومثل معظم الفتيات من حولها، درست القرآن الكريم باللغة الأردية في المدرسة. إلا أن والدها، وهو موظف حكومي، أراد لها المزيد من التعليم، وعندما بلغت الثامنة من عمرها سجلها في مدرسة للراهبات حيث كانت وسيلة التدريس هي اللغة الرسمية للولاية – الكانادا- عملت مشتاق بجد حتى تتقن اللغة الكانادية، وقد اصبحت هذه اللغة الغريبة وسيلتها للتعبير الأدبي.

بدأت الكتابة وهي لا تزال في المدرسة واصرت بمساعدة والدها ان تدخل الكلية لتكمل دراستها.

ظهرت قصتها القصيرة الاولى في مجلة محلية بعد عام من زواجها كانت في السادسة والعشرين من عمرها، اتسمت سنوات زواجها المبكرة والخلافات.

قالت في مقابلة مع مجلة "فوغ" الفرنسية: " لطالما رغبت في الكتابة، لكن لم يكن لدي ما أكتبه، لكن فجأة، وبعد زواج عن حب، قيل لي أن أرتدي النقاب وأكرس نفسي للأعمال المنزلية"، الأمر الذي جعلها تخوض صراع مع المجتمع المحيط بها.في سن التاسعة والعشرين، أصبحت أماً، في تلك الفترة عانت من اكتئاب ما بعد الولادة. حيث قررت ذات يوم بعد خلاف مع زوجها أن تسكب البنزين على نفسها:" كنت انوي إشعال النار في نفسي. لحسن الحظ، أدرك زوجي ذلك في الوقت المناسب، فعانقني، وأخذ علبة الكبريت. توسل إليّ، ووضع طفلنا عند قدميّ، قائلًا: (لا تتخلّي عنا) ".

بعدها عملت مشتاق مراسلة لدى إحدى الصحف المحلية، حيث استخدمت الصحافة لكتابة القصص الاجتماعية عن احوال السكان. بعد سنوات من عملها في مجال الصحافة، تحولت إلى مهنة في القانون، حيث كانت تدعم أسرتها ماديا وفي نفس الوقت تواصل الكتابة.

بعد ولادة ابنتها الثالثة عام ١٩٨١، عانت بانو مشتاق من نوبة أخرى من "الاكتئاب "، وهو أمر، على حد قولها، أدركه زوجها بسرعة. أحضر إلى المنزل حفنة من الأدوية مع نسخة من صحيفة "لانكش باتريك" اليومية الكانادية. كانت تلك نقطة تحول- من حوارها الذي اعيد نشره امس من قبل موقع البي بي سي.

في ذلك الوقت نشرت الصحف المحلية حادثة تعرض مُعلمة في مدرسة ثانوية من بيجابور لمضايقات من قِبل لجنة شبابية مسلمة لذهابها إلى السينما. حينها صدرت فتوى تُلزم النساء بعدم الذهاب إلى السينما. أثار هذا الموقف غضب مشتاق. التي كتبت مقالاً تتساءلت فيه عن سبب اعتبار الرجل المسلم المسلمين فقط من يحق له الاستمتاع والترفيه عن نفسه. اسست

أرسلته إلى لانكيش باتريك، ونُشر خلال أيام. وصفت تلك اللحظة بأنها "مثيرة" ومثّلت بداية رحلتها في الكتابة العامة.

انضمت الى حركة "باندايا"، وهي حركة أدبية تقدمية في الكانادا، أسسها الدكتور ناغاراج وشودرا شرينيفاس عام ١٩٧٤. سعت الحركة الى تشجيع الأدب الملتزم بقضايا الناس، وسعت إلى جعل الادب بكل صنوفه سلاحًا ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي رافعة شعار "ليكن الادب سيفاً "

سببت لها كتاباتها الجريئة الكثير من المضايقات وجعلتها هدفا للمتشددين خصوصاً، بعد دعمها العلني لحق المرأة في الصلاة في المساجد.

عام 2000، تلقت تهديدات من جماعات متشددة، وحاول ملثم ان يطعنها بسكين، صدرت ضدها فتوى من احد الشوخ.

حصلت على العديد من الأوسمة الادبية والاجتماعية بفضل عملها، في مجال الادب ودعمها للمهمشين.

***

علي حسين – رئيس تحرير جريدة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم