أقلام حرة

عبد الخالق الفلاح: الغزو الفكري وتأثيره في المجتمعات

يُعّد الغزو الفكري أكثر وأعمق تأثيراً وخطورةً على المجتمعات لانه يستهدف سلوك وعقيدة الفرد وأفكاره وأخلاقه، في دس الأكاذيب والافتراءات لتشويه الثقافة الغير الغربية، وإقناع الشعوب على أنهم متخلّفون، وأنّ المنقذ لما يعانيه المسلمون من ضياع هو  اتباع “حضارت الغزو” الغربية بكل ما فيها من تفاصيل، والترويج له بما يضمن ترسيخها واستمرارها في أذهان الاجيال الجديدة وخاصة الشابة، وبالتالي ضياع تلك الأمم بأسرها نتيجة انتقالها اذا لم تكن هناك من مصدات او عوائق تقف امامهم وهو أخطر بكثير عن الغزو العسكري وهو السلاح الرائج بيد الاعداء والاسهل في التنفيذ وتلعب المادة الدور الأكبر في عملية غسل الادمغة لطلائع الشباب والأحداث والغزو الفكري هو مصطلح حديث يعني مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للاستيلاء على شباب أمة أخرى أو التأثير عليهم حتى يتجهوا وجهة معينة أو تبني رأي ما.وهو مصلح خطير يفتك بالأمم، ويذهب شخصيتها، ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها أن الغزو الفكري الذي يقوم على مدى السنين بعملية غسل للأدمغة، وإعادة صياغة القيم في ثقافة المجتمع، هذا الغزو يكون قناعة لدى شريحة كبيرة من الناس تعارض الكثير من القيم الدينية التي تحافظ على استقرار المعتقد، بل قد تعارض تلك القناعة بعض الثوابت والمسلمات؛ كقضية الولاء والبراء، أو العلاقة مع الآخر. ان الانحرافات التي وصل إليها العديد من المجتمعات، 'حيث شملت المثقفين والأطفال والشباب والنساء في جملة ضحايا التطور التكنولوجي، والغزو الرقمي للثقافة والقيم، فقد استطاع العدو اختراق افكارها ومعتقداتها، فصارت الثقافة الغربية هي الثقافة الغالبة والمسيطرة؛ نظرًا لواقع التجهيل العام الذي نعيشه أمام الغرب في مجالات العلم والتكنولوجيا والسياسية والاقتصاد والعسكرة، ومن ثم نجد بعض المثقفين والنخبويين وبمساعدة الماكينة الإعلامية المحسوبة على العولمة الغربية يحاولون جاهدين إقناع المجتمع العربي بأنه متخلّف في جوهر فكره وتاريخه، بل أنه متخلف في صميم تكوينه، ومن ثَمَّ فلا بدَّ من الانسلاخ عن كل ما يربط المجتمع بماضيه، وإعادة تشكيل المجتمع على الطراز الغربي بحجة تصحيح الموروث الديني، وأن مجتمع الشرق الاوسط عبارة عن مذاهب وطوائف متناحرة' ومجتمعات بدوية.

الغزو الفكري كان وسيلة بالسابق عند الغزوات الاستعمارية والهيمنة السياسة على اي منطقة معينة قاصدة الشباب بالذات وإخضاع الشعوب والسيطرة عليهم؛ وتوسّعت فأصبحت تشمل الوسائل العسكرية وغير العسكرية التي تستخدمها الدول المستعمِرة في احتلال الدول الأخرى، ومن هذه الوسائل وسائل فكرية تُمهّد للغزو العسكري أو السياسي من خلال التمكّن من السيطرة على عقول الشعوب ويمكن أن يقتصر المستعمِر على الغزو الفكري كأسلوب من أساليب إبقاء الشعوب والدول تحت هيمنته الفكرية والثقافية. ورغم كونه أقل علنية الآن ولكنه أصبح أوسع انتشارًا مع ظاهرة العولمة، وأكثر الدراسات التي تظهر اليوم تشير إلى أن أهم وسيلة لتغيير أي فكرة هي عن طريق التعرف على أفكار أكثر حداثة وانتشرًا عن فئة أفضل من أخرى بعدة مجالات، ولكون ذلك غير شائعٍ سابقًا لقلة الاختلاط العالمي بين الناس فلم يكن له الأثر الكبير، بينما في الوقت الحاضر ومع التطور التقني وانتشار الإعلام بوسائله ومنصاته فهو أصبح من الأسهل تغيير أي ثقافة أو فكر لو وجهت بالطريقة المناسبة. المجتمع الواعي اليوم مطلوب منه دعوة الشباب لحظر استخدام الوسائل التي أصبح من العبث بمكان، التي من  البساطة تنحيتها عن الحياة جانباً، رغم انها أصبحت واقعاً مفروضاً لا يمكن الفكاك منه، وإنما أصبح من الواجب تطويرها وتوظيفها واستخدامها لغير الغرض الذي أنشئت من أجله، فلا مناص من حسن توظيفها، وذلك بأن تقوم الهيئات والمؤسسات الدولية بنشر مواقع تعنى بالتربية والتوجيه وبناء العقائد والرد على الشبهات بالحسنى والموعظة الحسنة ومواجهة الفكر بالفكر الصحيح حتى لا يجد الشباب نفسه منفرداً أمام حملات منظمة تحيط به ليل نهار ولا تيأس من استقطابه بكافة الوسائل

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

مركز الوعي الفكري للدراسات والابحاث

في المثقف اليوم