أقلام حرة

أقلام حرة

عندما اقرر ان ازور بلد ما استحضر نصيحة الكاتب البرازيلي  باولو كويللو  عندما قال ذات مرة أن المقاهى مرايا المجتمع والتاريخ. قبل زيارتي الاولى لمقهى ريش ارتبط اسمه عندي بقصيدة عظيم مصر احمد فؤاد نجم والتي غناها عظيم آخر اسمه الشيخ أمام عندما صدح صوته يصف حال المثقفين:،

يعيش المثقّف على مقهى ريش

يعيش يعيش يعيش.

كثير الكلام..

عديم الممارسة عدوّ الزحام.

وعندما دخلت المقهى اول مرة تخيلت المكان الذي كان يجلس فيه نجيب محفوظ يتسامر مع أصحابه، وحكاية امل دنقل مع قصيدته زرقاء اليمامة ومقتل كليب. وحواديت اسامة أنور عكاشة من ليالي الحلمية إلى المصراوية.. كنت أنظر إلى الصور التي امتلأت بها الجدران. هذا عبد الوهاب البياتي يكتب الحروف الاولى من قصيدته "أغنية من العراق إلى جمال عبد الناصر"،

باسمك في قريتنا النائية الخضراء

في العراق

في وطن المشانق السوداء

والليل والسجون

والموت والضياع

سمعت أبناء أخي باسمك يلهجون.

وهنا جلس عبد الرحمن الشرقاوي يكتب على لسان الحسين: فلتذكرونى عندما تغدو الحقيقة وحدها حيرى حزينة

فإذا بأسوار المدينة لا تصون حمى المدينة

 فلتذكرونى عندما تجد الفضائل نفسها أضحت غريبة

وإذا الرذائل أصبحت هى وحدها الفضلى الحبيبة.

.وفي زاحد اركان المقهى كان السنباطي يدندن على العود، فيما إسماعيل ياسين يلقي آخر قفشاته. أتطلع إلى صور ساحر الكلمة كامل الزهيري واتذكر كتابه " الغاضبون " يروي لي صلاح عبد الصبور ماسآة الحلاج، فيما نجيب سرور يواصل شخصه على الظلم ليكتب "بروتوكولات حكماء ريش":

"نحن الحكماء المجتمعين بمقهى ريش

من شعراء وقصاصين ورسَّامين

ومن النقاد سحالى «الجبانات»

حَملة مُفتاح الجنة

نحن الحكماء المجتمعين بمقهى ريش..

قررنا ما هو آت:

البرتوكول الأول:

لا تقرأ شيئًا

كُن حمَّال حَطب

واحمل طنّ كتب

ضعه بجانب قنينة بيرة

أو فوق المقعد

واشرب وانتظر الفرسان،

سوف يجيءالواحد منهم تلو الآخر

يحمل طن كتب"..

 وفي مكان منعزل من المقهى يجلس علي امين مع توأمه مصطفى امين وهما يخططان لاصدار العدد الاول من اخبار اليوم. فيما نجيب الريحاني يسخر من سليمان نجيب بك: "زي ما انت ضليع  بشؤون الجرجير والبقدونس "، وترى من بعيد كامل الشناوي قادما يجر ث"أحمال جسمه و مأساة عاطفية بطلتها نجاة الصغيرة انتهت بأغنية " لا تكذبي ".

بدأت حكاية مقهى ريش مع الفن والثقافة عندما اشترى اليوناني بوليتس المقهى من صاحبه الفرنسي ريسينييه عام ١٩١٦. كان بوليتس محبا للآداب والفنون، بل وصاحب خبرة في إدارة النشاط، فقرر إدخال تعديلات على المقهى ليدخل الموسيقى، فصار يمتدّ من مكانه الحالي حتى ميدان طلعت حرب بحديقةٍ واسعة ضممت مسرح. في عدد  ٣٠ أيار عام  ١٩٢٣ من جريدة  " المقطعة " نقرأ الإعلان الآتي: " تياترو  كافيه ريش ـ، تطرب الجمهور يوم الخميس مساء ٣١ مايو بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم. هلمّوا واحجزوا محلّاتكم الآن ـ كرسي مخصوص ١٥ قرشًا ودخول عمومي ١٠ قروش".

استمد مقهى ريش اسمه  من اسم المقهى الباريسي الشهير في ذلك العصر " غراند کافیه ریش " ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس والذي احتضن أشهر شخصيات الثقافة والفكر الفرنسيين على غرار ألكسندر دوما وإميل زولا. وقد نجح ريش المصري في الحفاظ على سمات المقاهي بطابعها الأوروبي الغربي الفرنسي. وساعده على الرواج الذي حظي به وقوعُه في قلب المنطقة الحيوية في وسط القاهرة، التي تضمّ مباني فخمة ومهمة أنشئت في بداية القرن العشرين بخبرات معمارية أوروبية.

يروي الروائي جمال الغيطاني في كتابه " المجالس المحفوظة "  ان ندوة نجيب محفوظ  كانت تقام كل خميس في مقهى ريش حيث يجتمع حوله الادباء، وصار  المقهى المقرّ الأول لمحفوظ»، حتى أنّ المثقفين والكتّاب الأجانب كانوا يرسلون الخطابات إلى محفوظ على مقهى " ريش " وليس على عنوان بيته.وفي مقهى " ريش " وُلدت العديد من المشروعات الأدبية مثل مجلة " الكاتب المصري " التي صدرت عام ١٩٤٥ ورأس تحريرها طه حسين.وخرجت إبداعاتٌ كثيرة كَتبت عن " ريش " منها رواية " الكرنك " لنجيب محفوظ، ويردّد البعض أنه أخذ اسم الرواية من إعلانٍ مكتوبة عليه كلمة " الكرنك" كان معلقًا فوق " ريش " ويروي جمال الغيطاني في كتابه " المجالس المحفوظية " أنّ فكرة الرواية راودت نجيب في المقهى، حين رأى حمزة البسيوني قائدَ السجن الحربي يدخل المقهى بعد نكسة حزيران. ويؤكد السيناريست أسامة أنور عكاشة أنّ شخصية سليم البدري التي جسدها الفنان يحيى الفخراني في مسلسل ليالي الحلمية  اقتبسها من شخصية  محمد عفيفي باشا، ويضيف عكاشة أنّ جاذبية المقهى تكمن في أنه يضمّ تشكيلةً من البشر يصعب تجميعها أو معرفتها في مكان آخر:

ومنين بيجي الشجن

من اختلاف الزمن

ومنين بيجي الهوى

من ائتلاف الهوى

ومنين بيجي السواد

من الطمع والعناد

ومنين بيجي الرضا

من الايمان بالقضا

***

علي حسين

الصورة بعدسة الصديق خضير فليح الزيدي

 

أخذت العلاقة بين بغداد وواشنطن منحى آخر غير الذي رسمته الوثيقة الاستراتيجية التي وقعها الطرفين بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق فبعد عام من الاستقرار بدأت العلاقات الاميركية العراقية تتخذ منعطفاً نحو الاسوأ في الشهريين الماضيين، خصوصاً بعد التصعيد الغير المسبوق الذي القى بظلاله على المشهد السياسي العراقي بتأثير "طوفان الاقصى" وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أبادة وحشية على ايدي الماكينة الصهيونية.

الحكومة العراقية حرصت أشد الحرص على أن تكون من أشد المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية والتي تمثل الشريك الرئيسي للعراق، حيث أستطاع العراق أن يكون لاعباً أقليمي بناء وعامل أستقرار، ونجح الى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة في المنطقة، مثل الخلاف بين طهران والرياض والذي أستمر لعقود مضت، وتقريب وجاه النظر بين دمشق والرياض وإعادتها الى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت لسنوات، ماجعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي عموماً.

العلاقات الامريكية العراقية أقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن ترامب2020 ، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواءً من الجانب الامريكي او أي طرف آخر، وان العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، وعلى الرغم من التصريحات القوية من العراق إلا أن رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة الى واشنطن أثناء حديثه الى الصحافة من خلال الاشارة الى أن إنهاء الوجود الامريكي سيعني بداية لعلاقة جديدة بينهما وانها ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل "الاتفاقية الاستراتيجية" بين البلدين والانتقال الى العلاقات الثنائية بين الجانبين.

 في ظل الوضع الراهن والتأثير الكبير سوف تحتاج الحكومة العراقية إلى عمل مضني لإرضاء الجميع وخروجها منتصرة، ولا يزال امام الحكومة العراقية ان تعمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المنافسات العابرة و يجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات والتي من شانها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أي جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية ، كما ينبغي على الحكومة العراقية عليها ان تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفا بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.

بالمقابل يجب عليها الولايات المتحدة ان تكون صبورة من الناحية الاستراتيجية أن لا تقوض خطوات الدولة العراقية أو حكومتها أكثر من ذلك وبخلاف ذلك، فإنهم يخاطرون بتصعيد الوضع حتى خارج نطاق سيطرتهم وأن تمنح الحكومة العراقية المساحة اللازمة ، لان ممارسة الضغط على الحكومة التي يقودها التشنج أكثر واتخاذ مواقف عدائية اكثر ضد المجتمع الدولي وهذا بحد ذاته يفقد العراق دعماً دولياً مهماً، لذلك من الضروري أن تكون هناك ديناميكية شفافة في التعاطي بين الجانبين والاهم من ذلك كله ان يكون على أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين وحفظ سيادة العراق أرضاَ وجواً وبحراً .

***

محمد حسن الساعدي

الوطن، مفردة ثلاثية الأحرف مليونية المعنى والفحوى، وقد تشارك فيها المخلوقات جميعها، مع اختلاف أحرفها، إذ لها مرادفات عديدة وفق من يسكنها. فمفردة عرين تطلق على بيت الأسد، ومبارك للإبل، ووكر للطائر، وجُحر للحية، وقنِّ للدجاج، واصطبل للدواب، وحظيرة للحُمُرِ، وشباك للعنكبوت، وأجمة للفيل، ووجار للثعلب، وقرية للنمل، وخلية للنحل، وكور للدبور، ومكاس للظبي، وسك للعقرب، وكناس للغزال، ولغز للفأر، وأفحوص للقطا. ومامن شاعر إلا وتغنى بالوطن وحبه والولاء له، وتغزل بكل ما يمت بصلة الى مكوناته، وكم سطر التاريخ لنا قصصا بذلك حتى من جار عليه وطنه، وعانى من العيش فيه كما قال شاعرنا:

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وقومي وإن ضنوا علي كرام

ونستشف من الآيبين الى العراق من بلدان كانوا قد هاجروا اليها بطوع إرادتهم، ما يغني عن التعليق والتعليل بأن أرض الوطن هي الأم الرؤوم التي لاغنى عن أحضانها. ولطالما عاد أولئك المسافرون رغم عيشهم الرغيد في بلاد المهجر، ليعزفوا على أوتار أرضهم التي فارقوها في وقت ما ألحانا دافئة تستكن اليها نفوسهم. وفي عراقنا بلغت أعداد المهاجرين في الأعوام الأخيرة رقما مهولا، وملأوا مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن الأمن والأمان والرزق والعيش الهني، وكان حريا ببلدهم أن يوفر لهم كل هذه الحقوق، ورغم هذا كله بقي الرجوع اليه غايتهم وهدفهم ولاءً وانتماءً له، ومن المؤكد ان الولاء للوطن ليس واجبا مفروضا على النزيه والـ (شريف) بل هو سمو يعلو على كل المشاعر والاعتبارات من حيث يدري المواطن ولايدري.

يروى ان نابليون عندما شن حربه على البانيا، كان هناك ضابط الباني يتسلل بين الفينة والأخرى الى نابليون بونابرت قائد الجيش الفرنسي، يفشي له اسرار وتحركات الجيش الألباني، وبعد ان يأخذ نابليون مايفيده من أسرار عدوه، يرمي لهذا الضابط صرة نقود على الأرض ثمنا لبوحه بأسرار جيشه.

ذات يوم وكعادته بعد ان سرّب الضابط لنابليون معلومات مهمة، همّ نابليون برمي صرة النقود له، فما كان من الضابط إلا ان قال:

- يا سيادة الجنرال، ليس المال وحده غايتي، فأنا أريد أن أحظى بمصافحة نابليون بونابرت.

فرد عليه نابليون:

- أما النقود فأعطيك إياها كونك تنقل لي أسرار جيشك، وأما يدي هذه فلا أصافح بها من يخون وطنه.

من هذا الموقف تتكشف لنا خسة من لا يكنّ لبلده الولاء كل الولاء، والذي ذكرني بنابليون هو ما يحدث في ساحة العراق على يد ساسة، اتخذ بعضهم من العراق -وهم عراقيون- سوقا لتجارة ووسيلة لربح وطريقا لمآرب أخرى، نأوا بها عن المواطنة والولاء للوطن، مآرب لأجناب وأغراب ليسوا حديثي عهد باطماعهم في العراق، فهم أناس لا أظنهم يختلفون عن ذاك الضابط الألباني الخائن، لاسيما بعد ان سلمهم العراقي الجمل بما حمل، وحكّمهم بامره متأملا بهم الفرج لسني الحرمان التي لحقت به، فحق عليهم بيت الشعر القائل:

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة

فإنك قد أسندتها شر مسند

وباستطلاع ماجرى في العراق خلال العقدين الماضيين، يتبين لنا كم هو بليغ تأثير خيانة المبادئ والقيم التي باتت من سمات بعض الشخصيات القيادية في مفاصل البلد الحساسة، فهل علم الخائنون ما الذي سيتركونه من آثار وعواقب وخيمة، تنسحب أضرارها على العراقيين بكل شرائحهم، وعلى البلد بكل جوانبه؟

***

علي علي

 

ذكر مراسل قناة الغد خالد بدير تعليقا على استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين بمستشفى ابن سينا في جنيـن كانوا يرقدون في إحدى غرفها مصابين: " أن عناصر مسلحة من قوة اسرائيلية خاصة تسللت إلى داخل المستشفى و" تمكنت" من قتل الشبان الثلاثة بإطلاق أربع رصاصات فقط ..."

نتأمل في ما ذكره المراسل دون أي علامات أسف أو أسى ظاهرة عليه أن القوة قد تمكنت وكأنه يزف بشرى لمن يهمه الأمر بأنه أخيرا تم تحقيق القتل بنجاح وكأنه جاء بعد انشغال عميق، ثم يخون التعبير المراسل التعيس أو قل قد أنطقه المولى سبحانه بأن رأى في الرصاصات الأربعة عددا لا يشفي غليل من في نفسه مرض أربع رصاصات فقط وكأنه كان ينتظر أن تكون أربعين رصاصة وليس أربعة .

إن الصيغة التي علّق بها المراسل على ما حدث تلفت نظر كل إنسان بعين الشك إلى

ـ شخص المراسل وهويته.

ـ تتعاظم الريبة عند رؤية السهولة التي وجدها المجرمون الصهاينة الـ 16 في دخول المستشفى الساعة الخامسة وأربعون دقيقة صباحا وتوجههم مباشرة إلى الطابق الثالث ثم إلى الغرفة 376حيث يرقد الشبان الثلاثة.

ـ هذه السهولة سمحت بتنفيذ الجريمة بسرعة والانسحاب بهدوء، دون أن يعترضهم أحد خلال تسللهم إلى داخل المستشفى أو أثناء خروجهم.

ـ قد بدا واضحا أن تنفيذ الجريمة قد استند إلى معلومات استخباراتية تكون غالبا بالنظر إلى دقتها من داخل المستشفى.

لا يسعنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ورحم الله الشهداء.

***

صبحة بغورة

يبدو أن حكومة الإنقاذ معذورة بعض العذر فيما تورطت فيه، ودفعت إليه، من ادعاءات لا تمت للواقع بصلة، ولا تصل إليه بسبب، فسيرتها المعوجة في قمع الحريات ،وتكميم الأفواه، أمر من الاطالة التي لا جدوى منها أن نتعرض لاثباته بالبرهان، فالأمثلة والشواهد على قمعها وظلمها لشعبها، يفوق عدده الاحصاء، فلسنا في حاجة إلى بسط تاريخها المخزي الذي تواضع عليه القاصي والداني، ولا إلى نبش طغيانها الذي تمتد له الأسباب، وتُرخى له الأعنة، ولعل أصعب مشقة، وأثقل جهد، يمكن أن يعصف بعقولنا المكدودة، هو تصديق مزاعمها بأن الحريات قد أضحت متاحة، وأن سجونها ومعتقلاتها الممتدة قد باتت خالية من وجود معارضين، وأنها تحتاط لنفسها الآن بالعدل المطلق، وتعتصم بالديمقراطية السمحة، فهي ما فتئت تلتمس مضامين الحرية، حتى وجدت معناها في الحوار الجامع الذي أخذت تنادي به، وتدعو إليه، وتمهد له، حتى صدّعت به رؤوسنا، وما هو إلاّ أكذوبة من أكاذيبها، نعم إن هذا الادعاء الذي أسبغته الإنقاذ على طارفها وتليدها، في سخاء وخفه، نمانعه أشد الممانعة، ونرفضه أشد الرفض، فأنى لوليد الأسى، وربيب الألم شعبها الذي لم يلتأم جرحه، أو تجف عيونه، أن يصدق مثل هذه الترهات والأباطيل.

تستّروا بأمور في ديانتهم 

 وإنما دينهم دينُ الزناديق

*

تُكذبُ العقل في تصديق كاذبهم

والعقل أولى بإكرامٍ وتصديق

إن الإنقاذ التي انفجر في صدرها الحاني، شريان الهوى الجياش، تجاه محكوميها معذورة، لأنها وقفت وحيدة في ميدان الخسة والنذالة، تكافح معارضة واهنة العزم، كليلة الحد، ساقطة الهمة،  لا عين لها ولا لسان، ولم تكن قط مناط ثقة، أو معقد رجاء، لأمة يجول في نفسها بغض الإنقاذ، ويقع تحت حسها الأمل النديان، أمل يخالط أنماطاً شتى من الأجناس، تكابد الجوع والخوف، وتجابه الحرمان، لم تكن إذن الإنقاذ مسرفة ولا غالية، حينما قالت في صفاقة لا تضاهيها صفاقة، أنها قد فرضت على نفسها قيودا محكمة، وأغلالا ثقالا، حتى لا تأخذ من اجتواها بمخايل شك، أو تعنف من تضجر من حكمها الطويل وأظهر الملالا، ولكن الإغراق في هذه الدعوى التي تبغض إلينا الحياة، وتصرفنا عن مباهجها، شيء، ومخرجات حوار الوثبة، وما تمخض عنه شيء آخر، فمخرجات هذا الحوار القمئ، لا يمكن أن ينتهي بنا إلى الخير، فلم يصدر عنه، سوى استحداث منصباً لرئيس الوزراء، تقلده رجلاً صارماً، سوف يدفع لا محالة وزرائه للأخذ برأيه على ما في رأيه من عوج وخطل وأمت، ولقد آثرنا هذا الرجل بالذكر، لأنه أمسى الآن أس الإنقاذ ودعامتها، رغم أن الإنقاذ لم تظهر الحفاوة به، ولا الحرص عليه، حينما كانت في مهدها، إلا أن الفريق بكري حسن صالح ظلّ هو الوحيد من مجلس قيادة الثورة الآفل، الذي لم تشمله سياسة الإقصاء، أو التهميش، ومع كل هذا، ومع فداحة الأعباء التي ألقيت على كاهله، والوظائف السيادية التي أوكلت إليه، لم يكن سيادة الفريق في تلك الحقبة، من الشخصيات التي تشرئب لمقدمها الأعناق، وتشخص لطلعتها الأبصار، إذن ستمتد وتيرة الإنقاذ عقد آخر، فهي لم تكن تنشد من حوارها الممجوج هذا، سوى كسب المزيد من الوقت، وإضفاء إطار الشرعية على نظامها المهترئ الحافل بالثقوب، وإصدار نسخة جديدة منه، ولكن هذا كله على مضه وايلامه، لم يدفع الشعب الذي يمضي في ركب الحياة، بجسد مهدود، وعصب مجهود، وشأو بالي، سوى أن يتحدث في امتعاض ويطيل الحديث، ثم يعود إلى حياته القانعة الخشنة، التي ذوى فيها جسمه من الغرث والدنف، وأرباب طغاته في بضة وعافية، واضطربت فيها روحه من الذعر والخوف، وأقطاب جلاديه في أمن وطمأنينة، لقد استطاب السودانيون هذه الحياة وأذعنوا لها، وإن بقيت نفوسهم، لا تمل من الاستسلام للأمال، والاسترسال مع الأماني، والإنقاذ التي هي كحادي العيس يعنيها أن يستمع الناس لأغانيها الفجة، وأن يجدوا في ألحانها التعيسة لذة ومتاعا، فهي تنشد أن يتجاوب معها الشعب، سواء أراد أو لم يرد، ويضنيها أن يقف حيال سياساتها الخرقاء، مكسور أو ساكن، لأجل ذلك هي تكذب وتفجر في الكذب، حتى يصدر عن السود ما يوحي بالاهتمام.

والسيد نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، الذي لا يعنيه رضي الناس عنه، أو سخطوا عليه، أتحفنا في مساء يوم ذاكي، بتصريح يذهل عقل الحصيف، فقد ذهب سيادة الفريق أن الدولة تحترم النصوص القانونية، والقواعد الدستورية الخاصة بحرية الصحافة، ولعل واقع الحريات المزري يفند هذا الزعم، وحال الصحفيين الذين ضاقت طائفة غير قليلة منهم، من تعقب الأجهزة الأمنية لهم، واستدعائهم في مكاتبها الفخمة البنيان، يجعلنا في لحظات يأس وقنوط، نحتشد حول نعش الصحافه، ونتهافت إلى تشييعها ونودعها الثرى، وننتظر في خضوع، مقدم سادتنا ليزرفوا عليها دمعة حزن كاذبة، لقد تجاهل جبابرتنا أن الشعب الذي وطًنّ نفسه على الشراب الكدر، والطعام الوخيم، واللباس الخشن، رغم الجحيم الذي عاش فيه، ما زال عاجز على أن يعلن الشك ويخفي اليقين، فهو الذي أصابه كل كلم، وامتد إليه كل أذى، سوف تعلن هذه الطائفة الصابرة على عرك الشدائد، دون مواربة أو روع، أن الإنقاذ أودت بالصحافة في السودان إلى حتفها، وأنها حتى تبقى ممسكة بأعنة الحكم، قد استمرأت التضييق عليها في أرض النيلين، بمقص الرقيب الذي يستأصل كل ما يفضح جرائرها وسوءاتها، وبمصادرة وحجب الصحف التي تصدت لعسفهم وبطشهم، وبالإستدعاءات المذلة للصحفيين الأبطال، ومنع بعضهم من الكتابة.

***

د. الطيب النقر

 

التهجير الناعم وعلى مراحل ولزمن مفتوح

ان قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من قبل 13دولة اوربية بالإضافة الى امريكا واليابان؛ لم يكن بسبب تعاون، بحسب الادعاء الاسرائيلي والغربي، عشرة من موظفي الوكالة البالغ عددهم اكثر من 30 الف، بل ان هذا القطع يرتبط بمخطط واسع وكبير، الا وهو تصفية القضية الفلسطينية. اما الدعاء بان عشرة من موظفي الوكالة ما هو الا محض كذب وافتراء، فأمريكا والغرب الاستعماري بإمكانهم متى أرادوا، وحسب مقتضيات الحال والاحوال وتحولاتهما؛ ان يلفقوا اية تهمة لأي كان وفي الوقت الذي يخدمهم، او يخدم مخططاتهم. ان قطع التمويل عن الوكالة وفي هذه الظروف، اي ظروف الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل الجيش الصهيوني وبأسلحة اغلبها امريكية الصنع؛ الغرض من هذا القطع هو تخليق الظروف التي بها ووسط جحيمها، مع فتح المنافذ الاخرى، في دول بعينها، سواء كانت عربية او غير عربية وحتى اوربية وايضا امريكا، لاستقبال الفلسطينيين بلا قيد او شرط؛ هو فتح كل الطرق للتهجير الناعم، ولزمن مفتوح.. هذا التهجير المفترض، وعلى مراحل وبهدوء تام؛ يرتبط تماما بكل المشاريع التي ربما يجري الان تداولها في الليل وبعيدا عن الاعلام. وقف اطلاق النار في غزة لفترة شهرين او اكثر او اقل، الذي يجري التفاوض حوله منذ ايام في باريس، وقد تم فيها، اي هذه المفاوضات التوصل على ما يظهر من التصريحات سواء الامريكية او غيرها؛ ان هناك مسودة اتفاق سلمت الى حركة المقاومة الفلسطينية، وان المقاومة بصدد دراستها، كما صرح بذلك اسماعيل هنية. ان وقف اطلاق النار مع تبادل الاسرى من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، من المحتل جدا، ان لم اقل اكيدا؛ سوف يتم الاعلان عنه قريبا وقريبا جدا. السؤال المهم هنا؛ وماذا بعد ذلك؟ الاعمار، وادارة الحكم في غزة، وحل الدولتين. هذه هي التي سوف يجري فيها وفي ظلها كامل اللعبة، والتي من بينها وليس كلها؛ اولا تجديد السلطة الفلسطينية؛ لتتولى الاعمار بأموال عرب الخليج.. بالإضافة الى امور اخرى، جوهرية وذات صلة عضوية؛ بالحلول المرتقبة؟! إنما السؤال هنا هو الاهم؛ ما هو موقف المقاومة الفلسطينية؟ من وجهة النظر الشخصية والمتواضعة هنا، وفي هذا الاطار؛ هو ان المقاومة وهذا هو الاكيد؛ سوف يكون لها موقفا مختلفا كليا عن كل هذه المشاريع التي تدور في الظلام، بما يؤدي في نهاية المشوار الى قلب كل تلك المشاريع راسا على عقب. ليكون الانتصار حتما في الخاتمة الى المقاومة. أما القبول بموقف اطلاق النار حتى وان لم يكن بمستوى الطموح والتضحيات، لكنه مهم جدا؛ في حفظ ارواح الناس في غزة التي يتعرض فيها الشعب الى المجازر منذ اكثر من ثلاث اشهر ولايزال صادما وداعما للمقاومة. من الجانب الثاني؛ فأن الوقف الشامل لأطلاق النار او ايقاف المذابح التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي، ولو لمدة شهرين، من المحتمل جدا؛ ان تؤدي الى الاطاحة بحكومة الحرب، حكومة نتنياهو، وبنتنياهو ذاته، اي القضاء على مستقبله السياسي والى الابد، مع احتمال دخوله السجن. ان القضية الفلسطينية قد تعرضت الى التأمر الدولي، (امريكا والغرب الاستعماري) اضافة الى البعض من الانظمة العربية، وكل انظمة الخليج العربي، في جميع مراحل كفاح وجهاد ونضال الشعب الفلسطيني، لكنه ظل صامدا ومتمسكا بارضه على مدار ما يقارب القرن من الزمن. ولسوف يستمر مهما طال وجار عليه الزمان.. الى ان يحصل على كامل حقوقهم المشروعة..

***

مزهر جبر الساعدي

 

على خلفيّة مهاجمة أرهابيين ينطلقون بمهاجمة إيران من قواعد لهم في الباكستان مثلما تقول طهران، قامت طائرات إيرانية قبل أيّام بمهاجمة تلك المقرّات وقتلت عدد من المدنيين حسب وكالات أنباء عدّة. ولأنّ باكستان دولة ذات سيادة وتحترم شعبها وترابها الوطني، فأنّها قامت بالردّ سريعا بقصفها أراض إيرانية في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية والتي يتقاسمها البلدان، ولتقتل هي أيضا عدداً من المدنيين هناك.

ردّ باكستان بنفسها على القصف الإيراني لأراضيها جاء سريعا وقويّا من الناحية العسكرية، كما وأنّها رسالة قويّة لطهران وتحذير شديد اللهجة لها من مغبّة التجاوز على التراب الوطني الباكستاني مستقبلا. أمّا قصف إيران بنفسها لتلك القواعد داخل الباكستان، فأنّه يعني عدم وجود ميليشيات باكستانية شيعية تأتمر بإمرتها كما باقي ميليشياتها ذات العمق الشيعي في بلدان أخرى لتنفيذ تلك المهمّة وغيرها من المهام من جهة، وعدم وجود جهات حكومية رفيعة المستوى وأحزاب باكستانية وقوى شعبية تمنح إيران الحقّ في قصف بلدها لشراكة مذهبية، وتبرر لها جرائمها التي ترتكبها في بلادها من جهة ثانية.

المثير للأهتمام هو أنّ الباكستان التي أذّلت ايران بردّها القوّي والسريع وأستدعت سفيرها من طهران ورفضت عودة السفير الإيراني لديها والذي كان في زيارة لبلده، ولم تكتفي بذلك، بل زادت بالأهانة ووجّهت صفعة للدبلوماسية الإيرانية التي تتحكم بحكومات وبلدان عدّة في المنطقة ومنها العراق، الذي يصول دبلوماسييها ورجال مخابراتها وحرسها الثوري في مناطقه المختلفة ويتحكمون بالملف الأمني للبلاد، حينما طالبت الحكومة الإيرانيّة وكطريق لعودة علاقتهما الدبلوماسية لسابق عهدها، في أن يزور وزير خارجيّتها البلاد بنفسه، وهذا ما حصل فعلا. فهل قدّم الوزير الإيراني أعتذار بلاده على أن لا يكرر الجانب الإيراني أعتداءاته على الأراضي الباكستانية مستقبلا، علاوة على شروط أخرى تحد من نشاطات إيران في الباكستان؟

يقدّر عدد الشيعة في الباكستان بحوالي 20% من نفوسها، ومع ذلك لم تستطع بل لم تتجرّأ إيران التي أسست ميليشيات شيعية مواليه لها في العديد من البلدان، من تأسيس تنظيم شيعي يعمل تحت إمرتها وينفّذ أهدافها، كما حزب الله اللبناني وحوثيي اليمن وبعض الحركات الاسلامية الفلسطينية، والحشد الشعبي في العراق. فهل شيعة الباكستان أكثر وطنية تجاه وطنهم من شيعة البلدان الأخرى، أم أنّ هناك خوف إيراني من تأسيس ودعم هكذا تنظيمات، خوفا من ردّ باكستاني تخشاه طهران وتعرف قوّته!؟ علما من أنّ هناك تنظيمات شيعية مسلّحة في الباكستان كـ (سباه محمّد) أي جيش محمّد، الذي أنشقّ عن تنظيم (تحريك الجعفرية باكستان) لمواجهة تنظيم (سباه الصحابة) أي جيش الصحابة السنّي، وتنظيمين شيعيين آخرين هما (شيعة علماء كونسل) و(مختار فورس) أي قوّة المختار، ولا هناك دلائل علنية وواضحة تشير الى دعم إيران لهذه الجماعات.

أنّ ردّ الحكومة الباكستانية القوّي والسريع على التدّخل أو محاولة التدّخل الإيراني في شؤون بلادها الداخليّة، يجعلنا أن نطرح سؤالا على السلطة العراقية التي إن لم تؤيّد علنا تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لبلادنا وقصف مدننا كما قصف أربيل مؤخرّا فأنّها تلوذ بالصمت تجاهها، هو أن متى يكون لها موقف وطني تجاه "شعبهم ووطنهم"، وهل سيعملون على حصر السلاح بيد الدولة وحلّ الحشد الشعبي وميليشيات أخرى تأتمر بأوامر طهران وتنفّذ أجندتها في العراق وغيره من البلدان التي تتدخل إيران بشؤونها الداخليّة، كي لا تكون بلادنا عرضة للخطر وهذه الميليشيات ومعها الحشد الشعبي تغوّلت وباتت تهدد السلم المجتمعي للبلاد، وبعد أن أصبح أبناءنا وقودا لأحلام ولي الفقيه كون الميليشيات التي يعملون فيها هي بنادق للإيجار عند الحرس الثوري الإيراني في البلدان التي أصبحت جبهات متقدمة وجدران عازلة في حرب إيران الأقليمية للحفاظ على نظامها السياسي من السقوط، وبلدها من التعرّض للخراب والدمار...؟

***

زكي رضا - الدنمارك

29/1/2024

قد يستغرب القارئ أو يغضب، وربما يرجم بالغيب، فالحقائق الفاعلة فوق التراب، أن أنبياء الدين قد إنتهوا، أو ختموا بآخرهم، أما أنبياء الدنيا فمتواصلون بعطاءاتهم، التي نقلت البشرية إلى آفاق حضارية علوية لم يعهدها أنبياء الدين.

فالعالم تطور ووصل إلى ما هو عليه بأنبياء الدنيا في مجالات الحياة وعلومها المتنوعة، فما أكثر أنبياء الدنيا وأعظم إضافاتهم للبشرية على مر العصور.

أما أنبياء الدين فمحور تفاعلاتهم تتعلق بالسلوك، وبتهذيب أمّارة السوء الفاعلة في البشر، فأفلحوا وفشلوا في هذا الميدان، ولا زالت البشرية تعاني من عدم قدرة ما جاؤوا به على إعانتها للرقي إلى معاني الإنسانية.

لكن أنبياء الدنيا أنجزوا ما لم يستطعه أنبياء الدين.

فوراء كل منجز حضاري تتمتع به الناس، هناك مَن  يحرر الأفكار من غياهب الإستتار ويستحضرها حية فاعلة في أروقة الحياة.

أنبياء الدين يأتون بأفكار، وأنبياء الدنيا يصنّعون الأفكار، ويحولونها إلى موجودات متفاعلة مع البشر.

فأنبياء الدين يجعلون الأفكار محلقة في عوالم الغيوب، وأنبياء الدنيا يترجمونها ويصنعونها في عوالم الوضوح، فأفكار أنبياء الدين ضوئية، وأفكار أنبياء الدنيا موجودات مادية.

وأنبياء الدنيا يتفوقون في أعدادهم وإنجازاتهم على أنبياء الدين،  لقدرتهم على التوالد والإنتشار والإلهام، وهم كباقي البشر يعيشون في مجتمعات.

أما أنبياء الدين فأحيطوا بهالات القدسية والروحانية والطاقات الخيالية والإعجازية، التي تغذي مخاوف ونزعات التطلعات البشرية، الباحثة عن الطمأنينة والأمن والسلام في مسيرة لا تعرف بدايتها ولا نهايتها، وهي حالة في دائرة مفرغة بدأت بأساطير الأولين ولا تزال على أشد سُرع دورانها، وإنطلاقها نحو مجهولها البعيد، الذي وضعت له تصورات ترسخت في الوعي الجمعي وأذهان الأجيال، فلابد من خارطة يقينية للمسيرة المجهولة فوق التراب.

فالأنبياء أنبياء، والبشر بشر، وبين الإثنين مسافات ضوئية القياس!!

***

د. صادق السامرائي

 

يفترض في الأزمات ووقت الحرب أن يتوحد الشعب ويزداد تماسكاً وأن تتلاشى الخلافات السياسية والأيديولوجية لمواجهة عدو مشترك، وفي الحالة الفلسطينية فعدونا مجرم ويهدد وجودنا الوطني وفي حربه الحالية يمارس جريمة الابادة الجماعية في غزة.

وبالرغم من ذلك ومع تأكيد وحدة الشعب إلا أن الطبقة السياسية وأحزابها لم ترتقي لمستوى الحدث، ولم نلمس أي خطوات توحيدية لمواجهة العدو المشترك، كما أن فجوة كبيرة بينها وبين الشعب .

غالبية الشعب في الضفة مستاء من أداء الحكومة والسلطة وغير راضي عنهما كما تظهر ذلك استطلاعات الرأي  والشعب في غزة في الحرب وحتى قبلها غير  راض عن حماس، كما أن السلطة تنتظر وتتمنى نهاية حركة حماس، وحماس تنتظر وتتمنى نهاية السلطة وتعمل على على ذلك، فكيف سننتصر ويصلح حالنا؟ وما هو مفهوم وطبيعة الانتصار الذي يتحدث عنه الطرفان؟

وبصراحة أيضاً، فلا الاصلاحات التي تتحدث عنها السلطة ستغير الحال، ولا المقاومة التي تتحدث عنها حماس ستغيره ما دام الانقسام قائماً.

***

د. ابراهيم ابراش

المحرقة الفلسطينية بتوقيع يد الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي وترسانة الأسلحة الأوربية والأمريكية.

الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي يتعاطى مع دول العالم وشعوبه بفوقية متعالية متعجرفة، لا ترى سوى ذاتها المتضخمة حد بالونات المناطيد، في مقابل رؤيتها للآخر دولة أو شعبا كان قزما بما فيها إمبراطورية الشر العالمي المطلق أمريكا الهمجية وشعبها المسالم. فهي تفوقت على هذا العالم ببكائيتها المزعومة " المحرقة " و" مظلوميتها ". التي سيطرت بها على العقل الغربي الفردي والجمعي، وعلى عاطفته. فغدت تحاكم خلق الله باسم المحرقة بدعوى المعاداة للسامية، وكأن الله حين خلق البشر لم يكن عز وجل عادلا ـ تعالى سبحانه علوا كبير عن هذا ـ فميز هؤلاء الهمج الخمج بالسمو والارتقاء درجة أو درجات عن باقي البشر! دون أن يجعل البشر كل البشر بالمبدأ سواسية في الإنسانية والحقوق. فكرمهم دون البشر بخصيصة الإنسانية والبشرية، وجعلهم المرتبة العليا في سلم الوجود. وهذا بهتان في حقه جل وعلا بدون دليل موضوعي أو مادي؛ خاصة وأننا نجد في مسلكياتهم وبشرية ما ينفي بالمطلق هذه السامية المزعومة، الت سلطت على رقاب العالمين. فالإنسان الغربي يتحكم فيه الصهيوني النازي الفاشي الداعشي في بلاده من الكيان المغتصب، برميه في السجن باسم العداء للسامية، ويتحكم في رقبته بسيف وهمي ما له من الوجود سوى ظاهرة انعزالية منتقاة بعناية، ضخمت وركب حولها هالة كبرى من المزاعم والأكاذيب عشعشت في العقول المريضة والنفوس المهزومة خاصة منها تلك الرسمية الغربية التي تحتضن بدون تفكير أو تساؤل أو نقد تلك الأسطورة والخرافة المزعومة.

فهذا الكيان النازي الفاشي الداعشي ينطلق في تعامله مع الغرب من هذه الخرافة مستفزا الدول والشعوب، وما المأساة التي يعيشها الإنسان الغربي العادي من الزيادات الضخمة في الضرائب بسبب المنح التي تتقاطر من حكوماتهم على هذا الكيان البربري إلا دليل على تحكم هذا الكيان الحقير في حكوماتهم، وهو كيان في الأصل يقتات على اقتصاديات هذه الدول المهزومة بالأصل. فهو قائم بهم ومستمر بهم، يتكئ عليهم في كل شيء. ومن يتكلم أو يرفع الصوت منددا أو مستنكرا يزج به في السجن! لا لشيء وإنما لمطالبته بالحرية والاستقلالية عن خرافة وأسطورة " المحرقة، المعاداة للسامية". فكم من دولة وسمها بأبشع السمات والأوصاف، وحقرها وحقر صحفييها فضلا عن حكامها وناسها، وتم رغم حقارته ودونيته الاعتذار منه، وكأنه هو الذي يغدق عليهم بنعيمه الجزيل، ويعمهم برفاهيته! لكن اختارت دول الغرب لنفسها ولمواطنيها الذل والهوان؛ فتعيشه يوميا آلاف المرات، وتحيا في رحابه على استمرار وبأعلى درجاته كما وكثافة. فهو كيان بربري يهاجم المنظمات الدولية بأقسى العبارات والأوصاف والأفعال معتمدا على أمه الحنونة الخرفة أمريكا الهمجية الساقطة أخلاقيا وإنسانيا وحضاريا، من تعلمه الصلافة والحقارة. فهو دون هذا اللص العالمي والمجرم الدولي يساوي وجوديا الصفر، لا يقوى على الوجود بذاته، فهو ذات موجودة بذات الآخر.

هذا الكيان البربري جاء السابع من أكتوبر 2023 ليعري عن سوءته العارية أصلا، وأسقط عنه تلك الأوراق الذابلة الحكائية البكائية التي نسجها حول نفسه، يستجدي العطف العالمي بخلق الأكاذيب والشائعات. وبطبيعة حال حاضنيه الغربيين الذين هم من طينته أن يصدقوه ويتباكون عنه. فادعى وزعم الكثير من السرديات الوهمية من قتل الأطفال وذبحهم واغتصاب النساء، والهجوم على الحفل ... والكثير من الأكاذيب التي ما لبثت أن نفاها بنفسه لما عرت عليه المقاومة الفلسطينية بالحجج والدلائل والوقائع المادية والميدانية والموضوعية. ورغم ذلك مازال يروج لهذه الأسطوانة المشروخة، التي قاد بسببها إبادة جماعية للفلسطيني في غزة العزة، حارقا كل شيء ومهدما كل شيء؛ فأبان عما في ذاته من نازية وفاشية وداعية تخرجه عن صنف البشر والإنسان إلى درك الحيوانية القاتلة ـ وهنا أعتذر من الحيوان لطبيعته الربانية التي تمتلك صفات لا يمتلكها هذا النازي الفاشي الداعشي من قبيل الوفاء والعزف عن الاستمرار في القتل عند الشبع والوفاء للزوج ... ـ ما جعل العين العالمية تنقل جرائمه الحربية بالصوت والصورة وبشاعتها؛ فغيرت العقول والقلوب وبدلتها ووجهتها نحو السردية الحقيقية، وهي نازية وفاشية وداعشية هذا الكيان المغتصب الذي يرتكب أبشع جرائم الحرب والإنسانية التي لا يمكن لأي إنسان يملك ذرة من روح الإنسانية والبشرية أن يقبل بالإبادة الجماعية للإنسان الفلسطيني، وبالأرض المحروقة والبنايات المهدمة على رؤوس أصحابها شيوخا ونساء وأطفالا وشبانا. ناس عاديين كانوا أو أطباء أو صحفيين أو مسعفين أو أساتذة وأكاديميين أو عمال ومستخدمين أو مفكرين ومثقفين وشعراء وفنانين.. الإبادة تشمل الجميع دون استثناء تحت وسمهم "بالحيوانات"، والصهيوني النازي الفاشي الداعشي هو الحيوان الأكبر بمنطوق أفعاله.

هؤلاء التتار والمغول الجدد أبانوا بالدليل والحجة عن حيوانيتهم وهمجيتهم وعنصريتهم، بمجموع الشهداء والجرحى والمفقودين، وبمجموع المباني المهدمة والبنية التحتية المحروقة، وبالتجويع والحصار... وكل الجرائم التي يستحي أن يرتكبها أكبر عات في العالم؛ لكن هي طبيعة هذه الطينة من البشر (السامي) الذي لا يملك من السمو سوى الوهم والكذب. الصفة الوحشية والفعل البربري العنصري الذي دفع بجنوب إفريقيا دون العرب والمسلمين أن يرفع شكوى ودعوى الإبادة الجماعية ضدها لدى المحكمة الدولية، التي أصدرت قرارها وحكمها في القضية بإدانة هذا الكيان النازي الفاشي الداعشي؛ الذي وصفها بمعاداة السامية. ونسي هذا المجرم إن كانت ـ افتراضا ـ المحكمة تعادي السامية؛ فهو يعادي الإنسانية والبشرية جمعاء. والأولى به أن نحاربه ونقاتل حتى نزيله من فلسطين، بل من البسيطة كلها. فهو ألذ خصوم الإنسانية والحضارة والوجود، وحري به أن يمحى من الوجود. فهو مدان بالإبادة الجماعية من دول العالم والشعوب والمنظمات الدولية، لم يعد له حق زعم " المحرقة " لأن محرقته في حق الفلسطينيين أشد وأنكى مما فعله هتلر بهم. وقد كان هتلر على صواب وحق حين أباد بعضهم وهم قلة. حبذا لو أبادهم كلهم لما عانت البشرية والإنسانية والعالم من إجرامهم ووحشيتهم وهمجيتهم. من لم يستشهد بقنابلهم زج في السجن سواء في فلسطين أو الغرب بمزاعم المحرقة والمعاداة للسامية، وأي سامية؟ هي دونية بمنطوق إجرامها ونذالتها وحقارتها.

أستغرب من رسميي الدول الغربية من تبعيتهم المطلقة لأبيهم الأمريكي الهمجي وأمهم الصهيونية البربري، دون تحكيم لعقل أو منظومة أخلاق وقيم إنسانية، أو استحضار أحاسيس ومشاعر إنسانية، كأنهم خشب مسندة. أولى بها النار والبنزين والزيت وعود الثقاب. فهم ينظرون علينا بقيمهم الديمقراطية وبحقوق الإنسان وبمحافل المنظمات الدولية، لكنهم سقطوا سقوطا حرا إلى أسفل السافلين، وتعروا أمام أحرار العالم، ولم يعد لهم المبرر لينظروا علينا فيما كانوا ينظرون؛ فالسقوط لم ترك لهم حتى ماء الوجه الذي يحفظ لهم كرامتهم. فهم لا قيمة لهم إنسانية أو أخلاقية أو حقوقية وثقافية واجتماعية في ميزان الوجود الإنساني. يجب على الإنسانية أن تنبذهم بالمطلق خاصة نحن العرب والمسلمين، فلا حجة لنا بالتغني بقيمهم العالمية المزعومة لأنها كذب في كذب، ووهم كبير غير قابل للتصريف والصرف في حياتنا الفردية والجمعية على مختلف مستوياتها. فالشرف الإنساني لا يقبل بازدواجية اللغة والمعايير فضلا تعدد الأقنعة والوجوه. فالمريض منا عقليا ونفسيا هو الذي يستمر بالإيمان فيما يزعم الغرب من قيم وأخلاق وحقوق وثقافة وفكر محايد. فالحياد نزعه عنه السابع من أكتوبر 2023.

في ظل هذا الإجرام الحربي القائم بأيد الصهاينة النازيين الفاشيين الداعشيين في فلسطين العزيزة، المحتضن من الغرب وأمه الهمجية أمريكا بترسانة أسلحته الفتاكة؛ لابد لنا من إعلان المحرقة الفلسطينية بين العالمين شعوبا وأفرادا، فاليوم لم تعد محرقة الصهاينة قائمة لوحدها، بل انضمت إليها من هي أشد ألما وتنكيلا وإجراما منها، وهي المحرقة الفلسطينية. وأمام هذه المحرقة لا يبقى لنا سوى الاحتماء برب العالمين والاعتماد على نفسنا وأسلحتنا ومجاهدينا ومحورنا المقاومة، وصمود شعوبنا وعلى رأسها غزة العزة والضفة و48، وطلب النصر والعون منه تعالى دون غيره من خلقه، خاصة من أولئك المهزومين أصلا من العرب والمسلمين، المارقين من الدين والإنسانية والأخلاق والقيم النبيلة. فهمها طال الظلم فإلى زوال بمنطوق رب العالمين: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

***

عبد العزيز قريش

في القاهرة ألفين سلام يا قاهرة

يمكن ساعات صوت الحقيقة أخرس جريح

يمكن يكون صوت الضلال عالي وفصيح

يمكن يتوه الحق في الكدب الصريح

لكن أكيد الحق حق ولا يصح إلا الصحيح

في القاهرة ألفين سلام يا قاهرة

وانت تزور القاهرة وحواريها لا بد ان تتذكر شاعرها الكبير سيد حجاب الذي عشنا مع كلماته وهو يتنقل بنا من ليالي الحلمية إلى أرابيسك والشهد والدموع ويختصر لنا حياة عميد التنوير العربي طه حسين:

"من عتمه الليل، النهار راجع ..

ومهما طال الليل بيجي نهار

عاش الشاعر سيد حجاب حياته، وهو يحمل قضية واحدة نذر شعره لها، هي قضية البسطاء، والبحث عن الحرية والأمان لهم، شيّد لنفسه بساتين من القصائد التي تغنّت بالأمل والثورة على الظلم، كان حجاب واحداً من صنّاع أحلام هذه الأمة التي يراد لها نفسها مؤخراً تختار الظلام والسبي والقتل والموت، وتصفق شعوبها لصنّاع الدمار وموسعي المقابر.

يقول المؤرخ اريك هوبزباوم :" لا يمكن فهم هذا العالم، من غير أن نفهم الأحلام التي راودت الشعوب. وكذلك الخيبات التي حاصرتها .

ايام ورا ايام ورا ايام ورا ايام

لا الجرح يهدى ولا الرجا بينام

كانت هذه أولى أحلام سيد حجاب، التي صاغها لتكون مقدمة لمسلسل "الأيام"، سيرة طه حسين الذي أعود اليه دائما متحيزا لمنجزه الفائق القيمة من حديث الاربعاء مرورا بالفتنة الكبرى والمتنبي وذكرى ابي العلاء وليس انتهاء بدعاء الكروان ومع ابي العلاء في سجنه، وهو نفس السجن الذي عانى منه طه حسين، فقرر ان ينتصر على الواقع :، "ما انت باعمى ..آنما نحن جوقة العميان".

لم تكن في كلمات سيد حجاب أية ظلال لافتعال ثوري، لم يكتب شعارات جوفاء، بل استطاع ان يغوص في أعماق الإنسان المتطلع الى عالم أفضل، ليستخرج منها بكلمات عامية بليغة، أجمل ما فيها من أغنيات وقصائد راح ينثر بها الدعوة إلى رفض الظلم والطغيان، مترجماً مشاعر وأحلام وأفراح ملايين الناس إلى كلمات حيّة متوثّبة مليئة بالدفء والحياة والدعوة للعدل الاجتماعي الذي كان شعار طلعت حرب وهو يرسم طريقاً إلى المستقبل ليس فيه عنف ولا نزاعات ولا طائفيون.

مين اللى قال الدنيا دى وسية

فيها عبيد مناكيد وفيها السيد

سوانا رب الناس سواسية

لا حد فينا يزيد ولا يخس ايد

جينا الحياه زى الندا ابرياء

لا رضعنا كدب ولا اتفطمنا برياء

طب ليه رمانا السيف على الزيف

وكيف نواجهه غير بالصدق والكبرياء .

في يومياته التي كان ينشرها في الصحافة على فترات، يروي سيد حجاب حكايته مع الأمل والتطلع الى المستقبل، ويدلنا على الفتى الذي غادر قريته في صعيد مصر ليحط في القاهرة ملبياً نداء االشعر والكتابة، هناك يصر ان يتلصص على الشعراء الكبار، ويقدم ديوانه الأول " صياد وجنيّة " الى الشاعر عبد الوهاب البياتي، الذي يكتب له مقدمة يقول فيها :"هذا الشاعر الشاب مهموم بقضية واحدة وهي التأثير المباشر للقصيدة على الغالبية من عامة الناس، ليس فقط تنويراً لرؤيتهم ولكن مجابهةً لما يجري وتحريضاً على رفض الظلم والنهوض صوب المستقبل "

متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا

و لا تنتهيش ده إحنا يادوب ابتدينا

سيد حجاب حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة، والدين فيه أقرب إلى الحرية الشخصية من الفرض الاجتماعي، والنضال ضد الظلم فرض على كل مثقف، اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها المرحة والعميقة .

في كل قصيدة من قصائد سيد حجاب هناك تحذير من ان يتسرب الزمن الجميل بغفلة منا: "و ينفِلِت من بين إيدينا الزمان ..كأنه سَحبة قوس في أوتار كمان "، فيما نحن لانريد ان نترك للأجيال القادمة سوى بلدان تحولت الى خيام، وبرلمانات اشبه بمنابر للتهريج، لم نترك لهم حنيناً يعودون إليه، ولا حتى ذكريات يشتاقون إليها

وتنفرط الايام عود كهرمان

يتفرفط النور و الحنان و الأمان

نسمي معالم التقدم عصراً بكامله لأنه يشمل كل شيء . في الفكر والصناعة والزراعة وطرق الحياة. ليست فقط في فكر طه حسين ومغامرات سلامة موسى مع الذين علموه وصلابة العقاد ورقة يحيى حقي والسعادة التي ينثرها نجيب الريحاني في النفوس .

انظر إلى تمثال طلعت حرب واتذكر العراقي ساسون حسقيل وزير المالية في العهد الملكي الذي كان مثل طلعت حرب خريج الحقوق، ومثله شخصاً مدهشاً حقاً. وفي الوقت الذي يقف طلعت حرب وسط القاهرة . يغطي غبار النسيان ذكرى اول اقتصادي عراقي حاول ان يضع الدولة العراقية على سكة الازدهار .

يكتب سيد حجاب في مديح قاسم امين صاحب كتاب حرية المرإة :

الحق والحرية.. روح الوجود

هما جناحين النهوض والصعود

ينداسوا.. يتساوى الوجود والعدم

وان سادوا.. سدنا الدنيا.. والخير يسود

بهذه الكلمات يختصر سيد حجاب قضية قاسم امين الذي عُرف بدفاعه عن الحقيقة وأثراه على ان تأخذ المرأة مكانها الحقيقي في المجتمع . وفي العراق كان صوت الزهاوي يعلن ان كل شيء إلى التجدد ماض – فلماذا يقر هذا القديم؟، لكن بلاد الرافدين تسعى إلى نسيان شاعرها ومفكرها الذي قال عنه طه حسين ؛: ” لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب، ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار، لقد كان شاعر العقل وكان معري هذا العصر، ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم" .

***

علي حسين 

الصمت يحكي قصة الفراق بآهاته وأوجاعه كل يوم هامسا" بحديث ذي شجون مع الروح التي تعلقت بحبه بعد ان فاضت المقل بالدموع شوقا" للديار وإعتصر الفؤاد حنينا" لذرات ترابه مخلفين في ثنايا الوطن قصص الطفولة والصبا وفي كل حارة وزقاق وشارع بصمة وحكايات لا تنتهي لتلهب في الحنين لوعة الى الماضي الجميل حتى يتحول الى خيال يدغدغ المشاعر واحلاما" مجبولة بالذكريات لزمن كان ماضيه أجمل من حاضره فالوطن هو تماماً كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة

لكن خفافيش الليل وخوارج العصر قطعوا صلة الرحم بين الوطن وأبنائه ليغتربوا عنه عنوة في بلدان العالم باحثين عن الامن والامان الذي إفتقدوه .

والفراق هو القاتل الصّامت والجرح الذي لا يبرأ ورغم كل هذا وذاك ما ينبغي علينا الا الصبر رغم لحظات الضعف والهوان التي تلاحقنا من حين إلى حين .

وكلما جن الليل وأسدل ذيوله عادت النفس تحاكي الروح لتصبّر إحداهما الأخرى وتُهدأ من ألم الفراق ورغم مرارة الغربة وصعوبتها فهناك من يفرز سموم الحسد على شيء هو لا يستحق الحسد كأنّما أصبح التشرّد والبعد عن الوطن مكسبا ولابد من دفع ضريبته نقدا وحقـدا .

وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فنحن على موعد مع القدر كما إغترب أهلنا الشنكاليون (السنجاريون) بين ليلة وضحاها ان يجمع شملنا في لحظة قد تكون غائبة على اذهانهم ليندمل الجرح وتعود المياه الى مجاريها كسابق عهدها وتتحقق الأمنيات وتحتضن شنكال (سنجار) أهلها المغتربين وتبنى المدينة بسواعد الغيارى من رجالها النشامى وهذا عهدهم في السراءوالضراء وتطوى صفحات الغربة والنزوح ليعيشوا بمحبة ووئام ويعاد السلم المجتمعي كما كان رغم انوف العدى .

***

حسن شنكالي

تكاثرت المصائب على البشرية في معظم الأرجاء،  وتعدت خطورة الكوارث الطبيعية كل الخطوط الحمراء، والصراعات تنحر الشعوب ومع ذلك فما زالت التهديدات بتدمير الحضارات متواصلة، ويتعاظم شرورها أكثر بفناء العالم .

حروب الإنسان الدامية مع نفسه والآخرين تتوسع نحو تعميق جراح وآلام المآسي، وجرأته على تدمير الطبيعة تتواصل نحو إحداث المزيد من الكوارث في حياة معظم شعوب الأرض.

آلة القتل والهدم الصهيونية تواصل منذ أكثر من أربع أشهر تدمير كل مظاهر الحياة في فلسطين ولا تعبأ بأي معايير إنسانية أو مواثيق دولية، وبرغم حملات الإدانة والاستنكار العالميةالباقية تحيط الكيان الصهيوني من الجهات الأربعة، وبرغم تجريم محكمة العدل الدولية والمنظمات العالميةوالإقليمية للسلوك الإجرامي الصهيوني، إلا أن مسلسل القتل والاعتقال والتعذيب وتشريد مئات الآلاف من سكان غزة وتهجيرهم من أوطانهم وقتل الأطفال واختطافهم يتواصل بشكل أشد ويترافق مع الحديث عن ظاهرة الاتجار بالأعضاء، إنه وضع يحمل كل دلائل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وينذر بتوسع دائرة الصراع المسلح في منطقة الشرق الأوسط إلى عدة دول عربية أخرى إذ لا شيء يؤشر على وجود آفاق لحل الأزمة قريبا أو احتوائها سلميا نحيب الأرامل والثكالى وصراخ الأيتام يتعالى عبر المعمورة ولا شيء جديد يحمله رجع الصدى.

الصراع المسلح الدامي بين روسيا وأوكرانيا الجاري منذ فبراير 2022لم يبق ولم يذر، بقدر ما أكد فعلا أن ألم الشرق سرعان ما يبكي الغرب إذ تعاني دول العالم من نقص الطعام بعد تراجع معدلات الأمن الغذائي بسبب توقف إمدادات القمح خاصة من البلدين المتحاربين، المعارك المتواصلة ترافقها تهديدات وتحرشات ببعض دول الجوار الأخرى والتحالفات السياسية والعسكرية تتعدد وتتمدد . نذر المأساة الإنسانية تتشكل في ملايين اللاجئين الأوكرانيين في بعض دول الجوار الهاربين من الدمار الشامل، والجنود القتلى من الجانبين وكذا المدنيين الأوكرانيين ضحايا القصف داخل منازلهم كلها مشاهد مؤلمة تضع الإنسانية أمام أزمة ضمير مزمنة، ولا أمل قريب في عودة السلام في المنطقة ولا جدوى من صراخ المنكوبين وعويل عائلات الضحايا بعدما اتضح أن وجود أحدهما مرهون بزوال الآخر.

لا تعطي مظاهر اختبار قبضة القوة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع حول جزيرة تايوان أي مؤشرات على إمكانية تجنب اندلاع مواجهة مسلحة بين العملاقين، فالاستفزازات مستمرة والاختراقات الجوية متواصلة، والعالم يترقب ببالغ القلق والانشغال ما ستسفر عنه تطورات الأحداث، وقد تبعث صور بعض اللقاءات البروتوكولية الباسمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني قليلا من الاطمئنان والأمل في وجود احتمال قوي بتفادي حدوث حرب بين البلدين، ولكن الواقع شيء آخر تماما فليست لباقة المظاهر الدبلوماسية انعكاسا دائما لحقيقة العلاقات، ولا للأمل في نفوس مئات الملايين من البلدين أن يرتق قادتهم إلى مستوى تطلعاتهم للعيش في سلم وأمان .

وكأن الأوضاع في السودان لا تريد أن تهدأ منذ عشرات السنين، والصراع المسلح الجاري بين قوات الجيش الوطني وقوات الدعم السريع منذ شهر أبريل 2023 حلقة أخرى في صراع محموم بين أبناء الوطن الواحد على السلطة أدى إلى نزوح 10.7 مليون سوداني إلى بعض دول الجوار خاصة إلى مصر التي يقيم فيها أصلا حوالي 4.5 مليون سوداني في حالة لجوء منذ فترة طويلة إضافة إلى نزوح مئات الآلاف الآخرين إليها، تركوا وراءهم منازلهم وأملاكهم ومتاعهم فارين بحياتهم من جنون القتل والتنكيل والهدم، ومع فشل جهود الوساطة من أجل التهدئة ولمحاولة رأب الصدع فقد اشتدت المعارك على نحو أكثر شراسة ولم يعد أمام معاناة النازحين سوى المزيد من الدعاء والكثير من الصبر.

يتحمل اليمن عبء نتائج مواقفه لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، فالقصف الصاروخي للسفن التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني العابرة لمضيق باب المندب نحو البحر الأحمر والذي يقابله قصفا بالصواريخ والغارات الجوية الأمريكية يكلف اليمن خسائر جسيمة في الأرواح والمنشآت العسكرية والمدنية، ويؤدي إلى فرض حصار مضاد عليه من عدة دول كبرى، لقد تعدى أثر التهديد اليمني على مرور السفن إلى البحر الأحمر سلبيا على حجم التجار الخارجية للكيان الصهيوني، وإلى الإضرار بصادرات دولة قطر من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، وأدى إلى تراجع كبير بنسبة 40% في إيرادات مصر من قناة السويس، الوضع لم يعد سهلا تحمل المزيد من عواقبه خاصة وأن تداعيات الموقف اليمني قد اتسعت وامتدت إلى مصالح حيويةلأطراف دولية أخرى .

ما تزال أثيوبيا ماضية في مخططها المائي وشروعها في الملء الرابع لسد " النهضة" بعيدا عن أي اعتبار لمصالح كلا من السودان ومصر في ضمان حقهما التاريخي في مياه النيل الموثقة في الاتفاقيات المبرمة بين الدول الثلاثة، لقد أصبحت القضية بسبب تعنت أثيوبيا قضية " وجود " لشعوب تواجه خطر الجفاف والموت عطشا، وكلما لاحت في الأفق بوادر من أجل توافق الرؤى والشروع مجددا في التفاوض من أجل تقارب المواقف، عادت الأمور سريعا إلى نقطة الصفر ومرحلة البداية .

التسابق الإيراني والتركي على أطراف بعض الدول العربية كشمال العراق وسوريا وجنوب لبنان ثم التمدد البحري التركي إلى سواحل ليبيا يأخذ شكل التكالب نحو التوسع في إقامة مناطق نفوذ أجنبي في الأراضي العربية، ثم تكمل الغارات الأمريكية المأساة بدعوى قصف مواقع وأهداف تعتبرها أمريكا خاصة بفصائل معادية موالية لإيران، حيث تنظر أمريكا بعين القلق إلى وجود ما تصفهم " بالأذرع " الإيرانية المسلحة في هذه الدول، وهو ما كان قد استدعى إبحار حاملات الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحسبا من احتمال تدخل إيراني لنصرة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزة، وبذلك صار الوطن العربي فضاء للتدخل الأجنبي العسكري المباشر تحت غطاء الصراعات السياسية الإقليمية والدولية.

تكشف تطورات الأحداث العالمية عن هشاشة كبيرة في تماسك كيان الوطن العربي، فالخلاف الجزائري ـ المغربي حول مصير الصحراء الغربية يثير مجددا المخاوف من عدم استبعاد اندلاع مواجهات عسكرية محدودة بين البلدين بعد حرب الرمال عام 1963 وأمغالا 1975 فالعلاقات الدبلوماسية المقطوعة والحدود البرية المشتركة المغلقة، والقطيعة بين الشعبين ثم منع عبور وتحليق الطائرات المدنية والعسكرية لأيّ من البلدين في أجواء الأخرى كلها أوضاع غير طبيعية بين بلدين عربيين وإسلاميين ينتميان للمغرب العربي الكبير ولا يمكن مع بقائها واستمرارها تصور فرصة للتقارب بينهما خاصة بعد سماح السلطات المغربية بوجود صهيوني على أراضيها قرب الحدود مع الجزائر، يرى فيه الجيش الجزائري وجودا مشكوكا في هدفه وينظر بعين الريبة إلى مقصده .

***

صبحة بغورة

إن المطالع لكتاب "الدولة اليهودية" للأب والمؤسس للحركة الصهيونية السياسية "ثيودور هيرتزل" سيجد من ضمن ما جاء فيه بهدف الحصول على الحماية القانونية للمشروع الصهيوني من دول أوروبا الاستعمارية " ستشكل بالنسبة لأوروبا جزءا من الجدار ضد آسيا وستعمل على أن تكون موقعا أماميا لخدمة الحضارة البربرية". إن مفاد هذه الجملة هو استخدام الأخلاق والحضارة الأوروبية لتشريع الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وقد اعتمد هرتزل الحضارة الأوروبية مقياسا لتقييم الحضارات الأخرى وهذا ما يسمى في لغة الاجتماع "بالعنصرية". كما أن المطلع على رواية لثيودور هيرتزل بعنوان"أرض قديمة جديدة " سيجد الكثير من المصطلحات التي تشير إلى تخلف المجتمع العربي مثل تخلف, إهمال, قذارة وغيرها وأن اليهود سيغيرون هذا المجتمع ويطورون البلاد بإقامة مجتمع يهودي متمايز عن القائم. عن طريق بناء المستشفيات بهدف أن يتعلم العربي على حد قوله أن اليهودي متقدم حضاريا ومنقذ من الأمراض والأوساخ ، وفي حال لم ينجح فالقوة العسكرية حاضرة.

ولأن الحركة الصهيونية كما نوهنا في مقالات سابقة انطلقت من المجتمع اليهودي الأوروبي، لذلك كانت اشكنازية، سعت إلى إقامة وطن يهودي ذي طابع حضاري غربي أوروبي. أي أنها أسقطت اليهود الشرقيين مسبقا من مفهوم هذا المجتمع كون هؤلاء من وجهة نظرهم جزءا من الحضارة الشرقية المتخلفة وهذا يعكس عنصرية هذه الحركة. إلا أن هذا الكيان احتاج هؤلاء لقلب الميزان الديمغرافي بهدف أكثرية يهودية.

ومن الدلائل الواضحة على عنصريتها ،دستورها الذي يتضمن عددا من القوانين من ضمنها قانون العودة والمواطنة والقانون الأساسي "الكنيست الفقرة ٧ أ" التي تعرف "إسرائيل" بأنها دولة الشعب اليهودي وتحصر حق الترشح للانتخابات النيابية في أولئك الذين يقبلون بكون "إسرائيل" دولة "الشعب اليهودي".

وبلغت العنصرية ذروتها مع وصول "مناحيم بيغن" اليميني المتطرف سدة الحكم ١٩٧٧ وعمليات الاستيلاء على الأرض من خلال الاستيطان الشامل في الضفة الغربية. وها هم بدو النقب التي تنظر لهم دولة الاحتلال باعتبارهم جماعة هامشية وأقل مرتبة من اليهود حيث أنها تستولي على ممتلكاتهم وتهدم بيوتهم.

كما أن هذه الدولة الظالمة أنشأت نظام أبارتايد يضطهد الشعب الفلسطيني. ويعتبر الأبارتايد جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي الذي لم يطبق يوما عليها.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ تطالعنا التصريحات العنصرية التي يبثها قادة اليهود ومنها التصريحات التحريضية التي تفوح منها رائحة العنصرية ويبثها الوزير الفاشي المتطرف "إيتمار بن غفير" لجنود الاحتلال حيث حرضهم وبدعم منه على اطلاق النار على أي فلسطيني حتى لو لم تتعرض حياة الجنود للخطر. كما أن بن غفير يحاول شيطنة جميع الفلسطينيين ويتعامل معهم كإرهابيين ويدعو لارتكاب المزيد من المجازر في قطاع غزة.

***

بديعة النعيمي

 

لقد تخطى الاجرام الذي يقوم به الصهاينة وداعميهم وعجزت الكلمات عن وصفه حيث الفظائع بلغت حدا لم يقو العقل البشري على تحمله او ايجاد مبرر له، هل من العدل والإنصاف ان نسوي بين من يقوم بارتكاب أبشع الجرائم والمجازر بحق اناس فرض عليهم المجتمع الدولي الوصاية ولم يقدم لهم اية ضمانات لأجل العيش الكريم والعمل على اعطائهم حقوقهم ومنها حقهم في تقرير مصيرهم وفق قرار التقسيم، وبين الضحية؟ .

ما يحدث من جرائم بحق الفلسطينيين العزّل الذين منعهم ما يسمى المجتمع الدولي من امتلاك وسائل الدفاع عن النفس والعيش بأمن وسلام في الاراضي المعترف بها لهم،جعلتنا نؤمن بنظرية التطور لداروين بشان الحيوانات المفترسة، لان ما يقوم به الصهاينة وداعميهم يثبت انهم اقرب الى الحيوانات منه الى الجنس البشري.

حرب غزة تؤكد لنا كل مطلع شمس ان المجتمع الغربي يعيش حالة من الافلاس الأخلاقي والإنساني العالم المتمدن يغيب عنه المنطق لصالح الوحشية والظلم، يتم مساءلة الأونروا حيث قامت كل من الولايات المتحدة و أستراليا وبريطانيا وكندا وإيطاليا وفنلندا بوقف دعمها للمنظمة بسبب تعبير 12 من موظفيها عن دعمهم للمقاومة واعتبر ذلك تورطا في هجوم 7 اكتوبر!،المجتمعات التي تدعي التحضر،  تشارك في حملات التجويع والإبادة والانصياع لرغبات بني صهيون. كما ان هذه الاجراءات تعتبر عقابا للأمم المتحدة على موقفها بقبول دعوى جنوب أفريقيا بمحكمة العدل.

انتاب الكثير شعور بالحيرة وبالأخص صاحبة الدعوى دولة جنوب افريقيا من صيغة الحكم الذي اصدرته محكمة العدل الدولية بعدم وقف إطلاق النار في غزة والاكتفاء بالإجراءات (الاحترازية) التي طلبتها، اعتبره الكيان الصهيوني نصرا له ما جعله يواصل وبقوة جرائمه في حربه على غزة دونما توقف أو انصياع، هذه المحكمة تابعة للأمم المتحدة، ويتم انتخاب قضاتها من الأمم المتحدة و"مجلس الأمن".، الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة نعتبرها الراعي الرسمي لاستعباد البشر وبالتالي فان التعويل على قراراتها يعتبر نوع من الجهل بالواقع المر، فالذي لم تعلمه كل هذه الأحداث لن يتعلم شيئا!. 

البعض يرى ان مجرد تقديم الدعوى لهذه المحكمة من قبيل إحراجها وإحراج النظام الدولي وإظهار بلطجته، يعتبر اجراءا غير مسبوق ضد الكيان الصهيوني. ولكن ترحيب الاطراف الثلاثة المدعي والمدعى عليه والضحية، بما صدر عن المحكمة يعتبر ذرا للرماد في العيون، ولا يعدو كونه جولة انتهت بالتعادل بالنقاط، لكنها كشفت الحقد الدفين من قبل الغرب لبقية الشعوب التي كانت تحت رعايتهم لعقود نهبوا خيراتها واستعبدوا سكانها ثم منحوهم الاستقلال المزور.

لئن كانت المحكمة في لاهاي... فان ما صدر عن صنعاء الابية هو الذي يعول عليه ويؤخذ به،فالحقوق يتم اخذها بقوة السلاح لا بالمفاوضات غير المجدية والتي استمرت لعقود، قضمت خلالها المزيد من الاراضي الفلسطينية فالغرب سيرضخون لصاحب القوة فقط لا غير.

شكرا لليمنيين على نصرتهم لغزة وامتلاكهم اسباب القوة، لفرض وقائع جديدة تعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، والمجد والخلود للشهداء ومن يقودون مسيرة التحرر. والخزي والعار لكل من يرتدي البزة العسكرية من العرب مطرزة بالرتب والنياشين ولم يخوضوا اية معركة في حياتهم، واخوانهم يقتّلون ويصلبون امامهم . انها حرب وجود لا حرب حدود.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لقد استجد في حياة العراقيين على نحو كبير بعد عام 2003 مصطلح ملفات الفساد، وقطعا هو سيف يبتر كل مايصادفه من نيات للنزاهة لاسيما إذا كانت النيات (غير صافية 100%)، كذلك أنه نار تحرق اليابس والندي من جهود الخيرين الذين يرومون دفع عجلة البلد الى الأمام، بعد أن أدركوا أن أعظم المساعي تنهار أمام قليل من الفساد، فهو غول لايبقي ولايذر ولايرحم، يقول الشاعر سامي طه:

ظهر الفسادُ ورفرفت راياتهُ

ولبئس ما رفـَّـتْ من الراياتِ

وتظاهرتْ وتناصرت أركانهُ

من كلِّ ذي سفـلٍ حقير الذاتِ

كأنه حبلى الزنا من فاحشٍ

جمع الخنا بتراكم الشهواتِ

والغريب في ساحتنا العراقية على الصعد كافة، أن مامن مسؤول او سياسي أو زعيم كتلة او حزب في العراق، إلا وأبدى شكواه أمام الملأ من الفساد الذي نخر جسد البلاد، بعد أن مخر في مفاصلها كما تمخر السفينة لج البحر، فهناك بين الفينة والأخرى من يصرح بعدد الملفات التي تحال الى هيئة النزاهة، وقطعا كلهم يذكرون أرقاما متدنية، ولا أظن أن قارئا او سامعا متبصرا، او أي مخلوق يتمتع بحاسة من الحواس الخمس، يستطيع ان يضع نسبة وتناسبا، بين العدد الذي يحال الى هيئة النزاهة، وبين ماموجود على أرض الواقع وتحت أرض الواقع، وفي دهاليز أرض الواقع من ملفات فساد. هذا إذا افترضنا ان الملفات القليلة ستأخذ دورها وفق القانون لمحاسبة المذنبين والمتورطين، وإعادة مانهبوه الى أصحابه، لاسيما أن عدد أصحابه يربو على الأربعين مليون شخص. ومن غير المعقول أن فسادا بالحجم الذي نسمع عنه ونقرأه ونلمسه، خلال العقدين الماضيين، يحصل في بلد الحضارات ومهبط الأنبياء، ومادام هذا حاصلا بالفعل، ما الاجراءات المتخذة إزاءه وكيف يجابَه أبطال هذه الملفات من المفسدين؟

يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم ولن يحدث، إذ الطريق أمام المفسدين معبّدة من دون موانع او معرقلات، بل هي سالكة وغاية في السلاسة، فالسارق والسارقة لهما مطلق الحريات، وطريق الفساد مفروش بالورود لمن يطأه بلا حساب ولا عقاب، بل قد يثاب على مايفسد وما يفعل بأموال البلاد وحقوق العباد، واللطيف أن ابرز ما أحيل الى هيئة النزاهة هي ملفات تعد (خردة) أمام سرقات وفسادات مهولة.

فأين باقي الملفات وهي ليست وليدة ليلة وضحاها، وجلها مضى عليها سنون نهشت مانهشت من المال العام؟ ولو سلمنا الى أن كل ملف من الملفات التي وصلت إلى هيئة النزاهة، قد أخذ طريقه في التحقيق والتعقيب، فهل يفضي هذا الى تحديد الشخوص المذنبين وعرضهم أمام الملأ، ووضعهم تحت طائلة القانون وتطبيق مواده وبنوده عليهم كل بجريرته؟ وهل شعار (القانون فوق الجميع) هو فعلا شعار مرفوع ومفعّل ومدعم ويخضع لسلطته الكبير قبل الصغير، والمسؤول قبل الموظف البسيط؟

وهنا يكمن دور رؤوس الحكم في البلد، وعليهم وضع حد صارم للفاسدين فيه، من دون هوادة او تهاون معهم جميعا، إذ من المؤكد ان الفسادات تبدأ صغيرة ثم تكبر حين تجد الأرض الخصبة، والحضن الدافئ الذي يرعاها ويغذيها لتترعرع وتطول يدها، وتطال من السرقات مازاد ثمنه غير آبهة بوزنه، ذلك أن لها (ظهر) يحمل من الأثقال أكبرها، ولها (ظهير) يهادن الرقيب وينجيها من العقاب.

***

علي علي 

عادة ما يقترن تنظيم عرض عسكري كبير للقوات المسلحة في إي دولة مع مناسبة احتفال الدولة بيومها الوطني أو إحياء ذكرى تأسيسها في إطار محفل لمسيرة التأسيس أو تخليدا ليوم استقلالها أو انتصارها على أعدائها في حرب مصيرية، أواحتفاء بالتضحيات المبذولة في حرب إقليمية ويهدف العرض إلى بعث روح الفخر والاعتزاز لدي أفراد الشعب بجيش بلادهم الباعث في النفوس نعمة الأمن والأمان.

كثير ما تعد العروض العسكرية مناسبة لتوجيه رسائل سياسية صريحة أو ضمنية، وهي قد تتحول إلى استعراض للقوة مثلها مثل المناورات التي تعد فرصة مناسبة لتصدير صورة عن مدى حجم القوة الصلبة وقوة الدولة، ومثل هذه النشاطات هي في حقيقتها جزء من الاستراتيجية العسكرية للدولة الدفاعية والهجومية والردعية، أن الاستراتيجية الدفاعية هي إظهار قوة الجيش وإظهار أن الجيش قوى ومستعد ولديه إمكانيات عالية، أما استراتيجية الردع فهي إظهار قوة الجيش وقدرته على حماية البلد دون الدخول في حرب بانتهاك استراتيجية الردع أي بمنع العدو من الاعتداء وهذا من خلال امتلاكها قدرات عسكرية على أعلى مستوى مع قدرات الدولة الشاملة.

تعكس العروض صورة رمزية وطنية بليغة المعاني لأنه يحمل دلالة على أن البلاد وهي تعيش عهدا جديدا في ظل تحولات عالمية كبرى تحمل في طياتها ملامح مؤامرات أو مؤشرات الخطر وعدم الأمن والاستقرار أن استقلالها الوطني في الوقت نفسه خط أحمر، وعليه ففي الغالب تترجم الرسائل السياسية للعروض العسكرية ملامح الاستراتيجية الردعية من خلال إبراز مظاهر الجاهزية العسكرية القتالية للرد على أي مساس بأمن الدولة القومي، فهوقد يعكس في حقيقته نوعا من التحدي في ظروف معينة يسودها الاضطراب سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، والعرض العسكري هو العنوان العملي لمدى توفر الإمكانيات وللمستوى التسليحي والتنظيمي للقوات، وهو استظهار للقدرات العسكرية للبلاد بالإضافة إلى أنه يؤكد مظاهر اللحمة الشعبية ويكرس مبدأ الوحدة الوطنية .

العروض العسكرية تكون على عدة أشكال في الظهور بحسب الهدف المراد من وراء تنظيمها ومنها:

* الاستعراض العسكري الاحتفالي في إطار إحياء مناسبة وطنية، و يضم وحدات رمزية لمختلف القوات المسلحة والكليات العسكرية من أفراد وأسلحة وعتاد لقوات الجيش البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، ويبرز من خلاله للخبراء والمختصين مستوى الضبط والربط ومدى ما بلغه الجانب التنظيمي من مهارات دقة العمل والتنسيق في التحكم بمرور قوافل الاستعراض أمام الحاضرين.

* اصطفاف القوات المسلحة وهو من العروض التي تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى مايحمل دلالات كثيرة منها تأكيد جاهزية لأداء مهام واجباته الوطنية في الحفاظ على الأمن القومي وفي قدرته على تجسيد سياسة البلاد العسكرية من استراتيجية دفاعية أو ردعية أو هجومية، والاصطفاف بهذا المعنى يعد ردا على أحداث من قوى معادية معينة تجمل رسالة هامة وهي القدرة على تنفيذ الرد المناسب في الوقت المناسب، والظهور العسكري في الاصطفاف هو تدريب على الظهور في حدود مجالات المشاركة على مستوى القوات المسلحة.

* " تفتيش الحرب" مصطلح العسكري يتعلق بإرادة الاطمئنان على بلوغ القوات المسلحة مستوى الجاهزية التامة والاستعداد الكامل لتنفيذ المهام التي تكلف بها من خلال تفقد الاصطفاف الكامل للقوات ولوسائل الدعم اللوجيستي، ويعتبر تفتيش الحرب أعلى الآليات التي تتبعها القوات المسلحة للتأكيد أمام القيادة السياسية العليا الاستعداد القتالي لتنفيذ الخطط وأداء المهام التي تمكن أن تكلف بها، وبعد الانتهاء من تفتيش الحرب تكون القوات المشاركة به على أتم الاستعداد للدخول في أي معركة، ويحمل تفتيش الحرب في ظروف اشتداد الصراع العسكري في المناطق المحيطة بالدولة معنى التحذير من عواقب اتساع دائرة الصراع وذلك من خلال إظهار هيبة الدولة وقدراتهاالعسكرية الكافية للدفاع عن النفس في حدود نطاق مسؤوليات الجيش، وبذلك يعد تفتيش الحرب طمأنة للشعب على قدرة جيشها على حماية الأمن القومي للبلاد لأنه إجراء عملي يظهر نموذج على جاهزية الجيش طوال الوقت للحرب واستعداده لأعمال القتال للرد على أي مخاطر أو تهديدات خارجية .

* المناورات العسكرية، قد تكون بأحد الأسلحة البرية أو الجوية أو البحرية أو بأكثر من ذلك لتحقيق هدف أو جملة أهداف محددة سلفا، وتختلف المناورة عن التدريب العسكري، حيث تعد المناورة امتحان لما تم التدريب عليه من مهام قتالية، ويمكن أن تكون المناورات بالذخيرة الحية لزيادة صعوبتها وتحقيق هدف معايشة الجندي البسيط لأجواء الحرب، ويسبق إجراء المناورة طابور عرض القوات المشاركة فيها، وقد أصبح شائعا إجراء المناورات أو التدريبات العسكرية بشكل مشترك مع قوات دولة أو دول صديقة لتبادل الخبرات في إطارالتعاون العسكري.

القوات المسلحة في أي دولة هي صمام أمنها والضامن لسلامتها وللزود عن ترابها وحرمة شعبها، وتحرص الدول على امتلاك كل مقومات القوة الشاملة التي تتألف من جيش متطور عصري وحديث ومن عناصر أخرى غير قتالية لأنها غيرعسكرية في طبيعتهاولكنها تدعم العمل العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر كتهيئة الطرق، ورفع كفاءة المواصلات وقطاع النقل والاتصالات، وتجهيز قطاعي الطاقة والتجارة لمواجهة متطلبات الظروف الطارئة، وترقية المنظومة التعليمية والتكوينية والصحية وغيرها من المجالات الحيوية في البلاد.

***

صبحة بغورة

 

لقد أكد الله سبحانه وتعالى خالق البشرية على مفهوم الأخلاق ومكارمها والحث على التعامل بها بين البشر وعلى قيم ومبادئ أخلاقية لبناء مجتمع واحد متماسك متكامل مختلف الأعراق واللغات بقيم موحدة تسود الكرة الأرضية فأن الذي خلق البشرية وضع لها الأساس والنهج العملي والفكري للارتقاء بهذا الكائن البشري من الحياة البهيمية إلى الحياة الأخلاقية المشتركة مع بني جنسه للتعايش السلمي والتفكير الراقي الذي يوازي سبب خلقهم ليرسم معالم الحياة على الكرة الأرضية وفق سبل هداية أنزلها الله تعالى على الإنسان بلسان الخلق وتدرج لغاتهم ومستوى فهمهم وتفكيرهم ونمط حياتهم بواسطة رسل وأنبياء أعدت لهذا الغرض السامي وبتعاليم واضحة الإدراك التي شارك فيها الكائنات الحية الأخرى المتعايشة معه . أن نزول الرسالة المحمدية على نبي مختار من وسط عربي خالص كان له دلالة واضحة على أن الله تعالى أختار لهذه النظرية بيئة ووسط ملائم لاستقبالها واستيعاب مفهومها للعمل بها لتحقيق ما أراده الخالق عز وجل لهذه البشرية وإلا كانت عبثا وصعبة في تطبيقها بهذا الوقت القصير من حياة النبي الكريم محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه السلام فالمتمعن الذي يملك دراسة مستفيضة حقيقية بالمجتمع العربي قبل البعثة النبوية الشريفة يعرف مدى تقدم وحضارة هذا المجتمع وما يملكه من تراث أخلاقي وقيم ومبادئ وفكر وسلوكيات مجتمعية على عكس ما أشيع في تأريخنا الماضي إلا أن الزمن حرف هذه القيم لكن الإسلام أستطاع أن يعيد للأمة العربية قيمها وأخلاقياتها بالإقرار بها في القرآن الكريم أو تصحيحها أو أكمالها بآيات قرآنية واضحة بلسان مبين فقد كان اختيار الله سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله من أفضل الناس وأكملهم عقلا وخُلقا وأفضل الأسر وأعرقها وكان خاتمهم النبي المصطفى محمدا صلوات الله عليه كان أشرف القوم وأفضل الأسر في قريش يجمع جميع الصفات والخصال الحميدة لذا سمي محمدا وهو امتداد لأجداده ووريثهم قوما شهد لهم الناس جميعا بالأخلاق والقيم والرفعة والشجاعة والمروءة والشرف والفضائل الحميدة والعقيدة الخالصة لله الواحد الأحد وهي الحنفية توارثوها جيلا بعد جيل وبعدما بشر النبي محمد بالدين الجديد القديم كان قومه على أتم الاستعداد والانتظار عقلا وعملا إلا نفرا قليلا ضالا تصدوا له خوفا على مصالحهم الدنيوية ومكانتهم الاجتماعية أو عنادا ومكابرة لأن الكثير منهم يعرفون أن هذا الدين سوف يقوض مكانهم على عكس الكثير منهم يعرفون أن هذا الدين الجديد ومبادئه وأخلاقياته وقيمه التي جعلها في منهاج موحد جاء لبناء مجتمع متكامل مزدهر استكمالا لما حملوه من أرثا أخلاقيا لأجدادهم وبه عملوا من قيم متعددة جاءت به النصوص القرآنية حث من خلالها على العمل والتعامل به بين الناس منها على سبيل المثال (ولا تصعر خدك للناس ولا تمشي في الأرض مرحا) وعلى التعامل بالصدق والمصداقية في الحديث والفعل (يا أيها الذين آمنوا كونوا مع الصادقين) ونهى عن التكبر والاستكبار حين قال (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) والعفو والصفح عند المقدرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ومن الآيات التي تدعوا إلى البر والإحسان (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان....) و(والذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد) ومنع الجدال والنقاش المتشدد والمتعصب بدون فائدة بل أكد سبحانه وتعالى على المحاورة الهادئة البناءة (وجادلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) و والحث على الوفاء بالعهود والعقود (وأوفوا بالعهد أن العهد كان مسؤلا) و(وأوفوا بالكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم خير وأحسن تأويلا) وغيرها من عشرات الآيات التي تحدد أخلاق المؤمن وتشذب شخصيته ليرتقي بها نحو الأفضل ليقيم مجتمع يُبنى على السعادة والمحبة كما عرفها الحق في كتابه المقدس وهداهم إلى سبيل الهداية والرفعة (ونفس وما سواها . ألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) وكذلك (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) لبناء شخصية ناضجة متعلمة وفق اختيار العقل لها بدون تدخلات خارجية ومؤثرات حتى يكون الإنسان محاسبا عليها وفق جدول زمني في الدنيا وجزاء في الآخرة التي يعاقب الإنسان على أفعاله وخصاله الصالحة والطالحة وأن النظرية الأخلاقية التي يتعامل بها في أوى مراحل التطور له قد رسمها الله تعالى له بمنهج واضح الهداية منذ خلق الإنسان على الكرة الأرضية وأكد عليها وبغلها رسله وأنبيائه الكرام بكل أمانة.

***

ضياء محسن الاسدي

هناك مقال كتبته، ونشرته في موقع اخباري سوداني واسع الانتشار، هذا الموقع يحقق آمال "الكتاب" الواسعة، وأمانيهم البعيدة، من أن تلامس كلماتهم شغاف الأفئدة، فتتجاوب معها الأصداء، ويتغير واقعنا المكفهر، هو مقال اقتبسته من بعض الموضوعات التي حوتها رسالة الماجستير، تلك الرسالة التي أنجزتها و أجيزت عام 2009م في أرخبيل الملايو، وكنت أتصور أن هذا المقال سيأخذ حظه من الرضي والسخط، كسائر ما يكتبه الناس، فلا غرابة أن يهتف الناس لمقال، ويحتفوا به، ويصفقوا له، بينما تمجه أذواق آخرين، ويستخفون به، ويعرضوا عنه أشد الإعراض، ومقالي ذاك، أيسر ما يمكن أن يقال عنه، أنه لا يستحق هذه الحرب العنيفة، التي تسعى لأن تغض من مثله العليا، ولعل آخر ما كنت أرجوه، أن يظفر بكل هذا العنت، كلا لم أكن انتظر -لعصفي الذهني- محصلة كهذه، كانت غايتي أن أحصد نتيجة كلها سلما، وأمنا، ونعيما،  لا أن يتهمني قارئا ظالما، مسرفا في الظلم، بالسرقة العلمية، فما يجهله هذا القارئ، هو أني والسرقة، بعيدين أشد التباعد، كما أن هذا المقال الذي أثار كل هذه الزوابع والعواصف، قد احتوى على الأصول التقليدية، في كيفية الاقتباس، تماما كسائر موضوعات الأطروحة التي تغط الآن في نوم عميق في رف قصي من رفوف الجامعة الإسلامية العالمية، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هذه الرسالة خضعت كرصيفاتها إلى تدقيق جم، واسراف عريض، في الدقة والاحتياط، والغاية من وراء كل هذا التدقيق، خلاف المحافظة على الحقوق، ألا تنتهي مثل هذه الأطروحات العلمية بأصحابها لمثل هذا السخف والازدراء.

 لقد صبرنا نحن معشر "الكُتاب" في  ذاك الموقع، وغيرها من المواقع السودانية، التي تتيح خاصية الردود على مقالات "الكُتاب" على شر مقيم، وأذى جسيم، وخاصية الردود هذه  في السودان لمن لا يعلم، لا يمكن أن تبقيك آمنا وادعا،  فهي تنحرف بالغرض الذي أنشئت من أجله أشد الإنحراف، فالهدف من هذه الخاصية هو الثراء والمناقشة، وتلاقح الأفكار،  ولكن بعض القراء، يتخذونها سهاما تنتاش مهجة الكاتب، فهي تتواءم مع  ألسنتهم التي تنبري خفيفة رشيقة، لتخوض في مهاترات جزاف، ومعارك ضارية، لا ضرب فيها ولا قتال، مع كاتب المقال، لقد صبرنا حقا على سيل من السباب والشتم،  وتجريح كفيل بأن يجعلنا ننفر من الكتابة، ونزور عنها ازورارا عظيما، ولكننا قبل كل شيء، وبعد كل شيء، نرضى بحظنا من الحياة، ونستأنف نشاطنا الفاتر من جديد، ونغض الطرف عن هذه التعليقات المضطربة المعوجة، الحافلة بالشطط والجموح، لأن يقيننا الراسخ أن هدفنا النبيل، يجعلنا نذود امتهان أصحاب الطباع الملتوية، والفهم السقيم، لنا بالفتور والاهمال، وسيأتي اليوم الذي نستوفي فيه حقوقنا منهم كاملة غير منقوصة، فيوم العرض على الخالق الديان، سنتحدث في اقتضاب ودون إطالة عن الجرم الذي نالنا من بعض القراء في مواقعنا الأسفيرية، ولا أدري حينها هل تجد- هذه الناجمة من قبيلة القراء- طبيعة فاترة لينة تتجاوز وتسامح، كما كانت في الدنيا، أم طبيعة غليظة جافية، هاجسها التشفي والانتقام، من كل من أمضى لحظات طويلة أو قصيرة، في ذمها وتحقيرها.

وحتى أقطع الصلة بيني وبين هذا الاستطراد، أقول لمن رمانا بالسرقة العلمية، قل ما شئت -سيدي- مما يسوء ويرضى، وأمضي في عبث عنيف كان أو رقيق، فلن تجد شيئا يمضنا أو يثقل علينا، ولكن في الحق أن زعمك هذا الذي يحتاج لتحرير الحجة، وإقامة الدليل، جعلني أغرق في الضحك، و أصدقك القول أنه ضحك يشوبه البكاء، فأنا رغم كل هذه المرائر اكتشفت بسببك، أن هناك عللا وأمراضا لا تحتاج إلى تقويم، فقد لاح لي بما لا يدع مجالا للشك، من تلك الأدلة التي سقتها- سيدي- لتأكيد تورطي في هذا الجرم الشنيع، جرم السرقة العلمية، أنك تخضع خضوعا رائعا للسذاجة، والسذاجة كما نعلم، تشغل صاحبها عن التفكير، لأن عقله الناضب، لا يحمل خصائص ومقومات تعينه على التحليل، والتعليل، والتأويل، السذاجة حقا داء لا يمكن مقاومته، أو معارضته، أو الحد منه، أنا الآن بعد أن عرفت الداء الذي تعاني منه، لا أستطيع أن أنكر عليك شيئا مما قلته، فالشحوب الذي يعاني منه عقلك، يضطرني أن أتحدث إليك حديثا عذبا، ماتعا، بعيدا عن الصرامة والحزم، حديثا لينا غضا، يماثل حديثنا مع الأطفال وأصحاب "اللطف"،حديثا لا يعنيني أن يثمر أو يفيد،  أو التمس فيه نفعا يعود لمن يستمع له، لأن من يستمع له، لا قدرة له على التفكير والتصوير.

أما بعد، كنت أود أن أمضي في هذا الحديث حتى أبلغ به أقصاه، رغم أني أعلم أنه لن يفضي إلى شيء، ولكن فضل من عقل يمنعني من تكملته، أود أن أشكر هذا القارئ الساذج في خاتمة هذا المقال، هذا القارئ الذي أساء بنا الظن، ودمغنا بهذا الاتهام الرائع الجميل، أشكره على هذه اللحظات الندية التي أنفقتها معه، والتي جعلتني أظهر على عوالمه، وأقف عليها، وأنا حقا متعاطف معه، كما يتعاطف غيري مع طائفة السذج، فهم كما نعلم مقيدين بأغلال "الفدامة" والخبل، فالساذج لا يمكن أن نلومه، أو نعتب عليه، بل يجب إذا قادنا حظنا العاثر، ووجدناه جاثما أمامنا في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل،  أن نمعن معه في أحاديث جوفاء، وأن نبتدره نحن بحديث شائك طويل، طالما أن عقولنا تشكك كثيرا في الأحكام التي يرسلها لسانه.

***

د. الطيب النقر

 

المواطن السوداني الذي خلت حياته من حكومة تحنو عليه، اعتاد على رهق الحياة، وعنت البؤس، وظلّ يكابد غصص الحرمان، وفداحة التكاليف، برحابة صدر وثبات جنان، نعم لقد اعتصم من يكدح سائر يومه، لا يعرف للدعة طعماً، أو للراحة سبيلا، بالصمت البليغ، فلم يعد مجلسه يضج بالشكوى والتذمر، أو يشيم مخايل الرجاء، في أنظمة سقته الصاب والعلقم.

إنّ من يسعى على عياله، واصلاً نهاره بليله، وصباحه بمسائه، نظير قراريط تملأ حواصل زغابه بالحصى والتراب، لم أجد أصبر منه على خطب، ولا أقوى جلداً منه على نازلة، فرغم أنه قد لصق بالدّقعاء، ويعاني من فداحة الظلم، ومرارة الإهمال، مازال يتهاون بضروب الآلام، ويصم أذنيه عن ضلال الأقلام، التي تصور أنه قد أضحى في ظل هذا العهود المكفهرة من أهل المخمل والديباج.

إن الأمر الذي لا يعتريني فيه شك، أو تتنازعني فيه ريبة، أنّ مثل هذه الأقلام السقيمة، التي تُطمِس الشاهد، وتُبهِم الأثر، لا تنطوي في عُرف الحقيقة على شيء، بل هي أس البلاء، ومبركُ الفتنة، فهي من تأكل أكل السرف، وتلبس لباس الترف، وتدع الغير صرعى للفاقة، وأسرى للمرض، هذه الأقلام لن يرسخ لها أصل، أو يسمق لها فرع، رغم لفظها المختار، ومعانيها المصقولة، لأنها تسعى أن تعطيك صوراً للدنيا غير مملؤة بالقتام والضنك، ولا أحسب أنّ يراعي قد حاد عن جادة الحق والصواب، إذا زعم أنّ صرير هذه الأفلام، سوف يطمر ذكرها التاريخ، ويدفعها إلي زاوية النسيان، لأنها جاهدت أن تجعل من الإنقاذ، وغيرها من الأنظمة التي تلتها، لوحة مبرأة من كل عيب، وتحفة خالية من كل كدر، ونسيت أو تناست، أن للحقيقة نور ساطع، وبرق لامع، لا تخفيه الغيوم، أو تحجبه القرون. ليت هذه العصبة التي تتصدر كل مجلس، وتتصدى لكل حديث، تجعل من المواطن مجتلى يراعها، وساحة تفكيرها، ليتها تكف عن مداعبة الأغصان الملد، والأوراق الغضة، وتهتم بمن تخالجته الهموم، وتعاورته الغموم، ليتها تنافح عن المسكين المُعدم، الذي تخونت جسمه الأسقام، حتى ذوى محياه النضر، وتهدم جسده الوثيق، وتلاشى عضله المكتنز، في ظل هذه الحروب التي لا تأصرها آصرة، ليت هذه الأقلام توفي الحديث عن تبلد الحس، وطغيان الشهوات، وموت الضمائر، كما تفعل الأقلام المُلهمة في دياجير الأخطاء، أقلام الشرفاء التي تستند إلي عقيدة راسخة تطاولت على الهدم، وتعمقت على الإجتثاث، وترتكز على فكرة قوامها رفع الظلم عن كاهل الجماهير، مقالات النبلاء التي تشرق بنور العقل، وتنبض بروح العاطفة، تزود عن قدسية الحق، وتنشد رفاهية هذا الشعب، الذي ما زال صامداً على عرك الشدائد، مدونات العظماء التي تسري هموم النفس، وتهون متاعب الحياة، فيزدهر الوجه الشاحب، وينبسط المحيا الكئيب، ويبتسم الثغر الحزين.

ترى متى تدرك حكومتنا “الشاحبة” الحانية، شفقة بهذا الشعب الذي قرعت ساحته الأحزان، وصارت حياته مرتعاً تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، متى تُبقي حكومتنا الرشيدة، على من نابته خطوب الزمن، وتخرمته بوائق الدهر، وطحنته الهيجاء طحن الرحى، ووطئه التاجر الجشع بكلكله، متى يلبي المجلس السيادي كل نداء، ويؤدي كل واجب، تجاه هذا المجتمع، الذي مناط أماله، وحديث أمانيه العجاف، نظام سياسي يقيم أوده، ويسد عوزه، ويأمن سلامته، ويوقف هذا البوار.

***

د. الطيب النقر

 

كان العنصر البشري من تلك النوعية المستعدة لفعل أي شيء مقابل الحصول على الأرض من العناصر المهمة لنجاح المشروع الصهيوني وذلك عن طريق إقامة الكيبوتسات كوسيلة استيطانية وصنع علاقة عضوية بين اليهودي والأرض.

واليوم برزت حركة تعمل في مجال استيطان الضفة الغربية تسمي نفسها "فتيان التلال" ويعرفون عن أنفسهم بأنهم طلائعيون يكملون المهمة الاستيطانية التي بدأها أجدادهم. غير أن هؤلاء ينطلقون من أيديولوجيات دينية تتمحور على حد قولهم حول الوعد الإلهي المسمى "أرض إسرائيل". بينما أولئك الأوائل كانوا ذوي توجهات يسارية عمالية.

ويرتدي هؤلاء الفتيان قمصانا مكتوب عليها بالعبرية" حيثما يمر المحراث هناك تمر حدودنا" وهذه المقولة مستمدة من مقولة لأحد طلائعيي الهجرة الصهيونية الثانية "يوسف ترومبلدور" الذي هاجر إلى فلسطين عام ١٩١٢ حيث أصبحت مقولته إحدى شعارات الحركة الكيبوسية التي تولت مهمة الاستيطان وقتها.

ويعمل " فتيات التلال" في رعي الغنم والبقر وفي الزراعة وحراسة المستوطنات. كما يؤدون وظيفة مهمة ألا وهي تهجير الفلسطينيين عن طريق مهاجمة القرى الفلسطينية حيث يقتلون ويسرقون وبذلك يكملون بالفعل ما بدأه إسحاق بن تسفي حينما أنشأ هشومير في بدايات القرن العشرين والتي تولت وقتها مسؤولية حراسة المستوطنات اليهودية ومهاجمة القرى الفلسطينية وقتل اهلها.

فدور هؤلاء الفتيان يكمل المشروع الاستيطاني.فالسيطرة العسكرية والسياسية وحدها لا تكفي لاستكمال هذا المشروع، وهو لا يتأتى إلا عبر المستوطنين ومواشيهم ومزارعهم التي تزاحم الفلسطينيين على أراضيهم وممتلكاتهم وحرمانهم منها تدريجيا.

فعن أي معاهدات ومفاوضات نتحدث أمام ما يحصل ،ومثل هؤلاء يساهمون بمنع قيام دولة فلسطينية عن طريق منع صنع تواصل جغرافي بين أجزاء القرى والمدن الفلسطينية عن طريق عمل بؤر استيطانية تقطع أوصال الأرض بالتالي تقضي على هذا التواصل؟؟

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ وفي جريدة هآرتس العبرية بتاريخ ٢٤/ يناير، يطالعنا خبر بعنوان : "جيش الاحتلال يدرس تسليح فتيان التلال بصواريخ مضادة للدروع".

متذرعة بخوفها من تكرار سيناريو ٧/ أكتوبر في غلاف غزة، وأن هذه الخطوة تأتي في ظل تزايد حدة المواجهات والاشتباكات بين المقاومة وجيش الاحتلال في الضفة الغربية والتي تنذر باندلاع انتفاضة جديدة.

***

بديعة النعيمي

هو أكثر المفاهيم غموضا، حيث تدور حوله نقاشات وجدليات قد لا تنتهي باتفاق على تحديد المراد من المفهوم فما هو العدم!؟.

الحقيقة أن العدم هو تعبير عن تعطل أدوات إدراك الواقع ولايعني عدم الوجود، لأن اعدام الشيء يعني إلغاء أبعاده الواقعية الرياضية مما يجعل إدراكه بالمدركات الحسية الواقعية متعذرا موضوعيا لأن الأمر كله مرتكز.

على التناسب بين أدوات إدراك الشيء وبين شيئيته والشيئية تعني الشكل الظاهري المؤثر في استجابات المدركات الحسية التي تناسب تلك التأثيرات؛ فلو أنك افترضت وجود جسم معتم ولكنه يصدر صوتا فأن الاذن ستكون الدليل على وجوده رغم أن العين لاتدركه وهكذا مع باقي الحواس وبذلك فإن وجود شيء لايتسبب باستجابات حسية لمجموعة الحواس التي يمتلكها الإنسان سيكون بمرتبة العدم الافتراضي رغم أن له وجود اخر ولكنه غير مدرك .. لاحظ قول الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾

مما لاشك فيه أن قول الله تعالى «ولم تكُ شيئا » لاتعني العدم وانما تعني أنك لم تكن على شاكلتك هذه حيث أن الله تعالى لم يقل بانك كنت عدما أو أننا خلقناك من عدم وانما أشار إلى الشيءية وهي تعبير عن الهيأة على أن هذا المعنى يؤكده قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب [الصافات 11].

﴿ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ .. 20  الروم

لاحظ كيف أن الله تعالى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن فكرة العدم ليست واردة ابدا وانما كل ماخلقه الله هو تعبير عن إيجاد حالة من التناسب بين المدركات الحسية ومايناسبها من الابعاد.

الرياضية الهندسية، وهذا ينطبق على مختلف التشكُلات المُعَرفة هندسيا، لذلك فأن من غير الممكن موضوعيا وواقعيا أن يدرك الإنسان الفراغ رغم عقلانية وجوده ورغم أنه يحمل مسمى الفراغ لكنه غير مُعَرف على قاعدة بيانات الإدراك الحسي، فهو فراغ غير متصور وانما هو فقط مستوى مفهومي.

لايمكن تحديد ملامحه لذلك لايمكن وصفه بالعدم. لذلك بحسب فهمي أن فكرة أن الكون ناشئ من العدم انما هي فكرة ساذجة لايمكن قبولها من عاقل.

***

فاضل الجاروش

يُعرف عن كرة القدم أنها لعبة تُقسم الناس، وتجعل منهم فرقاً وأحزاباً كل منها يتمنى الفوز، لكنها في العراق تفعل العكس حيث توحد الجميع، وتتحول المدن إلى كرنفال رياضي، يتابع الناس فيها سحرة الكرة الذين طغت أخبارهم على أخبار السياسيين وبيع المناصب ةتخوين المواطن المغلوب على أمره، ووجدنا من يهتم بالكرة أكثر مما يهتم بتغريدات "البروفيسورة" عالية نصيف عن النزاهة والإصلاح وتقلبات محمود المشهداني من الكوميديا الى التراجيديا .

يحسب لمنتحب العراق الوطني، أنه كشف لنا حجم المحبة التي يحملها العرب لأشقائهم العراقيين، وكيف تحولت القنوات الرياضية الخليجية إلى كرنفال يتغنى بحب العراق، فلم تعد تعني هذا الشعب خطابات التحريض وتغريدات الانتهازيين وتخويفهم من كل ما هو عربي . في واحدة من المشاهد المثيرة التي تعرضها الفضائيات شاهدنا مشجعاً اسمه " رسول" الدموع تنهمر من عينيه وهو يتحدث عن العراق الحلو، القوي، الذي كما وصفه " لن يصبح حايط نصيص أبداً "، وربما فات الشاب رسول أن بعض اعضاء برلماننا الموقر يتمنون أن يبقى العراق "حايط نصيص" مرة لصواريخ طهران ومرات طائرات أنقرة . على الشاشة تظهر سيدة عراقية لم تتمالك دموعهاعندما ذكر أمامها اسم العراق، وهي تردد: " أفتخر لأنني عراقية " .

إن أحد أهم ثروات الشعوب الحية هي ثروة الثقافة والفنون والرياضة، إلا أن البعض لا يريد أن يتذكر مؤيد البدري وثقافته وابتسامته، ويصر على أن يجعل من حكيم شاكر نموذجاً يسيء من خلاله إلى روح الرياضة المتسامحة والمتسامية .

ما تحقق في قطر ليس مجرّد فوز بمباريات رياضية، كما أنه ليس فقط احتفال بفريق لكرة القدم، وإنما نحن أمام إنجاز وطني للذات العراقية التي قرّرت أولاً أن تؤمن بقدراتها، وثانياً أن تستخرج هذه القدرات التي أريد لها أن تختبئ تحت ركام الطائفية والخراب .

وأنا أنظر إلى الوجوه التي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب.. وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون أن ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في هذه الوجوه أنها أثبتت أننا شعب لم لم يفسد رغم محاولات البعض إفساد مناخ الألفة فيه .

في كل بطولة يجعلنا المنتخب العراقي نعشق كرة القدم على طريقته الخاصة، نعشقها لأنها رياضة المحبة، لا صناعة السياسيين.. نحبها لكونها وفرت مساحة من الطمأنينة والصدق مارس من خلالها الناس حق الفرح والأمل، وسط بيئة عربية محبة للعراق، تؤمن أن هذه البلاد تستحق كل ما هو جميل ومميز.. ألم يصرخ المشجع رسول بأعلى صوته: "العراق حلو ياجماعة"؟.

***

علي حسين

 

كثيرا "ما يطرق أسماعنا هذا المثل الدارج ولو تأملنا في كلمة زوبعة لهاجت النفس وماجت خوفا" من تأثير وإشتداد الرياح وهيجانها وما تخلفه وراءها من دمار في الأموال والارواح وهي عبارة عن دوران الرياح حول نفسها وقد ترفع الأشياء عدة أمتار وتهوي بها وقد تقتلع الأشجار من جذورها وتدمر كل ما تمر عليه في طريقها لكن عندما تقترن مع كلمة فنجان يكون وقعها أهون مما نتصور لان مساحة الفنجان صغيرة لا تسمح بذلك، لكن في الحقيقة هو مثل يضرب ولا يقاس كباقي الأمثال العربية وتطلق لحالة الثوران والهيجان المحدود والذي لايدوم طويلا " .

وهكذا ينطبق لكل فعل وعلى جميع الأصعدة عندما يتم تضخيم موضوع معين ويعطى حجما" أكبر من حجمه الحقيقي لا سيما في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ومواقع التواصل الإجتماعي والتي وجدت من أجل أهداف أسمى وغايات أرفع دون إعتبار لما ينجم عنه من توترات وإحتقان وضغينة بين مكونات المجتمع الواحد والذي تربطه قواسم مشتركة منذ آلاف السنين من الأرض واللغة والثقافة والعادات والتقاليد الإجتماعية السائدة بينهم وقد تكون لغاية في نفس يعقوب قضاها وماتؤول اليه من نتائج لا تحمد عقباها، وعليه ينبغي التعامل مع كل المشاكل صغيرها وكبيرها بعقلانية وضمائر حية بعيدا"عن العواطف الجياشة التي تثور في ساعتها وسرعان ما تخمد ونتيجتها الندم المحتوم وحينها لاينفع الندم عندما تظهر الحقائق كما هي دون تزييف أو تحريف ليقي الناس شرها من خلال تعميق الثقة المتبادلة بين الأطراف المتنازعة وصولا"الى الهدف المنشود والذي يبحث عنه طرفي النزاع .

***

حسن شنكالي

كانتا اقوى دولتين في العالم القديم، اما امة العرب فقد كانت بينهما، مشتتة مترهلة، بعضها ولاؤه للفرس والاخر للروم والقلة الذين لا ولاء لهم للغير يتناحرون فيما بينهم، لأجل الاستحواذ على مقدرات العيش، ربما كانت البيئة ليست صالحة للزراعة المستدامة باستثناء بعض المناطق النهرية، في العموم كانوا رعاة غلاظ، لم يسعوا الى بناء كيان متحد كـ(جيرانهم)، ظلوا مشتتين الى ان اتى الإسلام فوحّد بينهم، وخضعت لهما الفرس والروم بفعل الرسالة السماوية وتعاليمها السمحاء، والقوة التي تم بناؤها، فاستطاعت الامة نشر الدين الاسلامي في وقت وجيز وثبتت اركانها المترامية الاطراف لمئات السنين.

اليوم (24 يناير 2024 )هناك اجتماع في انقرة مع رجال الاعمال في دولتي ايران وتركيا الوريثان الشرعيان للقوتين العظميين قديما، حضرة رئيسا الدولتين تكلل بتوقيع اتفاقيات للتعاون المشترك بينهما، تحدث الزعيمان عن انهما يمثلان قوة اقليمية ويؤثران في مجريات الاحداث بالمنطقة، تحدثا عن غزة والجرائم التي ترتكب بحق سكانها وعن الارهاب ومن صنعه ومقاومتهما له وعن املهما في تغيير الواقع واندحار القطبية الواحدة الى عالم متعدد الاقطاب، ينعم بالأمن والاستقرار.

استمعت الى كلمتي الرئيسين متمعنا المحتوى، مثمنا ما توصلا اليه على كافة الاصعدة، الاقتصادية والصناعية واستفادتهما من العلوم التطبيقية في مجال التصنيع الحربي برا وبحرا وجوا، من خلال تسخير امكانياتهما لخدمة شعبيهما والمحافظة على كيانيهما من التشتت والفرقة بين مكوناته العرقية لتبقى الدولة السياسية الضامن والحامي للشعب.

في نفس الوقت انتابني شعور بالاسى والحزن لما وصلت اليه احوالنا، نحن نعيش في اسوأ حال رغم اننا تحصلنا على استقلالنا الذي كتبنا له عديد الاناشيد وصنعنا الرايات المزخرفة بعدد دولنا التي رسموها (اختطوها) لنا ضمن اتفاقية سايكس- بيكو، لم نعد امة بل اصبحنا امم، ورغم ذلك لم يستطع أي منا ان يحافظ على كيانه السياسي المزعوم، يدرك اعداءنا جيدا ان أيا منا لن يستطيع ابناء قوته التي من خلالها يستطيع المحافظة على كيانه السياسي، لتبقى هذه الكيانات على ارتباط وثيق بهم.

هناك العديد من المحاولات التي بذلت لأجل لم شمل الامة ان لم تكن اندماجية فأقله تكتل سياسي اقتصادي عسكري لكن تلك المحاولات باءت بالفشل، لان هناك من الرؤساء من يرى في انضمامه الى التكتل انتقاص من قيمته، جامعتنا العربية فقدت مبرر وجودها، لم تفعّل فقرة الدفاع المشترك بدستور الجامعة، القائمة السوداء التي تضم الشركات المتعاونة مع الكيان الغيت، وحل محلها التطبيع دون قيد او شرط، امكانيات دولنا مجتمعة تفوق امكانيات جارتينا، أما عددنا فانه اضعاف مضاعفة لشعبيهما، وفي التعليم لدينا خبراء ومستشارون في مختلف المجالات، لكن ما تنقصنا هي ارادة البناء والاستقلال الحقيقي عن الغير.

غزة تدك بمختلف انواع الاسلحة وتكاد تسوى مبانيها بالأرض، ساستنا يتفرجون، اما شعوبنا فهي مهزومة من الداخل، رغم الامكانيات تعيش في فقر مدقع، الأموال الطائلة تتمتع بها فئة محدودة، السلاح منتشر بشكل لا يوصف لبث الخوف وعدم الاستقرار، ليعيش حكامنا النعيم الارضي. نكتفي بالدعاء لغزة، وشعبها يتضور جوعا وفي امس الحاجة الى شربة ماء، نحن نثغوا كالشياه، نجتر ما يلقى الينا من رديء الطعام.

الفرس والروم يصنعون السلاح للدفاع عن كيانيهما ويبيعانه للغير للاستفادة،  بينما نحن نشتري السلاح بأثمان باهظة ولا نقو على صيانته، واستخدامه فيما بيننا وفي النهاية يصبح خردة نصدره الى الخارج بأسعار زهيدة.

للأسف الشديد وبعد مرور 14 قرنا، لازلنا نعيش عصر الجاهلية الاولى، فبعضنا ولاؤه لهذا الطرف وبعضنا الاخر لذاك الطرف، والقلة محايدة لا تقو على فعل شيء.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

محور فيلادلفيا شريط حدودي عازل يفصل بين الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية. ويمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا. تتنازع عليه ثلاث قوى،حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) ومصر ودولة الاحتلال.

أنشئ عليه معبر رفح الذي يعد المنفذ الرئيسي لسكان غزة على العالم الخارجي.

وقد ظهر هذا المحور على إثر معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٩ بين مصر ودولة الاحتلال. وظلت الأخيرة تسيطر عليه حتى عام ٢٠٠٥(خطة فك الارتباط) حيث تم تسليمه للسلطة الفلسطينية التي منحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر بوجود مراقبين دوليين. لكن خطة فك الارتباط نصت على احتفاظ دولة الاحتلال بوجود عسكري لها على هذا المحور بهدف توفير حماية أمنية لها. غير أنه وفي عام ٢٠٠٧ سيطرت حركة حماس على القطاع وخضع المحور لسيطرتها، فما كان من دولة الاحتلال إلا أن فرضت حصارا خانقا على القطاع ، ما دفع سكان غزة للتزود بالمؤن عن طريق عبور هذا المحور وهنا قامت مصر بفرض سيطرتها عليه. فلجأ أهل غزة عندها إلى حفر الأنفاق لاستكمال عملية التزود بمتطلبات الحياة التي لا تتوفر بسبب الحصار.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ قامت طائرات دولة الاحتلال باستهداف محور فيلادلفيا وقصفه بقوة. وفي تاريخ ١٣/ كانون الأول ٢٠٢٣ تم تسريب تصريحات لبنيامين نتنياهو عن نية دولته السيطرة على المحور. حيث قال" دون السيطرة على محور فيلادلفيا لا يمكننا القضاء على حماس". وأصبحت قضية هذه المنطقة محورية لدى أطراف أخرى في الحكومة. فقد ورد تصريح خطير للقائد السابق للقيادة الجنوبية في جيش الاحتلال دان هاريل " من يريد السيطرة على على ما يحدث في قطاع غزة من ناحية التسلح فلا بد من السيطرة على محور فيلادلفيا". إلا أن البعض لم يؤيد فكرة احتلاله والسيطرة عليه ومن هؤلاء بيني غانتس عضو مجلس الحرب في دولة الاحتلال. وما هذه الفوضى والتخبط في القرارات إلا بسبب الفشل الذريع الذي لاقاه الجيش.

فبعد قصف البنية التحتية لقطاع غزة وارتكاب مئات المجازر التي خرق بها ما يسمى بالأعراف الدولية والإنسانية دون إحراز أي انتصار بتحقيق أهداف الحرب التي تذرع بها نتنياهو يأتي دور هذا الشريط الفاصل (محور فيلادلفيا) بحجة أن الأنفاق التي تكمن تحته سوف يمكن المقاومة الفلسطينية من تأهيل نفسها عسكريا من خلال تهريب السلاح.

***

بديعة النعيمي

لم يعد موضوع انكار العمر والتنكر له صفة لصيقة بالنساء فقط، بل هناك العديد من الرجال في الوقت الحالي يتنكر لعمره ويخفيه، ويخاف ويخشى من الاعتراف بحقيقة عمره.  لمن شارف على الخمسين من العمر الزمني اود الكتابة والبوح، التنكر لهذا العمر والتشبث بوهج شباب لعمر زمني بدأ بالعد التنازلي السريع لا يجلب سعادة حقيقية، ولا يقرب لجوهر وحقيقية الانسان الكامن فينا، وقد يبعدنا عن الحكمة والصدق، رأيت اشخاص بدأوا ينكروا عشر او أكثر من سنوات عمرهم ويعطون رقما أصغر، فلا يغيب عنا اننا كائنات معنوية في الأصل، بالروح نحيا والروح بالجسد تظهر، وستفارق هذه الروح الجسد في اي لحظة كتب فيها لها اجل "مسمى او غير مسمى".

اننا منظومة ان شاخ وكبر عمرنا الزمني فجمال الروح ان اتصلنا بها يشرق ويتجدد بمر السنين، نحن نفس ان تعرفنا عليها وتمكنا من صحبتها وتزكيتها وتنميتها فأنها سوف تضيء بمر العمر والسنين، نحن فكر وقناعات ان وفقنا في ترتيب هذه القناعات وفق مرجعيات رصينة ونيات خالصة، وتمكنا من انتقاء غذاء فكرنا بعناية فائقة فانه يشب وينضج ويكون كالسراج ينير ظلام دروب سبلنا، نحن قلب ان سكن الأيمان هذا القلب وطبعت المحبة فيه فكانت عنوانا له فسوف يحل الجمال والاشراق والتجدد فيه.

لنكن اقرب لحقيقتنا، وندع السنوات تتخلل اجسادنا وتفعل الطبيعة فعلها ونحن  نراقب بتروي وطمأنينة ولنذكر انفسنا ان العيش الواقعي ينتج حياة اكثر وضوح وحقيقية وعافية، وان الانكار ما هو الا حيلة يبتدعها الدماغ، وعادة هذه الحيلة ينتجها ويطرحها امام غير المستعد والخائف، لكي يساعده على الحفاظ على بقائه وعلى الاستمرار، اما ذاك الواعي الشجاع المتفهم لطبيعة الكون وقوانينه وانه عضو وجزء من هذا الكون تسري عليه القوانين كما تسري على غيره من مخلوقات الله يعيش راضيا متقبلا اكثر سكينة، فالسكينة لاتحل ولا تظهر إلا بانحسار طبقات عديدة من الخوف والمخاوف داخلنا، وإزاحة الكثير من الانكار، السكينة والحكمة تنبثق مع اشراق الحكمة، والحكمة ترادف الحقيقية وتبتعد عن الوهم والزيف. وهذه ليس دعوة لإهمال اجسادنا، بل هي دعوة لتقدير كامل منظومتنا والتركيز على كامل أبواب وفصول قصتنا،" فكل بقاء يكون بعده فناء لا يعوّل عليه.. كل فناء لا يعطي بقاء لا يعوّل عليه". ولا بقاء لجسد وانما يصح البقاء للفكر والأثر الروحي الجليل وقد أحسن واجاد احمد شوقي حين قال: " فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني".

***

د. حميدة القحطاني

 

ما نقرأه عن العربية يتميز بالنعي وذرف الدموع والشعور بأنها في تدهور وإنحطاط، وكأننا لا نزال على نهج  حافظ إبراهيم في نعيه للعربية بقصيدته المنشورة في (1903)، ومنها:

"رموني بعقمٍ في الشباب وليتني

عقمت فلم أجزع لقول عداتي

وسعت كتاب الله لفظا وغايةً

وما ضقت عن آيٍ به وعظات

أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي"

ولا نقرأ ما يؤكد قوة وروعة وحضارة وسرمدية اللغة في ربوع الأجيال، فالواقع الموضوعي يبين أن اللغة العربية بخير، وتعاصر وتشارك في مسيرة الوعي المعرفي والتفاعل العلمي، وتجدنا أمام إشاعات مغرضة ضدها، وطروحات في وسائل التواصل تريد النيل منها وإيهام أهلها بأنها لغة بائدة، والحقيقة، أن العرب يكتبون بها أكثر من أي وقت مضى، فالتواصل صار بالكتابة أكثر منه بالكلام.

كما أن الإبداع بأنواعه تنامى وإمتلأت المواقع والصحف بالكتابات الرائعة التي تتألق فيها لغة الضاد وتزدهر.

إن إغفال ما أصاب اللغة العربية من تطور وإنتشار ووعي لنحوها ومعاني مفرداتها، وبرهان قدراتها التفاعلية مع المستجدات، لا يستند على رصيد صائب من الواقع والوقائع، فهناك بعض المضللين الذين يريدون النيل من جوهر الأمة وذاتها وهويتها، بتسليطهم نيران عدوانيتهم على اللغة العربية.

ولابد من القول بحزم وثقة بأن لغة الضاد تعاصر وتتطور وتستحضر مفرداتها المتوافقة مع إيقاعات العصر، ولديها برامجها المتنوعة على شبكات الإنترنيت.

فلا يوجد عيب في أية لغة، والعيب يكون في أبناء اللغة، فإذا هانوا وقنطوا فذلك سينعكس على لغتهم، ولغتنا العربية الممتدة في أعماق الحضارات والقرون، لم تفقد بريقها وروعة بيانها، فما كتب بها قبل عشرات القرون لا يزال مؤثرا ومدويا في ربوع الأجيال.

فقل لغتي بخير، وستبقى عزيزة وهاجة معطاء، ولتصمت أقلام السوء والبغضاء.

***

د. صادق السامرائي

 

الإنسان بدأ بالإضمحلال، فالتكنولوجيا أصبحت تحدد مصيره وتتحكم فيه إلى درجة جعلته يشعر بالإغتراب، ويبتعد عن طبيعته ككائن بشري، له حرية الإرادة والقدرة على التصرف في إدارة أمور حياته، فهو أصبح خاضعا بالإكراه، لما تمليه عليه الأنظمة التكنولوجية، التي اقتحمت حياته في أدقّ تفاصيلها، فهو لم يعد سيّد نفسه، وسلبت منه حرية القرار والإختيار، فهو خاضع ومسيّر.

في دائرة، لا يمكنه الخروج منها، فهو أمام جبروت أقوى من جبروت الأنظمة الدكتاتورية والفاشية، إنه أمام فاشية الآلة، التي اختزلته من إنسان إلى رقم محفوظٍ في ذاكرة الكمبيوتر، وإلى إنسان مراقب في تحركاته وتصرفاته من قبل الكاميرات، التي انتشرت في كل مكان بدءأً من المكان ، الذي يسكن فيه مرورا بالطريق، الذي يسلكه وانتهاءا في المكان، الذي يتناول فيه فنجان قهوته أو وجبة غدائهِ أو عشائهِ، فهو يحسب لكل حركة حسابها، فهو مراقب وملاحق ليس من من مخلوقات منظورة ، بل من أجهزة خفية، تفوق أذكى أجهزة الأمن البشرية . وهو لم يعد آمنا في عمله، فالإنسان الآلي متواجد في المصنع وفي المطعم، وسيغزو كلّ مرافق الحياة، فهو في خوف وقلقٍ مستمر أن يسستغنى عنه، ويصبح عبدا مقهورا أمام آله صماء، تسيّرها قوة بشرية، تنظر إلى نفسها على أنّها الصفوة المختارة من بين كلّ البشر، والتي تسعى للإستحواذ على الإنسان كليا وتصادر كلّ ما لديه من إمكانيات، وتسخّرها لاهدافها، حتى لو كان في ذلك تخريب طبيعته وما لديه من عواطف ومشاعر، وإذا استدعى الأمر إلغاء وجوده ككائن حيّ . فالحرب القادمة سلاحها  هو النيترون أو ما يسمى بأشعّة الموت، والتي ستقضي على كلّ مظاهر الحياة وتبقي على المصانع والمباني والممتلكات . الفاشية الحديثة صمّاء، ولا يمكن التحدث معها كالفاشيات القديمة . إنها فاشية غير منظورة، تحجم الإنسان، وتحسب عليه حركاته وأنفاسه إلى الحد الذي يشعر فيه بالإختناق في عالمٍ يدّعي أنّه حرّ، ويتبجّح بالحرية. إنها فاشية خفيّة، ومن المحتمل أنّ كوفيد 19( كورونا) كان وجها من وجوهها الكثيرة.

***

جميل حسين الساعدي

كثيراَ ما تتناقل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتنشر على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي موضوعة الفساد المتفشية في دوائر الدولة دون وازع ولا رادع ويمكن تعريف الفساد على أنّه أعمال غير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، مثل المديرين، والمسؤولين الحكوميين وغيرهم وذلك لتحقيق مكاسب خاصة ومن الأمثلة على ظواهر الفساد إعطاء وقبول الرشاوى والهدايا غير الملائمة والمعاملات السياسية غير القانونية والغش أو الخداع والتلاعب في نتائج الانتخابات وتحويل الأموال والاحتيال وغسيل الأموال.

حتى باتت تضم أفعال الفساد قائمة كبيرة من الأعمال غير الأخلاقية منها الابتزاز والرشوة والمحسوبية والاختلاس التي هي دخيلة على مجتمعنا المحافظ بعد أن كان يعاقب عليها القانون، فوجود الفساد الاداري والمالي متجذر في بنية مؤسسات الدولة العراقية وتبلور هذه الظاهرة الخطيرة يجعل منها عقبة في طريق تقدم عملية التنمية بأصعدتها المختلفة والابتعاد عن الخطط والبرامج التنموية ولم يكن الفساد الاداري والمالي يشكل ظاهرة عامة في العراق قبل فرض الحصـــار عليــــه فــــي أواخر عام 1990م، وإنما كان يمثل حالات فردية في هذه الوزارة أو تلك، أو فـي هذه الدائرة أو تلك، ولكـن هذه الحالات الفردية سرعـان ماتحولت الى ظاهرة تتزايد وتتسع يومـاً بعد يـــوم منـــذ فرض الحصار الاقتصادي على العراق، وأصبحت هذه الحالة واضحة في العديد مـن دوائـــــر الدولة، وللأسف انها تفاقمت في السنوات الاخيرة حتى اصبحت تزكـــم الانــوف، ولهذا كان يجــب الاسراع بتشخيص حالات الفساد الاداري والمالي ووضع المعالجات للحد منه واجتثاثها .

وهناك أمثلة عديدة لرؤؤس الفساد في مؤسسات الدولة يسرحون ويمرحون بل يشرعون القوانين في أعلى مؤسسة تشريعية في العراق متناسين أنفسهم بالرغم من تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد لكنها مع الأسف هناك ضغوطات أكبرمن قبل أجندات خارجية لها مصالحها في إضعاف الإقتصاد العراقي وإبتزازه مع التستر على الشخصيات السياسية على شكل مافيات تعمل على الساحة السياسية تحت غطاء معروف ومدفوع الثمن سلفاَ .

حيث تحرص الدول على محاربة الفساد الاداري والمالي لانه يشكل آفة خطيرة في جميع ميادين الأمن والاقتصاد والتنمية ويؤدي إلى انهيارها مما يسبب اعاقة تقدم البلد ونهب ثرواته ومنع حركة العمران التقدم والرفاهية الاقتصادية بالاضافة الى تفشي هذه الظاهرة يسبب عرقلة مسيرة تطور الدولة وعدم تحقيق الأهداف التي تتوخاها وان الفساد الاداري والمالي له امتدادات طويلة في المجتمع العراقي، فهو ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع والجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطيء من حركة تطور المجتمع والتقدم الاقتصادي لذا يجب أن تعزز الحكومة العراقية من قدراتها من خلال الشفافية واصدار القوانين وتطبيقها على ارض الواقع حتى تتمكن من تحديد الفساد ومعالجته وفق القانون وبناء مجتمعاً سليماً معافى خالياً من الأمراض الاجتماعية واعادة الامور الى وضعها الصحيح ومواكبة عجلة تقدم الدول بكافة النواحي .

ويعد تشكيل هيئة النزاهة في العراق خطوة في الطريق الصحيح لمكافحة الفساد الإداري والمالي، وسيكون لها الدورالإيجابي في تحجيم مدى انتشار الفساد وستكون أكثر فعالية عندما يتم التنسيق بينها وبين المنظمات الدولية المهتمة في هذا المجال.

***

حسن شنكالي

1 ـــ مخجل أن تسرق إنجارات الأخرين، مقالة او قصيدة أو رواية، وحتى شارع  وساحة او مدينة، تلك الحماقة فعلها صدام حسين، عندما علق جداريته، على أبواب مدينة الثورة،  "مدينة صدام حسين"، ثم سقط صدام والبعث والجدارية عام 2003، جاء من جاء مع الأحتلال، وتفجرت ظاهرة الحواسم (الفرهود الشامل)، التي ابرعت فيها، الحثالات التي شكلت منها أمريكا بالتوافق مع ايران، لصوص العملية السياسية (مجلس الحكم الموقت)، مقتدى الصدر، الشاب الهائج صاحب النواقص والسوابق والعقد المتعددة، اضافة لما استحوذ عليه، من الثروات والسلطات والمنافذ الحدودية لتهريب العملات والأثار الوطنية، وكذلك السفارات والوزارات النفعية، سرق وبدناءة ووضاعة، انجازات الأخرين، فعلق جداريتة على واجهة مدينة الثورة " مدينة الصدر" وشوه التاريخ والهويات الحضارية، لمحافظات الجنوب والوسط، مدعياً مكافحة الأحتلال، وهو الأطول من بين ذيوله.

2 ـــ مدينة الثورة ومدن وانجازات اخرى، حققتها ثورة الرابع عشر من تموز 1958، بقيادة الزعيم الوطني، الشهيد عبد الكري قاسم، في التغيير الأخير (الأحتلال)، ازالت امريكا البعث القومي وجاءت بالبعث الأسلامي، بغية تجويع وتجهيل وأذلال المجتمع العراقي، أمريكا كعادتها، ان غيرت نظام، لا تأتي الا بالأسوأ منه، هنا لا يمكن مقارنة (آل الصدر مجتمعين)، بالشخصية الوطنية للزعيم الشهيد عبد الكريم، كما لا يمكن مقارنة الثرى بالثريا، لو افترضنا ان آل الصدر شهداء، ففي افضل حالاتهم، من أجل المذهب وخطبة الجمعة، وأسباب طائفية ضيقة أخرى، مع ذلك فهناك علامات استفهام مشروعة، فالصراع والتصفيات بين مرجعية ايران، ومرجعيتي النجف وكربلاء، حول الثروات التي، تدرها الأضرحة في النجف وكربلاء، قد تكون سبباً للتصفيات، اما الزعيم عبد الكريم قاسم، فأنه وطنيي شجاع نزيه، وشهيد وطن لا يتكرر، وتبقى سرقة (آل الصدر) ليتيمتة (مدينة الثورة)، فضيحة ودناءة وسلوك لصوصي، لا يجرأ على فعله، إلا سليل سلوكيات البيت الشيعي، غريب الأطوار والأدوار في مجالات الفساد والأرهاب.

3 ـــ الانتهازية السياسية، اساءت للتاريخ الوطني للحراك  الشعبي في  العراق، مفارقة مثيرة للسخرية، ثمة برنامج يقدمه بعثي سابق، كان في منتهى الحيادية، قال "اثناء الأحتلال ذهب صدام الى مدينة الثورة......، يسمونها الأن مدينة الصدر، انها في الحق مدينة الزعيم عبد الكريم قاسم  وواحدة من أبرز إنجازاته" موقف آخر على فضائية اخرى، ظهر فيها الحاج الرفيق رائد فهمي، قالها بسلاسة وعن ظهر قلب، "مدينة الصدر"، أذكّر الحاج الرفيق، ان كثر من 90% من رفاق حزبه، تحمل هوياتهم (جنسيتهم)، "ولد في مدينة الثورة" وفي الجنوب والوسط، كانت اسماء مواليد ما بعد الثورة، " كريم وفاضل وماجد ووصفي" حصلت على نسبة، لا تقل عن 80%، فأين الحاج الرفيق من الحقيقة، ام ان مخدر التحالفات مع "شعيط ومعيط" لا زالت نافذة المفعول، كأيدلوجية لا يشفع لها، حتى القفز على موجة الأول من تشرين 2019.

4 ـــ "اخذناها وما ننطيهه"هكذا ينظر جهابذة المذاهب، على ان العراق (كعكة) مشاعة، يجب الأستئثار على حصة الأسد منها، تاريخ الأسلام السياسي، مشبع بالصراعات الدموية، مع الذات والآخر، رجال دينه العظام!! والشيعة منهم بشكل خاص، محتالون اذا ما تعلق الأمر بالسلطات، حيث التمدد لسرقة الثروات ومؤسسات الدولة، وما يفيض عن حاجتهم من اجساد النساء، ساديون ذوي غرائز مشوهة، لهذا تصبح وفرة الأرامل واليتيمات، والأيتام احياناً، علفاً شهياً يسيل من أجله، لعاب شرائعم وعقائدهم، أمريكا تعرف نقاط ضعفهم، فجعلت من مؤسسات الدولة وثرواتها (وخاصة في محافظات الجنوب والوسط) "خمساً" لهم، مقابل التوقيع على ملفات الولاء والخيانة، لتكون سبباً مشروعاً لسهولة ابتزازهم ثم اسقاطهم، لكن المتغيرات الخارجية، سحبت من تحت امريكا، كامل قدرتها على المناورة والمبادرة، وسيلعب الجيل العراقي الجديد، اوراقه الوطنية في التغير القادم، وستعود الأنجازات الوطنية لأهلها، وتستعيد المحافظات العراقية، هيبتها وكرامتها وهويتها الحضارية، وسيحترم التاريخ الوطني، نفسه واصالته، ليضع نقاطه، (تحت) حروف العورات المستهلكة.

***

حسن حاتم المذكور

22 / 01 /:2024

 

"قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" 12:17

سلوك بشري غائر في القِدم ومنغرس بجوهر الظلمات النفسية، المحشوة بالمطمورات الوحشية والرغبات والنوازع السيئة. إنه الكذب بما تجمع حوله من آليات ومعتقدات وتصورات وتطلعات ودوافع ومحفزات، تعزز تكراره وتمجّد دوره في أروقة الحياة.

والكذب في جوهره وسيلة دفاعية أولية مضى على نهجها البشر، منذ أن صار قادرا على التفاعل مع غيره من البشر، فترسخ السلوك وتطور وإنغرس في نويّات خلاياه، وأصبح من الموروثات الفاعلة والمؤثرة في صناعة وصياغة خارطة سلوكه.

ولا يمكن الجزم بوجود بشر لم يمارس الكذب، ولا بأن البعض قد برع بالكذب وأوهم الأجيال بأكاذيبه وآليات تسويقها، وترسيخها في أذهان الناس الذين أخذوا يتوارثونها ويقدسونها ويؤسَرون بها.

والمسيرة البشرية على مر العصور تُظهر أن الكذب هو السيد والسلطان، والبضاعة الأكثر رواجا وربحا وقدرة على الإستحواذ على مصير الناس.

وفي الزمن المعاصر بتوفر وسائل الإتصال والتفاعل السريع، فالكذب تحول إلى إمبراطورية فتاكة وقوة ساطية على الآخرين بترويعهم، وتدمير وجودهم وما عندهم من القدرات والطاقات والثروات، ومضت وسائل الكذب بالتطور والتنامي والإنتشار حتى غاب الصدق، وأصبح مستضعفا محجورا في زوايا العزلة والشك والنكران.

ويبدو أن الطبيعة البشرية راغبة بالكذب ورافضة للصدق، ولهذا تنامت أسواق الكذب وإنحسرت أسواق الصدق، وأصبح الكذب رائجا والصدق خارجا، وتعممت وتلحت الأكاذيب وتمرّست بالنفاق والخداع والتضليل والتمرير والتغرير والتجهيل، وإستعباد المغفلين وأخذهم إلى ميادين أنين.

والأهمية التي تبرز بكذبة "أكله الذئب"، أنها موجه لنبي من قبل أولاده الذين غدروا بأخيهم المحبب لأبيهم وأنه من زوجة غير أمهم، وهذا يعني أن الكذب سلوك بشري مطلق لا يُعفى منه أتقى وأصدق البشر مهما بلغ من درجات النزاهة والتعبير الأمثل عن الحالات.

وفي حقيقة السلوك البشري إنعدام الصدق المطلق وكذلك الكذب المطلق، ففي الحالتين تشابك وتفاعل وتداخل إنسباكي قد تنطق به لغات اللسان والبدن معا، لكن القدرة على إثبات الوجهين يتطلب الدلائل والحقائق، فالذي يبدو صدقا قد يصبح كذبا بعد حين، والعكس صحيح.

لكن الأمر الواضح أن الكذب له دوره في التغرير بالبشر وأخذهم إلى حيث يريد الكاذبون، ومعظم الأحداث المهمة في التأريخ مرهونة بالأكاذيب بأنواعها، ولولاها لما تمكنت القوى من النيل من الآخرين وإفتراسهم، وفي القرن الحادي والعشرين كان للكذب دورا أساسيا في تدمير البلدان وتهجير الناس من ديارهم والإستحواذ على ثرواتهم وممتلكاتهم.

ويبدو أن البشرية لن تتحرر من هذه العاهة السلوكية الراسخة في أعماقها، والقاضية بضرورة الكذب للوصول إلى ما هو دفين ويسعى للتتعبير المبين.

***

د. صادق السامرائي

19\8\2017

 

كثيرا مانسمع عبارة: (البقاء للأقوى) إذ أن مفردة القوة رافقت بني آدم منذ نشأتهم، فقد كانت بدءًا لاستحصال لقمة عيشهم، حيث يصطادون الحيوانات، ثم اضطروا الى تطوير أدوات الصيد لتمكين القوة من أداء المطلوب، فكان نتاج ذلك الرمح والسهم للوصول الى مالم تطله إيديهم من فرائسهم عن كثب. وحين وجد بنو آدم أخطار الضواري تحيطهم، ابتكروا آلات الدفاع عن أنفسهم وطورها لدرء مخاطرها عليهم. وهكذا تحضهم الحياة وتحثهم متطلباتها، على اختراع الجديد والمجدي من وسائل الدفاع عن النفس. وحين استوطن الإنسان الأرض ازداد تمسكه بها لما تعنيه له من ديمومة في حياته، فلم يجد بدا من تنويع سلاحه وأصنافه، حفاظا على ارضه.

وقطعا لم يكن هذا إلا بعد إدراكه أن وطنه يعني وجوده، فبه يكون، ومن دونه لا يكون، ومع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون، مقابل هذا تناسل وتناسب وتصاهر الشر والشريرون في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم، ومقلوبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، وبين هذا وذاك نشأت أمم ودالت أخرى.

من بين هذه الأمم وادي الرافدين الذي شهد منذ الأزل تكالب الشريرين عليه، وأضحى من الواجب الحفاظ على إرثه الحضاري، وهذا لن يتم إلا بتوفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة، لدى حاكميه ومن يتقلدون مراكز السلطات العليا فيه، لاسيما المسؤولون عن حمايته، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يكون زمام الحكم بيد نفر أغلبهم ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لا يملكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا أكثر مما موجود في الضباع والثعالب.

بعودة بسيطة الى حقب التاريخ وما سجل في أسفاره من أحداث كانت فيها الخروقات آخر شيء محتمل الوقوع، يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المبهم من الأمور، وتتضح الرؤية وتنجلي الأسباب والمسببات أمام الأعين والبصائر والأسماع، وتزول كل الشبهات في كيفية حدوث الخرق. فسور الصين العظيم -على سبيل المثال- الذي يبلغ طوله 2400 كم يعد منجزا بارزا في التاريخ المعماري البشري. وهو ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الجدران الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية، ويضم ثكنات للجنود وأبراجا للإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل. ولكن رغم كل الجهود والأموال التي بذلها الحكام الصينيون في بنائه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الشعوب البدوية (البرابرة). ولم يصد الغزوات التي قام بها أباطرة ملوك "تشنغ". إذ تم اختراقه أكثر من مرة، والسر في هذا لم يكن لضعف في بنائه او لقوة خيالية في الهاجمين عليه، بل هي الخيانة وحدها كانت السبب في اختراقه، ووحدها الخيانة هي التي فتحت الثغرات أمام العدو وسهلت مهامه.

الخيانة اليوم في عراقنا داء معدٍ، فأغلب الأحزاب تخون مبادئها المزعومة، كذلك بعض السياسيين يخونون قسمهم ويمينهم الدستورية، والخيانة تسببت بهتك الأعراض وسهلت سرقة الأموال، وهي التي جردت البلد من خيراته، فهل ننتظر خونة آخرين على الطريق ليجْهزوا على ما تبقى من العراقيين وأملاكهم وأرضهم وعرضهم؟

إن أول السبل للحد من الخيانة هو ردع الخائنين بالقوة ثم القوة ثم القوة، لابالحلول الترقيعية والعلاجات غير الناجعة، ولن تكون للرقية جدوى غير تبليغ السم في العروق حد الإدمان عليه، لاسيما والخونة بارعون باللدغ في المقتل بمكر وخديعة وحذلقة.

***

علي علي

جرائم حرب ترقى الى مستوى الابادة الجماعية، لسكان قطاع محاصر منذ اكثر من عقدين من الزمن، سجن كبير يحوي اكثر من مليونين من البشر، يتعامل العالم معهم بدونية ووضاعة تنم عن اخلاق من يدعون الحرية، ويتشدقون بها في مختلف المحافل الدولية، لكن حرب 7 اكتوبر فضحتهم وعرتهم، فمعاناة الشعب الفلسطيني لم تبدأ حديثا بل بدأت منذ 8 عقود .

يحاول المستعمرين وفي مقدمتهم بريطانيا طمس الهوية الفلسطينية وترحيل من تبقّى من السكان لتوزيعهم بين دول العالم، الفلسطينيون متجذرون في ارضهم منذ الاف السنين فهم اصحاب الارض الحقيقيين وتشهد على ذلك كتب التاريخ والاثار المنتشرة في مختلف ربوع الوطن، وعد بلفور المشؤوم، كان يراد به توطين من لا وطن لهم، المشتتين في مختلف اصقاع العالم، وتهجير المتشبثين بارضهم ليأخذوا محلهم.

لقد اثبت الحروب بين الصهاينة والفلسطينيين مدى تعلق الفلسطينيين بارضهم فلم يغادر الا القلة لظروف قاسية، بينما نجد غالبية الصهاينة القادمين من اوراسيا وغيرها يغادرون تباعا الى حيث كانوا، لانهم يدركون جيدا ان فلسطين ليست ارضهم وان مقولة "ارض الميعاد" ماهي الا كذبة اختلقها ساسة بني صهيون لكسب الراي العام العالمي ونيل عطفه وعطائه، بينما نجد ان العديد من المفكرين اليهود لا يريدون اقامة دولة لهم، بل يفضلون البقاء في بلدانهم التي ولدوا بها وينعمون بالثروات التي جمعوها فاليهود عموما بارعين في فنون التجارة واصبحوا في مقدمة قائمة اصحاب رؤوس الاموال على مستوى العالم، وينتذرون بوجودهم في مكان واحد، خوفا من ان تحل كارثة بهم فتزيلهم من الوجود وفق مخطوطاتهم.

ما بين الشعب الفلسطيني والجنوب افريقي تاريخ طويل من النضال ضد الميز العنصري فالجنوب افريقيون عانوا وعلى مدى عقود من ظلم البيض الذين غزو البلاد ونكلوا باهلها ثم نصبوا انفسهم حكاما عليهم يمتلكون المصانع والمزارع بينما يعمل بها الافارقة برواتب جد بسيطة لا تكاد تسد الرمق ليبقوا دائما تحت السيطرة وتشاء الاقدار بعد سنين طويلة من الظلم ان تتحرر الجموع الغفيرة من السود ذات الاغلبية وتمسك بزمام الامور ليعم العدل .

جنوب افريقيا تدافع عن فلسطين وسط صمت للنظام الرسمي العربي، حيث قدمت ملحمة في الدفاع عن الفلسطينيين بمحكمة العدل الدولية، ومظاهرات تندد بجرائم الصهاينة جابت مختلف مدن دولة جنوب افريقيا، انهم يمثلون الذراع القانوني للفلسطينيين.

شيء مشرف يكتب بمداد من ذهب لشعب وقادة وفريق الدفاع بجنوب افريقيا في سجل الإنسانية، فالدفاع عن المظلوم من شيم الانسانية لا يمارسه الا ذوى القلوب الرحيمة، تحية لشعب جنوب افريقيا، لقد اخجلوا العرب والمسلمين، و لا عزاء لأهل القانون والمحامين وهيئات حقوق الانسان العرب، لم يقوموا بتجهيز أي ملف بشان الابادة مثل جنوب افريقيا، بل اكتفوا مثل حكامهم ببيانات الشجب والاستنكار والتنديد.

"طوفان الكرامة" عملية جراحية لا بد منها، رغم الخسائر البشرية والمادية، لإعادة الزخم الى القضية الفلسطينية التي يحاول ساسة العام وادها، والنصر للشعوب التي ترفض الاستكانة والقبول بالأمر الواقع المذل، فما ضاع حق وراءه مطالب وما النصر الا من عند الله بعزيمة شرفاء الامة .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

من الذي يسيطر على جيش دولة الاحتلال ؟ وبالتالي من الذي يتحكم بمسار الحرب؟

من المعروف أن دولة الاحتلال دولة هجرات ،وقد فشلت على مدار عقود من دمج الشتات بالطريقة المثلى. وهذا ما يفسر المواقف المختلفة لليهود أنفسهم من ثقافتهم. فالحريديم( المتدينين) يرون أن ثقافة الدولة فارغة كونها غير مشحونة بتوراتهم ووصاياهم الدينية، وفي المقابل فالعلمانيين الذين يحملون الثقافة الأوروبية ويفاخرون بها ينظرون إلى الحريديم على أنهم متخلفون. مع العلم أن قيام دولة الاحتلال لم تكن لتقم لولا هؤلاء العلمانيون. فالمشروع الصهيوني مشروع علماني متمرد على الدين سعى بالأصل إلى تحرير اليهود من السيطرة والاضطهاد في أوروبا بإنشاء وطن قومي خاص بهم.

إلا أن هذا المشروع "الصهيوني العلماني" كان بحاجة إلى الأساطير الدينية المستقاة من الكتب الدينية اليهودية لإثبات ملكية الأرض من أجل استيطانها.

وقد تأسست علاقة الدين ودولة الاحتلال عشية الإعلان عن قيامها،ضمن اتفاق "الوضع القائم" وقد تضمن هذا الاتفاق الحفاظ على مكانة الدين اليهودي وتعاليمه في الدولة الوليدة.وكان هدف "بن غوريون". ضمان تأييد المتدينين لقرار التقسيم وعرض موقف موحد لسكان فلسطين من اليهود. غير أن هذا الاتفاق لم يتطرق لموضوع الخدمة العسكرية للمتدينين لأن الدولة كانت علمانية يسيطر عليها أشكناز أوروبا ويشكلون الأغلبية فيها. وقد أعفت القيادة الصهيونية وقتها شباب الحريديم من الخدمة العسكرية بقرار من بن غوريون، والسبب أن طلاب المدارس الدينية يخدمون الدولة من خلال دراستهم لتوراتهم. وقد كان بن غوريون وقتها يظن بأن الدولة سوف تتطور بحيث يتم تحييد الدين ،حفاظا على علمانية الجيش. ومع صعود الليكود عام ١٩٧٧ رفض المتدينون الخدمة في الجيش لنفس السبب السابق وهو تعلمهم لما يسمى بالتوراة في مدارسهم. غير أنه وفي عام ١٩٩٨ تزايد الضغط الشعبي من أجل تجنيد هذه الشريحة والتي كان عددها قد وصل ٣٠ ألفا. وظلت الحكومة في عملية شد وجذب في هذه المسألة إلى أن ظهرت تطورات جديدة على هؤلاء الحريديم المتدينين أبرزها الزيادة السكانية ،فلم يعد أكثرهم يرفض الخدمة في الجيش.

وقد أظهرت تقارير عبرية أن المؤسسة الدينية العسكرية بدأت تهيمن على شعبة التربية المعنوية في الجيش حيث أن الخطاب الديني تغلغل في هذه الشعبة واعتبار أن خدمتهم تمثل خدمة الرب على حد قولهم.

وبهذا بدأت الصهيونية الدينية تمتد وتتوسع لتشمل هذا المفصل المهم من مفاصل الدولة. والذي كانت نواته قبل قيام الدولة عصابات ضمت أشكناز أوروبا.

فانتشر في الجيش ضباط يضعون "القلنسوة" والتي تسمى "الكيباه أو الكبة" تدل على أن مرتديها متدين وينتمي إلى " الصهيونية الدينية" وحسب معتقداتهم التلمودية وما جاء فيها" قم بتغطية رأسك حتى لا يكون غضب السماء فوقك".

وحكومة نتنياهو اعتمدت منذ بداياتها ولا زالت على الأحزاب الدينية الحريدية بشكل خاص.

واليوم في حربها على غزة ها هو بنيامين نتنياهو في ٢٥/أكتوبر يستدعي ما يسمى بنبوءة "إشعياء" لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة حين قال" يجب أن تتذكروا ما فعله عماليق بكم" وهذا ما ورد في سفر صموئيل الأول" اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاء تاما هم وكل ما لهم، لا تشفق عليهم ،اقتل جميع الرجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم وحاربهم حتى يفنوا". بالفعل هذا ما حصل ،فالجيش يطبق هذه التوصية بل ويضيف عليها من فاشيةوحقد حاخاماتهم. وهنا نجد الحاخام فانيس فريدمان يرفض وسم أخلاقيات الحرب بالغربية ويطلق عليها "قيم توراتيه" أو "الطريقة اليهودية". وقال الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية " دمر أماكنهم المقدسة واقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم ومواشيهم".

كما وأنه مع بداية الحرب على غزة تطوع المئات من المتدينين الحريديم للقتال بالرغم من أن قانون التجنيد كما ذكرنا لا يلزمهم بالخدمة العسكرية كونهم يكرسون حياتهم في المدارس الدينية لتعلم توراتهم. واستعانت دولة الاحتلال بحاخاماتهم على جبهات القتال لتحميس الجنود وحثهم على القتل والانتقام من الفلسطينيين.

ومن هنا نجد أن الصهيونية الدينية التي تعتمد على الأساطير والخرافات تحشد أدمغة الجنود وتهيج مشاعرهم لقتل الشعب الفلسطيني بمباركة إلههم الفاسد "يهوه" الذي يسبونه مرة ويتمسحون به متى ما تطلبت الحاجة.

***

بديعة النعيمي

في الأوقات المضطربة، قد يبدو أفلاطون وفوال السبكي كشخصيتين غير متناسبتين للمقارنة. ففي نهاية المطاف، يشتهر أفلاطون بأفكاره الفلسفية وتأمله في المجتمع المثالي، بينما يرتبط فوال السبكي بنشاط أكثر دنيوية وتجاريا. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، يصبح من الواضح أن هناك بعض الصفات وأوجه التشابه التي تربط هذين الشخصين المختلفين على ما يبدو.

أولا، يقوم كل من أفلاطون وفوال السبكي بتلبية احتياجات ورغبات الأشخاص من حولهم. تعكس كتابات أفلاطون، وخاصة في كتابه الشهير "الجمهورية"، اهتمامه العميق برفاهية المجتمع وسعادته. وبالمثل، يهدف فوال السبكي إلى تقديم علاج لذيذ وممتع للعملاء، مما يرضي رغبة معينة. وهكذا، ينخرط كلا الفردين في أنشطة متجذرة في تلبية رغبات الآخرين.

ثانيًا، يتأثر كل من أفلاطون وفوال السبكي بالسياق الذي يعملان فيه. يمكن للأوقات المضطربة أن تؤثر بشكل كبير على أفكار ومعتقدات المجتمع، وكثيرا ما استجابت أعمال أفلاطون للاضطرابات السياسية والاجتماعية في عصره. وبالمثل، يمكن أن يتأثر عمل فوال السبكي بعوامل مثل التقلبات الاقتصادية أو التغيرات في تفضيلات المستهلك. وبهذا المعنى، يجب على كل من أفلاطون وفوال السبكي التكيف والتغلب على التحديات التي تفرضها الأوقات المضطربة التي يجدون أنفسهم فيها.

علاوة على ذلك، يحتاج كل من أفلاطون وفوال السبكي إلى مستوى معين من المهارة والخبرة في مجال تخصصهما. تثبت أفكار ونظريات أفلاطون الفلسفية معرفته العميقة وصرامة فكره. وبالمثل، يجب أن يمتلك بائع الفشار فهما لتقنيات إعداد الطعام ومجموعات النكهات واستراتيجيات التسويق حتى ينجح في أعماله. وبالتالي، يجب على كلا الأفراد تنمية مهاراتهم واكتساب المعرفة من أجل التفوق في المساعي التي اختاروها.

علاوة على ذلك، يعتمد أفلاطون وبائع الفشار على المجتمع الأكبر لتحقيق نجاحهما. تأثر تأثير أفلاطون وإرثه إلى حد كبير من خلال نشر أفكاره واستقبالها بين سكان أثينا القديمة وخارجها. وبالمثل، يعتمد فوال السبكي على رعاية ودعم العملاء للحفاظ على أعماله. ولذلك يجب على كلا الأفراد الانخراط مع المجتمع الأوسع والاستجابة لاحتياجاته وتوقعاته.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر أفلاطون وفوال السبكي مستوى معينا من ريادة الأعمال والمخاطرة. غالبًا ما كانت مساعي أفلاطون الفلسفية تتحدى الحكمة التقليدية وتدفع حدود المعرفة. وبالمثل، يجب على فوال السبكي أن يتحمل مخاطر محسوبة من حيث التسعير، وتجربة النكهة، وتوسيع الأعمال. يجب أن يكون كلا الأفراد على استعداد للخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم وتقبل عدم اليقين من أجل تحقيق النجاح.

علاوة على ذلك، يتعرض كل من أفلاطون وبائع الفشار للنقد والأحكام. غالبًا ما قوبلت أفكار أفلاطون بالتشكيك والمعارضة من قبل معاصريه، ولا تزال أعماله تخضع لنقاش حاد من قبل العلماء اليوم. وبالمثل، قد يواجه فوال السبكي انتقادات من العملاء غير الراضين أو المنافسة من البائعين الآخرين. يجب أن يتعلم كلا الأفراد كيفية التعامل مع النقد وإجراء التعديلات بناءً على ردود الفعل من أجل التطور والنمو.

علاوة على ذلك، فإن أفلاطون وفوال السبكي كلاهما مدفوعان بشغف ما يفعلانه. كرّس أفلاطون حياته للدراسة والتأمل في طبيعة الحقيقة والعدالة والمجتمع المثالي. وبالمثل، قد يكون لدى فوال السبكي حب حقيقي لفنون الطهي ويفخر بتقديم تجربة لذيذة وممتعة للعملاء. يتغذى كلا الشخصين بدافع داخلي لمتابعة المسار الذي اختاراه وإحداث تأثير بطريقتهما الفريدة.

بالإضافة إلى ذلك، يتمتع كل من أفلاطون وفوال السبكي بمستوى معين من التأثير على الأشخاص الذين يتفاعلون معهم. كان لأفكار أفلاطون تأثير عميق ودائم على الفلسفة الغربية، حيث شكلت تفكير عدد لا يحصى من الأفراد عبر التاريخ. وبالمثل، قد يخلق بائع الفشار تجربة إيجابية للعملاء، مما يترك انطباعا دائما يمكن أن يؤثر على مزاجهم ورضاهم العام. وبهذه الطريقة، يمكن لكلا الأفراد التأثير على أفكار وتجارب من حولهم وتشكيلها.

على الرغم من الاختلافات الواضحة بين أفلاطون وفوال السبكي، إلا أن هناك عدة صفات وأوجه تشابه تربطهما، خاصة في الأوقات المضطربة. يلبي كلا الفردين احتياجات الآخرين، ويتأثران بالسياق الخاص بهما، ويتطلبان مهارة وخبرة، ويعتمدان على المجتمع، ويظهران ريادة الأعمال، ويواجهان النقد، ويتحركان بالعاطفة، ويمتلكان التأثير. ومن خلال الاعتراف بهذه الخصائص المشتركة، يمكننا أن نقدر الطرق المتنوعة التي يساهم بها الأفراد في المجتمع، سواء كان ذلك من خلال المساعي الفكرية أو المساعي اليومية. عفوا سليمان العيسى في ديرتنا أفلاطون وفوال السبكي أنداد ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

في 28 سبتمبر 1995 تم التوقيع الرسمي على ما يسمى " اتفاقية أوسلو" بين الزعيم الراحل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية، واسحاق رابين رئيس الكيان الإسرائيلي. جرى وصف الاتفاقية بالمحورية المركبة في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، تتحدث عن تأسيس حكومة ذاتية انتقالية  فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية .

كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد كشفت في 15 نوفمبر 1988 خلال انعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عن وثيقة " اعلان استقلال دولة فلسطين"

المفارقة الأولى أن بين الحدثين قرابة 7 سنوات، وأنه تم أولا الإعلان عن استقلال " الدولة " بكل ما تحمله الكلمة من معني، أي المفروض بكل ما يجب أن يتعلق بها من المقومات الأساسية: الشعب، الأرض الإقليمية والسلطة السياسية، ولكن ما حدث أنه جرى لاحقا تحديد المواقع الجغرافية لحدود الدولة  " الإقليم " في الضفة الغربية وقطاع غزة وكانا منطقتين متباعدتين لا تمثل مساحتهما مع  (ذات اللون الأخضر بالخريطة المرفقة) سوي 22% من مساحة فلسطين التاريخية. أي أنه تم وضع العربة قبل الحصان.3270 فلسطين

المفارقة الثانية، أنه تأسيسا على التباعد الجغرافي بين الضفة والقطاع سمح الوضع بحدوث تباعد آخر اقتصادي واجتماعي ووجداني ثم  جفاء سياسي تطور إلى استقطاب يهدد الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال اختلاق انتماءات تضع نوايا كل طرف في دائرة الشك لدى الطرف الآخر، وعليه تشكلت فعلا سلطتين، وحركتين مسلحتين: حركة " فتح " من التيار الوطني في الضفة الغربية تعترف بحق اسرائيل في الوجود بالأراضي التي احتلتها بعد حرب 1967 وحركة " حماس" في قطاع غزة من التيار السياسي الإسلامي المسلح المقاوم للاحتلال الصهيوني، وعليه تفتت وحدة المقاومة الفلسطينية المسلحة .

المفارقة الثالثة، أن الظرف الحالي يشير إلى اختلال كبير في واقع العلاقات بين طرف يفرض وجوده بالاحتلال العسكري الغاشم على كامل الأرض الفلسطينية، والطرف الفلسطيني الذي جرى اغتصاب أراضيه، ولكن ليست هذه هي المشكلة، إذ أن أراضي الدولة الفلسطينية محتواة بالكامل في مجموع أراضي الكيان الصهيوني جغرافيا، وأنه لا وجود لحدود دولية للأراضي الفلسطينية مع دول الجوار سوى إطلالة بحرية محدودة على البحر المتوسط بطول 41 كلم. وحدود مشتركة مع سيناء المصرية غربا بطول 11 كلم .  إن العمل النضالي المسلح الكبير الذي تخوضه عناصر المقاومة الفلسطينية في حركة " حماس " لمدة تقارب أربع أشهر بقى في دائرة الأخبار المثيرة الجديرة بالمتابعة بالنسبة للفلسطينيين البعيدين في الضفة الغربية، حتى شملتهم الأطماع التوسعية للكيان المحتل وامتدت إليهم يد القتل والتخريب والهدم والتدمير في عدة مدن بالضفة الغربية .

لقد أثر التباعد العمدي الجغرافي بين الضفة والقطاع في إمكانية إظهار تضامن أبناء الشعب الواحد في كلا من الضفة والقطاع وقوة ترابطهم وذلك لخطورة التنقل البري وصعوبة التواصل بينهما بعد تدمير البنية الأساسية في غزة ، والمؤلم في هذا الواقع أنه لم يتمكن أي طرف في الضفة من نجدة أهالي غزة مباشرة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية ...

الأمرالأكيد أن الكيان المحتل قد ضاق بوجود الشعب الفلسطيني على قيد الحياة بالقرب منه،ويرى أنه قد حان وقت تهجيره من أراضيه بالقوة المسلحة من الضفة الغربية نحو الأراضي الأردنية، ومن قطاع غزة نحو صحراء سيناء المصرية وفي هذا التشتت الواسع بلاء عظيم. إن مثل هذه الأطماع لا تتشكل في حينها ولا تنشأ فجأة من فراغ ولكنها نتيجة سيناريو خبيث محكم وكذبة كبرى حوّلت الأراضي الفلسطينية من أراضي محتلة منذ عام 1948 إلى أراضي مختلة جغرافيا وديموغرافيا باتفاقيات رسمية، والضحية هو الشعب الفلسطيني .

***

صبحة بغورة

 

تكونت الحكومات العراقية المتتالية بعد سقوط النظام السابق بوسـط مشكلات بنيوية أساسية، وفــي وسط بيئــة داخلية وخارجية مضطربــة، أهمها الاعتماد على المحاصصة في تولية الإدارات وتوزيع مناصبها، التــي نخرت هيــكل النظــام ومبانيــه وتفاعلاتــه، مـن خـلال اقتسـام السـلطة وفـق أسس طائفية-عرقيـة، تفاهـم بيـن النخـب الحاكمة يلزمهم باحتكار السـلطة، ممـا جعـل النظـام يخضع إلـى الوجـوه نفسـها، ليكـون ً نظـام بعيد عن الديمقراطية التي يتشدق بها النخب في خطاباتهم، وعدم وجـود الاسـس الديمقراطيـة التــي يرتكز عليها كما رافــق ذلــك علاقة اعتماد متبــادل، ضمـن معادلــة فساد" دخلت مفردة “المافيا” في قاموس بعض القيادات السياسية الحاكمة، خاصة من يعتقدون أنهم في حالة تنافس وصراع من أجل السلطة داخل المكوّن الطائفي ذاته"  "و فاقوا أقرانهم في كل مكان وزمان، إذ أنهم اليوم يتصدرون المشاهد كافة أهمها المشهد السياسي فيظهرون بصورة “المقاومين للاحتلال الأميركي” و”المحاربين للإرهاب” ويتولون أرفع المناصب الحكومية"- ودور التخــادم القائــم علــى أسـاس المحسـوبية، والخضـوع والتبعيـة بيـن الرعـاة والعمـاء مقابـل الفوائـد التي سيحصلون عليها، لتشيد المناصرين لهرمية النفوذ السياسي والمالـي، والمقايضة خدمــة مصالــح أصحــاب النفــوذ والســلطة، وتسخير مـوارد الدولـة للخدمـات الشـخصية والحزبيـة، ويتيـح لهــا تعبئــة أنصارهــا للتصــدي ألي خطــر قــد يهــدد مكانتهــا، وليعرقــل ذلــك مؤسســات الدولــة مــن أداء مهامهــا بمهنيــة وحياديــة، وســيطرة انعــدام التماثــل والتكافــؤ. لـم ينعكـس ذلـك، علـى السـلطة التنفيذيـة فحسـب، بـل تلـك المحاصصة-العملائية انعكسـت علـى أداء السـلطة التشـريعية، لتقـود إلـى عـدم إدراك البرلمانييـن للفصـل بيـن السـلطات وتدخلهم فـي عمل السـلطة التنفيذية، مما ولـد عمليـة ضغـط قصوى ضمـن مفهـوم المحاصصة علـى السـلطة التنفيذيـة بمـا يحقـق المصالـح الحزبيـة أو الفئويـة، وهـذا أفقـد البرلمـان قدرتـه علـى ممارسـة دوره الرقابــي الســليم علــى أداء الحكومــة العراقيــة، لتداخــل المصالــح الشــخصية بيــن الســلطتين، لاســيما علــى صعيــد المحاسبة والمســاءلة التــي خضعــت للتفاهمـات بيـن القـوى السياسـية أو التقاطـع السياسـي المحـض علـى حسـاب المصلحـة العامـة على الاغلب العام ، ومـا قضايـا سـحب الثقـة مـن بعـض الـوزراء الى مشــهد مــن مشــاهد تقاطــع المصالـح بيــن الكتــل، والتي فقدت مزاياها في حكومة السوداني 1 كذلكـ قـاد ذلـك إلى أكثـر منهـم مصلحـة عليـا وطنيـة. سـن البرلمـان قوانيـن تتعارض أو الاتتفـق وتنسـجم مـع الدسـتور العراقـي، مثـل قانـون الموازنـة، وحصـة كردسـتان فيـه، وتحكمهـا فـي الـواردات النفطيـة علـى حســاب الحكومــة الاتحاديــة بــأن يذهـب 250 ألف برميـل كقيمـة فـي حيـن الدسـتور ينـص علـى توزيـع الـواردات في النصوص السابقة للميزانية العام للبلاد،عكس ما هو في الدستور بـان النفـط والغـاز ملـك لكل العراقيين.

عاشت السياسة الخارجية السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003 بواقع أكثر تعقيداً وتأزماً فمنذ الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1980 والعراق على حافة التدويل في مجمل شؤونه إلى أن جاءت الضربة القاصمة بعد احتلال الكويت، إذ كان القرار السياسي الخارجي يخضع كلياً لرؤية الحاكم الفرد رئيس الجمهورية، والأداء الدبلوماسي العراقي لم يكن يرتكز على خطط وصياغات استراتيجية للأهداف والوسائل، كما لم تحسب القدرات الحقيقية للعراق في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية مما جعل حروب العراق تمثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية.

وما تلى ذلك بعد عام 2003 فان السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل، بعيداً عن شعارات التوازن في سياسة العراق الخارجية والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية، التي باتت شعارات مستهلَكة تكررها جميع الحكومات في برنامجها الوزاري وفي خطابها السياسي الخارجي والتي نعرف لحدّ الآن، إلى أين تتجه بوصلتها... رغم كل تلك اللقاءات والزيارات والقمم المتبادلة، التي كانت عناوينها الشراكة والتعاون وصور لاجتماعات وتوقيع اتفاقيات، لكننا لحدّ الآن لم نقطف ثمارها. ولعلّ السؤال هنا هو هل ستبقى تلك المؤتمرات واللقاءات الدبلوماسية مجرد دعاية لِلحكومات العراقية المتعاقبة التي تعدها إنجازاً لها في السياسة الخارجية؟ اوعلى الأقل يجد جوازَ سفره مقبولاً ومرحباً به في الدول التي تتفاخر الحكومات العراقية بنجاح زياراتها لها، ويبقى المواطن العراقي ينتظر ويترقّب عسى ولعلّ أن يقطف ثمار تلك الاتفاقات في تحسين واقعها الخدمي والاقتصادي.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

هل شاهدت مثلي مقطع فيديو يظهر ضابطاً في الجيش العراقي برتبة "مقدم" يقوم بصفع وضرب زميل برتبة "عقيد" يعلوه بالرتبة مما حدا به للبكاء؟، الفيديو تسبب بجدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، البعض قال إن الفيديو مجرد مزحة وتمثيل من قبل الضابطين العراقيين، فيما أكد آخرون أنه اعتداء حقيقي من ضابط على زميله..

وقد حظي الفيديو بآلاف التعليقات كلها تؤكد أن هذا المقطع يسيء لسمعة الجيش العراقي. ربما يسخر البعض مني ويقول يارجل لماذا تلف وتدور، وتحاول أن تجعل من "الحبة كبة" كما يقولون في الأمثال؟ وحتماً البعض سيسخر من "جنابي" ويهز يده ساخراً وهو يقول: تترك مشاكل البلاد والمؤامرة الإمبريالية التي تريد أن تجهض تجربتنا الديمقراطية في بيع المناصب، ووصول عالية نصيف الى المريخ، وقبل أن اُتهم بالبطر اسمحوا لي أن أقول منذ سنوات تكررت في هذه البلاد ظاهرة لا وجود لها في الامم التي تحترم جيوشها، تتلخص في محاولة البعض أن يهين الجيش ويطمس دوره في كل شيء، وفي كل مرة تغيب صورة الجندي العراقي فيما يصر البعض على أن يجعل من الجيش الرقم الثاني في حسابات البلاد. وشاهدنا من يقول ان الجيش يجب ان تبقى مهمته الاستعراض، وعشنا مع مشاهد تم فيها مطاردة كل من ينتمي لهذا الجيش.

عندما كنا في هذا المكان ننتقد أداء الجيش ونطالب بالحفاظ على قيمه، فهذا لأننا نريد جيشاً وطنياً يكون للعراق والعراقيين جميعاً بعيداً عن الانتماءات الحزبية، لا جيشاً يدافع عن فشل فلان ويهتف باسم علان، ويأخذ التحية لقادة فاشلين من الذين ظلوا يهزجون بشعارات دعم القوات الأمنية طالما هي تتركهم يفعلون في البلاد ما يشاؤون.. كنا ننتقد الجيش لأننا ندرك جيداً خطورة أن يتورط في لعبة السياسة، فيصير طرفاً في معارك يمكن أن تُحل بلغة الحوار لا بلغة الحروب.

اليوم وغداً سنرفع شعار "حافظوا على الجيش العراقي من أذناب الفاشلين، ومن السياسيين الفاشلين الذين يحلمون أن تكون هذه القوات مجرد هامش في هذه البلاد، حافظوا على الجيش من الذين يصرون على ان وجوده زائد

اليوم من حقنا أن نطالب بأن يكون للجيش الدور المحوري في هذه البلاد، وأن لا نسمح بأن يخرج علينا شخص يطالب بالقصاص من الجيش، في مثل هذه اللحظات علينا جميعاً أن ندرك، أن بناء البلدان لا يتم بتهديم مؤسسات الدولة، ولا بسيطرة مجموعة على مقدرات الوطن.

في التعليقات التي كتبت على الفديو المسيء كان النقاش يدور حول: هل نحن نحتاج إلى جيش وطني أم جيوش طوائف؟ ربما نحن البلد الوحيد الذي يفرح فيه المواطن وهو يشاهد قنوات فضائية تسخر من قواته المسلحة.

***

علي حسين

 

أخيراً استعادت بغداد ترميم ذاكرتها، مدينة سكنية باسم الجواهري، ومكتبة تضم تراث نازك الملائكة ومقتنياتها الشخصية وكتبها ودفاترها، فيما الوزيرية تتباهى بإطلاق اسم فائق حسن على أحد مجسراتها. أشهر فنانيها وأشهر عشاقها وأشهر معالمها الثقافية. الفنان الذي أوصى أن يُذر رماده فوق نهر جلة، فيما نجد اليوم سياسيين ومسؤولين ونجوم فضائيات يتباهون بأن حبهم لبلدان الجوار يتقدم على العراق.

هذه البلاد التي يريد فيها جبار المعموري أن يزوّر التاريخ لمصلحته، ويرفع نجاح محمد علي اصبعه مهددا ومتوعدا، أنجبت الجواهري والرصافي والسياب وجواد سليم وعبد الله كوران وكوركيس عواد وعلي الوردي وطه باقر وجواد علي وهادي العلوي وسانحة زكي والكرملي وعاتكة الخزرجي والعلامة محمد رضا الشبيبي.. مصابيح للوطنية، لم يكن أحد منهم جزءاً من لعبة دول الجوار، صنعوا بإخلاصهم وتفانيهم تاريخاً زاهراً لهذه البلاد، ومثلما لا يمكن أن تتخيل روما من دون دافينشي وهولندا من دون رامبرانت، وإسبانيا من دون بيكاسو، وروسيا من دون شاغال، فإننا لا يمكن أن نتخيل بغداد من دون جدارية فائق حسن حيث فيها تطير الحمامات.. وفيها يقول العراقي: إننا سنبني المدينة ".

أعاد إلينا اسم فائق حسن سيرة مدينة بغداد التي غنى فيها محمد القبانجي بصوته الساحر:" دوما أنادي تحيا بلادي.. أنا المغني بنغمة شرقية.. أنا العراقي نفسي أبية". بغداد التي تعبق بألوان جواد سليم وعطا صبري وفرج عبو وحافظ الدروبي، وليلى العطار، المدينة التي أراد لها جيل فائق حسن أن تزهو بألوان الفرح، ولم يكن يدور بخلده يوماً أن يُصر البعض على أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.

عاش فائق حسن مغرماً بما يرسم، يعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه في وضح النهار، عاش أسيراً للعراق لذي عشقه، متنقلاً في مدنه، يوثق لحظات الفرح والحزن. لم يكن فائق يُدرك أنه سيوحد العراقيين في لحظة عصيبة من تاريخهم وهم يقرأون اسمه أمس في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن عيونهم ستدمع وهم يسمعون أن اسمه سيزين واحدا من  أجمل احياء مدينتهم.

مات فائق حسن قبل أكثر من 30 عاماً بعد أن أثقلت حياته الأفراح والمسرات، اختبأ وراء جدران الفن، لكن جداريته ظلت تطل علينا كل يوم توزع الآمال وتحيي الشجن في القلوب والعيون.

نكتب عن فائق حسن ونبحث معه عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن امثال المعموري ونجاح لا يجلبون لنا سوى الهم الغم.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم