شهادات ومذكرات
محمد عبد الجبار الشبوط: علي المؤمن.. شاخص التاريخ المجيد

شعرت بفرح كبير يقرب من الزهو والافتخار، حين اتصل بي علي المؤمن ذات يوم من عام ١٩٩٨، بصفته مدير المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية ورئيس تحرير إصداراته، والذي تأسس حديثاً؛ عارضاً عليّ ورقة عمل المركز ومحاوره البحثية، وطالباً مني أن أكتب في مجلة المركز. قلت له في إحدى المرات: (أُنظر كيف دار الزمن، أنا الآن أكتب في المجلة التي صرت أنت رئيس تحريرها). فقال لي: (هذا دليل على أنك معلم ممتاز ومؤثر في تلاميذك). كان ذلك تقريباً بعد (١٥) سنة من مغادرتي موقع رئيس تحرير صحيفة "الجهاد" التابعة لحزب الدعوة الإسلامية في طهران. لكن العامل الحقيقي في نجاح علي وصعوده هو ذكاؤه وحرصه على التقدم والإبداع والابتكار.
في الدورة الإعلامية التي أقامها حزب الدعوة الإسلامية في سنة ١٩٨٢، كان لقائي الأول مع أحد طلبة الدورة، الشاب اليافع الذي يفيض نضارةً وأناقة وتهذيباً ووسامة، إنه علي المؤمن البالغ من العمر (١٨) ربيعاً فقط. كانت الدورة التي كنتُ أحد محاضريها الرئيسيين؛ فرصة مهمة لاكتشاف الطاقات الواعدة للعمل في القطاع الإعلامي لحزب الدعوة. وهذا ما توسمته بالشاب علي المؤمن، الذكي اللماح المثابر الطموح؛ فعرضتُ عليه العمل معي في جريدة "الجهاد". ومن هنا نشأت علاقة الزمالة الصحفية معه، تلك العلاقة التي توطدت مع الأيام ومرور السنين.
بمرور هذه السنين؛ كرّس علي المؤمن حياته للبحث والتنقيب والحفريات التاريخية والمعرفية، حتى صار عن حق واستحقاق مرجعاً في المجالات التي اشتغل عليها، وخاصة تاريخ حزب الدعوة والحركة الإسلامية العراقية واجتماعيات الطائفة الشيعية وغيرها من الموضوعات الجادة، التي أصبحت عناوين لسلسلة من الكتب القيمة التي لا يمكن أن يستغني عنها القارئ الجاد والباحث المتطلب. ولم يخطئ حدسي وتوقعي فيه؛ فقد تسلق علي المؤمن سلم المعرفة بجدية بالغة ورسوخ قدم، واستطاع في مرحلة قصيرة، ليس فقط إتقان المهارات الصحفية، وإنما آليات ومناهج البحث العلمي في المجالات التي تناولتها كتبه القيمة ومقالاته الرصينة الكثيرة.
على المستوى التاريخي؛ يمثل علي المؤمن شاهداً وشاخصاً على مرحلة مجيدة محببة إلى نفسي من حياتي تلك التي عملت فيها في صحيفة "الجهاد"، والتي تمثل بدورها مرحلة نقية من مراحل عمل المعارضة العراقية الإسلامية، وبخاصة حزب الدعوة؛ حين كان الفتية الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يبذلون قصارى جهدهم من أجل القضية التي آمنوا بها.
وعلى مستوى الحاضر؛ فإن علي المؤمن واحدٌ من القامات البارزة في سماء الفكر الإسلامي والبحث الاجتماعي. وإذا كنت اليوم أفخر شخصياً بإنجاز علي المؤمن؛ فإنه ليسعدني أن أقدمه أُنموذجاً يحتذى به للشباب الطموح، الذي يستطيع أن يقدم لقرائه مادة معرفية وعلمية لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بغيرها.
خلال مسيرتي الممتدة لنحو (35) عاماً في إدارة المؤسسات الإعلامية، من طهران إلى بيروت، ومن دمشق إلى الكويت، ومن لندن الى بغداد، كنتُ دوماً أكنّ مشاعر الحب والصداقة لمن أعمل معهم، بلغة الزميل، الصديق والأب.
وفي ختام مقالي هذا؛ أود أن أتوجه برسالة مخلصة إلى علي المؤمن، معبراً ببساطة عن مشاعر صادقة: أحبك!
***
محمد عبد الجبار الشبوط
مفكر وباحث وإعلامي من العراق، رئيس شبكة الإعلام العراقي السابق
..........................
(*) الدراسة مستلة من كتاب «علی المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري» إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (50) مفكراً وباحثاً.