نصوص أدبية

صادق السامرائي: الضِباع!!

تَسابقتِ الضِباعُ إلى القتالِ

وأسْدُ الغابِ سَيِّدةُ النِزالِ

*

ضَحاياها ظباءٌ في كِناسٍ

تُصارعُ بَعْضَها دونَ اعْتِقالِ

*

تَعادى كلُّ مَوجودٍ بعُشٍ

تُشيّدهُ المَطامِعُ باكْتفالِ

*

عَوى ذئبٌ تطاردهُ كِلابٌ

فبَرْقَشَتِ الحَواضرَ بالزوالِ

*

تَطايرَ شرُّها والخَيرُ يَنأى

وأجْوبَةٌ بها نَعْيُ السؤالِ

*

أخوَّتُها بلا فِعلٍ وقَولٍ

فعادَتْ نحوَ موقدةِ السِجالِ

*

كبَغلٍ قالَ أمّي ذات أصْلٍ

وصِدقُ القولِ في مُدنِ البِغالِ

*

عَلائمُ قَهْرِها دَوْراً تَناسَتْ

فبَعْثرتِ الجَواهرَ بالجِدالِ

*

فما غنِمَتْ ولا رَجَحتْ برأيٍّ

تُقزِّمُها مَعاييرُ احْتلالِ

*

إذا جاعَتْ خلائقُها أُهينَتْ

وحاقَ حياتَها داءُ  اتّْكالِ

*

أسودُ اليومِ تَحكُمها النَوايا

فتحْرِقُ أمّةً رُغمَ ابْتسالِ

*

قويٌّ في مَواطنها تَهاوى

لضُعْفٍ عَن مُكافَحةِ الهُزالِ

*

سَمِعتُ صُراخَها في قلبِ طفلٍ

تُداعِبهُ المَنايا بالخَيالِ

*

عَجائبُ قدرةٍ في فعلِ شَرٍ

تُسيِّرهُ العواذلُ بالنِبالِ

*

تَكاثرتِ الظباءُ وما تَلاشتْ

وكلُّ فَريسةٍ  رَهنٌ لوالي

*

أ تَرْضى أمّةٌ قنَتاً كَسيْحاً

يُدَحْرجُها لآبارِ الهَوالِ

*

تَفرّقَ جَمْعُها وغَدتْ فتاتاً

وما اعْتَصَمَتْ بواعيةِ المآلِ

*

تَسارعَ ركبُهمْ وبها رُكودٌ

يُؤخِّرُها بقافلةِ الحِصالِ

*

عُقولٌ غادَرتْ وَطنَ ابْتداءٍ

فَسامَ وجودَها فِعلُ ابْتقالِ

*

فَهلْ شَبِعَتْ سِباعُ البينِ مِنها

وهلْ لأسودِها وَقفُ المُحالِ

*

هوَ النفطُ الذي فيهِ احْترَقنا

فلا تَعْتبْ على أجَجِ اشْتعالِ

*

تَوَهَّمْنا بتأريخٍ بَعيدٍ

فتَحْسَبُنا كأنّا في هَبالِ

*

وأنيابُ الوحوشِ تَنالُ قَضماً

وتَنثرنا على سُفحِ انْخِذالِ

*

فخاضِعْ أُسْدَها وارْهَنْ مَصيراً

وعِشْ زمَناً بأيّامٍ عِسالِ

*

وكنْ فيها رَسولاً للتآخي

ومَرْتعةً لمُحْضِرةِ الخَوالي

*

فإنْ لَمْ تنْطلقْ ذئباً ذؤوباً

تدوسُ عَليْكَ سائِمةُ الغَوالِ

*

سَباتٌ في مَرابعها مُقيمٌ

ونكبةُ شَعْبها فوقَ الرمالِ

*

تَهجَّرَ أهْلها والأرضُ شاعَتْ

لأقوامٍ بمَشروعِ انْفِصالِ

*

طيورُ المَوتِ صادِحةً كنسرٍ

تَجوبُ فضاءَها بذرى الأعالي

*

فلا ردْعٌ ولا أمَلٌ بصَيدٍ

لغاراتٍ على نَسقِ التوالي

*

تَبلدَ عاشقٌ مِنْ حُبِّ ليلى

فولّى هارباً صَوبَ الجِبالِ

*

قبائحُها تواصَتْ بانْتشارٍ

فغابَ الشوقُ مِنْ قُبحِ الفِعالِ

*

نَواكبُها بها الأضْغانُ بانَتْ

تُكبّلها بأصْفادٍ ثِقالِ

*

ضِباعٌ في مَكامِنها تآوتْ

فكانَ الصيدُ مِنْ حُصَصِ العِجالِ

*

أسودٌ في توحّشِها أبادَتْ

خَلائقَ غابِها بِشَرى اخْتبالِ

*

وفي زمنٍ بهِ الأزمانُ حارَتْ

تَنافَستِ البَرايا لارْتحالِ

*

فلا وطنٌ يُبادلُها أماناً

ولا أسَدٌ بحالتها يُبالي

*

شرائعُ غابةٍ تَحيا بأرْضٍ

ضَحاياها طوابيرُ اغْتفالِ

*

بها بَشرٌ توالى دونَ أنسِ

يُترجمها بخائبةِ احْتمالِ

*

فواجِعُها على أمَمٍ أصالتْ

فأفْنتْ حالها بقِوى ارْتِجالِ

*

تخابَتْ دارُها حينَ ابْتلاءٍ

وأرْغَمَتِ الغيارى لانْغلالِ

*

كلابٌ أوْهَنتْ أُسُداً تلاحَتْ

عَرائِنها كمَيْدانِ احْتفالِ

*

فسَلْ زمناً وتأريخاً أثيلاً

سَوامقهُ تراءَتْ كالتِلالِ

*

تَزاحَمَتِ الضِباعُ على ثريدٍ

وأسْدُ الغابِ في ضَرمِ انْفعالِ

*

تَلاحمَ جهدُها فغَزتْ أسوداً

فأمْسَكتِ الطرائدَ باحْتيالِ

*

تفرّق جَمعُها والأمُّ ثكلى

تقددَ قلبُها بمُدى اغْتيالِ

*

إذا نطقَ الحَكيمُ بها كلاماً

رمَتهُ كلُّ ناعقةٍ بقالِ

*

وأبيضُ ثورِها يُهْدى لوَحشٍ

وأكلُ جميعِها قيدُ التوالي

*

بَراهينٌ لمأسَدةٍ أقامتْ

على صَدرِ المَرابعِ كالطِلالِ

*

مَلامحُ نَكْسةٍ برَزتْ بعَصرٍ

يُعَنْتِرُ ناكراً مَعْنى النِضالِ

*

وأجْيالٌ يُجَهّلها انْكسارٌ

ويُطعِمُها مَراراتَ انْخذالِ

*

وتَمنحُها الليالي سُوءَ آتٍ

يُكدِّسُها كأمْواتٍ بخالي

*

تفانتْ في مَواضِعها البَرايا

لجُرْحِ الروحِ يا روحَ الرِسالِ

*

تُسائلها شواهدُ مُرتقاها

لماذا الفِعلُ مَنزوعُ الجَلالِ

*

ودَمْععْ من مآقي الكونِ يَجري

على عُصُرٍ مُكنّزةِ المِثالِ

*

وقالَ النورُ من ألمٍ وحُزنٍ

أ هذا الجيلُ مَبتورُ الخِصالِ

*

بدائعُ أمّةٍ في بئرِ سُوءٍ

تطمِّرُها أساطينُ الكَمالِ

*

مُحجبةٌ مصادرةٌ بقمْعٍ

وتَحْرسُها عَفاريتُ اسْتلالِ

*

فَعِشنا ضُدَّ ذاتٍ أو كأنّا

نُناهِضُها بداعيةِ انْسِدالِ

*

مَلأنا عَصرَنا قولاً مَريضاً

فأمْسَينا بمُزمِنةِ اعْتلالِ

*

أساليبٌ مِنَ الأغرابِ جاءَتْ

مُعززةٌ براعيةِ انْشغالِ

*

فعَنْ زمَنٍ توارى في زَمانٍ

تُحدّثنا النواكبُ باعْتِضالِ

*

ودَعها في روافدِها حَيارى

فنهرُ وجودِها رهنُ القَنالِ

*

ألا تَبّتْ يدا زمنٍ عَضوض

يُجابهُ خطوَها برؤى اخْتيالِ

*

تآكلَ جَمعُها والخَطبُ يَسعى

بأروقةِ التوَحدِ بارْتقالِ

*

سَتَرقى أمّةُ الوَجعِ المُشَنى

بداءِ وجودِها رغمَ اخْتمالِ

*

فضوءُ مَصيرِها يُسْقى بعَزمٍ

كما تُذكى المَشاعِلُ من ذُبالِ

*

فيا ليتَ الرسالَ بها مُنيرٌ

وعَزمُ مَسيْرِها نحوَ اقْتبالِ

*

فرأسُ وجودِها عَلمٌ ونارٌ

وما عَهدتْ بها حالَ الذِيالِ

*

وسَوفَ تسيرُ في وثَبٍ وجِدٍّ

إلى هَدفٍ بأرْوقةِ النَوالِ

*

يَخافُ اليأسُ منْ شررِ انْسجارٍ

فأجّْجْ نارَها برؤى الكمالِ

*

فهلْ أنوارُها سَطعتْ بآتٍ

يُعللنا برائعةِ المِثالِ

*

ففعِّلْ عَقلَ أمَّتنا لمَجْدٍ

ولا تَجْهلْ أفانينَ الصِقالِ

*

بها أممٌ على أفقٍ تَسامَتْ

وبعضُ جُموعِها رهنُ الخِشالِ

*

بُدورُ مَسيرةٍ بَزغتْ بليلٍ

وإنّ البدْرَ مِنْ نَسْلِ الهلالِ

***

د. صادق السامرائي

في نصوص اليوم