آراء
عبد الأمير الركابي: الرؤية الكونية العراقية ما بعد الابراهيميه (4)

حينما كانت ضرورات التعبيرية اللاارضوية تتجه الى الاعلان كانت اشتراطات اليدوية والقصورية العقلية الغالبة تستدعي نوعا من تعيين المصدر بظل حال من التفارق الازدواجي احدهما غالب والاخر منكر وغير وارد ادراكا، ولا شك ان مانتحدث عنه هو " تاريخ" واليات وشروط كانت تفعل فعلها في غمرة الاصطراعية اللاارضوية الارضوية ذاتيا في موضع الاذدواج كما على المستوى الاعم لاحقا، وحيثما كانت الظروف تنضج وتتهيا الاباب للنطقية غير التحققية فان عالم اللاارضوية يكون بحاجه الى الاعلان عن مصدره الذي هو "السماء" و "والوحي" اي السيرورة مابعد اليدوية الارضوية الحاكمه والناظمة للوجود والتي هي خارج الادراك كليا.
ولامعدى هنا من ان تحضر القوة الخارقة العليا الخالقة والمطكلقة القدرة حتى توازن وتفرض على الارضوية حضورها مع ان الاخيرة تفلح اخيرا في تقليص مجال الرؤية المجتمعية الاخرى وتدفع بها خارج المجال المجتمعي المعاش والملموس محولة اياها ل " الدين" وهكذا تتولد الاليات الناظمه للاصطراعية الازدواجية مكرسة المجتمعية الارضوية مع الاختراقية اللاارضوية الحاضرة في الكينونة البشرية، ونحن قد صرنا على دراية بالتفاعلية القائمه بين الافكار والواقع ومايعرف بالبنى التحتيه والفوقية والاشتراطات التي تواكبهما وان كان هذا الباب من المعرفة قد ظل كما متوقع احاديا لايرى من التفاعلية جانب الازدواجية والحضور العقلي، فضل يسقط من الاحتساب جانب الاشتراطات اللاارضوية وحضورها ومايعين وجهتها نحو مالاتها، ولا احد يبحث من هذه الناحية او يمكنه ذلك في ابنى اللاارضوية التحتيه وماتؤل اليه فوقيا الامر النتعدي لما متاح للعقل البشري من قدرة على الاحاطة حتى اليوم.
لماذا وبناء لاية محركات يذهب شخص جزيري ابن صحراء معزولة، غير معروف باي تميز خاص، للعبور الى العالم اللاارضوي، ويكون في غمرته واجمالي نطقيته، ويكون احد عبقرياته الاختراقية المميزه، بينما هو يرفع رايه الوحي والتوجيه اللاارضوي السماوي، وكذا موسى الذي هو سرجون الاكدي، او السيد المسيح، وهم الثلاثة الاختراقيين العمليين بعد الطور الاول التحضيري الممتد من ابراهيم الى موسى، والمتفاعلين وجودا وفعلا مع الانصبابة الرومانيه الفارسية، اختراقا مضادا للامبراطوريات الاحادية الارضوية، يحضر اللاارضوية واقا ازدواجيا من الصين الى اوربا، هذا ليس ثمة من شك بان جانب الاليات التاريخيه المتعلق بالمجتمعية اللاارضوية مايزال خارج البحث تماما، ومن ثم خارج الادراكية البشرية المتوفرة الى الان، الامر الذي لايلقي بالاحرى بظله الثقيل على مجرد ادراك ديناميات ظاهرة مجتمعية اساسية، بظل الحال الراهن حيث الغلبة المطلقة للمنظور اليدوي بحلتة التوهمية الالية الحداثية العصروية الاوربية الغالبة والكاسحة، النافية كليا لاحتمالية الحضور اللاارضوي، بالاخص مع استشراء ظاهرة الوطنية الزائفة، والرغبة الجامحة في لبس معطف الاخر.
ليس العراق ولا الشرق المتوسطي تعبير واحد هو مامعاش على مستوى الافكار والدول منذ حلت انعكاسات الانقلاب الاوربي الالي، وماقد حصل من حينه الى اليوم لم يكن مجرد انعكاس احادي على المنظور والمتعارف عليه ظاهرا على مستوى المجتمعيات في المنطقة، مع اغفال الديناميات اللاارضوية عموما وفي موضع اللاارضوية الاساس حيث الانبعاثية الحديثة السومرية التي تبدا مع القرن السادس عشر، مستبقة الانقلاب الالي الاوربي، لتظل في حال تفاعل على مدى يزيد على اربعة قرون خارج الملاحظة، فضلا عن الادراك، بينما تحضر مظاهر التشبهيه الارضوية الايديلوجية والنموذجية المصرية ومثالها محمد علي الالباني او القومية بلا آليات والطبقية بلا طبقات ولا بنية اولاتاريخ طبقي.
كيف يجوز النظر الى موضع من العالم حكمته وقررت تاريخه ظاهرتان وقوتان برغم القفزة "العلمية" الحداثية العقلانيه، احاديا وعلى انه مجرد كينونه وبنية ارضوية ممثله في الظاهر والملموس المعاش اليومي، بلا تحر في الديناميات الاخرى التي هي تكوين بنيوي اثبت تاريخيا حضوره الحاسم والفاصل، من دون اسقاط الاحتمالية التاريخيه "التطورية" بما يعني البحث اليوم في "اللاارضوية الالية"، لا تلك الاولى الابراهيمة الحدسية النبوية المطابقة للطور اليدوي من التار يخ المجتمعي، مع مايقتضية المطلوب المسقط من الاعتبار من قلب لكل ماهو متداول من منظور يخص المتغير الاخير الانتقالي الحاصل كابتداء، من اليدوية الجسدية الى الالية التكنولوجية العقلية، خلافا للمفهوم والمنظور الاوربي التوهمي عن الالة ومنطوياتها.
يبقى الفاصل الخطير هنا بين الانطقية والنطقية المقرونه بخروج العقل البشري من قصوريته التاريخيه المجتمعية وعجزه عن ادراك الحقيقة الازدواجية، فهل القرون الاربعة الواقعه على اللاارضوية الحديثة السومرية الرافيدينه، قابلة او هي منطوية على مايمكن ان ياخذها الى النطق بظل انتهاء الاحادية الارضوية عالميا وعراقيا بالدرجة الاولى مع بدء انهيار الدول الارضوية وقرب زوالها وحلول التازم الاعظم المجتمعي العاليم الناجم عن التفارقيبة المتنامية بين وسيلة الانتاج مافوق الجسدية " التكنولوجيا العليا" والجسدية اليدوية وقرب حضور الانتاجية العقلية، لقد تجلت اللاارضوية العراقية ثلاث مرات بلا نطقية في ثورة العشرين في القرن العشرين وفي ثورة تموز 1958 وفي عام 2019 مع انتفاضة تشرين المذبوحه.
ليست بابل ولا الفرعون من حرر المنطقة من الرومان والفرس وليس ماقد ساد من اشكال حداثيات وايديلوجيات ونظم برانيه في المنطقة هي القوة القابلة للتفاعل مع الانقلابية التوهميه الغربية وانعكاساتها او العنصر التكوني الدال على المنطقة وكينونتها وبنيتها، علما بان هذا الجزء من العالم قد تحول اليوم ومنهنا فصاعدا الى بؤرة انقلابيه نوعية تاريخيه وليست اوربا المؤقته الحضور والطارئة غير المؤهلة بنيويا للتفاعل الضروري مع الانقلاب العقلي بعد البدئية الجسدية وقد بلغ نقطة الانعطاف الفعلي اللاارضوي العقلي، باتظار الرؤية الكونية التي تبدا اليوم ومن هنا فصاعدا بانتظار معركة مفهومية هي الامضى والمختلفة كليا ونوعا عما عرفه التاريخ البشري .. وموضع الانطلاق الصعب هو ارض مابين النهرين المنهارة والتي تفنى اليوم فاءها الاخير النطقي التحولي.
ـ انتهى ـ
***
عبد الأمير الركابي