قضايا
غالب المسعودي: سرديات تاريخية في السياق

العزلة عند سيوران، الوحدة عند ابن عربي والولادة عند المعري
تجربة العزلة لدى (سيوران) ليست مجرد اختيار، بل هي نتيجة طبيعية لفهم عميق للوجود، حيث يتجلى ذلك كشعور بالغربة عن الذات والعالم، هذا الفهم يقود إلى انفصال عن الألفة وهو شعور مستمر تغذيه تجربة العزلة، لدى (إميل سيوران) تتمثل تلك الحالة بشكل معقد تتجاوز الاختيار الشخصي وهي نتيجة طبيعية لفهم عميق للوجود، (إميل سيوران) يرى أن الفهم العميق للوجود يقود إلى إدراك عدم الاستقرار والعبثية مما يعزز شعور العزلة، هذا الفهم يمكن أن يؤدي إلى انفصال عن الهوية الذاتية، حيث يشعر الانسان بأنه غريب عن ذاته وتزداد معاناته عندما يصبح الوعي بالوجود عميقا وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الألفة مع العالم، ما يغذي شعور العزلة هو ان يعيش الانسان في حالة من الاغتراب المستمر، حيث تتداخل مشاعر الارتباط والانفصال، يسعى (سيوران) لفهم المعاني العميقة للحياة، هذا بطبيعته يخلق شعورًا بالضياع في عالم يبدو بلا معنى بدلاً من أن تكون العزلة خيارًا، تصبح جزءًا من تجربة الحياة،، مما يعكس تحديات الوجود الإنساني و يتيح له استكشاف هويته الحقيقية، عندما ينفصل الانسان عن مفهومه التقليدي للذات، يمكنه استكشاف أفكار جديدة وتجارب متعددة، تعزز النمو الشخصي، الانفصال عن الذات يمكن أن يؤدي إلى تقبل عدم اليقين في الحياة، و يحرر الانسان من الضغوط المرتبطة بتوقعات معينة حيث يتمكن من رؤية نفسه من منظور جديد، بعيدًا عن الأفكار المحدودة في بعض الفلسفات، يُعتبر الانفصال عن الذات خطوة نحو تحقيق حالة من الوعي الروحي أو الاتحاد مع الكون مما يسمح للفرد بالتعبير عن نفسه بشكل أكثر صدقًا، رغم أن الانفصال عن الذات قد يكون مصحوبًا بشعور من الغربة، إلا أنه يمكن أيضًا أن يُعتبر تجربة تحررية تسهم في التطور الشخصي .
الزمن فلسفيا
الزمن في الفلسفة يُعتبر عبئًا ثقيلًا، خصوصًا في سياق تجربة العارف. يُنظر إلى الماضي كشيء يتلاشى، مما يجعل الذكريات تبدو بعيدة وغير ذات معنى، مما يساهم في شعور الفقد، المستقبل لا يحمل أي وعود، تجعل العارف يشعر بعدم الأمان والقلق، و يفقد الأمل في التغيير أو التحسن، هذا الوعي بالزمن يمكن أن يؤدي إلى شعور عميق بالعزلة، حيث يشعر العارف بأنه محاصر بين الماضي المتفكك والمستقبل الغامض، عندما يصبح الزمن موضوعًا للتأمل الفلسفي، يسعى العارف لفهم كيف يتداخل الزمن مع الوجود والمعنى مع عدم قدرة الآخرين على فهم هذه التجربة الزمانية والمكانية، يشعر العارف بالعزلة، مما يزيد من شعوره بالفراق عن العالم، ويصبح الزمن دافعًا للبحث عن معنى أعمق للحياة، يدفعه إلى التأمل في حالته الوجودية ويتحدى مفهوم الاستمرارية الزمانية، هذا يجعله يعيد التفكير في كيفية تأثير الزمن على التجربة الإنسانية، تظهر هذه الديناميات كيف أن الزمن، بدلاً من أن يكون مجرد إطار ، يصبح عنصرًا سياقي معقدًا يُضيف عمقًا لتجربته ، مما يعكس التوتر بين الوجود والزمن.
الشعور بالعبء
يمكن اعتبار الشعور بالعبء الزمني نوعًا من المعاناة الوجودية عند ابن عربي، في رؤياه يعكس الزمن مفهومًا عميقًا يتعلق بالوجود والعدم، حيث يبرز الصراع بين اللحظة الحالية وما يتجاوزها، ابن عربي يتناول الزمن كحالة من التحول المستمر، مما يخلق شعورًا بالقلق وعدم الاستقرار ايضا. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى تأملات حول معنى الحياة والوجود، يمكن ربط الشعور بالعبء الزمني بالفناء عند ابن عربي. في رؤياه يعتبر الفناء مفهومًا مركزيًا يرتبط بالتحول والانتهاء، الزمن بصفته عنصرًا حيويًا في تجربة الإنسان، يبرز الفكرة أن كل شيء في العالم موقت وعابر، ابن عربي يعتبر أن الفناء هو الطريق للوصول إلى البقاء الحقيقي في الوحدة، في هذا السياق، يمكن أن يُفسر الشعور بالعبء الزمني كنوع من الوعي بالزوال، مما يدفع الفرد للتأمل في طبيعة وجوده وعلاقته بالكون رغم ان هذا العبء الزمني يمكن أن يؤدي إلى شعور بالقلق، لكنه أيضًا يفتح أبوابًا للتصوف والتقرب إلى الله، حيث يسعى الإنسان لتجاوز المظاهر الزمنية نحو الجوهر الأسمى. مفهوم الفناء في "فصوص الحكم" عند ابن عربي يرتبط بتجاوز العبء الزمني والفناء ويُعتبره عملية تحرر من القيود الزمانية والمكانية. عندما يختبر الشخص الفناء، يتحرر من مشاعر القلق المرتبطة بالزمن والوجود، مما يتيح له الوصول إلى حالة من السكون والهدوء، الفناء يُفضي إلى تجربة الوحدة مع الله والكون. في هذه الحالة، يُدرك الفرد أن الزمن ليس سوى وهم، مما يُعزز الإحساس بالاتحاد مع كل ما هو موجود، الفناء يساعد في تجاوز الازدواجية بين الذات والعالم الخارجي، من خلال تجربة الفناء، يُمكن للفرد أن يتجاوز الشعور بالانفصال ويتيح للفرد أن يدخل في تجارب روحية عميقة، حيث يُمكنه أن يشعر بوجوده في اللحظة الازلية، بعيدًا عن الهموم المتعلقة بالماضي أو المستقبل، يُعزز الفناء في "فصوص الحكم" من قدرة الفرد على تجاوز العبء الزمني، مما يفتح له آفاقًا جديدة من الوعي والاتحاد مع الوجود. عندما يشعر الفرد بأنه جزء من الكون، تقل مشاعر القلق والتوتر وتفتح الأبواب لتجارب روحية تعزز من حالة السكون، حيث يُمكن للفرد أن يختبر اللحظة الحالية بالكامل، بعيدًا عن الضغوط الزمنية، من خلال الفناء يُمكن للفرد أن يتواصل مع ذاته الحقيقية، مما يُؤدي إلى شعور بالطمأنينة والهدوء الداخلي بهذا الشكل، يرتبط الفناء بحالة السكون والهدوء بشكل عميق، حيث يُعتبر وسيلة للتخلص من الضغوط الزمنية وتحقيق السلام الداخلي.
عبء الولادة عند سيروان وابن عربي والمعري
الشعور بعبء الولادة عند سيروان وابن عربي والمعري يشمل موضوعات عميقة تتعلق بالوجود والمعاناة (سيروان) يعبر عن شعوره بالعبء من خلال تصوير الألم والفراق، حيث يرى الولادة كعملية تحمل في طياتها معاناة جديدة. يستعرض التوتر بين الفرح والحزن، ويعكس مشاعر القلق حول المستقبل، ابن عربي من خلال الصوفية، يتناول الولادة كمرحلة من مراحل التحقق الروحي. يرى أن المعاناة جزء من رحلة الروح نحو الكمال، حيث إن الولادة تعني بداية جديدة تحمل فيها الروح عبء التجربة الإنسانية بينما المعري، بشعره المليء بالتشاؤم، ينظر إلى الولادة كعبء ثقيل. يعبر عن فكرة أن الحياة مليئة بالآلام، وأن الولادة ليست سوى بداية لمشقة مستمرة. استخدامه للغة القاسية يعكس إحباطه من الوجود.
السياق التاريخي
سيروان يتعامل مع الولادة كعبء شخصي وعائلي، حيث يرتبط ذلك بالمسؤوليات التي تقع على عاتق الأفراد في زمن الاضطرابات. يتجلى فيها الصراع بين الأمل والقلق، ابن عربي عاش في عصر الازدهار الفكري والديني في الأندلس، حيث كانت الصوفية في أوجها، يرى الولادة كجزء من رحلة روحية نحو الكمال. يستمد أفكاره من الطرق الصوفية، حيث يعتبر المعاناة فرصة للتطور الروحي، مما يعكس تأثير البيئة الروحية التي عاش فيها في حين المعري ينتمي إلى فترة من الشك والقلق الفكري، حيث انتشرت أفكار التحدي للسلطات التقليدية والدينية، يعبر عن تشاؤم عميق تجاه الحياة، ويرى الولادة كعبء ثقيل، مما يعكس إحباطه من الفساد والمعاناة التي يراها في المجتمع. يستخدم لغة قاسية للتعبير عن موقفه من الوجود يمكن ان نستنتج ان الشعراء والفلاسفة تتأثر رؤاهم بشكل ملحوظ بالظروف السياسية، حيث تعكس تجاربهم الشخصية والبيئية. كل شاعر يتفاعل مع واقعه بطريقة تعكس قلقه وآماله، مما يزيد من عمق معانيهم حول عبء الولادة، العزلة والوحدة.
***
غالب المسعودي