قراءة في كتاب

حيدر عبد الرضا: إضاءة في الكتاب النقدي "تطور الرواية الحديثة" لجيسي ماتز

التأملات الحداثية في الجسد الروائي المابعد حداثي

توطئة: قد لا تكون بنا تلك الحاجة اللجوجة في البحث والمناقشة المتقصية في كتاب (تطور الرواية الحديثة) لجيسي ماتز التي قامت الروائية والمترجمة القديرة الأستاذة لطفية الدليمي إلى نقله من اللغة الأنكليزية إلى العربية بجهود غاية في الدقة والأمانة الموضوعية، خصوصا بعد مقدمتها المطولة عن محتويات الحالات المفهومية ــ الإجرائية، والتي نستشف منها بأن الأستاذة الدليمي عاشت مراحل كينونية خاصة مع هذا المنجز القيم، وقد وضحت الدليمي الشواهد الجديدة في ممارسة آليات  ماتز على وحدات هذا المشروع النقدي الأخاذ حقا. الحقيقة أن القارئ لهذا الكتاب سوف يواجه حالات انطباعية دون شك في مقادير إجرائية الباحث للمفاهيم والمصطلحات وبعض المؤولات التي راح فيها الباحث متشعبا في الإحاطة والرؤية للممارسة البحثوية للنصوص والظواهر الأسلوبية المدروسة في مشروعه النقدي والذي جاءنا ضمن حدود ثلاث كلمات (تطور ــ الرواية ــ الحديثة) وهذا الأمر ما يعنيه بذاته أن جيسي ماتز يتجلى في مقارباته مراحل زمنية منفصلة وواصلة من نمو المستوى الروائي، ولكن ما هو غالب في أهمية الكتاب موضع بحثنا الإشكالية في تقبل ورفض تشكلات موضوعات الأطروحة لدى ماتز، خصوصا في ما جاء في بعض فصول الكتاب ك(الأشكال الجديدة: إعادة تشكيل الرواية ــ ما هو الواقع: الأسئلة الجديدة ــ المعضلات الجديدة) لعل مردود استنتاجات الباحث كانت ناتجة عبر هذه الفصول إلى ركائز الأحوال الانطباعية في مخيلة الباحث، وصولا بها إلى رؤية تحولات الرواية مرحلة عكستها الوظيفة المتشظية والمرور السريع حول الزمن الأجماعي في شواغل الموضوعات، ولو افترضنا بأن ما اشار إليه الباحث هو التداولية في الاحوال النصية هي ما جعلت من سياقات الروايات وكأنها: (ما الذي تبقى إذن للرواية الحديثة ؟ ما الشكل الذي ستكون عليه هذه الرواية بعد خسارتها إيمانها بالأصالة والفن والقدرة التميثيلية وإمكانية اجتراح الغير. م ص288)و مع ذلك نلاحظ أن الباحث في الوقت نفسه يطرح في فصول متقدمة هو ضرورة إنفكاك الرواية من سياقات موضوعاتها النمطية التي بدورها موازية إلى مقادير النشأة والأصالة في محدودات الرواية الكلاسيكية. أنا شخصيا أرى أن في مقاربات الباحث في بعض فصوله حالات اجترارية نوعا ما، خصوصا فيما يتعلق بمسألة الحداثة وما بعد الحداثة الروائية، لذا لمحناه يتناول الأطر القيمية من أبواب معروفة وقد أصبحت من الاتفاقيات المطروحة في الساحة النقدية.

ــ الرواية والاستجابة ما بعد الحداثوية

من المؤكد أن الرواية عبر اختلافاتها ومبايناتها الدلالية، قدمت لنا ممكنات خاصة تتعلق في حدود (التشظي = التفتيت) أو (اللاتحديد) أحيانا الانزياح في مواطن تفاعلية غير واضحة أقول عموما جاءتنا أغلب فصول الكتاب بقراءات مستفيضة بالكوامن الرصينة، لذا بدت بعض مواضع الفصول وكأنها ذلك الارتداد اللانهاية من نطاق الحداثية وتأصيلاتها النوعية.

1ــ المشهد الروائي ونزوعات الواقعية الموثقة:

ما أراد الباحث جيسي ماتز التأكيد عليه هو الكيفية التي سادت فيها المشهدية الروائية وخصوصا الأمر متعلقا بتلك الحياة الواقعية في صميم المحتوى اليومي المقرر والفج. لعل ما أراد الحديث عنه الباحث هو ما يتعلق بالواقعية الشكلية أي فيما يختص فيه الأمر بجعل الصورة الشكلية هي الأداة المعبرة عن حقيقة الواقع شكلا ودالا. وهذا الأمر بدوره عانى منه الكثير من النقاد وهم يواجهون عملية استنساخ الواقع ضمن ذات التمظهرات والرائحة والطعم، لذا فهي الواقعية المستنسخة ليس فقط مما توصل إليه جيسي ماتز، بل هي مطروحة منذ عقود طويلة خلت.

ــ تعلق القراءة: لعل كتاب (تطور الرواية الحديثة) هو النقطة التي تراجع وتمهد فيها مفاهيم الرواية. فالكتاب يفتح على القارئ احتمالات لا نهائية في رحلة المعاني ودلالات السرديات المطمورة والبارزة، حيث الحياة القارائية من خلال فصول الكتاب بدت وكأنها القراءة في الرواية عبر صورها الأولى واللانهائية من سلسلة مؤولات النقد والناقد الأدبي والثقافي. ويحاول الباحث جيسي ماتز في كتابه موضع بحثنا أن يتعامل مع الحيز الروائي بفعله المادي وفعله المعنوي: فتراه لا يكاد يتوقف عن التطواف في الخرائط الإجرائية، فهو أبن بطوطة الغربي في الرواية، ويساوي فعل السفر فعل الكتابة. ولعل الجديد في مباحث فصول الكتاب هو ذلك السلوك الفردي الذي اختار أن يتعامل مع الأساليب الروائية ومحاورها الأدبية بذات الفراسة الجديدة في الكتابة ومسارات سبلها الإجرائية المؤثرة.

***

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم