علوم

حسن عجمي: الفيزياء السوبر خلاقة والجُسيمات ما دون الذرية

الفيزياء السوبر خلاّقة تدرس الكون على أنه برنامج سوبر خلاّق مُنتِج للمعلومات. بكلامٍ آخر، بالنسبة إلى الفيزياء السوبر خلاّقة، يتكوّن الكون من برامج سوبر خلاّقة لكونها فعّالة في إنتاج المعلومات. من هنا، تبني الفيزياء السوبر خلاّقة حقلاً علمياً يُعنَى بصياغة فرضيات قادرة على وصف وتفسير ظواهر وحقائق الكون على أنها برامج مُنتِجة للمعلومات. وتنشأ فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة ضمن الفيزياء السوبر خلاّقة لتؤكِّد على أنَّ الجُسيمات ما دون الذرية برامج إنتاج للمعلومات. هكذا تغدو الجُسيمات فعّالة بدلاً من منفعلة.

تقول فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة إنَّ الجُسيمات ما دون الذرية كالإلكترونات هي صيرورات إنتاج للمعلومات. بذلك الجُسيمات سوبر خلاّقة من جراء إنتاجها للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة سلفاً. تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا يتصرّف الجُسيم كالإلكترون على أنه جُسيم وموجة في آن رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة. كما تنجح هذه الفرضية في تفسير كيف من الممكن للجُسيم نفسه أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت عينه. واعتبار أنَّ الجُسيمات صيرورات إنتاج للمعلومات ليس سوى اعتبار الجُسيمات برامج إنتاج للمعلومات فالصيرورة برنامج متكرِّر. من هذا المنطلق، تؤكِّد فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة على أنَّ الجُسيمات برامج إنتاج للمعلومات.

الجُسيمات ما دون الذرية برامج سوبر خلاّقة

من الممكن علمياً وصف وتحليل الجُسيمات ما دون الذرية على أنها وظائف رياضية حسابية [1] . هذا يشير إلى أنَّ الجُسيمات برامج رياضية حسابية مما يتضمن أنَّ الجُسيمات برامج سوبر خلاّقة لكونها مُنتِجة للمعلومات تماماً كما المعادلات الرياضية الحسابية مُنتِجة للمعلومات. هكذا الجُسيمات ما دون الذرية فعّالة من جراء إنتاجها للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة مُسبَقاً مما يُفسِّر لامُحدَّدية إن كانت الجُسيمات جُسيمات أم موجات ولامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة. فبما أنَّ الجُسيمات ليست معلومات مُحدَّدة سلفاً، إذن من المتوقع أن تكون الجُسيمات غير مُحدَّدة إن كانت جُسيمات أم موجات كما من المتوقع أن تكون قطة شرودنغر (المُعبِّرة عن الجُسيمات ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية) غير مُحدَّدة إن كانت حيّة أم ميتة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية الجُسيمات وعلى ضوء نجاحها التفسيري تكتسب صدقها. وبما أنَّ الجُسيمات برامج سوبر خلاّقة بينما الكون يتكوّن من جُسيمات، إذن الكون برنامج سوبر خلاّق أو برامج سوبر خلاّقة مُنتِجة للمعلومات بدلاً من أن يكون الكون معلومات مُحدَّدة سلفاً.

هل الجُسيم جُسيم أم موجة؟

بالنسبة إلى ميكانيكا الكمّ، الجُسيم يتصرّف على أنه جُسيم وموجة في الوقت نفسه رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة [2] . أما فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فتنجح في تفسير غرائبية تصرّف الجُسيمات. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، الجُسيم صيرورة إنتاج معلومات كمعلومات عما يتكوّن ومعلومات عما يُحتمَل أن يكون. من هنا، الجُسيم يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أنه جُسيم فيتصرّف على أنه جُسيم كما يُنتِج معلومة أنه من المحتمل أن يكون نقيض الجُسيم أي موجة فيتصرّف على أنه موجة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لماذا تتصرّف الجُسيمات على أنها جُسيمات وموجات معاً رغم أنَّ الجُسيم نقيض الموجة مما يدلّ على أنها فرضية صادقة. والسؤال الآن هو التالي: هل الجُسيم جُسيم أم موجة؟ تجيب فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة قائلة بأنَّ الجُسيم صيرورة تُنتِج معلومة تجعل الجُسيم يتصرّف على أنه جُسيم وتُنتِج أيضاً معلومة أخرى تجعل الجُسيم نفسه يتصرّف على أنه موجة نقيض الجُسيم. من هنا، الجُسيم ليس جُسيماً ولا موجة بل هو برنامج إنتاج معلومات حيال كلّ ما يُحتمَل (فيزيائياً) أن يكون عليه كاحتمال أن يكون جُسيماً واحتمال أن يكون موجة وعلى ضوء تلك المعلومات يتصرّف وكأنه جُسيم وكأنه موجة.

تواجد الجُسيم في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه

ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية، من الممكن للجُسيم ذاته أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه. وهذا مُستغرَب لأنَّ الشيء نفسه لا يوجد في أمكنة متعدّدة في الوقت عينه [3] . أما فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فتنجح أيضاً في تفسير الحقيقة العلمية السابقة وذلك على النحو التالي: بما أنَّ الجُسيم ما دون الذري هو صيرورة إنتاج معلومات، وعلماً بأنَّ الصيرورة نفسها قد توجد في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه، إذن من الممكن للجُسيم أن يوجد في أمكنة مختلفة في الوقت عينه. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة (التي تُحلِّل الجُسيمات على أنها صيرورات إنتاج للمعلومات) في تفسير كيف من الممكن للجُسيم أن يوجد في أمكنة متعدّدة في الوقت نفسه. وهذا النجاح دليل على صدق فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة. من هذا المنظور، الجُسيم ليس شيئاً لكي يستحيل وجوده في أمكنة مختلفة في الوقت نفسه بل هو صيرورة أي برنامج إنتاج للمعلومات مما يمكّنه من الوجود في أمكنة متعدّدة في الوقت عينه.

هل قطة شرودنغر حيّة أم ميتة؟

من منطلق ميكانيكا الكمّ، قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة. في هذا الاختبار النظري ضمن نظرية ميكانيكا الكمّ، قطة شرودنغر موجودة في صندوق مُغلَق وداخل الصندوق توجد مادة من المحتمل أن تكون قاتلة. واحتمال أن تقتل تلك المادة قطة شرودنغر يساوي احتمال أن تلك المادة لن تقتل تلك القطة. وبذلك من غير المُحدَّد إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة مما يتضمن أنها ليست حيّة ولا ميتة. وهذا مُستغرَب جداً [4]  . لكن فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة تنجح في تفسير كيف من الممكن لقطة شرودنغر أن تكون ليست حيّة ولا ميتة. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، قطة شرودنغر (التي تمثِّل حال الجُسيمات ما دون الذرية) هي صيرورة إنتاج معلومات كمعلومة أنها حيّة أو أنها ميتة كسائر القطط. ولكن بما أنها وُضِعت، في الاختبار النظري السابق، في صندوق مُغلَق فباتت منعزلة عن العالَم خارج صندوقها، إذن هي لا تُصدِر فلا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة (فإنتاج المعلومات يستلزم إصدارها والعكس صحيح). وبما أنَّ قطة شرودنغر لا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة بينما الموجودات تتكوّن على ضوء ما تُنتِج من معلومات، إذن من المتوقع أن تكون قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة وبذلك من غير المُحدَّد إن كانت حيّة أم ميتة. هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة.

قطة شرودنغر ليست حيّة ولا ميتة لأنها لا تُنتِج معلومة أنها حيّة ولا معلومة أنها ميتة. إن كانت حيّة، فلا بدّ من أن تُنتِج معلومة أنها حيّة. وإن كانت ميتة، فلا بدّ من أن تُنتِج معلومة أنها ميتة. ولكنها لا تُصدِر فلا تُنتِج أيّة معلومة من المعلومتيْن السابقتيْن (لكونها في صندوق مُغلَق ومنعزل عن العالَم الخارجي). لذلك هي ليست حيّة ولا ميتة. أما المعلومة التي تُنتِجها قطة شرودنغر (وهي في الصندوق المُغلَق) فهي معلومة احتمال أنها ميتة واحتمال أنها حيّة بدلاً من معلومة أنها ميتة أو معلومة أنها حيّة. وبكلامٍ آخر، قطة شرودنغر برنامج إنتاج للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة سلفاً مما يفسِّر لامُحدَّدية إن كانت قطة شرودنغر حيّة أم ميتة. من المنطلق نفسه، الجُسيمات ما دون الذرية برامج إنتاج للمعلومات بدلاً من أن تكون معلومات مُحدَّدة مُسبَقاً. ولذلك من غير المُحدَّد إن كانت الجُسيمات جُسيمات أم موجات (نقائض الجُسيمات). هكذا تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير لامُحدَّدية الجُسيمات ما دون الذرية. وهذا النجاح يشير إلى أنها فرضية صادقة.

التشابك الكمي

تصف ميكانيكا الكمّ التشابك الكمي على أنه ارتباط جُسيميْن أو أكثر وامتلاك الجُسيمات للحالة الكمومية نفسها وإن تباعدت تلك الجُسيمات عن بعضها البعض بمسافات هائلة. أما الحالة الكمومية فهي التي تعيِّن الاحتمالات ضمن النظام الفيزيائي للجُسيمات. في حالة التشابك الكمي، صفات الجُسيم معتمدة على صفات الجُسيم الآخر وإن كانت تلك الجُسيمات متباعدة عن بعضها بمسافات كبيرة وكأنها في اعتمادها على بعضها البعض تتواصل عن بُعْد أو كأنها تشكِّل كينونة واحدة رغم أنها جُسيمات مختلفة متباعدة عن بعضها. وبذلك في حالة التشابك الكمي بين جُسيميْن، لا نستطيع معرفة جُسيم من دون معرفة الجُسيم الآخر [5] . والتشابك الكمي مُستغرَب أيضاً من جراء تشابك الجُسيمات رغم ابتعادها عن بعضها. لكن تنجح فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة في تفسير التشابك الكمي على النحو التالي: من الممكن حدوث التشابك الكمي لأنَّ الجُسيمات برامج بينما البرامج من الممكن دمجها ولذلك من الممكن دمج الجُسيمات وهذا ما يُعرَف بالتشابك الكمي. فحين تندمج البرامج تتواصل وتشكِّل كينونة واحدة. وارتباط تلك الجُسيمات رغم المسافات الكبيرة الفاصلة بينها مُتوقَع لأنها تشكِّل برنامجاً واحداً والبرنامج نفسه من الممكن أن يوجد في أمكنة مختلفة ومتباعدة. من هذا المنطلق، من الممكن للجُسيمات أن تندمج (لكونها برامج) فتشكِّل برنامجاً واحداً مما يفسِّر التشابك الكمي بين الجُسيمات.

فرضية علمية

فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فرضية علمية لأنها قابلة للاختبار. بالنسبة إلى فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة، الجُسيمات ما دون الذرية هي صيرورات وبرامج   إنتاج للمعلومات. وبذلك إذا وُجِد جُسيم ما دون ذري لا يُنتِج أيّة معلومة، فحينئذٍ فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة فرضية كاذبة. من هنا، فرضية الجُسيمات السوبر خلاّقة قابلة للاختبار. وبذلك هي فرضية علمية.

*** 

حسن عجمي

......................

المراجع

[1] Shan Gao (Author): The Meaning of the Wave Function: In Search of the Ontology of Quantum Mechanics. 2017. Cambridge University Press.

[2] Anastopoulos, Charis (Author): Particle or Wave. 2008. Princeton University Press.

[3] Peebles, P. J. E. (Author): Quantum Mechanics. 2020. Princeton University Press.

[4] John Gribbin: In Search of Schrodinger’s Cat: Quantum Physics and Reality. 2025. Penguin.

[5] Silverman, Mark P. (Author): Quantum Superposition: Counterintuitive Consequences of Coherence, Entanglement and Interference. 2008. Springer.

في المثقف اليوم