أقلام ثقافية

نسرين إبراهيم: الزمن الذي تقيسه القلوب، لا الساعات

صاحب الظل الطويل والعيون السومرية

صوته يشبه هدير الفرات، مبحوحًا، مبلّلًا بنداءٍ قديم. لطالما كان ينادي الفراتية لتخبره بالوقت… كأنها الساعة التي يرى، والتي ينتظر منها أن تدله على بقايا الزمن الضائع.

يجلس قرب الباب، على ذلك الكرسي الذي بدا كأنه رجل كهل، هرم من ثقل ما حمله من صمت وذكريات، كأنه هو الآخر شاركنا أعمارنا، وحمل عنا ما لم نقدر على قوله.

أحيانًا يتوقف الزمن عن العد حين يثقل القلب بالانتظار، وهذا ما حدثنا عنه صاحب الظل الطويل، عن تلك اللحظات حين كان ينتظر عودة ابنه من ساحات القتال… والمفارقة أنه لم يعد ينتظر أحدًا بعد أن عاد ابنه في صندوقٍ محمول.

لم تعد الساعات تعنيه، كأن الزمن قد فقد معناه، وكأن طول الوقت أو قصره لم يعد يُحتمل، لأنه لم يعد هناك ما يملأ انتظاره.

لطالما تساءلت: أي فيزياء يحمل هذا الزمن؟

هل هناك قانون لم تكتشفه العلوم بعد؟

قانون تتحكم به الطاقات الخفية، السلبية منها والإيجابية، فيبطئ الزمن أو يسرّعه حسب ما نشعر به؟

ربما لم تكتمل الفيزياء بعد، لأنها لم تدرس بعد ذلك الزمن الذي تقيسه القلوب، لا الساعات.

ركضت الأحداث، ثم هدأت، ثم ركدت.. ركدت، كما لو أن الدنيا توقفت أخيرًا لتأخذ نفسًا عميقًا بعد كل ما مضى، لتسمح لنا بأن نلتقط لحظاتنا، ونهمس لأشباحنا القديمة:

ها نحن هنا، ما زلنا نحملك معنا..

ما زلنا نذكر..

ما زال الفرات يشهد علينا..

لا اعلم لماذا؟!

كلما فتحنا الصندوق، تسرّبت الذكريات كلحظات شجاعة وبطولة وألم دفين.. نستذكرها لا لنحزن فقط، بل لنفهم من كنّا، وكيف كنّا نعيش في زمن لا يشبه هذا الزمن..

***

د. نسرين ابراهيم الشمري

في المثقف اليوم