أقلام حرة

أقلام حرة

لقد أحاط الخليفة عبد الله بالإمام المهدي ولم يفارقه، ولعل الأمر الذي لا يقبل شكا ولا جدالا أن الخليفة عبد الله قد استقرت محبته في قلب الإمام لأنه ذاد عن مهديته ببيد وناضل عنها بسهم، ولقد أخذت بروق الخليفة ورعوده تؤرق مضجع كل شيخ أو عارف أو قطب من أقطاب التصوف يشكك في مهدية محمد أحمد أو يستخف بها، اسراع الخليفة في فعل كل ما يرضي الإمام والحاحه في تذليل كل عقبة تقف في انتشار دعوته هو الشيء الذي كفل له كل هذه المكانة التي حازها من الإمام محمد أحمد رحمه الله، كان الإمام المهدي يعلم أن عبدالله التعايشي حربا ضروسا على أعدائه، وأنه شجاع موفور الشجاعة، وصلب لا تنقصه الصلابة، لأجل ذلك أوكل إليه الأمر برمته أثناء مرضه وبعد موته، كما كان الإمام لا يمضي المعاهدات ويختار القواد وأمراء الجند دون أن يستشير خاصته، لم يسبق أن أتت قرارته ممهورة بالحيدة والاستقلال غير أبها بأن يرضى عنها من رضى ويسخط عليها من سخط، كلا لقد كان الإمام ديمقراطيا وديمقراطيته تلك هي التي ساعدت على استقرار نظامه، وهو في هذا على النقيض من خليفته الذي اطمئن لثقته واعتداده بنفسه فكان لا يستشير إلا لماما وكان يقهر قواده وجنده ويأخذ منهم بالكره ما لم يستطع أن يأخذه منهم بالرضى.

***

د. الطيب النقر

 

صرخة "إقرأ" ثورة إنسانية معرفية علمية مطلقة، تحث على إعمال العقل في كل شيئ، ووفقا لمنطلقاتها، تكررت نداءات، يعقلون، يتفكرون، يتدبرون، يعلمون، وغيرها من المفردات الدالة على ضرورة التفكر والنظر العقلاني للأمور.

والتأريخ يحدثنا في العديد من مدوناته، بأن قوة الأمة كانت علمية، وبالعلم والعقل الفاعل إمتلكت إقتدارها وسادت وتألقت، وقدمت للبشرية منطلقات حضارية أصيلة.

فالأمة وإن إتخذت من الدين كوسيلة للحكم والسيطرة على الناس وتحقيق الأمن والأمان، لكنها في جوهرها كانت ذات دول ترعى العلم والعلماء، وتعبر عن حرية التفكير وإحترام طاقات الإبداع والإبتكار، وقد تجسد ذلك في العصر العباسي الذهبي أو الأول، عندما تحولت بغداد إلى منارة للعلم والمعارف بأنواعها، وكذلك البصرة والكوفة والفسطاط.

وبرز النوابغ الأفذاذ الذين نردد أسماءهم ونفخر بمسيراتهم العلمية والأدبية، وهم كثيرون في غياهب الكتب يتوطنون، وعنهم معظم الأجيال غافلون.

العجيب في الأمر أن الأمة قبل أكثر من ألف سنة كان العلم ديدنها، ولديها وسوسة في المعارف والمستجدات الثقافية، وتجدها اليوم لا تعطي العلم حقه، وتستورد من أعدائها ما يريدون لها أن تهضمه وتتمثله لتأمين مصالحهم.

فدول المنطقة كانت قائمة وذات درجة ما من التطور والمواكبة في النصف الأول من القرن العشرين، وإذا بها تنشغل بموضوعات إنهاكية، وإنقلابات عبثية، وتحولت معظم أنظمة حكمها إلى دوائر مفرغة لاحقها يمحق ما بناه سابقها، حتى صارت وراء العديد من الدول التي نشأت في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين.

والعلة الكبرى التي أوصلتها لهذا المصار تكمن في إهمال العلم والتركيز على ما يناهضه ويحتقره ويلغيه، فهجرتها العقول، وخوت مرافقها العلمية وتحولت إلى مواطن للضلال والبهتان المعفر بدين.

و"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..."!!

***

د. صادق السامرائي

 

ظلّ الكتاب والمفكرون يضربون أخماساً بأسداس وهم يحاولون وضع تصور لدولة العدل الاجتماعي، لم يوفق أفلاطون في حل اللغز حتى وهو يخصص للموضوع كتاباً بعنوان "الجمهورية" تاركاً المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي كتب مجلداً ضخماً أطلق عليه "علم السياسة"..

وعندما أصر أفلاطون على أن يعلم طلبته أن المدن لا يمكن أن تكون أفضل من حكامها، وقف أرسطو ليقول له: الحاكم الحق هو الذي يبني دولته على خصلتين، العقل والعدل.. في مرات عديدة وأنا أسترجع ما قرأته أتذكر دوماً ما كتبه جان جاك روسو في اعترافاته: "العدالة، ليست علاقة بين إنسان وإنسان، بل بين دولة ومواطنين".

لماذا أتذكر موضوع العدالة ونحن نعيش في ظل دولة ترفع شعار " دولة القانون " ؟ السبب ياسادة خبر مثير منشور في نفس الصفحة التي تقرأون بها هذا العمود في صحيفة (المدى) .. الخبر يقول " قدم مكتب المدعي العام في بيرو شكوى دستورية ضد الرئيسة دينا بولوارتي في قضية تتعلق بارتداء ساعات فاخرة والتي أصبحت فضيحة وطنية. وقالت الرئيسة إنها اقترضت هذه السلع الفاخرة من حاكم منطقة محلية " هل انتهى الخبر؟ لا ياسادة فقد داهمت الشرطة منزل الرئيسة ومكتبها بحثاً عن مجموعة الساعات التي يعتقد أنها تضم ثلاث ساعات "روليكس" على الأقل ..أرجو أن لايسخر مني أحد ويقول أيها الكويتب ألم تستمع يوماً للمناضل أحمد الجبوري " أبو مازن " وهو يتباهى بساعته التي يبلغ ثمنهاعشرات الآلاف من الدولارات وعندما يسأله مقدم البرنامج: من أين لك هذا؟، يجيب وهو يبتسم: أنا مناضل ومن حقي أن أتمتع. ربما يقول البعض: ياعزيزي آلاف القصور تمت مصادرتها وأراضي كاملة تم الاستيلاء عليها ومئات المليارات فرهدت، وأنت تتحدث عن ساعة رولكس .

ما الذي علينا أن نتعلمه من مثل هذه الأخبار؟ يرشدنا المرحوم جان جاك روسو إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم..لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، المال والسلطة، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضاً في توزيع الفقر على الناس.. أوهام كثيرة يصر ساستنا على ترويجها عن التقوى ومخافة الله، وأفواج منهم تذهب للحج كل عام وتعود لتمارس الخديعة من جديد، وعلى المواطن أن لا يقترب من قلاعهم .

يحذر روسو من المسؤول الجشع الذي لا ينتج سوى الخواء والفوضى والاضطراب، ولا يعطي مواطنيه سوى الفشل والعوز" .

***

علي حسين

منذ مئات السنين، ونبشُ التاريخ يستهلكُ شعوبَ دولنا ونُخَبِها السياسية والفكرية والدينية حتى تلاشت الرؤية، ولم يعد البصر والبصيرة يرى بوضوح معالم الحاضر والمستقبل، فقد غرقت بحكايات جدّتي وصراعات الأوّلين على السلطة والمال، حتى انقسمت إلى فريقين كل منهما تبنى أحد المتصارعين التاريخيين، ثم ما لبثوا أن أصبحوا فرقًا وطوائفَ وجماعاتٍ، وغادروا الحاضر ونكروا المستقبل، واندسوا بين طيات التاريخ العميقة وهم يمثّلون أدوار المتصارعين، ويتلبّسون أرواحهم وأفكارهم، واستبدلوا السيوف بالرّشاشات وساحات عكاظ والمربد بمنابر الفيس بوك والتويتر وبقية أسواق الشعر والفكر والغناء!

لو قارنا بين الجهود المبذولة في استحضار التاريخ وصفحاته وأحداثه وصراعاته وتأويل أسباب عقده وتفسيرها، وما ينفق عليها من مال وفعل وضغوطات نفسية واجتماعية وصراعات تركت في اعماق النفس البشرية بصماتٍ سوداء غيّرت المزاج العام بشكل مخيف انعكس على سلوكيات المجتمعات ونتاجها الحضاري، لو قارنا كل ذلك مع الجهد المبذول للتحوُّل من الوضع البائس الذي تعيشه شعوبنا فيما يتعلق  بالخدمات الخاصة لحياة المواطن ومستويات معيشته، أو في حقول الطاقة وصناعاتها، وفي الزراعة والأمن الغذائي والصناعة والاكتفاء الذاتي، لرأينا البون الشاسع والخطير بينهما.

حقًا لو أننا أنفقنا ذلك الجهد الضائع في نبش التاريخ وصفحاته وما تنتجه تلك العملية من شدّ نفسيٍّ وإشاعة للفرقة والفتنة والصراعات العبثية وإعادة تدوير صفحات ومواقف واختلافات من التاريخ الجدلي لشعوب هذه المنطقة وعقائدها وانتماءاتها، لاستطعنا بذلك الجهد تغيير واقع هذه البلدان وحياة شعوبها إلى مستويات رفيعة تنافس أرقى بلدان العالم حضارة وتقدمًا.

في التاريخ صفحاتٌ ناصعةٌ وعِبر لِمَن يريد أن يكون حاضره جميلًا، وفيه قصص وروايات ألّفها أناسٌ مثلنا، وربما أقل حضارة وتعليمًا وثقافة من أقرانهم اليوم، وليس من الضروري أن تكون تلك القصص والروايات صحيحة، ويعتمد عليها أو يعتبر منها، ولذلك فإن قراءة التاريخ بفكر نقدي يشكُّ في كل رواية أو حدث سيقودنا للوصول إلى صورة أكثر مقبولية ممّا يريد المؤلف فرضه علينا، ولكن دون النبش الغوغائي والأعمى، فالتاريخ يخفي بين صفحاته حقول ألغام كفيلة بتدمير الحاضر وإقصاء صورة المستقبل إلى سنين ضوئية.

إن بناء حاضر زاهر يؤمّن الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، ويوفّر فرصَ العمل والإبداع لجميع المواطنين بعدالة ومساواة، بعيداً عن التفرقة والتناحُر الديني والمذهبي والعرقي، يبدأ بفصل الدين عن الدولة والكف عن نبش التاريخ المليء بالصراعات وفرض الإرادات وإنكار الوجود للآخر المختلف، واعتماد التعايش السلمي بين كافة المكوّنات تحت مظلة المواطنة الجامعة ومصالح البلاد العليا بما يحفظ حقوق الجميع بعيداً عن مبدأ الغالبية والأقلية.

لنبدأ اليوم قبل الغد بإيقاف استيراد الماضي وحفرياته، والبحث عن إشراقات التاريخ وصفحاته الناصعة، وإهمال صفحاته السوداء وترك صراعاتِ قادته، فقد أصبحوا جزءاً من الماضي.

دعونا نعشْ بسلام، ونبني حاضرنا ومستقبلنا، فنحن خُلٍقنا في زمان غير زمانهم وعقولٍ غير عقولهم، ودول غير دُوَلهم.

***

كفاح محمود

احدى المفارقات الكبرى للديمقراطية هي أن يتحمس المرء لسياسي ما ويصوت له وعندما ينتصرهذا السياسي ويصبح قائدا يزداد الحماس أما في حالة هزيمته فيصاب المرء بخيبة الامل والكآبة أحيانا ..لابد ان نقول هنا ان السلطة، الى جانب المال والحب، هي واحدة من اعظم المشاعر الإنسانية وبالتالي فهي تثير مشاعر قوية، ونحن مجبولون على العاطفة على الاغلب لذا نتأثر بها، ولكن، أليس من الأصح ان نضع العاطفة جانبا ونحن نسعى الى تحقيق الديمقراطية التي تفترض أولوية العقل؟ 

ربما لم أتمكن قط من التحمس لأي سياسي، مهما كان لامعًا، والسبب بسيط: فهو يريد أن يحكم، أي أن يمارس سلطة لن أهرب منها. فلماذا أمتدح شخصاً يريد أن يقودني؟ إنني أدرك جيدًا ضرورة القوة في كل المجتمع البشري إذ يعد وجود مؤسسة معقدة وهرمية للغاية أمرًا ضروريًا، لكنه شر لا بد منه، وهو أمر مميت حل بالجنس البشري طوال تاريخه. مع ذلك، يمكن ان ندرك ضرورة وجود السياسيين ولكن، هل علينا ان نثق بهم؟ أليس من الأفضل ان تعبر عنهم افعالهم وان نرى انجازاتهم على ارض الواقع قبل ان نغرق في الحماسة السياسية التي تستخدم كأداة للاستيلاء على السلطة، فهؤلاء الذين نتحمس لهم ربما يصبحون اعداءا للحرية عندما يصلون الى اعلى المناصب لأنهم يطمحون قبل كل شيء الى الحكم، وبالتالي السيطرة على الآخرين .

ففي ظل نظام ديمقراطي، لا ينبغي لنا أن نغفل أبداً حقيقة مفادها أن الحاكم الذي يتولى أعلى منصب هو عدو محتمل للحرية. وبقدر ما يتمتع به من مهارة وذكاء وثقافة، فإن الوصول إلى منصبه يتطلب مثل هذه الطاقة، وهذا الشغف للاستيلاء على السلطة، بحيث لا يمكن النظر إليه إلا بحذر.

ولذلك فإن المدة المحدودة لتولي المنصب أمر ضروري والتصويت الانتخابي هو من يضمن ذلك وإلا ستختفي الديمقراطية، لكن الديمقراطية لدينا تضمن الحكم للسياسيين الذين نتحمس لهم لكنها تسلبنا ايماننا بها بعد ان يتحول نفس الحاكم الى أداة قاتلة اومعطلة، وفي كلتا الحالتين فهو لاينفعنا بل يضرنا، وبالتالي نظل نحن ننتظر ما يجود به الحاكم علينا من عطف او اهتمام او إنجازات حقيقية او حتى وهمية ونرضى بكل مايصدر عنه من قرارات حتى لو لم يكن هو من يصنعها بل من يقف وراءه من أحزاب متنفذة..هل يستحق الأمر اذن ان نتحمس ونهتف ونصفق ونهلل لمن يعمل لنفسه أولحزبه ولايقدم ولن يقدم لنا شيئا سوى سلب حريتنا وايماننا بالمستقبل؟.

***

عدوية الهلالي

تتسم اجتماعات الأصدقاء في الغالب بطابع الود والانسجام، وقد تكون المجاملة بوابة لتمرير بعض الآراء دون قناعة من الجميع حفاظا على علاقة الصداقة، اجتماعات الأصدقاء مفيدة نفسيا واجتماعيا وثقافيا، وليس المطلوب أن تكون حوارات الأصدقاء مقننة وذات طابع رسمي ولو كانت كذلك لهجرها الأصدقاء لكن المهم هو الالتزام بأخلاقيات الحوار ومنها الاحترام حتى في حالة المزاح وهي أمر طبيعي بين الأصدقاء فالمزاح له حدود، ماذا يحدث في الاجتماعات الرسمية هل تمارس المجاملة خاصة حين تضم هذه الاجتماعات بعض الأصدقاء، هل سيجامل المشارك في الاجتماع رئيسه ثم يقول كلاما مخالفا في المجالس الخاصة؟ ومن آداب الحوار امتلاك مهارة الإنصات، وفي حالة النقد يكون التركيز على الموضوع وليس على الشخص سواء في الحوار المباشر أو عن طريق الكتابة، في الحوار المباشر يتلطف الحوار بكلمات جميلة، وقد يقولها الكبير للصغير، الكلمة الجميلة قد تقال بطريقة يجعل معناها كالورد بعطر جميل في الندوات والمؤتمرات بموضوعاتها المتنوعة لها تنظيم وقواعد في إدارة الحوار وتحديد الوقت، الحوار هنا في الغالب حوار علمي ليس فيه رئيس ومرؤوس، لا يصفق أحد للمجاملة على حساب العلم، يطبق مبدأ الرجال يعرفون بالحق وليس العكس، يحدث أحيانا في الندوات عدم تقبل النقد أو المقترحات، يقول أحد الزملاء، كنت أحضر ندوة إدارية عن أحد الأجهزة فطلبت المداخلة وأشرت فيها إلى وجود ازدواجية بين هذا الجهاز وأجهزة أخرى تقوم بنفس الدور، واقترحت دمجها، علق رئيس الجهاز على الاقتراح بسخرية، بعد مرور سنة أو أكثر صدر قرار الدمج، الحديث عن أدب وأخلاقيات الحوار لا يغفل موضوع المؤتمرات الصحفية وما يحدث فيها أحيانا من توتر قد يكون سببه المتحدث نفسه، وفي أحيان كثيرة عدم إلمام بعض الصحفيين بالموضوع وما ينتج عن ذلك من أسئلة لا علاقة لها بما يطرحه المتحدث، رغم ان تعدد الآراء ظاهرة صحية في حياة الناس، في العلاقات الأسرية، وفي الحياة المهنية، والعلاقات الاجتماعية، اسوأ أنواع الحوارات تلك التي يسيطر التعصب على عقول المشاركين فيها وهي حقيقة لا تستحق مسمى حوار؛ لأنها عبارة عن معركة كلامية مرهقة للأعصاب وقد تؤدي إلى نتائج مؤلمة.

من اهم عوامل نجاح أي حوار من أي نوع وفي أي موضوع أن يسعى المتحاورون نحو الوصول إلى الحقيقة وليس الانتصار للرأي، يتحقق ذلك بالالتزام بآداب الحوار. لن تسمع كلمات مثل: يا أخي احترم عقولنا، كلامك غير منطقي،تتميز الحوارات الثقافية في الغالب بالموضوعية واللغة العلمية لكنها لا تخلو من حالات تظهر فيها الشخصنة وعدم تقبل النقد والرأي الآخر. يجب أن تتعدد الآراء في كل المجالات ومنها المجال الثقافي ففي ذلك إثراء فكري واجتماعي ومتعة للمتلقي، المهم هو الالتزام بآداب الحوار، واشد الحوارات تفاهة نجدها في الحوارات السياسية التي غالبا ماتتحول إلى معارك شخصية لا تخلو من الإهانة والسخرية ثم الحوارات الرياضية التي يتصاعد غيها النقد وتتحول الى مشاكسات وطرح سطحي بلغة التشجيع وليس بلغة النقد الموضوعي.

يجب ان يكون الحوار في أي مجال فعالا إذا توفرت فيه أسس مشتركة ضرورية لتقديم حوار مفيد سواء داخل الأسرة أو في الحياة العملية أو بين الأصدقاء.. وضوح أهداف الحوار، الموضوعية واللغة العلمية، الإنصات وعدم المقاطعة، عدم رفع الصوت، الاحترام، اختيار الكلمات المناسبة، تجنب التعصب، التواضع، عدم الإصرار على الخطأ انتصارا للرأي رغم وضوح الخطأ، إدارة الحوار بمهنية ومعايير واضحة، الحوار فن يتطلب توفر بعض المهارات التي يمكن اكتسابها بالتعليم والتدريب في المدارس والجامعات ومراكز التدريب،، الحياة حوار مستمر في كل مراحل الإنسان واحتياج تدريبي ضروري للجميع، وحين يتحاور العالم وفق أسس علمية وإنسانية ويسود الحوار احترام الثقافات والاستقلالية، وتجنب الغطرسة والتعصب يتحقق العدل والسلام والحياة الكريمة للجميع. فهل تلتزم الحوارات السياسية بأسس وأخلاقيات الحوار؟.

***

نهاد الحديثي

 

مجتمعات الدنيا منقسمة إلى حالتين، الأولى تعيش حاضرها ومستقبلها، والأخرى تتدثر بماضيها، وتحاول إستحضاره في غير زمانه.

ومنطقتنا أنظمتها ذات نوازع إندحارية نقهقرية عمياوية، فلا ترى ما حولها وما يواجهها من تحديات، وتغطس في ظلمات القرون الخوالي، وتحاول معظمها إستعادة ما كان وتمارسه، وتأبى أن تكون.

ولهذا يسود الفعل الماضي وينهزم الفعل المضارع.

فلو تفحصنا الخطابات والكتابات وما تجود به الأقلام بأنواعها، لتبين أن صيغة الفعل الماضي مهيمنة وساطية على التعبير.

ما مضى ما إنقضى، وما مات ما فات، ولا آتٍ بآت!!

هي الأيام تفعل فينا ما تشاء، ونداويها بالتي كانت هي الداء!!

ففي بلاد ذات تأريخ إنساني عريق، لا يمكن الإجتزاء والتركيز على بقعة زمنية ما، وتسليط أضواء الزمن المعاصر عليها، والإجتهاد بالخداع والتضليل، لتمرير مآرب أعداء الوطن والدين.

تلك عجائب سلوكية فاعلة في مرابعنا، ومدمرة لوجودنا، وهي معممة وملتحية وذات رمزية عالية، وقدسية خارقة، فكأننا جعلنا أوثاننا بشرا نتقرب بها زلفى إلى الذي نعبد، ومعظمنا يجهل ما يعبد، ويهرول وراء مَن يدّعي الدين ويتمنطق بلغة العارفين، وهو من أجهل الجاهليل ، ومن الذين باعوا دينهم بدنياهم، وتمرسوا في تجارة الدين المربحة جدا!!

فلماذا نتجاهل عاهاتنا وننكرها، ونلقي باللائمة على غيرنا؟

و"قل آمنت بالله ثم إستقم"!!

فأين الإستقامة في سلوكنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الأخلاق هي سلعة في السياسة هي عبارة شائعة سماعها في عالم اليوم. في مجتمع تدور فيه السياسة غالبا ما تدور حول السلطة والمال والتأثير، يمكن اعتبار الأخلاق غالبًا على أنها ترف يتم التضحية به بسهولة في السعي لتحقيق هذه الأهداف. العديد من السياسيين على استعداد للتنازل عن مبادئهم الأخلاقية من أجل تعزيز حياتهم المهنية أو جداول أعمالهم. وقد أدى هذا الاتجاه إلى نقص واسع النطاق للثقة في المؤسسات السياسية وتصور بأن السياسيين يهتمون بالزيادة الشخصية أكثر من خدمة الصالح العام.

إن أحد الأسباب الرئيسية وراء اعتبار الأخلاق سلعة في السياسة هو المنافسة الشديدة على السلطة والتأثير. من أجل الارتقاء من خلال صفوف وتأمين المواقف للسلطة، غالبا ما يشعر السياسيون بالضغوط لإجراء تنازلات وقطع الزوايا الأخلاقية. يمكن أن يتضمن ذلك إجراء تحالفات مع الأفراد أو المجموعات غير الملائمة، أو قبول تبرعات الحملة من مصادر مشكوك فيها، أو تهدئة إلى بعض المصالح في مقابل الدعم السياسي. في هذه البيئة المقطوعة، يمكن أن تصبح الأخلاق بسهولة فكرة لاحقة حيث يركز السياسيون على تحقيق أهدافهم بأي وسيلة ضرورية.

هناك عامل آخر يساهم في سلعة الأخلاق في السياسة وهو تأثير المصالح الخاصة وجماعات الضغط. غالبا ما يكون لهذه المجموعات جيوب عميقة وترغب في إنفاق مبالغ كبيرة من المال لتأثير السياسيين لصالحهم. في مقابل الدعم المالي أو غيره من المزايا، قد يشعر السياسيون بأنهم ملزمون بالتوافق مع مصالح هذه المجموعات، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة معتقداتهم الأخلاقية. يمكن أن يخلق هذا موقفا حيث يتم طغت الأخلاق من خلال السعي وراء السلطة والتأثير، مما يؤدي إلى قرارات ليست دائما في مصلحة الجمهور.

تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في تشكيل الإدراك العام للسياسيين ويمكن أن تؤثر في كثير من الأحيان على الهفوات أو الفضائح الأخلاقية. هذا يمكن أن يخلق مناخا من الخوف وعدم الثقة، حيث يهتم السياسيون بتجنب الدعاية السلبية من دعم المعايير الأخلاقية. ونتيجة لذلك، قد يشعر العديد من السياسيين بالضغط على إعطاء الأولوية لعملهم العام على مبادئهم الأخلاقية، مما يؤدي إلى ثقافة يُنظر فيها إلى الأخلاق كأداة ليتم التلاعب بها لتحقيق مكاسب شخصية.

ساهم المشهد المتغير للسياسة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أيضا في تكوين الأخلاق في السياسة. مع ظهور منصات مثل إكس و فيسبوك، يتعرض السياسيون للتدقيق المستمر من الجمهور ويتوقع أن يحافظوا على صورة معينة في جميع الأوقات. يمكن أن يخلق ذلك بيئة طنجرة ضغط حيث قد يشعر السياسيون بأنهم مضطرون للعمل بطرق ليست دائما واضحة من الناحية الأخلاقية مع أتباعهم أو ناخبيهم. يمكن أن تؤدي الحاجة المستمرة للتحقق من الصحة والموافقة إلى موقف حيث تأخذ الأخلاق المقعد الخلفي إلى تصنيفات الشعبية والموافقة.

إن عدم المساءلة في السياسة يساهم أيضا في تكوين الأخلاق. في كثير من الحالات، يمكن للسياسيين التصرف دون عقاب ومواجهة عواقب قليلة على أفعالهم. هذا يمكن أن يخلق ثقافة النسبية الأخلاقية، حيث تعتبر المعايير الأخلاقية ذاتية وسهلة التلاعب بها لتناسب احتياجات الفرد. بدون آليات قوية معمول بها لمحاسبة السياسيين عن أفعالهم، يمكن أن يتضاءل الحافز على التصرف بطريقة أخلاقية، مما يؤدي إلى موقف يتم فيه اعتبار الأخلاق سلعة يمكن التخلص منها في السعي لتحقيق السلطة والتأثير.

على الرغم من هذه التحديات، لا يزال هناك سياسيون يعطون الأولوية للأخلاق في صنع القرار. غالبا ما يواجه هؤلاء الأفراد خيارات صعبة وقد يتم تهميشهم أو انتقادهم لرفضهم التنازل عن مبادئهم. ومع ذلك، فإن التزامهم بدعم المعايير الأخلاقية بمثابة تذكير بأن الأخلاق ليست سلعة يجب شراؤها أو بيعها، ولكنها جانب أساسي من الحكم الرشيد والقيادة.

إن سلعة الأخلاق في السياسة هي اتجاه مقلق له آثار كبيرة على عمل المجتمعات الديمقراطية. نظرا لأن السياسيين يعطون الأولوية للسلطة والتأثير والمكاسب الشخصية على المبادئ الأخلاقية، فإن ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية يمكن أن تتآكل، مما يؤدي إلى انهيار العقد الاجتماعي بين المواطنين وقادتهم. من أجل مكافحة هذا الاتجاه، من الضروري للسياسيين تحديد أولويات القيم الأخلاقية ودعم المعايير الأخلاقية في صنع القرار. فقط من خلال مساءلة السياسيين عن أفعالهم والمطالبة بالشفافية والنزاهة في الحكم، يمكننا التأكد من عدم معاملة الأخلاق كسلعة في السياسة، ولكن كمبدأ أساسي يوجه جهودنا الجماعية نحو مجتمع عادل بل أكثر عدلا.

***

محمد عبد الكريم يوسف

الإنسان بطبيعته مجبول من مجموعة من العواطف والمشاعر منها ماهو إيجابي ومنها ماهو سلبي وتتحكم في إيقاد فتيلها المواقف التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليوميه ومنهم من يكتم غيضه ومنهم من يبوح بها دون ارادة منه فتظهر علامات الحزن والفرح على محياه وأعظمها ذرف الدموع وحينها تكون الهموم قد فاقت الجبال وقد يتخذ بعض القرارات ويبدي تصرفات غريبة بناء"على تلك المشاعر والعواطف الآنية .

فالبكاء لا يعيب الرجل وليس دليلا"على ضعفه وانكساره بل على مدى إنسانيته وحبه لمن حوله وتصالحه من نفسه والدموع ليست مجانية فهو لا يذرفها إلا لأسباب قاهرة تدعو ذلك والدموع نعمة من الله على الإنسان فهي تغسل الألم ومشاعر الحزن لتقذفها خارج القلب والجسم .

يبكي الرجال لموت أمهاتهم وفقدان آبائهم وعند تزويج بناتهم ولمرض أبنائهم وفراق زوجاتهم وعند عجزهم لتأمين لقمة العيش الكريم وعند جحود الأبناء فضل آبائهم وتطاولهم عليهم عند كبرهم وعند التعرض للظلم وعدم القدرة على إظهار الحقيقة وفي حال عجزهم عن إيجاد حل لمشكلة مصيرية في حياتهم وعند الشعور بالندم بعد اكتشاف الخطأ وعند لقاء الأحبة بعد الفراق ويبكي الرجال على أوطانهم في الغربة ويبكي الرجال خشوعا"لله وخشية منه .

وعندما يبكي الرجال يتوارون عن الأنظار ولايبكي الا عندما يكون الأمر يستحق للبكاء عكس المرأة التي تتحكم في دموعها وتتباهى بها لان دموع المراة طوفان يغرق فيه أمهر السباحين ، والدموع ليس لها ثقل ولكنها اذا سقطت ازالت شيئا"بالقلب كان ثقيلا.

واجمل ما قيل عن البكاء (أعشق البكاء تحت المطر حتى لا يرى الناس دموعي).

***

حسن شنكال

 

الإلهام إرتقاء إدراكي وإنطلاق في مدارات التفكير الحر، المتصل بفيض الرؤى والأفكار الكونية، المبثوثة في فضاءات الوجود المطلق.

إنها حالة أو درجة بحاجة إلى مجاهدة ومكابدة وكدح تأملي إستغراقي عميق ومستديم، ينجم عنه تواشجات عُصيبية في أدمغة البشر، تؤهلهم للتفاعل مع الأفكار العلوية التي تبحث عن مأوى، وترغب في التحول إلى ما يعبر عنها فوق التراب.

وهو إنطلاقة فكرية متدفقة متألقة ذات إشراق فياض، يضيئ متاهات البصر ويبعث الحياة في جمادات البيئة، التي تحولت بإرادة الإلهام إلى كيانات ذات نبضات رمزية، ودلالات حسية، ومنطلقات فكرية تعبر عن جوهرها المكنون وديدنها المفتون، وهي الغارقة في بحر النون.

والإلهام أنواع لا تُحصى، وتفاعلات متنوعة لا يُحاط بها، فما دامت الأدمغة تتواشج بعشوائية، فأن فيوضاتها الإدراكية لا حدود لها.

وكذلك هي الأفكار المتطايرة في الفضاء الكوني كالهباء، الذي يترقب قوى مغناطيسية تجذبه كما تجذب نشارة الحديد.

وفي الواقع أن الدوائر العُصيبية المتواشجة في الأدمغة، مراكز كهرومغناطيسية، لديها القدرة على جذب ما تستطيعه من الأفكار وتجمعها، وتفاعلها وتستولدها ما تستطيعه من المنطلقات الجديدة، الجديرة بالتواصل الإشراقي في الحياة.

***

د. صادق السامرائي

11\8\2021

 

نقل الكثير من حكايات الصالحين فيما يعرف بأهل الخطوة ورجال الله الصالحين. فهل الصالحون فقط هم من تفتح لهم البوابات النجمية، وهل موجودة في الارض فقط ام السماء؟ وهل موجودة في الاثنين، وهل ترتبط في بعض جوانبها بالسحر ونقل العلوم والمعارف. وكيف وجدت في الحضارات القديمة كحضارة بابل بالعراق، والفراعنة والمايا وغيرها ؟

النص القرآني يصف السموات والارض بالاقطار وان النفاذ اليها لا يتحقق الا بسلطان كما قال تعالى في سورة الرحمن “ يا معشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فأنفذوا لا تنفذون الا بسلطان “ والسلطان كما آوله المفسرون سلطان العلم. وهذه الآيات الكريمة تؤكد امكانية النفاذ لهذه الاقطار السماوية والارضية.

وهنا نفرق بين بوابات العالم السفلي لجوف الارض والبوابة النجمية، فبوابات العالم السفلي غالبا ما يستخدمها السحرة وفتحها عن طريق طلاسم معينة يحضرون به مردة الشياطين والجان كما هو الحال مع سحر الكبالا، ويستخدمه الجان المؤمن كالذي استخدمه نبي الله سليمان للاتيان بملك سبأ كما ورد في سورة النمل قوله تعالي “ "قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَقَامِكَ.

البوابات بين الحقيقة والخيال

كثير منا كان يظن الحديث عن البوابات النجمية ضرب من الخيال العلمي عندما قدمتها أفلام ستار جيت المنتجة عام 1994 ، معتمدة على فكرة السفر في الزمان عبر بوابات متفرقة من الكرة الارضية، بينما كان بعضا من هذا الخيال مستقى من وقائع حقيقية.

فقد حضرت بعثة امريكية الي الكونغو لانقاذ سكان احدى القرى الذين اختفوا جميعا منها فجأة ، وهو ما فسره البعض بأن هؤلاء السكان قد انتقلوا عبر بوابة زمنية لمكان اخر وعاشوا فيه.

تعرف البوابات النجمية بأنها فجوات تفصل أبعاد الكرة الارضية عن بعضها، وفسرها اينشتاين بانها انفجارات في الفضاء وتساعد الانسان على السفر عبر الزمكان في لحظة واحدة.

فهي فجوة تحدث انفتاح بوابة بين عالمين مختلفين، مثلما حدث  في البيرو، حين تمكن بعض السكان من رؤية الجان والأشباح عند دخولهم عالمنا المادي من خلال فجوة زماننا.

وبحسب ما ذكرته د. مايا صبحي، فان هذه البوابات قديمة عريقة وطبيعية موجودة بالكرة الارضية، ومنها ما هو مستحدث تصنع بسحر الكبالا.

تتعدد اماكن هذه البوابات في الحضارات كما في مصر بمنطقة اهرام أبو صير، وكان الملك امنحتب اول من استخدمها للسفر عبر الزمان لنقل علوم الازمنة لعصره، وفي معبد ستي وجدوا رسوم لطائرات وغواصات ودبابات واطباق طائرة، فكيف وصل الفراعنة لهذه العلوم الا باستخدام بوابات نجمية نقلتهم لازمنة أخرى استقوا منها علوم ومعارف امم وحضارت أخرى.

و في بابل أي (بوابة الإله) التي اسمها يرمز الى أنها احدى البوابات النجمية. التي يقال ان بها ٢٥ بوابة نجمية تحديدا غير الموجودة في باقي مناطق العراق.

في بلاد سبقت كل بلدان الكون في عصرها وهل هذه الآثار والبوابات واللوحات السومرية هي التي تمت سرقتها من العراق ولماذا هي تحديدا.

في العراق كشفت لوحة حجرية من العصر البابلي لشخص يعبر من مكان لاخر، وكشفت بوابات نجمية بالناصرية في مدينة اور، حيث توجد هناك زقورة عملاقة بداخلها معبد، تقع في داخله أولى البوابات النجمية، فيما تقع بوابة في بغداد مباشرة، في احد قصور صدام حسين.

وبحسب الباحث ابو ياسين العراقي، فان العراق يحوي اكثر من الف بوابة بعدية كان يستخدمها الانوناكي منها فضائية وسماوية عابرة للسماوات ومنها ارضية سفلية وخلف الجدران، وهو ما جعلها ارض للحروب والنزاعات، ومطمع للقوى الامريكية حتى يومنا هذا.

وفي سالزبوري في ويلتشاير بإنجلترا آثار صخرية تدعى ستونهنج تعود للعصور القديمة ما قبل التاريخ أواخر العصر الحجري واوائل العصر البرونزي فيها البوابات النجمية التي على شكل احجار دائرية وكأنها بوابة الى السماء أو حتى إلى داخل الاراض ومثلث برمودا الغامض الذي يختفي الناس والأشياء به بطريقة غير منطقية.

أما القدس التي يقال ان بها بوابات نجمية ولها ارتباط في مسألة الإسراء والمعراج والعلم عند الله ولكن يمكننا التساؤل لماذا كان الإسراء إلى القدس ولم يكن وقتها موجود المسجد الأقصى حتى يكون المعراج من هذه المنطقه تحديدا وطبعا كلها معجزات من الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم.

 فهل يكشف لنا المستقبل المزيد عن هذه البوابات واسرارها وهل هناك من يعرف مفاتيحها ويستخدمها وهل لهذه البوابات حاليا دور في ما يحصل حولنا من توزيع قوى ومن حروب وتطور اماني أو خلفي بين شعوب وشعوب.

كلها تساؤلات ربنا سنكشفها يوما ما نحن أو الأجيال القادمة.

***

 سارة طالب السهيل

عندما تنهال القنابل والصواريخ على رؤوس البشر ويدفنون في مساكنهم،  لا ينفعهم أي إسناد نفسي أو معنوي، الذي ينفع هو الردع الناري، والرد بالمثل على ما يحصل من عدوان، ووفقا لشريعة العين بالعين والسن بالسن، أما غير ذلك فنوع من الهذيان.

تنتشر الكثير من الكتابات وهي أشبه بالتمنيات والطروحات المنقطعة عن الواقع، وأصحابها لا يعرفون معنى الحروب وما خاضوها يوما، ولا يمكنهم تصور الإنفجارات وهمجية العدوان.

الأبرياء يدفنون في مساكنهم، والبعض يتحدث عن الإسناد النفسي والمعنوي، وكأنهم يريدون القول أن نؤهلهم لنيل المزيد من الوجيع والموت الأكيد.

الإسناد النفسي بحاجة لظروف مواتية، ولا يتحقق في قلب النيران المستعرة.

أيتها الأقلام المتوهمة بالإسناد النفسي، ما تحتاجه الحالة القائمة هو التفاعل بالمثل، فالقوة يجب أن تجابه بالقوة، وما يحصل يجب أن ينال مثيله مهما كان نوعه.

فلا أخلاقيات ولا توصيفات دونية للمساكين الذين يقتلون بالمفرد والجملة، تحت ذرائع تنادي بأن الإجرام الفظيع سلوك أخلاقي سامي قويم، لأنه يحارب حالة متردية مذمومة عنوانها الإرهاب، حتى صار إرهاب القوي عدلا ودفاع الضعيف ظلما، ولا بد للإرهاب العادل أن يمحق الدفاع الجائر.

وهذا ما يجري في واقع أمة تأكل نفسها بنفسها، وأعداؤها يتربصون بها ويتصيدون بالماء العكر، وأعلامها تطرح نظريات ومشاريع كلامية باهتة، وما تنجزه القول الفارغ، والتضرع والدعاء، والأسود تفترس، والليل يطول، والقوي يصول.

و"السيف أصدق أنباءً من الكتب....."!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا تسألوا أعضاء مجلس النواب لماذا يتحسسون من مفردة " وطنية " ؟، وكيف أن السادة البرلمانيين وجدوا أن هذه البلاد لا تستحق أن يقام لها عيد وطني أسوة بمعظم بلدان العالم .. ولا تسألوا لماذا الهتاف للطائفة والعشيرة والمكون بديلاً عن العراق الذي يراد له أن يتحول إلى تابع .. ولا تتعجبوا أن تصبح مفردة الدولة المدنية مرادفة للكفر والإلحاد في قاموس مجلس النواب .

تأمّل العراقيون أن يكون التغيير بوابتهم لتأسيس دولة مدنية شعارها المواطنة والقانون الذي يطبق على الجميع، غير أنهم اكتشفوا بعد عشرين عاماً على انتهاء مرحلة الدكتاتورية أن هذه البلاد لا ينفع معها سوى رئيس برلمان يفرد عضلاته ويلوح باستخدام "قندرته" في الحوار الوطني .

من المؤكد أنّ كثيراً من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمماً وشعوباً كثيرة تتحرك لتعديل أوضاعها، إنّ ما يفرقنا عن هذه الأمم التي تسعى دوماً إلى تصحيح أوضاعها المتردية أنهم يملكون قوى سياسية حيّة وفاعلة للتغيير.

في كل مناسبة تتحدّث الدولة وبرلمانها العزيز عن عراق الحضارات الذي علم العالم الكتابة والقانون، وأخبرنا ذات يوم وزير النقل الأسبق كاظم الحمامي بأن المركبات الفضائية انطلقت من هذه البلاد قبل خمسة آلاف سنة، إلا أن هذه الدولة أيها السادة تصر في كل مشاريعها على إفراغ العراق من أعياده الوطنية وتسليمه إلى منظومة الفشل التي تحاصر المواطن منذ سنوات ، وتقديمه أيضاً على طبق إلى حيتان الفساد.

هل نحن دولة تسعى لمنح المواطنة دورها الحقيقي في تنمية قدرات المواطن، إذا عرفنا أن البعض يلتجئ إلى الجارة إيران لحل مشاكله ، والبعض الآخر لا يتفق على كرسي رئاسة البرلمان دون أن يستشير السيد أردوغان ، تخيل جنابك أن الكثير من مسؤولينا الأكارم لا يزالون يحتفظون بجنسية البلدان التي لا تزال عوائلهم تعيش فيها وفي الوقت نفسه يتمتعون بالامتيازات التي يمنحها لهم العراق الذي استكثروا عليه يوما وطنيا .

ماذا علينا ان نفعل أيها السادة ونحن نرى قانون العشيرة والطائفة هو الذي يسيطر ويراد له أن يعم في ربوع البلاد . نتحدث عن قيمة الوطن وننسى أن نخصص يوماً للاحتفال بالعراق

. للأسف نحن نعيش اليوم مع سياسيين يتوهمون أنهم أصحاب رسالة، ويعتقدون أن خلاص العراق يكمن في العودة إلى الوراء، سياسيون يعلنون عن وجودهم عبر إشاعة مفهوم الطائفة الضيق، بديلاً عن مفهوم المواطنة الذي يجمع كل العراقيين.. سياسيون ومسؤولون يتركون تعهداتهم أمام الشعب ليمارسوا لعبة خلط الاوراق، التي تدفع الناس للتساؤل: لماذا يستكثر البرلمان على العراقيين أن يحتفلوا بعيد وطني؟ .

***

علي حسين

 

قالوا: كُلُّ شيءٍ إذا كَثُرَ رَخُصَ، إلّا الأدبُ فإنّه إذا كَثُرَ غَلا.

كثيرة هي الخصال والطبائع والعادات التي يتميز بها الإنسان، فهي تعكس شخصيته، وتنم عن تربيته وبيئته التي ترعرع فيها، غير أن من المعيب أن يجعل ماورثه من آبائه، مموله الوحيد إلى التكامل في حسن الطباع، وكأنه صورة مكررة منهم بطريقة الـ (copy paste). أو نسخة مكربنة عنهم لا أكثر. كذلك فإن تحلينا بالأدب يبدأ من البيت ولايقف عند بابه، بل حريٌ بنا اصطحابه معنا أنّى توجهنا، بدءًا من الشارع مع من يواجهوننا على قارعة الطريق، مرورا بأماكن عملنا، ومناطق احتكاكنا مع من نصادفهم ونرافقهم، وصولا إلى ما منوط بنا من واجبات، لاسيما إن كان لنا منصب يحتم علينا التحكم برعية في مسؤولية نتولاها. وخصلة الأدب تتقسم بعدل على المافوق والمادون في المجتمع على حد سواء، فللعامل مسؤولية التحلي بها أمام مرؤوسه، وللرأس مثل ما على المرؤوس من قيود في هذا الجانب، وبالتالي سينعم الجميع بحسن تعامل، يفضي إلى حسن نتائج، تليق بالإنسان المتنور الحضاري. وإن كان القانون فوق الجميع، أظن أن الأدب فوق القانون، فهو ينظم النفوس ويبرمج العقول لتقبل تطبيقه على أتم وجه.

مما يروى أن الحجاج أمر أحد حراسه أن يطوف في المدينة ليلا، فمن رآه على الطريق في ساعة متأخرة قبض عليه. وفيما كان يطوف ليلة من الليالي، وجد فتية فأحاط بهم وسألهم: من أنتم حتى خالفتم أمر الأمير وخرجتم في مثل هذا الوقت؟

فقال احدهم:

أنا ابنُ من دانتِ الرقاب له

ما بين مخزومها وهاشمها

تأتيه بالرغم وهي صاغرة

يأخذ من مالها ومن دمها

فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب الأمير.

ثم قال للآخر من أنت؟ فقال:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره

وان نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً الى ضوء ناره

فمنهم قيام حوله وقعود

ثم أمسك عنه فقال لعله من أشراف العرب.

ثم قال للثالث ومن أنت؟ فقال:

أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه

وقومها بالسيف حتى استقلت

ركاباه لا تنفك رجلاه منهما

اذا الخيل في يوم الكريهة ولّت

فاحتفظ بهم حتى اصبح الصباح، ورفع أمرهم الى الأمير وأحضرهم إليه، وقد كشف عما دار بينهم من حديث، فإذا الأول ابن حجام، والثاني ابن فوال، والثالث ابن حائك. فتعجب الحجاج من فصاحتهم وقال: لجلسائه:

علموا أولادكم الادب، فو الله لولا فصاحتهم لضربت اعناقهم، وأمر بإطلاق سراحهم وأنشد قائلًا:

كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَبا

يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ

فَلَيسَ تُغني الحَسيبَ نِسبَتُه

بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ

إِنَّ الفَتى مَن يقولُ ها أَنا ذا

لَيسَ الفَتى مَن يقولُ كانَ أَبي

ويحكى أن رجلا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن، فقال له الخليفة:

- ابن من أنت؟ قال:

- ابن الأدب يا أمير المؤمنين. قال:

- نعم النسب انتسبت إليه.

ولهذا قيل: المرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت، ومن حيث يوجد لا من حيث يولد. وبذا فإن الأدب، هو أساس العيش بكرامة، وأس التمتع بحياة تليق بخليفة الله في أرضه.

***

علي علي

 

في العراق هناك ظواهر عجيبة وغريبة أبرزها ظاهرة النائب " الملاكم "، وأعني به النائب الذي لا يتوقف عن استخدام يديه وصوته، ما إن يختلف مع زميل له داخل قبة البرلمان حتى تجده يتحول إلى محمد علي كلاي.

وفي الوقت نفسه ما إن تضع أمامه المايكرفون تجده يقول كل ما يخطر على بال المشاهد، وما لا يخطر أيضاً، والغريب أنّ هذا النائب له راتب يتقاضاه من الدولة التي يستنكف الانتماء لها وامتيازات ومقاولات وعقود، وله قضية تشغله دائماً وأعني بها مسألة الانتصار على الآخر سواء بنزال ملاكمة كما فعل " العلامة أحمد الجبوري أبو مازن، أو في استخدام القندرة مثلما قررت ذات يوم البروفيسورة عالية نصيف، مع الاعتذار للمفردة، فيما وجدت حنان الفتلاوي أن استخدام قناني الماء في ضرب المختلفين معها أرقى وأنفع .

ولهذا لا أعتقد أيها السادة أنّ هناك من يصاب بالملل، وهو يتابع أخبار نوابنا الأعزاء، المواطن يشاهد كل يوم المساخر التي تحدث في دهشة وألم وقلق، ويعتقد مثلما تحاول بعض الفضائيات إيهامه، بأنّ هناك مؤامرة على العملية السياسية، ونحن نتفق معهم،نعم هناك مؤامرة، لكنها هذه المرة ليست على العراق وإنما على مضحكات تجربتنا الرائدة في الديمقراطية، وآثار هذه التجربة على المجتمع الذي يصحو كل يوم على أخبار مضحكة من عيّنة معركة الهمام أبو مازن مع نائب من حركة تقدم، والتي انتهت بقرار ثوري اتخذه الرفيق أبو مازن بأن يخوض نزال القرن مع النائب هيبت الحلبوسي .

برع نوابنا، بإقامة حلبات الملاكمة داخل قبة البرلمان، وبث الخطاب الطائفي في القضائيات كل صباح، ونقرأ مطولات غزل بدول الجوار، لكن لا أحد يريد أن يعرف مجموع ما شرِّد من العراقيين، ومجموع ما قُتل على الهوية، ومجموع ما نهب من ثروات البلاد.

وأنا أشاهد نزال أحمد الجبوري " أبو مازن " تذكرت الفتى الأسمر محمد علي كلاي الذي قال قبل أيام من رحيله: "أرجو أن يتذكروا بأنني الرجل الذي لم يبع شعبه أبداً، الرجل الذي كان لا ينظر إلى الأسفل خجلًا أمام أولئك الذين ينظرون إليه بتعالٍ، وإذا كان ذلك كثيراً عليّ، فليتذكروا أنني كنتُ إنساناً".

محمد علي كلاي الذي رفض أداء الخدمة العسكرية في فيتنام، قائلاً للقضاة: "إنّ ضميري لا يسمح لي بأن أُطلق النار على إخوة لي في الإنسانية". الناشط المدني الذي لم يسعَ للارتزاق من الاحتجاجات مثلما فعل الكثير من ناشطينا "الأجلاء"، ولم يساوم على مبادئه من أجل صورة مع مسؤول، الذي قال لمارتن لوثر كينغ يوماً: "لقد سئِمَت الناس من الشعارات، يجب أن نذكّرهم بالأحلام التي ستتحقق".. والحمد لله تحققت احلامنا في هذه البلاد مع الملاكم " ابو مازن "

***

علي حسين

في مجتمعٍ تم تجريده من الحق في محاسبة السياسي والمسؤول، وحرمانه الاقتراب من قلاعهم الحصينة، يغيب التواصل بين الناس والسلطة، ويجد المسؤول الكبير أن اللقاء بالمواطنين والتحدث إليهم نوع من انواع الفضل الذي عليهم أن لاينكروه باعتباره إنجازاً تاريخياً .

في ظل هذه الأوضاع التي يبني فيها المسؤولون سدوداً بينهم وبين الشعب، يصبح من العجائب أن يعرف المواطن ما هي اهتمامات رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو من يجلس على كرسي رئيس البرلمان، فهذه أمور لا يجوز طرح الأسئلة عنها .

بالأمس وأنا أطالع بعض المواقع الإخبارية لفت نظري خبر مثير يقول إن الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز يقدم نصيحة للشباب بقراءة أعمال فيودور دوستويفسكي وليف تولستوي وكتاب مكيافيلي "الأمير"، وكتب الرئيس في تغريدة له على موقع X: "بالنسبة للشباب، ومع كل الاحترام لـ (تيك توك)، وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن لا شيء أفضل من قراءة كتاب جديد" .

دائماً ما أسأل نفسي: ما قائمة الكتب المفضلة عند بعض سياسيينا، مَن قرأ منهم فؤاد التكرلي أو السيابأو وضع هوامشه الشخصية على كتب علي الوردي او جواد علي؟ سيقول البعض ساخراً يارجل إنهم يعشقون مكيافيلي من خلال السماع وطبقوا مبادئه في السياسة من دون أن يقرأوا كتابه "الأمير".

يقال عن الرئيس الفرنسي الراحل ميتران، بأنه كان دائم الاستعارة لكبار كتّاب فرنسا وهو يدير اجتماعات الحكومة وحين سأله أحد الصحفيين يوماً: لماذا يردد مقولات قديمة، في زمن وصل فيه الإنسان إلى سطح القمر؟ قال وهو ينظر إليه متعجباً :"يفقد الإنسان اتصاله بالمستقبل إذا لم يكن محاطاً برجال مثل روسو ولم ينصت إلى فولتير"، بينما فقد معظم ساستنا اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات السياسية والأهم بالانصات إلى أهل الثقة والابتعاد عن أهل المعرفة والكفاءة.

لا يعترف المسؤول والسياسي العراقي بالخطأ ويعتقد أن الخطأ والصواب لا علاقة لهما بالفشل.. حين تحول العراق، من أغنى دولة عربية إلى بلد يخضع لقوانين العشائر ومصطلحات "الكوامة" ومفردة " من يا عمام؟".

من المهم، بل من الواجب هنا أن يتساءل الناس عن مقدار المسافة بين المسؤول والثقافة في ظل هذا التوغل المخيف للشعارات الطائفية وتمكين القبيلة على حساب مؤسسات الدولة ..من حق الناس أن تسأل، وتناقش لماذا يريد لنا البعض أن نعيش في ظل أجواء الماضي ويحاولون الابتعاد بالبلاد عن المستقبل؟

أتمنّى أن يقرأ معظم مسؤولينا وساستنا مذكرات السنغافوري لي كوان " من العالم الثالث إلى العالم الأول "، ليعرفوا أن هناك قادة يختارون بناء المستقبل، فيما نحن نصر على العيش في الماضي.

***

علي حسين

 

هبطت عليها الثروة والشهرة من دون أن تسعى اليها . كانت في السادسة والثلاثين من عمرها عندما قررت نشر روايتها " إله الأشياء الصغيرة " لتنال عليها عام 1997 أكثر من نصف مليون دولار، وجائزة البوكر، أهم جوائز الرواية العالمية . أصابها الذهول والدهشة ولم تخرج من البيت لثلاثة أيام كانت تعتقد أن في الأمر مزحة، رفضت الحديث لمراسلي الصحف الذين جاءوا لمحاورة المرأة الهندية التي خطفت واحدة من أهم الجوائز الأدبية .

أرونداتي روي المولودة عام 1961 في شرقي الهند، والتي ظهرت مؤخرا في احدى الاحتجاجات لمساندة سكان القرى الفقيرة،هاجمت بعض الأكاديميين والصحفيين والكتاب في الهند ووصفتهم بالمترددين في إظهار الشجاعة، وسخرت من الطبقة الأكاديمية التي غالباً ما تظهر مستوى عالٍ من الاحترام للسلطة لدرجة أن الكثير من المثقفين والأكاديميين يمتنعون عن التعبير عن مخاوفهم حتى عندما يتم انتهاك حقوقهم. وقال ساخرة " أنهم يعتبرون "الصمت" هو ضمانتهم" مضيفة: "كيف سيحكم علينا التاريخ إذا اخترنا الصمت؟".

ماذا يعني أن تكون مثقفاً في عالم اليوم؟ يقول المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد " المثقف فرد يتمتع بالقدرة على تمثيل وتجسيد وصياغة رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو رأي للجمهور ومن اجل هذا الجمهور . علاوة على ذلك، أكد سعيد أن واجب المثقف هو "إثارة أسئلة محرجة، وأن يكون شخصاً لا يمكن بسهولة أن يتم استمالته من قبل الجهات الحاكمة ". فيما هاجم نعوم تشومسكي، طبقة التكنوقراط والمثقفين الذين ينحازون إلى مصالح الأقوياء، وجادل بأن مسؤولية المثقفين هي قول الحقيقة وفضح الأكاذيب وتمثيل كل هؤلاء الأشخاص والقضايا التي يتم نسيانها أو يتم تجاهلها.وهذا يعني أن على المثقفين أن يظهروا الشجاعة للدفاع عن الحقيقة، وأن يكونوا المدافعين عن أولئك الذين لا يسمعهم أحد .

في معظم دول العالم نرى كيف يصنع المثقف مصير بلاده، فيما نحن نترجى المسؤول أن يمنحنا الفتات من عطاياه، بعدها لايهم أن تعيش الناس في الجهل والتخلّف والطائفية.. متى يصبح المثقف العراقي ناطقا باسم الناس، وليس صامتا من اجل ارضاءً لاهل السلطة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، للاسف في الوقت الذي تسعى فيه بعض الجهات السياسية إلى إشاعة ثقافة الجهل والخراب، يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه .

تعترف الهندية روي بأن أكثر ما يثير حفيظتها، ويصيبها أحيانا بالجنون: ” سماع أحدهم يصنفها بأنها صوت الذين لا صوت لهم " فهي تؤمن بأنه لا يوجد شيء اسمه صوت الذين لا صوت لهم"، بل هي ترى نفسها صوتا لمكممي الأفواه، الذين لا يريد أحد سماع شكواهم .

***

علي حسين

 

قبل عام ألفين، لم يكن العالم بهذه القدرة التفاعلية عبر شبكات الإنترنيت والتواصل الإجتماعي، وقد تحققت ثورات نوعية أصيلة في وقت قياسي، خصوصا بعد العقد الأخير من القرن العشرين، مما نقلت البشرية إلى فضاءات كانت لا تخطر على بال الأجيال في أي عصر.

وبعد أن أمضت البشرية معظم القرن العشرين على أنه عصر النفط وحضارته، تراها اليوم تتحفز للإنتقال إلى مرحلة طاقوية جديدة مذهلة، تتوازى مع المستوى الإليكتروني والتواصلي الذي بلغته الدنيا، وهذا يعني أنها مقبلة على مصادر للطاقة ما خطرت على بال الأجيال قاطبة، وسيكون النفط بسببها مقبورا في مكانه ولا قيمة له أو دور في الحياة كما كان في القرن العشرين.

فالعالم مقبل على الطاقة الخيالية التي لا تلوث البيئة، ولا تتسبب بما تسبب به النفط على مرّ العقود الحارقة، والتفاعلات التدميرية الصاخبة، فمصادر الطاقة تنوعت وتعددت وبلغت مدارات المطلق، وأنها لسوف تجتاح الدنيا كما فعلت الإنترنيت والهاتف النقال ووسائل التواصل الإجتماعي بأنواعها.

ذلك أن العقل البشري مبتكر خلاق ومكتشف حاذق، وبتفاعل العقول  في أرجاء الأرض تم سكب الأفكار في أوعية صيرورات إبداعية غير مسبوقة، وأصبحت الأفكار يسيرة التصنيع والإنتاج المادي العملي الذي يترجمها، فالفكرة تسعى للتكوّن ببدن فعّال في الحياة ومؤثر بمسيرة البقاء، فلكل فكرة رسالة، وهي كالأحياء تتفاعل وتتلاقح وتتكاثر وتموت وتنتحر وتنطلق إلى ما هو أرحب وأوسع.

الأفكار تقودنا، ونحن نستطيع الإرتقاء إليها وجذبها وإستنزالها وتخليقها، لكنها تمتلكنا وتتسيد على آفاق وجودنا وسبل حياتنا ومعيشتنا.

الأفكار تملكنا، وكل واحد منا ملك مشاع لما يتماوج فيه من الأفكار، فإرادتنا إرادة أفكارنا، وما نحن إلا وسائط للتعبير عنها وترجمتها، والعمل الدؤوب لبذرها ورعايتها وجني أثمارها.

الأفكار تقتلنا، وهذا ما يتحقق في ديارنا، لميلنا المروع نحو الأفكار القتالة، ومعاداة الأفكار القادرة على صناعة القوة والحياة والبناء والرخاء.

الأفكار القتالة هي التي فعلت فعلها في واقعنا، وأسست لآليات التناحر والتنافر والتشاقق والتخندق والتضندق في باليات الرؤى والتصورات، والتفاعلات الخسرانية البائسة الشاحبة النكراء.

وبسبب هذه الأفكار العاصفة في أرجاء الوعي والخيال، يتخلق الواقع المتطابق مع جوهرها ونوازعها وإرادتها الفعالة الصاخبة.

فهل من وقفة ثورية أمام الأفكار الموتية الإنتحارية التي تحسب الحياة محض هباء وهراء؟!!

و"الحياة بلا فائدة موت مسبق"!!

***

د. صادق السامرائي

 

كثير من قصيري النظر، لم يقتنعوا بالإجراءات الحضارية التي اتخذتها حكومة السيد محمد شياع السوداني في المجال الاقتصادي والمالي، المتمثلة في تشجيع المواطنين على استخدام تقنيات تطبيق انظمة وسائل الدفع الالكتروني، باعتبار ذلك واجهة حضارية، ولابد للعراق ان يتجه الى ما وصلت عليه دول العالم، ولاسيما دول الجوار التي بدأت مسيرتها في الدفع الالكتروني، وبات مواطنوها يستعملون البطاقة الائتمانية في تعاملاتهم اليومية، وبذلك تخلصوا من عمليات الاحتيال والسرقات ..

لكن السيد السوداني، لم يعر اهمية لقصيري النظر، فالعراق يعيش في وجدانه، لذلك استمر بدعم خطوات تحسين الخارطة المالية للوطن، مشددا على التطور المجتمعي، ليكون بمصاف الدول الحضارية، التي تركت شعوبها اكتناز الاموال في البيوت والجيوب، اثناء البيع والشراء، ودعا بخطوات جريئة الى اتساع نطاق التعامل الالكتروني في تعاملات الدولة، مؤكدا على ضرورة تضاؤل دور النقود والدفع التقليدي الذي كان الآباء والاجداد يستعملونه في التعامل اليومي، كون نظام دفع الالكتروني أمن وخالي من المشاكل التي ترافق استعمال النقد بشكله المعروف، كما يمتاز الدفع الالكتروني، عبر بطاقة صغيرة، بالخصوصية والأمان عبر شبكة الانترنت في وقت قياسي، ويوفر الجهد والكلفة ..

ولعل من المفيد الذكر ان بوابة الدفع الالكتروني، التي اصبحت احدى دلائل الدول الراقية، هي خدمة لتسهيل استلام وتسديد المدفوعات (أونلاين) وتلعب هذه البوابة دورًا رئيسا كوسيط بين المواطن والجهات التي يتعامل معها في مشاويره اليومية وغير اليومية، وهي تضمن سرعة وأمان ونجاح كل معاملة بينهما بيسر وسهوله ..

ان التجربة التي نعيش بدايتها في العراق حاليا، في مجال التعامل الالكتروني، اثبتت نجاحها، وبدأ المواطنون يجنون ثمارها، كون بطاقة الدفع الالكتروني تحقق لحاملها سهولة ويسر في الاستخدام وتمنحه الامان بدل حمله للنقود ..

ان خطوات السيد السوداني، وفريقه الحكومي، حظت بأعجاب دولي، من خلال برنامج الامم المتحدة الانمائي، الذي اعلن نجاح مستلزمات اعداد القواعد الاساسية و تعليمات تنظيم الية الدفع الالي بالتعاون مع البنك المركزي في العراق .. وهذه المباركة من برنامج الامم المتحدة الانمائي، يعتبر انجازا جديدا وعالي المستوى للحكومة العراقية ..

ومعروف ان الدفع الالكتروني هو عبارة عن منصة يستخدمها الافراد والمؤسسات الحكومية كوسيلة أمنة ومريحة لأجراء عمليات الدفع عبر الانترنت، وهي من صور التقدم المجتمعي، وبوابة للتقدم التكنلوجي في مجال الاقتصاد المحلي والتجارة الدولية..

ومما يجدر ذكره، ان الحكومة، صادقت رسميا على لائحة الدفع الالكتروني، التي تحققت من خلال الجهود التعاونية بين البنك المركزي العراقي ومشروع تسهيل تمويل الاصلاح الاقتصادي التابع لـ (UNDP) بدعم سخي من (USAID) من خلال نشره في الجريدة الرسمية للعراق في 29 نيسان 2024 وهذه الموافقة ترتكز على التقدم المحوري في القطاع المالي العراقي، حيث يمثل تنظيم الدفع الإلكتروني خطوة اساسية نحو تحديث البنية التحتية المالية للبلاد، وتحفيز التحول الرقمي، ورعاية التنمية الاقتصادية ..

ولعل من المفيد الذكر ان بوابة الدفع الالكتروني، التي اصبحت احدى دلائل الدول الراقية، هي خدمة لتسهيل استلام وتسديد المدفوعات (أونلاين) وتلعب هذه البوابة دورًا رئيسا كوسيط بين المواطن والجهات التي يتعامل معها في مشاويره اليومية وغير اليومية، وهي تضمن سرعة وأمان ونجاح كل معاملة بينهما بيسر وسهوله .. كما تعد هذه البوابة من الوسائل التي تسهم في تطور القطاعات الاقتصادية والمالية للدولة عن طريقه تحويل الاموال وتسوية المدفوعات بين المصارف والمؤسسات المالية والاقتصادية بسرعة وكفاءة عالية.

شكرا اقولها بالفم المليان، للسيد رئيس الوزراء، فمثل هذه الاجراءات، التي اصفها بالشجاعة، تليق بالعراق واهل العراق .. شكرا .

***

زيد الحلي

 

عام 2014 يجلس بهاء الأعرجي أمام مقدم أحد البرامج ليتحدث عن النزاهة والإصلاح وضرورة احترام الطرف الآخر.. بعد عام يقدم الأعرجي استقالته من منصبه أو قل أجبر على تقديم الاستقالة بعد بيان صدر من مكتب السيد مقتدى الصدر يتهمه بالاستحواذ على عقارات في بغداد، وشراء عقارات خارج العراق ..

ولم يكن الرجل يمكك أموالاً طائلة قبل أن يدخل لعبة السياسة من بوابة البرلمان .. بعد أن ضمن السيد الأعرجي تقاعداً مجزياً يضاف إلى الأموال التي بحوزته تفرغ للظهور على الفضائيات ليقدم لنا خلطة الهدف منها الإساءة للنسيج الاجتماعي العراقي، وإعلاء الخطاب الطائفي، مع تزويق الحديث بعبارات عن الإصلاح والفساد الذي يخبرنا بكل أريحية أنه الوحيد الذي تصدى له .

ظل صاحبنا يظهر في الفضائيات مبتسماً، يمثل دور العارف ببواطن الأمور وأسرار ما يجري في الكواليس، يسيء لبعض شرائح المجتمع العراقي، يتهم تظاهرات تشرين بأنها جلبت البلاء والخراب للبلاد، ولم يكتف بذلك بل تحدث بلغة العارف بأن تظاهرات تشرين كانت حركة خارجية تديرها دول .

لست في وارد الحديث عن ما قدمه بهاء الأعرجي للسياسة العراقية أو ما هي الخدمات التي قدمها للعراق، لكني سأحيلك عزيزي القارئ لحديث تفلزيوني معه قبل أشهر حيث ظهر فيه ليخبرنا وبلغة استعلاء، واستصغار لمكون اجتماعي وبالحرف الواحد: لقد " استعطفنا السنة وأعطيناهم رئاسة مجلس النواب".

ولم تنته صولات وجولات الأعرجي فقد قرر أخيراً أن يتحفنا بنظريته السياسية لإدارة شؤون البلاد والعباد في بلاد الرافدين، فها هو يجلس أمام مقدمة أحد البرامج بعد أن ارتدى بدلته الجديدة ووضع الدهون على شعره ووجهه وشذب لحيته ليقول بالحرف الواحد:

أولاً: سنستولي على الرئاسات الثلاث فهي حق مسلوب من الشيعة ويجب أن نستعيده .

ثانياً: محمود المشهداني تابع لنا نحن الشيعة ولحزب الدعوة.

ثالثا: الفترة القادمة سيكون رئيس البرلمان شيعيا وليس سنيا ونحن نريد السلطة بالكامل.

بعد أن أخبرنا بهاء الأعرجي بمقولاته الثلاث خرج ليركب سيارته الحديثة تحيطه حماية لا نعرف من وفرها له ليذهب مطمئناً يجلس ويتسامر مع أصحابه مطمئناً بأن لا أحد سيسأله: لماذا قلت هذا الكلام؟ ويعرف جيداً أن لا أحد يحاسبه، فمثله كثيرون يعتبرون أنفسهم فوق القانون وفوق سلطة الدولة.

عَلامَ الانتخابات إذن، إذا كانت المناصب توزع من قبل بهاء الأعرجي؟ ما الذي سيتغير اليوم ما لم تتغير هذه الوجوه؟، عن ماذا يتحدث بهاء الأعرجي بكل ثقة؟ ماذا عن المأساة التي عشناها مع اصحاب هذه " الطلات " منذ أكثر من عشرين عاماً؟.

***

علي حسين

 

لم نسمع ونحن أطفال في قريتنا يوماً شخصاً يصرخ، ويقول نحن الفلاحين لاندخل الجنة، إن ثقافتنا واخلاقنا وقيمنا تتعرض للخطر من هذه التغييرات في المجتمع الريفي، لأنها قيم راسخة وعميقة ومتجذرة وشعب تربى على ثقافة وعادات وتقاليد وعرف، لا يحتاج لقانون.

ماذا حدث لفلاحي اليوم مع نهاية كل موسم حصاد وبداية تجهيز الأرض لمحصول جديد ..؟

نحن نعيش زمن ملتبس، في طريقي اليوم الي زيارة أخي الكبير كعادتي كل يوم جمعه، استوقفني صديق في حديث وكان جاراً لي منذ سنوات الطفولة، سألني هل الفلاح يدخل الجنة وهو يصرخ في وجهي ..؟ فقال :-الفلاح منذ سنوات يتعرض للسرقة. إذا زرع علي حدود الأرض (المساقي والمصافي) وشطوط الترع بعض الخضروات يحدث جريمة النهب والسرقة و سرقة ماكينات الري، ويقطع الأشجار والطرق ويتعدي علي حقوق جاره التي جاءت في وصايا الرسول/ والصحابه /عمر وابي بكر

لاتقطعوا شجرة واعطوا الطريق حقه، وقال ادعوك لحل مشكلتي مع اولاد عمومتي، حيث يوجد خلاف علي حدود الأرض، لم ينتهي من حديثة حيث انضما الينا صديق آخر وفي أثناء الحديث رن هاتف صديقي الذي انضم لحديثنا، طلب منه المتصل بالحضور فوراً لحضور حل مشكله فذهبنا الي الجلسة العرفية فوجدنا نفس الخلاف علي حدود الأرض، ومعدية بين الأرضين،، خلافات تافه انتشرت بصورة كبيرة ووصلت الي المحاكم بقضايا ضرب وقتل،، رغم وصية الرسول عن الجار وحق الجار / والآذان الذي يرفع خمسة مرات في اليوم (حي علي الفلاح ) حي علي الخير والعمل والكفاح،، ويقول الرسول : من كان يؤمن بالله

واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، وفي روايةٍ أخرى: فليحسن إلى جاره، وفي الرواية الثالثة: فليكرم جاره، فالواجب إكرام الجار، والإحسان إليه، وكف الأذى عنه. .، وللآسف في كل الخلافات يغيب عن القائمين في لجان العرف وصايا الرسول وما جاء في القرأن الكريم "-من وصية الله في حق الجار. ؟ فعتقد الكثير أن حق الجار جارك في المنزل فقط، وهي اوسع في المفهوم، جارك في القرية من قريتي حيث نقول القري المجاورة، ونقول من محافظتي، ثم تتسع الي الدوله والدول المجاورة ..!

قال الله تعالى عن الجار..؟

(الجار ذي القربي) أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف. كذلك الجار (الجُنب)

أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان له حقاً. ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.،، لذلك اوصانا الله تعالى بحب الجار،،، وفي سياق الموضوع، تعلمنا أجمل ما قيل في حق الجار؟

الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق.أكرم الجار، وراع حقه، إن عرفان الفتي الحق كرم، من كان جار السوء يوماً جاره عدت فضائله من الأوزار. من كان له جار ممتاز، فإنه يملك كنزاً ثميناً.،، لذلك نحتاج الي المعرفة أن كلمة فلاح تعني النجاح والسعادة والصحة والخير، فالفلاح عمود الاقتصاد، ولكن عبر التاريخ كان الفلاح في المرتبة الاخيرة في المجتمع وليس له حق هو وابناءة في تولي بعض المناصب السيادية .. . وتشير كلمة الفلاح في السياق الإسلامي وبناء على ما جاء في القرآن الكريم عن الأعمال الصالحة التي تتفق مع أوامر الله .انة زمن ملتبس"

هذا اذا تبقى من قيمنا غير حفنة قيم تقاوم في محيط الابتذال وشرائح شريفة تقاوم كل لحظة السقوط في الهاوية.

في عصور غابرة يعيش هؤلاء..؟ هناك دائماً، اتذكر الكاتب والفياسوف / ميلان كونديرا / حمقى يقولون كل شيء لان الحمقى يعرفون كل شيء.

لا يظن أحد أن هذا نموذج فريد بل هو ظاهرة منتشرة، في مجتمع اصبح مستهلك، وفوضي عارمة تهدد" قيمنا" علي حافة الأرض دون أن يتعرض كما تتطلب تقاليد النقد والاخلاق الثقافية لهذا المجتمع وتحليله وتفكيكه نحتاج فعلاً (لصرخة في البرية ) نعيد للقرية قيمها الآخلاقية ونحاري المصطلحات الغريبة المتداولة الآن،،

ونعلن حالة الطوارئ في مجتمع يعيش فوضي في الشوارع من التكاتك والموتسكلات، أي قتل بلا دم، ونحذر من الظواهر الغريبة التي دخلت علي القرية بأسم الحداثة ونحن مازلنا نسقي الزرع بالطرق البدائية، نحن نعيش في زمن ملتبس، والملتبس ليس الغامض، بل التافه، كن سعيداً في منتبذك في أقاصي الآرض"....!!

يوميات كاتب في الآرياف.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

الدكتور محمد الجابري وجورج طرابيشي الذي أمضى ربع قرن لنقد كتاب نقد العقل العربي للجابري، ربما توهموا بطروحاتهم التي أغفلت العلة الأساسية، وركزت على ما هو قائم في المجتمع بسببها.

العقل البشري لا ينحط بل تدوسه الكراسي بقوائمها، ووفقا للنفوس المنفلتة الجاثمة فيها.

فلكل مفكر مشروعه الذي يتوهم بأنه الأصلح والأقدر على حل المشاكل، فيركنه في رفوف معتمة ويتفاخر بما سطره من تصورات وإستحضره من أفكار، كما في حال الجابري الذي رأى أن أزمة العقل العربي يمكن إختصارها بثلاثيته المعروفة،  البيان – فقه، والعرفان - صوفية، والبرهان - منطق.

قرأت في شبابي معظم كتب الأستاذ طرابيشي، والعديد من كتب الجابري، وبين الإثنين فرق كبير، وكنت اميل لرؤى الطرابيشي أكثر من الجابري رغم قدرته على الإقناع حاضرة.

وبعد أن توسعت قراءاتي وتجاربي، تبين بأن المفكرين العرب عدا عبد الرحمن الكواكبي، صاحب كتاب أهوال الإستبداد، لم يتناولوا جوهر العلة، وإنما يدورون حولها ويؤكدونها، وربما جرأة الكواكبي أدت إلى قتله بفنجان قهوة مسموم.

ترى هل كانت هذه التفاعلات إلهائية لتأمين برامج مرسومة وخفية ؟

الواضح المؤلم أن تنامي عدد المفكرين والفلاسفة العرب يتناسب طرديا مع تعضيل مشاكل  الأمة، وإمعانها بالإندحار في الغوابر.

وهذه الظاهرة تحتاج لوقفة جريئة ومحاولة متوثبة لسبر أغوار جوهر المعضلة.

ويبدو أن معظم الكتابات والدراسات تدور حول المشكلة، وتخاف تناولها والدخول في معادلات نفاعل عناصرها ومفرداتها.

إن للمفكرين والفلاسفة والمثقفين ونخب الأمة دور مؤثر في صناعة واقعها المعاصر، وما تعانيه من تخبطات وصراعات بينية خسرانية متراكمة، وعدم قدرتها على الإستثمار الرشيد بثرواتها، ورزوخها في قاع الأحوال الريعية الكسولة المرهونة بإرادة الطامعين.

ربما سيقول البعض أن القوى الخارجية مهيمنة على مصير دول الأمة، ومن المعروف أن أية قوة لا تتمكن من قوة أخرى إن لم تتوفر عناصر داخلية تتفاعل معها.

هكذا يحدثنا التأريخ، وفي زمننا يكون الإستعمار الفكري والنفسي سبّاقا ومؤهلا للهدف لكي يستكين لمستهدفه.

و"إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الجاري في أنظمة الحكم منذ سالف الأزمان أن الذي في الحكم يوصي بالحكم لشخص ما بعد وفاته، وعادة ما يكون الشخص إبنا، وحالما يكتب عهد الولاية، فأنه كتب شهادة وفاته بيده، لأن ولي العهد سيتطلع إلى موته وسيضجر من إطالة بقائه في الحكم، ويتعجل الجلوس في مكانه، مما يعني أن ولي العهد سيتآمر على الذي عهد إليه بولاية العهد، وفي أكثر الأحيان فأنه سيلجأ إلى قتله بالسم أو بغيره، لكي يفوز بالسلطان ومغرياته.

وهذا ربما يفسر موت العديد من الخلفاء في أعمار قصيرة، فالقتل بالسم وغيره من الأساليب التي يتخذها ولاة العهد للتعجيل بالولاية.

قد يقول قائل أنها علاقة أب بإبنه، أو أخ بأخيه، والطبيعة البشرية لا تؤازر ذلك، بل أنها متوحشة وغابية، ولا تعرف أبا أو أخا عندما يتعلق الأمر بالسلطة والفرعنة، والإستحواذ على القوة والمال، وما يتصل بالسلطة من تطلعات وإغراءات.فالإبن يقتل أباه، والأخ يقتل أخاه، وإبن العم يقتل إبن عمه، فالدين والرب والمذهب والإنتماء يكون للكرسي الذي سيجلس عليه ولو لوقت قصير.

ولو تدارسنا مسيرة الخلفاء في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحتى في دولنا في القرن العشرين، لتبين بوضوح أن الأمر عندما يتعلق بالكرسي فلابد من القتل وسفك الدماء، والشك بأقرب الناس إليك.

وفي الدولة العباسية على سبيل المثال، سنجد أن العلاقة ما بين أبناء بني العباس في أشد حالات العداء والتنافر بسبب الخلافة وولاية العهد، فكم خلع من ولاية العهد أخ أخاه، وكم تقاتلوا بسبب ذلك، وكم ذاقوا الوجيع والعذاب لأن لهم حق أو بعضه في الخلافة، وما أصاب هارون الرشيد والمتوكل والمعتز وإبنه،  أمثلة أخرى.

إنها معركة غابية شرسة لا ترحم، ولا تعرف دينا وقيما وأخلاقا ومواثيقا، بل السيف هو الحاكم والسلطان، ومن لم يخنع ويخصع يعمل برقبته السيف عمله البتار.

ولهذا تجد معظم الخلفاء ما أن يكتبوا عهدا بولاية العهد من بعدهم، حتى تراهم وكأن عليهم أن يغادروا مواقعهم، ويتركوها لمن عهدوا بها إليهم.

أي أنهم يجردون أنفسهم من القوة والقدرة على الحكم، ويفوضون ذلك لأولياء عهدهم الذين ستفعل فيهم أمارة السوء التي فيهم، ما تفعله بأي بشرٍ كان مهما تصورنا غير ذلك.

ولهذا يبدو أن عدم القول بولاية العهد (وسيعترض على هذا مَن يعترض) من قبل النبي الكريم، فيه وعي دقيق ومعرفة يقينية بالسلوك البشري ومآلاته الدموية الفتاكة.

ولن يدوم حكم ويتحقق تطور ونهوض وطني شامل في أنظمة حكم تعتمد ولاية العهد في حكمها!!

وذلك ما يوحي به السلوك البشري بطبقاته المتنوعة!!

فهل من تبصر وإدراك لمعنى الحكم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

القوة تتخذ توصيفات متوافقة مع عصرها، فبعد أن كان السيف والحصان رمزها على مدى قرون، أوجدت الثورة الصناعية (1760)، مصادر متنوعة للقوة، بلغت ذروتها في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، بمبتكرات ومخترعات مذهلة.

وأصبحت القوة الحقيقية تكنولوجية وإليكترونية، فالدول الأقوى هي المتفوقة تكنولوجيا، والتي إستثمرت بعقول مواطنيها، ووفرت لهم البنية الملائمة لإطلاق طاقاتهم، وتعزيز قدراتهم وتبني مبتكراتهم .

والدول الضعيفة تعادي مواطنيها وتمحق قيمتهم وتعوق مسيرتهم في شتى الميادين، وتتخذ من أساليب الإلهاء والتضليل وسائل للحكم والقبض على مصير البلاد والعباد.

ولهذا فأنها دول مهزومة وبلا سيادة، ويمكن القول بأنها دول مستعمرة من قبل الدول القوية، المتفوقة عليها تكونلوجيا وفكريا.

ومن الواضح أن الدول المنكوبة بأنظمة حكمها، فرائس سهلة للدول المتمكنة المتمسكة بمواطنيها، والمعبرة عن قوتها بما يقدمونه من مبتكرات وإبداعات أصيلة.

ويصح القول أن الدول المقهورة بالكراسي المستلطفة للمآسي، هي الميادين المفتونة بممارسة أبشع الجرائم ضد الوجود البشري فوق ترابها، ومعوقة لسيادتها، وممعنة بالأضاليل والمغفلات الطاغيات!!

و"الأقوياء بكل أرض قد قضوا...أن لا تراعى للضعيف حقوق"!!

***

د. صادق السامرائي

16\4\2024

 

إن الإسلام لم يقتصر دوره على التهديد والوعيد بأن العقاب سوف ينال كل من أصاب حداً من حدود الله فى يوم يوم تقشعر فيه الأبدان وتشيب فيه الولدان وأن الطرد من رحمة الله ونعيمه هو مصير من يطلق العنان لشهواته ولذاته الفانية دون أن يتفكر فى المآل وسوء العاقبة. بل نجده قد وضع العقوبات الرادعة التى تكون بمثابة سيف مسلط يلاحق كل من ضعف وازعه الدينى وأصاخ بسمعه لهوى نفسه وأراد أن ينغمس فى وحل الخطيئة ويهوى فى لجج الشيطان "فالطبيعة البشرية مبنية على تحكم الرغبات والشهوات، وبخاصة إذا ما خفت دواعى السيطرة الروحية من القلوب فإنا ولابد واجدون فى أبناء هذه الطبيعة، من تضعف عقيدتهم فى الترهيب الأخروى، أو يغفلون عن تقديره والنظر إليه، وكان من مقتضيات الحكمة فى السلامة من تعارض الرغبات والشهوات، وضعف المعنى الروحى فى مقاومة الشر، إتخاذ علاج ناجع، لكبح هذه النفوس، صيانة للجماعة من شيوع الفساد، وتفشى جراثيم الإجرام". فشرع الإسلام العقوبات فى الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض:"فى النفوس، والأبدان، والأعراض، والأموال،كالقتل والجراح، والقذف والسرقة؛ فأحكم الشارع سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر".

"وحتى يصبح التشريع الإسلامى صالحاً للتطبيق فى كل زمان ومكان نوعت العقوبة إلى الزامية لا يجوز تعديلها، وأخرى اختيارية وفقاً لما يراه الحاكم".العقوبات الإلزامية أو المقدرة "هى التى ورد فيها نص من الشارع يبين نوعها ويحدد مقدارها وهى بهذا الوصف تشمل عقوبات الحدود والقصاص والدّيات.

والحدود تشمل حد الزنا والقذف وحد الخمر وحد السرقة والحرابة والردة والبغى. أما القصاص والدية فهما العقوبتان اللتان حددهما الشارع بسبب الإعتداء على النفس أو على ما دون النفس كالجرح والقطع...

وأما العقوبات التفويضية أو الغير مقدرة فهى التى لم يرد فيها نص من الشارع يبين نوعها ويحدد مقدارها وإنما يخضع أمر النظر فيها وتقديرها للقاضى وهذا النوع من العقوبات يطلق عليها العقوبات التعزيرية أو التعزير".وقد اتجهت الشريعة الغراء فى جرائم الحدود إلى الشدة والردع وأخذت على يد المجرم أخذاً شديداً، و"حكمة التشدد فى هذه الجرائم أن ضررها لا يقتصر على المجنى عليه بل يتعداه إلى المجتمع بأسره الأمر الذى يؤدى إلى فساده وتداعى أركانه وشيوع الفحشاء فيه، فالتشدد فى عقوبات هذه الجرائم قصد به الإبقاء على الأخلاق وحفظ الأمن والنظام، وقصد به مصلحة الجماعة، فلا عجب أن تهمل مصلحة الفرد فى سبيل الجماعة، بل العجب أن لا تضحى بمصلحة الفرد فى هذا السبيل".على أن الإسلام لا يشدد فى العقوبة هذا التشديد إلا "بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل، فتوقيع العقوبة وتنفيذها لا يتحقق إلا فى الحالات الثابتة التى لا شبهة فيها.

فالإسلام منهج حياة متكامل، لا يقوم على العقوبة؛ إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة، ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب ويتمرغ فى الوحل طائعاً غير مضطر". أما العقوبة الأخروية فلقد ادخرها المولى عزوجل للعصاة من عباده الذين أفنوا حياتهم فى مقارعة الكؤوس ومطاردة اللذات دون أدنى اعتبار للجبار الذى يسدل عليهم ستره ظانين أنّ بعدهم عن أعين الناس ومواطن الإثبات كفل لهم النجاة من عين الرقيب ومن سطوة القاضى المهيب فالعقوبات الأخروية"تجد أثرها فى حسم الرزائل الخلقية التى تعزب العقوبات الدنيوية عن ملاحقتها ويتعذر عن رجال القضاء ورجال الضبط القضائى إثباتها كالحسد والنفاق وقريب منها الغيبة والنميمة وغيرها من الجرائم الخلقية". فإن سلم ذلك العبد العاصى وخفى أمره ونجا من العقاب والتنكيل فى دنياه فهو حتماً لن ينجو عقاب الله عزوجل الذى لا تخفى عليه خافية، فهو يراه أينما كان وكيفما فعل وسيحاسبه إذا اقتضت مشيئته ذلك عما صدر منه من جرائر اجترحها وآصار اقترفها.

وصفوة القول أن العقوبة هى الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة والفرد من تلك العصابة التى استزلها الشيطان واستفزها بخدعه وأغواها بأكاذيبه.

***

د. الطيب النقر

سقطت بغداد قبل غرناطة لكنها نهضت، وسقطت غرناطة وما نهصت، وسقطت بغداد في عام ألفين وثلاثة وستنهض من جديد وتتعافى، كما نهضت وتعافت بعد سقوطها بسبب الغزو المغولي الهولاكي الفتاك وما بعده من الغزوات.

فسقوط بغداد كبوة وسقوط غيره إنتهاء لا نهوض بعده . والذين يعتدون على بغداد أما يجهلونها، أو أنهم مرعوبون من طاقات نهوضها وإنطلاقها الحتمي من رماد ويلاتها وتداعياتها.

بغداد وجدت لتبقى وتدوم وتقود وتنير وتبعث البشرية من رقداتها المتنوعة، ففيها إرادات صيرورات لا حدود لها، وتختزن قدرات تألق وإمتداد في أعماق الإنسانية.

بغداد رمز الحضارة والحياة والقوة والمجد الأثيل السامق الشاهق، الذي يرفل بالعزة والبهاء والعلاء.

بغداد ليست مدينة كأي المدن، ولا كينونة بلا جوهر ومظهر، بغداد تعبير عن فكرة كونية وآليات ديمومية خالدة متجذرة في عمق المكان والزمان.

فلماذا يُعادون بغداد؟!!

هل لأنها عباسية الملامح والأسس والمنطلقات؟

هل لأنها مدورة منورة بالرموز الحضارية الخالدة؟

هل لأنها تذكّرهم بالعروبة العزيزة المجيدة الساطعة؟

هل لأنها عصية على المحق والفناء؟

هل لأنها ذات قامة سامقة تشعرهم بذلهم وهوانهم؟

إنهم يتحاملون على بغداد لهذه الأسباب وغيرها الكثير، لكنهم لن ينالوا منها مهما توهموا وتصوروا، ولن تتنازل بغداد عن دورها ورسالتها وقدرتها على الحياة، وإن سقطت ألف مرة ومرة، فأنها لن تموت ولا مرة، وستنهض من تحت ركامها.

وإن بغداد لنجمة ساطعة في ظلمات ليالي الوجود العربي والإنساني.

وإن بغداد حية لا ولن تموت!!

***

د. صادق السامرائي

19\9\2018

 

الشعوب إما تدار بالقوة الخلاقة المتمثلة بقوة القانون والنظام التي تجعل منهم أحراراً في اوطانهم فكراً وعقيدة ونظاماً ينتج المواهب الخلاقة

وإما أن تدار بقوة الطغيان والسفاهة الفردية فتجعل من الشعوب كالعبيد او كالقطعان (بل أضلّ سبيلا) التي تنهشها الذئاب كلما اشتهت الدم فلا فكر ولا عقيدة ولا موهبة غير فكر الطغيان وموهبة الطاغية وابناؤه المتحفزين لوراثته

وهذا ما يفسر انتعاش وإزدهار الآداب  والفنون بمختلف أصنافها في عصور التنوير الأوربية بعد اسقاط الطغاة التاريخيين (الميثاق الإنكليزي  للحريات -الماكنا كارتا- 1215،الثورة الأمريكية 1765، ودستور الثورة الفرنسية 1789)

 وهذا ما حصل فعلاً في العهد الملكي العراقي (1921 - 1958) عهد الحريات العامة التي أنتجت نجوماً لامعة في سماء العراق الناشئ فقد ازدحمت حينها الاسماء اللامعة في سماء الأدب والفن ومنها الشعر والقصة والفنون التشكيلية والمسرح والغناء فقد ازدحمت الساحة الادبية بشعراء مبدعون (جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، الجواهري، نازك الملائكة، البياتي، بدر شاكر السياب، بلند الحيدري، الفريد سمعان، باقر سماكة، بثينة الناصري، حسب الشيخ جعفر، لميعة عباس عمارة ….. وقامات ثقافية عالية مثل (طه باقر، علي الوردي، مصطفى جواد، جواد علي، أحمد سوسة) والقائمة تطول رواد الفن التشكيلي العراقي (نوري الراوي، فائق حسن، وجواد سليم، ومحمد غني حكمت، وكاظم حيدر، وخالد الجادر، وإسماعيل الشيخلي، وحافظ الدروبي، سعد الطائي،رفعة الجادرجي نزيهة سليم، إسماعيل فتاح الترك، حسن شاكر ال سعيد فضلا عن نخبة من عمالقة الفن التشكيلي الآخرين،

وأبدع في مجال الرواية والقصة (ذو النون أيوب، فؤاد التكرلي، غائب طعمة فرمان، يوسف الصائغ، حياة شرارة، شاكر خصباك، عبد عون الروضان، عبد الرحمن الربيعي، سامي مهدي، حسب الشيخ جعفر، حسب الله يحيى وعشرات من العمالقة في فن الرواية … لازلنا نفتخر بهم ليومنا هذا ولكن لابديل حل محلهم  فقد عجزت الأنظمة القمعية اللاحقة عن انتاج مثيلاً لهم بل انتشرت الأفكار السوداوية المليئة برائحة الدم والموت المجاني فتحطمت المدنية الخلاقة وحلت محلها القروية التافهة شكلاً ومضموناً التي تقتل روح الابداع وتمجد الطغيان والآداب والفنون التافهة على حساب قوة القانون والمواهب الخلاقة.

***

فارس حامد عبد الكريم

 

الفاحشة: القبيح الشنيع من قول أوفعل، وفقهيا: ما تنفر منه الطباع السليمة، ولا تقره العقول الصحيحة، ويوجب الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة.

القائلين بالفاحشة يحسبون الغناء والرسم والموسيقى والشعر من الفواحش التي تستوجب المنع والعقاب، وهي التي تخرب القيم والأخلاق والحياة المتوافقة مع الدين.

أما الظلم والفساد ومصادرة حقوق الإنسان وإنتهاك حرماته، وقهره بالحرمان من أبسط الحاجات اللازمة لحياة حرة كريم، فأنها وغيرها الكثير من الرذائل ليست من الفواحس، بل بعضها من طقوس الرؤية الفئوية المعينة وفي ممارستها تأكيد للإيمان.

وليس من الفواحش تقديس البشر وتحويله إلى وثن آدمي، تتعبد في محرابه المساكين المغفلة، المرهونة بالتبعية والخنوع والتفليد، والممهورة بخاتم السمع والطاعة إلى نائب رب العالمين.

كلها سلوكيات تعبدية، ونشاطات جهادية، وتعبيرات عن مدى التفاني بالإيمان، والعمل بموجب إرادة الكراهية والبغضاء،  والعدوان على الآخر بعد تكفيره وإخراجه من مملكة الإنسان.

ما يتوافق مع الرغبات المطمورة والنفس الدونية، لا يحسب فاحشة، وفقا لمنهج دينهم هواهم، وما يعيق ذلك يكون من الفواحش.

فقتل الأبرياء وخطفهم وتعذيبهم وتغييبهم من ضرورات القوة والتمسك بالمعتقد، والتقرب بالضحايا إلى الرب المعبود.

و"من أطاع هواه باع دينه بدنياه"!!

***

د. صادق السامرائي

 

العام 2008 قرر الحاج إبراهيم الجعفري صاحب الـ 200 كتاب وكتاب أن ينشر مذكراته التي أسماها "تجربتي في الحكم" وفيها كان شديد التواضع حين أطلق على نفسه فيها لقب "النجاشي" تشبهاً بملك الحبشة وهو "ملك لا يظلم عنده أحد"،

في الوقت الذي اجتاحت العراق أخطر موجة عنف طائفي أيام تولي صاحب المذكرات رئاسة الوزراء، والناس تسأل ترى ماذا لو استمر الجعفري ليكتب لنا الجزء الثاني من مذكراته، وواصل القاء خطاباته المفعمة بغرائب القاموس السنسكريتي ؟، لكننا والحمد لله لم ننتظر طويلاً فبعد أن غاب الجعفري في لندن وترك " المارد في القمقم "، خرج علينا رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني ليبشرنا بأنه قرر إصدار ديوان شعري بعنوان "نواميس الشجن"، ولا تسألني أي شجن يعاني منه المشهداني الذي أعلن ذات يوم أنه جاء لإصلاح حال هذا الشعب "الدايح". بعدها شمر السيد عادل عبد المهدي عن ساعديه ليخرج لنا كتاباً بعنوان " الدولة العراقية " وفيه يقسم بأغلظ الأيمان أن الحكومات والأحزاب العراقية خلال 20 عاماً لم تنهب ديناراً واحداً، وأنها سعت لبناء عراق ديمقراطي قوي لولا تامر الامبريالية ومعها شباب تشرين، ويصفن قليلاً ليبشرنا أن هذه العشرين عاماً كانت البداية وأمامنا عشرون أخرى جديدة، واطمئنوا سنلحق بالصين ونتجاوز سنغافورة.

تمنيت أن يقرأ ساستنا الأكارم تجربة الرئيس الصيني دنغ كسياو بنغ، وكيف استطاع أن يحول هذا البلد الضعيف اقتصادياً في سبعينيات القرن الماضي إلى أقوى اقتصاد في العالم.

قدّم دنغ للعالم صورة مختلفة عن الجنس الأصفر وأصحاب البدلة الواحدة، أراد أن يرسل الماضي إلى النسيان، وقال لمنتقديه وهم يهاجمونه على فتح قنوات اتصال مع أميركا: إن الأنظمة التي تغلق على نفسها الأبواب تموت. يجب أن أعترف بأنني دائماً ما أعيد على مسامعكم تجارب الشعوب، وأنسى أننا بلاد علّمنا البشرية القراءة وخطّ الحرف، أكتب عن الصين، وأعيد وأصقل بحكايات ماليزيا وزعيمها مهاتير محمد، وأنسى أن لدينا أكثر من مئة ألف مسؤول يؤدون الفرائض بانتظام وسيماء التقوى على وجوههم، هذا معيب ياسادة، ويجب أن أتوارى خجلاً لأنني أعتقد أن الكتابة في الأمور الصغيرة مثل تقارير عن اختفاء عشرات المليارات من المال العام، أهم من جلسة البرلمان التي ستعيد لنا قفشات محمود المشهداني .. صحيح أنا لا أفهم بالمسائل الكبرى التي تشغل السادة المسؤولين، مثل نظرية حصتي وحصتك، فأنا مهموم بالقضايا التي لا تشغل بال الكثير من السياسيين، مثل الذين يعيشون فقراء في أغنى بلاد في العالم. ومثل الذين لا يشبعون من سرقة المال العام، ومثل الملايين الذين يحلمون بمدن نظيفة، ومثل الشباب الحالمين بجسور للمحبة لا تقطعها خطابات طائفية .

***

علي حسين

 

دائماً ما أتذكر الفنان الراحل جعفر السعدي وإطلالته المحببة من على شاشة التلفزيون، وأنا أشاهد المهرجانات الفنية التي تحولت إلى كل شيء باستثناء الفن الحقيقي . كان جعفر السعدي فناناً في كل المقاييس، ولد وترعرع في مدينة الكاظمية، وشب على المسرح فيها.

قبل أن يعلن القادة الجدد لائحة الممنوعات والتي لا تتضمن بالتأكيد لائحة منع لسرقة المال العام والمحسوبية وإشاعة الطائفية وتكريس المحاصصة. جعفر السعدي من جيل فني لا يعرف الخديعة شعاره الصدق في الحياة أولا والصدق الممتع في الفن ثانياً وثالثاً ورابعاً.. ممثل يتمتع بعبقرية لها طعم خاص يترك أثراً في النفس، ولاتزال جملته الشهيرة "عجيب أمور غريب قضية" والتي أطلقها قبل أكثر من ثلاثين عاماً في مسلسل الذئب وعيون المدينة كأنها قيلت بالأمس.

وأريد أن أفتح قوسين لأضع فيهما هذه الجملة "عجيب أمور غريب قضية" وأنا أتابع آخر تطورات معركة كرسي رئاسة البرلمان، فقد قررت كتلة محمد الحلبوسي أن تتحالف مع محمود المشهداني لتعلن ترشيحه للعودة الميمونة إلى رئاسة مجلس النواب .. وتوقع المواطن العراقي أن الأزمة في طريقها إلى الحل، وأن مجلس النواب "الموقر" سينتبه إلى هموم الناس والقوانين التي تتعلق بمصالحهم، لكننا أيها السادة وجدنا العجب وقرأنا الأغرب بعدما هاجم عدد من المقربين من الإطار التنسيقي ترشيح المشهداني، لماذا ياسادة والرجل كان أقرب إليكم من حبل الوريد؟

ولنعد إلى غرائب الأمور.. تقول الهجمة على المشهداني إنه خيار غير موفق، لكنه قبل أشهر كان خياراً متميزاً . أتمنى أن لا يعتقد البعض أنني أدافع عن محمود المشهداني وأتمنى عودته إلى رئاسة البرلمان، فأنا وأنتم نعرف جيداً أن السيد محمود المشهداني استطاع وبشطارة تُحسب له أن يحول سنوات السياسة إلى بنك متنقل يحصد من وراءه مئات الملايين سنوياً، ورغم أن الرجل يعترف بأنه "لا يعرف ما هي الدولة"، لكنه مشكوراً يخرج علينا بين الحين والآخر ليبث همومه ومصاعبه في خدمة الوطن والتي تتطلب منه جهداً يأخذ من وقته الثمين الكثير..

ينسى المعترضون على عودة محمود المشهخداني أن الناس تعرف جيداً أن البعض من السياسيين لا يريدون للبرلمان أن يكون صوتاً حقيقياً للناس ..ولنعد ثانية إلى ما يؤرق السادة المعترضين، فهم يخبروننا أن " الإطار لا يمكن أن يثق بالحلبوسي "، وينسون أنهم صوتوا بالإجماع على أن يجلس محمد الحلبوسي على كرسي البرلمان في المرة الثانية .

يا أعزائي أصحاب البكاء على أطلال البرلمان، لن أذكركم بعبارة الراحل جعفر السعدي الشهيرة "عجيب أمور غريب قضية" لأننا اليوم أصبحنا مواطنين مغلوبين على أمرنا، مأساتنا أن البعض يعتقد أننا شعب بلا ذاكرة.

***

علي حسين

إسهاب: التوسع والتطويل بلا فائدة

إطناب: أن يزيد اللفظ عن المعنى لفائدة

سألني زميلي عن رأي فيما أرسله إلي وهي مقالة طويلة يشرح فيها لقطات من ذكرياته، فقلت له، الموضوع طويل، لا يغري القارئ بالتواصل معه، حبذا لو كثفتها وأخرجتها بأسلوب جذاب!!

زعل زميلي، وتوقف عن إرسالي ما ينشره في المواقع، وحسبني إعتيدت عليه!!

وهذا التفاعل يمثل سلوكنا بوجه عام.

فإياك أن تقول لواحدنا: "على عينك حاجب"، بل عليك أن تمدح وتبجل وتنافق، وتشترك جميع الكراسي بضرورة الإطراء، والكذب المعسول، مما أصاب مسيرة الحياة بالوجيع المتراكم، والمعاصر منه واضح وشديد.

لماذا لا نقبل النصح؟

لماذا لا نتفاعل بإيجابية؟

لماذا نسيئ الظن ببعضنا؟

أنت تريد رأيّ فلماذا تنزعج منه؟

لم أتطوع بإبداء الرأي وإنما أنت الذي طلبته!!

ذات يوم وجدتني في مجلس الحاضرون فيه يرون أنهم يعرفون كل شيئ، فقلت لهم : لا أعرف شيئا، فحدقوا بوجهي مندهشين.

قلت: وما أوتينا من العلم إلا قليلا، ومهما عرفنا فلا نعرف!!

لم تعجبهم الكلمات، وحسبوني من الجاهلين، وأنهم من أعلم العالمين.

ولله في خلقه شؤون، وتلك مصيبة مجتمعات بذاتها وموضوعها!!

و"من قال أنا عالم فهو جاهل"!!

و"لا إطناب ممل ولا إيجاز مخل"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الوعي الجمعي محكوم بالغابرات المتصورات وفقا لما أرادتها أن تكون عليه المدونات، وأغلبها لا تنقل الحقيقة بل تكتب بمداد التملق والمحاباة وإرضاء ذوي الشأن والسلطان.

فهل وجدتم مَن يكتب بصدق وأمان؟

إن السلوك الذي إتبعته الأقلام بأنواعها عبر مسيرة الأمة، أنها ترتزق بما تكتب، فالشعراء والمؤرخون والأدباء المفكرون والفقهاء، وبلا إستثناء، كانوا يسعون للإرتزاق مما يقدمونه من كتابات ورؤى وتصورات، فهمهم ما يغنمون وقربهم من كراسي الظلم والعدوان على حقوق الإنسان، بإسم الدين الذي يمثلونه وبموجبه ينوبون عن رب العالمين.

وما ينتشر في الأوساط التواصلية محكوم بالغابرات، ومنقطع عن الحاضر والمستقبل، وما مضى حالة متخيلة يُضفى عليها صور وتهيؤات لا تتصل بالواقع الذي تجسدت فيه.

فلا تفترق كثيرا عما كان دائرا في حينها من تفاعلات بين البشر، وأكثرها توحشية دموية صاخبة، وهي صراعات قِوى ومحاولات هيمنة وإستحواذ على ما عند الآخر أيا كان ، فلا علاقة للدين بها، وإنما إستعملوه  كمطية لتأمين السلوك العدواني على الآخر.

وهذا الأسلوب التفاعلي رافق البشرية منذ عصور ما قبل التأريخ.

فالقول بأن سلوك هذه الجماعة لم يكن متصفا بما كان سائدا، لا يمت إلى الواقع المحتدم بصلة واضحة، وإنما هو تحليقات فوق الحقائق والبراهين، وإنكار للطبع البشري، ونزعات النفوس الأمارة بالسوء.

فلا يمكن القول بأن مسيرة الأمة كانت تختلف نوعيا عن مسيرة أية إمبراطورية عاصرتها أو سبقتها، وما تحقق في بعض مراحلها كان نتيجة لبلوغ العلوم لدرجة من التقدم، وتوصل العقول إلى رؤى وتصورات إستطاعت أن تعبّر عنها بقدرات زمانها ومكانها.

ومما يثير الشكوك ويستدعي تفعيل العقول، أن المدوّن عن المراحل قبل بضعة عقود يكشف مدى التعبير المحكوم بنزعات النفوس المتفاعلة مع القلم والورق، قكل يدوّن ما يراه، لا ما جرى وحصل، فالتدوين لم يكن نزيها وإنما متأثرا بما يتوهمه الكاتب.

"وما كُتب التأريخ في كل ما

روت لقرائها إلا حديث ملفق

*

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا

فكيف بأمر الغابرين نصدق"!!

فلنُعمل العقل بما نقرأ، وبجرأة الباحث الأمين عن الحقيقة!!

***

د. صادق السامرائي

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين والبلدان المجاورة لها، إلى ساحة صراع بين مؤيدي قرار أمير الكويت بحل مجلس الأمة وتعطيله، وأنصار الحفاظ على الديمقراطية، ووجدنا من يصرخ :" إن صناديق الانتخابات هي وحدها التي تقرر مصير ملايين الناس".

ولم يلتفت صاحب هذه الصرخة إلى ما فعله بعض النواب الكويتيين الذين ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ومحاولاتهم لتضييق الحياة على الناس، حتى قرأنا أن عدداً من النواب طالب باصدار قانون يحظر إجراء عمليات التجميل، ووجدنا عدداً آخر من نواب مجلس الأمة الكويتي يصرخون من أجل منع دخول الكتب والمطبوعات من خارج البلاد حفاظاً على القيم.

وأنا أقرأ التعليقات المؤيدة لقرار أمير الكويت والتعليقات المنزعجة منه لفت انتباهي تعليق يلخص صاحبه المشكلة حيث كتب :" بشخطة قلم ارتحنا لمدة 4 سنوات من سماع أصوات بعض الدجالين والمشعوذين اللي دمروا الكويت من أجل مصالحهم الشخصية " وتمنيت لو نمتلك من لديه سلطة " شخطة القلم " هذه ليخلصنا من مجلس نوابنا الذي تحول من مؤسسة مهمتها تشريع القوانين التي تخدم العراقيين جميعا بلا استثناء إلى منصة تبث رياح التفرقة والطائفية بين العراقيين . في مقابل صاحب عبارة " شخطة قلم "، كان هناك فريق يتباهى بالتجربة الديمقراطية في العراق حيث كتب مواطن عراقي يتمتع بخيرات ومحاسن مجلس النواب :" مبروك عليكم موت الديموقراطية " . الذين يتباهون بديمقراطيتنا، لا يريدون أن يلتفتوا للحاضر قليلاً. في بلد مثل العراق يمتلك ثروات هائلة صنفته مجلة "فوربس" الأمريكية، بأنه واحد من أبرز الاقتصاديات العربية، بناتج محلي يصل إلى "191" مليار دولار عداً ونقداً، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي أن يحتفل باليوم الذي يتخلص فيه من المولدات والبطالة ومن شعارات عالية نصيف.

سيقول البعض يارجل، صدعت رؤوسنا بالكتب والتغني بمقولات روسو وفولتير، واليوم تقف مع انقلاب ضد الشرعية، أيها السادة على مدى عشرين عاماً عشنا في هذه البلاد مع مجالس نواب منتخبة ليس لديها شيء تقدمه للعراقيين، مهمتها إعلان الحرب على النساء وحقوقهن، وإعلاء شأن كل فاشل وانتهازي وسارق .

ظلت الناس تأمل بسياسيين يعلون مبدأ الحوار السلمي، شعارهم القانون أولاً وأخيراً، لكنهم وجدوا أمامهم عقلية سياسية تتعامل مع الجميع باعتبارهم أعداء للوطن وعملاء للخارج، كانت الناس تأمل بسياسيين يخرجون البلاد من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات، فوجدوا أمامهم نواب يريدون إعادة البلاد إلى زمن القرون الوسطى وعهود الظلام.

التغيير ليس بانتخاب مجلس نواب، بقدر ما هو تفكيك بنية سياسية ترى في كرسي البرلمان حقاً شرعياً، وتعيد إنتاج الفاشل كل مرة بوجه جديد وبشعارات وخطب جديدة.

***

علي حسين

 

ذات يوم قال طه حسين " التعليم كالماء والهواء وحق لكل إنسان"، فلو كان بيننا لتبين له بأن ما كان يدعو إلليه صار حقيقة فاعلة في الأجيال المعاصرة.

فالمعرفة متوفرة للجميع، وكتب الأجيال ومكتباتها تحت طلبه، في جهاز صغير يحمله في جيبه، ويسأله عما يريد فيأتيه الجواب فورا.

آلاف الكتب يستطيع الوصول إليها بتفاعله مع باحث كوكل، أو غيره من أنظمة البحث المتنوعة على شبكات الإنترنيت.

كنت أتحدث مع عدد من الشباب الصاعد، وما أن أقول كلمة أو أطرح فكرة، حتى أجدهم قد بحثوها في هواتفهم وأكدوها، ويضيفون لي معلومات جديدة، وبالصور والأدلة القاطعة.

فيا عميد الأدب العربي، المعرفة أصبحت كالهواء يستنشقها مَن يريد الوصول إليها وبسرعة خاطفة، ولا يتكلف عناءً سوى أن يكتب مراده على الشاشة الصغيرة لتحضر أمامه العديد من الخيارات، فيضغط على ما يختاره منها لتنفتح أمامه عوالم معرفية فياضة ومتجددة.

بل أن مقولة التعليم كالماء والهواء فقدت قيمتها لأن الزمن تجاوزها، وصار التعليم متاحا لمن يسعى إليه بلا عناء كبير، فالشاشات تقدم لنا العلوم بوسائل توضيحية غير مسبوقة، ويمكن التفاعل بين العقول عن بعد، فعالم القرن الحادي والعشرين تنتفي فيه المسافات، وتنكمش الكرة الأرضية لتكون أصغر من كف اليد الواحدة.

فأنت لست معنيا بالبحث في الكتب والمكتبات عندما تريد الكتابة في موضوع ما، وما عليك إلا أن تستحضر ما كُتب عنه  في شبكات الإنترنيت التي تغنيك عن ألف كتاب وكتاب، بل أن ثورات الذكاء الإصطناعي أصبح لها دور متطور ومؤثر في صياغة الأحداث والتطورات وآليات التفاعل مع المخلوقات، إضافة للثورات الإليكترونية المتنوعة التطبيقات.

فما أسهل التعليم والفهم وفقا لمعطيات عصر السرعة، الذي يطغى على الموجودات الأرضية، ويدفعها للإنطلاق البعيد نحو عوالم كونية ستسبرها بإرادات إليكترونية فائقة.

فهل نحن نعلم أم نتعلم، يا أمة وعلمنا الإنسان ما لم يعلم؟!!

والضلال في ديارنا كالماء والهواء ويغرق فيه كل إنسان، فالسمع والطاعة من الإيمان، وتعطيل العقول هو البرهان!!

"وقل ربي زدني علما"!!

:وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ذكريات العهد الفريد

نعم لقد كانت ليلة خالدة من ليالي كوالالمبور الكاعب الدعجاء، ليلة شاع فيها الطرب في النفوس، وسرت اللذة في المشاعر، ولاحت على الوجوه الكالحة المجبولة على السماحة والكرم علامات الجزل والارتياح.. ليلة تخللتها أغاني ماجت لها القلوب، وأحاديث انفطرت لها الأفئدة تفوه بها شماريخ امتلكوا ناصية اللغة وخناذيذ انفتقت ألسنتهم بألفاظ عسجدية تنزهت عن شوائب اللبس، وخلصت من أكدار الشبهات، ألسنة تمجد ذلك الرعيل الذي جلب الاستقلال لسوداننا الذي مازالت تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، تلك الكوكبة التي لها أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، والتي كان لها هدف سامٍ شبت في مهده، وتحركت في اطاره، هدف من أجل تحقيقه سلكت درباً غير مأنوس، وعبدت طريقاً غير مألوف مهدته بالمهج والجماجم حتى تسير قافلتنا نحن غير ظلعاء أو وانية، ولم يدر في خلدها أنّ من انحدروا من صلبها سوف يتراشقون بالسهام، ويتقارعون بالكلام، ويكيلون لبعضهم القدح جزافاً، حتى غرقت البلاد في عصبية رعناء وقبلية ممجوجة.

إلا أنّ تلك الجموع الهادرة التي قصدت على حرد ذلك الفندق الراسخ البنيان، الموطد الأركان، الذي يكمن فيه الجمال، ويسير بين ردهاته الكمال، أشاحت بوجهها عن الردى، وكفت يدها عن الأذى، وأصمت أذنها عن كلام يفصم العرى، ويضعضع القوى، ومضت خلف سجيتها التي فطرها الله عليها تعانق في إلفة، وتبتسم في وداعة، لقد أسقطت تلك الجموع الإحن والسخائم من صدرها الموبوء بضغائن توهن جلاميد الجبال، فانصدع ليلها البهيم، واستبان طريقها المظلم، وتجاوبت مع أصحاب الأصوات الندية وهم يرسلون النغم الشجي عذب الإيقاع، صافي الرنين، وألهبت أكفها بالتصفيق لرئيس الجالية الدكتور صبير الذي سحر العقول، وخلب الأسماع، بحلاوة لفظه، وطلاوة منطقه، وانتهجت نفس النهج مع السفير الذي يرفل في شرخ الشباب وميعته، الأستاذ نادر الطيب، الرجل الذي يتكأكأ حوله الطلاب لأنه جزل المروءة، جم التواضع،أغرُّ المكارم، لقد خاطب السفير الحفل بلفظ عذب سائغ حتى استرق قلوب المستمعين بحلاوة لسانه، وحسن بيانه، زاعماً أن السودان سوف تنجلي عنه غمرة الحروب، ويعود السلام إلى ربوعه، داعياً شريحة الشباب للتزود بسلاح العلم، وأن يكونوا أهلاً للتحصيل، ومن أهل القدم الراسخة في المعرفة، وناشدهم ألا يكونوا وثابين على الشر، مقعدين عن الخير، كما مكث خليط من الأساتذة الجامعيين ورجال السلك الدبلوماسي والأعمال وطلاب الجامعات والمعاهد العليا، يستمعون في خشوع العابد، وسكون العاشق، للبروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك، الموسوعي الذي ينداح في كل علم، ويستفيض في كل حديث، وهو موغل في حديثه المتزن الذي اجترَّ فيه الماضي وأماط اللثام عن زمرة ناوشت الدهر، وصاولت الزمان، حتى أتت بالاستقلال حنكةً وعنوةً، زاعماً أنَّ عدة عوامل قد ساعدت في جعل الاستقلال واقعاً معاشاً، منها العامل الأمريكي الذي كان يبحث عن موطأ قدم يحارب فيه الماركسية العجفاء التي كانت متفشية في ذلك الزمان، لقد سعى الأمريكان لاجتثاث شأفة المد الشيوعي وعملوا على تقويض دعائمه، وذلك بجلب الاستقلال لذلك القطر الشاسع، المترامي الأطراف، وأرادوا ضمه للتاج المصري، الأمر الذي رفضته النخب السياسية وتصدت له، ومن العوامل التي جعلت الاستقلال أمراً سجسجاً سهلاً، اندلاع ثورة ثلاثة وعشرين يوليو في مصر وسقوط النظام الملكي فيها، إضافة لإرادة الشعب الذي ليس بضعيف المغمز، ولا هش الحشاشة.

لعل الحقيقة التي ينبغي عليَّ ذكرها أنه لم يكن بين فقرات ذلك البرنامج الشيق، فقرة مدعاة للسأم أو مجلبة للكدر، حتى فقرة التكريم التي يتبرم منها الحضور في العادة عدها الجميع من أجمل فقرات ذلك الحفل الأسطوري، لأنها احتفت بنخبة من أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، علماء يُستضاء بضوئهم في الملمات، ويُرجع إليهم في المشكلات، على شاكلة العلامة البروفيسور مالك بدري، الأب الحاني لكل سوداني تسير قدماه في حواشي ماليزيا، والبروفيسور هنود أبية كدوف، القانوني الضليع، والسوداني الشهم الأصيل، وممن تمَّ تكريمهم الصوفي الورع الدكتور سعد الدين منصور والمهاتما حسن النقر، والبروفيسور مدثر عبد الرحيم، والأستاذ الدكتور إبراهيم زين، الرجل الذي يملأ شعاب القلب بالإعجاب، وزوجته الدكتورة نجاة محمود، والدكتور عبد الله خيري، وكثير الرماد الأستاذ السخي عبدون، وغيرهم من الأستاذة الأجلاء، إلا أنّ هذا التكريم غفل عن نفر يبسطون ألسنتهم بالمعروف، وأيديهم بالمعونة، لكل من يستحقها ومن لا يستحقها، مثل البروفيسور حسن أحمد إبراهيم، والأستاذ المشارك عائشة حسن هاشم، والإعلامي النشط طالب الدكتوراة العزيز سيف الدين حسن العوض، ومن ينطق الكرم من محاسن مناقبه، طالب الدكتوراة المبجل هشام ملاسي، ويحدوني الأمل أنّ تتدارك جاليتنا الفتية هذا القصور في برامجها المقبلة.

ولكن يُحتَّم علينا جميعاً في نهاية المطاف أن نزجي الشكر، ونعاود فيه حتى ينضب معينه لكل من أسهم في ذلك الحفل البديع الذي أجلى عنا غمرات الكرب، ومنغضات العيش، وخفف عنا وطأة الغربة والبعد عن الخلان.. سائلين الله أن يكون ميزان هذا العمل في رصيد حسناتهم.

***

د. الطيب النقر

هذا التركيب الفريد الذي يضم بين عناصره طيبة الإنسان العراقي، وشغف الكاتب بعوالمه، واستقامة وعفة الصداقة، وحنو الأب، والايمان بالثقافة حتى اللحظة الأخيرة من الحياة، وإعلاء قيمة المحبة . هذا التركيب العجيب احتواه شخص كانت الابتسامة لا تفارق وجهه لتختلط هذه الابتسامه بأسمه الذي اصرت والدته أن تسميه " باسم "، وكأنها كانت تعلم ان الابتسامة لن تغادر ملامحه، فمن النادر أن ترى باسم عبد الحميد حمودي من دون ابتسامته المتميزة .

واستميحكم عذرا ان تختلط مشاعري الذاتية مع تقييمي للراحل الكبير وانا اكتب عنه، ولكنني اظن ان الحديث يلمس جانبا ذاتيا، فقد عرفته منذ اكثر من ثلاثة عقود كان فيها هذا الانسان يقدم للآخرين افضل ما في دور المعلم من الحنان والاهتمام والرعاية .

يقول باسم عبد الحميد حمودي في اخر كتبه " العراقي الدكتور داهش " ان بغداد ظلت دوما موحية بتفاصيبل كثيرة، ولهذا لم يكتب عن بغداد باعتبارها ارثا تاريخيا وإنما كان يكتب عن القيم والمعرفة والحضارة، تفاصيل مدينة حاول باسم عبد الحميد ان يتفرغ لها ولحكاياتها، بل نستطيع القول انه عاش لها .

تربى باسم في بيت يعج بالكتب واحاديث الادب فوالده الاستاذ عبد الحميد حمودي تخرج من دار المعلمين العالية عام 1929 وكان من خريجي دورته الفنان عزيز علي وطاهر يحي رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف، وعندما عين معلما في المدرسة الشرقية في الحلة كان من ابرز طلبته علي جواد الطاهر الذي خصص فصلاً من كتابه " اساتذتي " للحديث عن استاذه "عبد الحميد حمودي"، وفي متوسطة الحلة ارتبط بصداقة مدير المتوسطة الاديب الشهير ذو النون ايوب واستاذ اللغة العربية محمد مهدي الجواهري، في هذا الجو المشحون بالادب والفكر نشأ باسم عبد الحميد حمودي الذي بدأ حياته الادبية قاصا صدرت له عام 1958 مجموعة قصصية تحمل عنوان "أنا عاطل وقصص أخرى " وجاء على غلافها أنها " لوحات قصصية غرامية إنسانية واقعية "، وكان قبلها قد نشر عددا من المقالات في مجلتي الاديب والاداب اللتان تصدران في بيروت.

لم يشأ باسم عبد الحميد ان يحرمنا في الاشهر الاخيرة من حياته من كتاباته، وكان استمراره في النشر والتأليف يختلف عن استمرار غيره، فقد بدأ في الفترة الاخيرة وكأن هناك حلما يطارده، كأن عالم قديم يدعوه فلا يملك إلا ان يلبي الدعوة وأن يستمر في الكتابة كي تصل كلماته الى الناس . لقد مارس الصحافة بادوات الباحث، وكتب النقد الادبي باصرار الصحفي، واستهوته الرواية من اجل ان تصل رسالته وموضوعه الى اوسع دائرة من القراء ليمتعهم في معظم كتاباته بحكمة انسانية يقظة، تنم عن طيبة وذكاء ومحبة اصيلة للانسان، وكنا نتابعه وقد تجاوز الثمانين يتمتع بقدرة على إدراك العصر، ومتابعة اشكالياته، وروايته الاخيرة " الباشا وفيصل والزعيم " يدعونا فيها الى اعادة التفكير في نظرتنا الى التاريخ المعاصر والدعوة الى استخلاص العبر منه وهذا دليل على اهمية دور المثقف والذي حاول ان يلعبه طوال حياته، ان يكون مثقفا وطنياً .

استاذ باسم .. لكم نحتاج اليك في هذا الزمن، لكم نحتاج الى اضاءتك التراثية التي تنور العقول، وقلمك الهادئ .. لكنك اثرت الرحيل لنفتقدك، لكن صورتك ستظل شاخصة تذكرنا بالحكيم البابلي الذي لا يزال يجلس منذ الآف السنين، صامتا صامدا، وقورا، شاهدا، شاخصا نحو المستقبل، كذلك كنت ايها الباسم، وكذلك رحلت .

***

علي حسين

 

العلاقة بين العقل واليد من مكونات الحضارة، وكلما إقتربت المجتمعات من ذروتها التعبيرية عن جوهرها تواشج العقل مع اليد.

والمجتمعات التي لا تستطيع الربط بين العقل واليد لن تعاصر وتتقدم.

ومعنى ذلك القدرة على تحويل الأفكار إلى موجودات فاعلة في الحياة، وبهذا يتحقق التطور وتتنامى مفردات الحضارات.

في معظم مجتمعات الأمة، العقل عاطل واليد مشلولة، فأنظمة حكمها طاردة للعقول الفاعلة، ومعززة للعقول الخامدة المتقوقعة في أوعية السمع والطاعة، والأيادي لا تتحرك إلا للتصفيق للجائر الفتان.

بينما المجتمعات القوية المعاصرة، تمكنت من تفعيل عقول مواطنيها وتحريك الأيادي وتأهيلها لتتوافق مع إرادة العقل وتساهم في إنجاز ما تأتي به من أفكار وطاقات إبداعية تؤثر في دفع عجلات التقدم إلى مستقبل متنامي الإتساع.

فالعلاقة بين العقول والأيادي تواشجت وتلاحمت فأنتجت ما لا يخطر على بال، كما نعيشه من تطورات إليكترونية وتكنولوجية وإبداعية متنوعة، حتى صارت البشرية قادرة على تصنيع أي الأفكار، وتحويلها إلى موجودات مادية مؤثرة في مسيرة الأيام.

إنها الحياة الجديدة المعاصرة التي بلغتها البشرية بعد مسيرة طويلة، إجتهدت فيها بالبحث عن مستويات ذات قيمة عقلية وإنسانية لتعيشها، فكان ما بلغته من تقدم يمثل ذروة التفاعل الإبداعي بين العقول والأيادي المتوافقة مع أفكارها.

وما يعوز مجتمعاتنا العمل على تقعيل العقول وتحقيق العلاقة العملية القادرة على إنتاج التعبيرات المادية الواضحة عن الأفكار، فمعظم أسباب الفشل الفاعل في واقع الأمة، سببه  الخصومة المتفاقمة بين العقل واليد، فجميع الأفكار والنظريات والشعارات، باءت بخسران شديد لبعد المسافة بينها وبين القدرات اليدوية على تطبيقها، فصارت متخيلات في كتب مرفوفة.

فهل لنا أن نتعلم كيف نصنع أفكارنا لنكون؟!!

فالعقل بحاجة ليدٍ ماهرة قادرة على تمثل أفكاره، وتحويلها إلى كينونات متحركة فوق التراب!!

و"إذا تم عقل المرء تمت أموره... وتمت أياديه وتم بناؤه"!!

**

د. صادق السامرائي

 

أن المتدبر للقرآن والمتمعن بما فيه من بيان لكلماته نجد أشارتين لجميع خلقه (يا أيها الناس -  يا أيها الذين أمنوا) التي تتردد عل سطور الكتاب المقدس القرآن الكريم وهاتين الكلمتين تدل على أن الخطاب من قبل الله تعالى لجميع خلقه الذين تنطبق عليهم كلمة إنسان في زمان ومكان ولا تفرقه قومية ولا بلد حتى قيام الساعة ما دام تحت مفهوم الإنسانية والإيمان بالله تعالى والملتزم بتعاليمه حرفيا وهذا ما يدل على أن القرآن نزل لجميع البشرية ولجميع أجناسه وحسب متطلبات الحياة وقياس الفكر والعقل المتقبل لفكرة وجود الله الخالق الواحد في عقله وقلبه وعمله لذا نرى أن التعاليم الإلهية عبر الأزمنة المنصرمة نزلت مرتلة حسب نزولها وظروفها على الرسل والأنبياء كل حسب الحاجة وحسب التطورات الزمنية وكلما زاد الإنسان تطورا زادت الحاجة لتعاليم أكثر تطورا عن سابقتها وأكثر شمولية بنصوصها وتعاليمها  وهنا نجد أن كثيرا من الأقوام لم يحتاجوا إلا إلى نذر فقط أو مجموعة من التعاليم المحددة لظرفها الزماني والمكاني وبعدها تنسخ أو تبدل أو تعدل حسب تطور الزمن والعقلية وبناء المجتمع .

حتى وصلت إلى خاتمة الرسالات وهي الرسالة المحمدية التي حمل كاهلها سيد الأنام والكائنات النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه ختم بها عصر الرسالات لأنها كانت شمولية لبني البشر جميعا ولكل زمان ومكان ليأخذ منها جيلا بعد جيل من حرامها وحلالها ومنهجها الأبدي ناسخة رسالات التي سبقتها علما أن الإسلام ومفهومه ونظريته وتعاليمه قابل لمواكبة الحداثة والتطور لما يحمله من أفكار وحلول تلبي الحاضر والمستقبل ليطبق على أرض الواقع وتبني مجتمعات واسر وتطوره فكريا واجتماعيا فهناك حلول بين دفتي القرآن الكريم بشرط تفسيره وتدبره ومعرفة خصوصياته ومنهجه في الفهم ومراده بصورة صحيحة ومعرفة صراطه المستقيم بعيدا عن الأهواء والميول والأشخاص وبلغة العصر الذي هو فيه بوجود رجالا يستنبطون أحكام آياته .لكن مع الأسف ما أن أنتقل النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى تحولت الرسالة الإلهية التي أنزلت عليه شيئا فشيء إلى رسالة محلية محدودة الموقع الجغرافي والقومي والفهم تخضع للزمان والمكان ولأناس بذاتهم وهم العرب و الجزيرة العربية بعدما وصفوهم بالبداوة والجهل بالفكر والاعتقاد والعيش وتقاس هذه الرسالة على مقاسهم الفكري والاجتماعي مبتعدة عن العالمية والشمولية وجعلوها عربية قومية مناطقية ولغوية حين أفهموا الناس أن القرآن أعجازه أنه نزل بلغة العرب ولغة وأمة الضاد العرب على العكس ما أراده الله تعالى أن تكون عالمية مفهومة وواضحة لكل من يقرئها ويطلع عليها من كل قومية وشعب على الكرة الأرضية.

***

ضياء محسن الاسدي

تعتبر اللغة الفارسية واحدة من أقدم اللغات التي ما زالت حية حتى يومنا هذا، وقد شهدت هذه اللغة تطوراً وتغيراً عبر العصور، ومن اللافت أن اللغة الفارسية كانت تُعرف باسم "الفارسية القديمة" في العصور القديمة، وفي العصور اللاحقة تم تسميتها باللغة الفارسية الوسیطة وأخيراً باللغة الفارسية الحديثة.. في هذا البحث سنتناول تطور اللغة الفارسية عبر الزمن، بالإضافة إلى شرح العوامل التي أثرت على تطورها.

وتعد اللغة الفارسية من لغات العالم الإسلامي التي أثرت بشكل كبير على صورة الحضارة الاسلامية وما زالت كذلك لما أفرزته إيران من علماء في مختلف مجالات الحضارة.

جاءت تسمية اللغة الفارسية على العديد من اللغات المتداولة في إيران ومنذ الهجرة الآرية لهذا البلد حتى وقتنا الحاضر، وهي من اللغات الهندو - أوربية والتي شهدت عملية تطوير كبيرة عبر مسيرتها الطويلة، وهنالك ثلاث مراحل مهمة مرت بها هذه اللغة:

1- اللغة الفارسية القديمة:

تعود جذور اللغة الفارسية القديمة إلى العصور القديمة ومنها عصر الإمبراطورية الفارسية القديمة (550 -330  قبل الميلاد)، حيث كانت اللغة الرسمية في الإمبراطورية الفارسية القديمة هي اللغة الإيلامية واللغة البابلية، ومن بين النصوص القديمة التي تم العثور عليها والتي تعود إلى هذه الفترة تمثل النقوش الفارسية على الصخور والتي تحتوي على نصوص باللغة الإيلامية.

لقد تكلم الفرس عدة لغات عبر تاريخهم الطويل،فكانت الفارسية القديمة هي لغة البلاط الملكي وأعيان البلاد،وكان ذلك في عهد (دارا الأول)، وهي لغة ترتبط كثيراً باللغة السنسكريتية حتى ليعتقد أنهما (الفارسية القديمة والسنسكريتية).

ولما مارس الفرس الكتابة استخدموا في نقوشهم الخط المسماري واستخدموا الحروف الهجائية الآرية لكتابة وثائقهم .. وقاموا بتبسيط مقاطع اللغة البابلية الثقيلة والصعبة، فأنقصوها من ثلاثمئة رمز إلى ست وثلاثين علامة، تبدلت شيئاً فشيئاً من مقاطع إلى حروف حتى صارت حروفاً هجائية مسمارية" فاللغة المسمارية هي اللغة السائدة في إيران والتي تكتب من اليسار إلى اليمين، وكانت اللغة الرسمية للدولة الاخمينية (558–331 ق.م) والتي أسسها القائد (كورش الكبير)

2- اللغة الفارسية الوسطى:

في الفترة الزمنية ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، بدأت اللغة الفارسية القديمة في التطور والتغير لتصبح ما يعرف باللغة الفارسية الوسطى، في هذه الفترة ظهرت مجموعة من النصوص الأدبية والشعرية التي كتبت باللغة الفارسية الوسیطة، مثل كتاب "شاهنامه" للشاعر الكبير فردوسي.

والبعض يقول أنها تمتد من القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد حتى القرنين الثامن والتاسع بعد الميلاد، إذ سادت في إيران العديد من اللغات الإيرانية المتطورة على اللغات القديمة، التي امتازت بعدة ميزات، كان أهمها بساطة قواعدها وصورها و وضوح شخصيتها ومن ابرز هذه اللغات:

- اللغة الپهلوية (Pehlevi) أو (الفهلوية):

وظهرت هذه اللغة بعد حدوث تطورات كبيرة على اللغة الفارسية القديمة وتفرعت إلى فرعين هما: الزندية – لغة الزند – أبستاق، والبهلوية التي هي من اللغات الهندية واشتقت منها اللغة الفارسية الوسطى.

 وهنالك لهجتان للغة البهلوية والتي عرفت في مرحلة اللغة الإيرانية الوسطى وهما:

- البهلوية الساسانية: والتي كانت سائدة في منطقة الجنوب الغربي لإيران وفي الوقت نفسِهِ تعد اللغة الرسمية للدولة الساسانية .

-  البهلوية الاشكانية: التي كتبتْ بها بعضُ النقوش المأثورة عن أوائل الملوك الساسانيين بصفتها اللغة الرسمية للملوك الإشكانيين، وكانت قد سميت بتسمية لا تلائمها (الكلدانية البهلوية).

- اللغة الآرامية:

وهي من اللغات السامية، وكانت لغة عامة الاستعمال في أجزاء آسيا الصغرى كلها،واستعملها الاخمينيون في كتابة دواوينهم، ولما كانت اللغة المسمارية غير عملية فقد استعملت الكتابة الآرامية بدلاً عنها حتى في الوثائق المكتوبة باللغة الفارسية،وكان هذا أصل الكتابة البهلوية وأيضاً استعملت الألفاظ الآرامية في النصوص البهلوية.

- اللغة الصغدية:

 يعود تاريخ هذه اللغة الى بدايات العصر المسيحي، وكانت تمتد من سور الصين وحتى سمرقند، وهي لغة دولية لآسيا الوسطى، وقد وجدت نصوص في العهد الجديد مترجمة إليها، مما يدل على استعمالها أثناء مرحلة الفارسية الوسطى، وهي اليوم تعدُّ العامية التي يتكلم بها أهل وادي (يغنوب) في (بامير).

- اللغة الساجية:

 وهي من مجموعة اللغات الإيرانية الشرقية ،ويمثلها اليوم اللغة الأفغانية وبعض اللهجات (الباميرية) مثل: الساريكولية ، والشغونية ، والواضية  وغيرها .

- اللغة السريانية:

وهي لغة المسيحيين الذين يقيمون في إيران في العهد الساساني، وهم من أصل سامي، وأصلها مدينة  (أدسا).

3- اللغة الفارسية الحديثة:

تعتبر اللغة الفارسية الحديثة هي الشكل الحديث للغة الفارسية، والتي استمر تطورها عبر العصور حيث تأثرت بالعديد من اللغات الأخرى مثل العربية والتركية والفرنسية، وظهرت في هذه الفترة قواميس ونصوص أدبية وفلسفية مهمة كتبت باللغة الفارسية الحديثة، مما اعطى لها مكانة هامة في الثقافة الشرقية.

أذن اللغة الفارسية الحديثة هي امتداد للغة الفارسية القديمة واللغة البهلوية على مدى تاريخها أي من بداية الدولة الاشكانية (250ق.م) وحتى انهيار الدولة الساسانية ودخول الدين الإسلامي الى بلاد فارس، وعلى أثر انهزام الملك الإيراني (يزد جرد الثالث) وبشكل نهائي وكان ذلك في معركة (نهاوند) والتي عرفت عند المسلمين بـ (فتح الفتوح) سنة (21هـ / 642 م).

وبعد الفتح العربي الإسلامي لإيران ظلت اللغة البهلوية هي اللغة الرائجة والسائدة في بلاد فارس فهي اللغة الرسمية والأدبية والسياسية والدينية في ايران .

وبما ان اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي اللغة التي جاء بها الدين الإسلامي، فكان لزاماً على من يدخل هذا الدين أن يتعلم اللغة العربية وأن يجيدها لفهم تعاليم هذا الدين الجديد، لذلك كان على الإيرانيين أن يتعلموا اللغة العربية فقد أقبلوا عليها إقبالاً شديداً لتعلمها وتعلم الكتابة بها .

أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في إيران، بل واللغة الأدبية والعلمية في إيران، إذ أنها أصبحت لغة مفهومة لدى معظم أفراد الشعب الإيراني، إلاّ أنّها لم تصل إلى حد أن تكون اللغة المحكية ولغة المخاطبة، لذلك ظلت اللغة البهلوية سائدة لدى فئات الشعب، وأن تسربت إليها مفردات ومصطلحات عربية، وخصوصاً في المسائل الدينية والفقهية وكذلك في الشؤون الإدارية والسياسية وفي القضايا الأدبية والعلمية .

ونشأت عن تفاعل اللغة البهلوية واللغة العربية لغة جديدة عرفت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) والتي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم .

العوامل التي أثرت على تطور اللغة الفارسية:

تأثير الحضارات القديمة: لعبت الحضارات القديمة في المنطقة دوراً كبيراً في تطور اللغة الفارسية، حيث كانت هناك تبادل للعلوم والثقافة بين الحضارات.

التأثير العربي: بعد فتح بلاد فارس من قبل العرب في القرن السابع الميلادي، شهدت اللغة الفارسية تأثراً كبيراً من اللغة العربية في مجالات مختلفة مثل الأدب والعلوم.

التطور التكنولوجي: مع تقدم التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، شهدت اللغة الفارسية تطوراً في مجالات مثل الإعلام والإنترنت.

الاستنتاجات:

من المعروف للجميع، أن اللغة العربية لغة سامية، والفارسية لغة آريه، لذلك، وعلى الرغم من أن اللغتين العربية والفارسية غير مرتبطتين لا في الأصل ولا في التكوين، إلا أنهما موجودتان منذ القدم، لأن التاريخ جمعهما وجمعتهما الحضارات المشتركة، وكانت هناك روابط بينهم لم تكن موجودة بين اللغات التي لها نفس الأصل والنسب.

وبعد دخول إيران في الإسلام، وحدث تبادل ثقافي كبير بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الفارسية، تحطمت كل الحدود والحواجز بين هاتين الحضارتين وأصبح التأثير المتبادل بين اللغات ضروريا.

وكان تأثير اللغة العربية على اللغة الفارسية هو الأقوى والأكثر وضوحا بسبب صرامة اللغة العربية وقوة أسسها البنيوية، ومن ثم عزز القرآن الكريم أسس هذه اللغة وزادها وحافظ على هيبتها وأصبح السبب الرئيسي في التأثير في لغات البلدان التي انضوت تحت راية الإسلام.

وبصورة عامة تجد في ايران القوميات الأتية:

- الاتراك: يقول البعض أنهم اكثر من الفرس انفسهم،وتجدهم ذوي سلطة وامكانية مادية وثقافية عالية، الخامنئي نفسه وهو المرشد والقائد الأعلى في ايران وصاحب الصلاحيات الواسعة من أصول تركية .. يتواجدون في محافظات – أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية،اردبيل  وزنجان وقزوين وخرسان شمالي - وهم يمثلون 35 بالمائة من التعداد العام في ايران.. وتجد ان مدينة تبريز وهي تقع في اقصى الشمال الغربي من أيران وملاصقة لتركيا، مدينة صناعية عملاقة في كل شيء .

- الفرس: يتركزون في مدن - طهران واصفهان ومشهد وشيراز ويزد وكرمان - وتتميز تلك المدن بعرق ايراني اصيل وانتماء للدولة كونها مناطق دينية تنتشر فيها العمائم والحوزات الدينية الداعمة لرجال الدين والجمهورية الاسلامية.

- الكرد: يتواجدون غرب ايران  في محافظات – كردستان وكرمنشاه  وإيلام  وجنوب غرب أذربيجان - وعلى طول المدن الحدودية مع العراق، وهم دائما ما كانوا يسببون الارق والمشاكل للحكومة، مجاهدي خلق والانفصاليين دائما ما يكونون من الاكراد، والتلفزيون الإيراني يعرض بشكل دائم لقطات لمحاولات ارهابية فاشلة ومصادرة أسلحة ومعدات حربية ومخططات ضد الدولة.

- البلوش: وهم في - محافظة سيستان وبلوجستان -  جنوب شرق أيران على حدود باكستان وافغانستان، وبأعداد قليلة في محافظات – هرمزكان وكرمان وخرسان - وهم  فقراء ويعيشون في مناطق صحراوية ومن اضعف الحلقات في المجتمع الإيراني .

- اللر:  يتركزون في محافظتي - لرستان وجهار محل وبختياري وكهكلوية وبوير أحمد وأطراف الأهواز، وهم اقل عددا وتأثيرا وهم موالون تماما للحكومة.

- العرب:  في محافظة خوزستان عاصمتها – الاهواز-  وعلى طول سواحل الخليج العربي في مدن هرمزكان وبوشهر واقلية في مشهد وقم ، ويشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، وهم  متذمرون دوماً، وليس على وفاق مع الحكومة، نعم هم ايرانيون ويمتلكون الجنسية الإيرانية، ولكن دائما هناك تذمر قومي وشعور بعدم الرضا من الحكومات الإيرانية المتعاقبة لأسباب أثنية، مع تفشي البطالة، وكثرة المتسولين في الشوارع والأسواق العامة رغم توافر حقول النفط والغاز  فيها، والبعض منهن يتلقى الاموال والدعم الخارجي لترسيخ روح التمرد و النعرة القومية والقبلية عندهم .

- بقية متنوعة:  من الزرادشتية والعلي اللاهية والمسيح واليهود والأرمن وغيرهم يمثلون5  بالمائة تقريباً .

النسيج معقد ومتنوع ولكن الكل بلا استثناء يتميز بالآتي:

- عنصرية واضحة لإيران كبلد، وهم يعتبرون انفسهم اصحاب امبراطوريات حكمت العالم والجميع تابع لهم، رغم كل محاولات التذمر والسخط والضغوطات الاقتصادية التي حطمت معنويات الشارع الايراني ولكن عند الجد تجد ان البدائل معدومة، وليس هناك جهة حقيقية من الممكن ان توفر بديلاً ناجحا للحكومة الحالية.

(أردشير زاهدي 1928- 2021) زوج بنت الشاه (محمد رضا بهلوي  1919-1980) ووزير خارجيته وسفيره في أمريكا، هرب من إيران بعد ثورة الإمام الخميني /1979م  وعاش في المنفى.. بعد مقتل الجنرال (قاسم سليماني 1957-2020) على يد أمريكا في مطار بغداد، هنا المفترض من أردشير أن يفرح بهذا الحدث، لكنه لم يفعل ذلك، وقد نعى اللواء بقوله (سليمـاني كان جندياً وطنياً شريفاً وأمريكا هي الإرهابــي الأكبر).

وقال: انه جنرال وقائد عظيم مثل الجنرال شارل ديغول ومونتغمري والجنرال أيزنهاور والجنرال رومل، أردشير الذي فقد عز الملوكية والسلطة والحكم، هكذا ينعى جنرال من نظام معارض له حرمه وأقصاه من السلطة والنفوذ..

- تجمعهم لغة أطلقوا عليها - اللغة الفارسية - والتي نشأت عن تفاعل اللغة البهلوية باللغة العربية، والتي سميت بـ (الفارسية الدرية) أو (الفارسية الإسلامية) وهي تمثل اللغة الفارسية الحديثة التي تطورت إلى اللغة الفارسية المعروفة اليوم، لذلك تجد فيها مفردات عربية قد تشكل 40 بالمائة منها.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

.........................

المصادر

- محمد التونجي: التسرب اللغوي بين العربية والفارسية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة السابعة، العددان 1 و 2، 1965 .

- د. محقق، مهدي: صور من التعريب ونقل المعاني من الفارسية الى العربية، مجلة الدراسات الادبية: الجامعة اللبنانية، السنة الثانية، العدد الرابع، 1961 .

- - ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج4، ذيل كلمة (فهلو).

- مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية، بحث: العوامل المؤثرة في تطور اللغة الفارسية، م. مساعد: اياد محمد حسين.

الكاتب يسطر ما يرى والقارئ يرى ما يقرأ، ولكل رأس منظاره الذي يبصر بواسطته ما تحثه الكلمات في وعيه ومداركه.

المسافة بين الكاتب والقارئ المعاصر تزداد إتساعا، فما عاد الكتاب خير صديق، ولا القراءة ذات متعة وقدرة على وعي المكتوب، فالنظر في الورق صار غيرمستحب، والميل للتحديق في الشاشة يسيطر على نشاطات البشر، خصوصا بعد تطور تكنولوجيا التواصلات والتخاطب بالصورة والافلام القصيرة.

وأصبحت الأذن تقرأ أكثر من العين، فالمسموع يسود والمكتوب يخبو ويخور.

وعندما تجالس الجيل الجديد تجده مصابا بإضطراب التركيز، ويندفع نحو السرعة وإلتقاط الفكرة الجوهرية لأي موضوع بمهارات خاطفة وغير مسبوقة، فقوة ضخ المعلومات في العقول، ذات إندفاقية مطلقة، وتأثيرات متراكمة.

ولهذا فما يتوقعه الكاتب من القارئ لا يتوافق مع ما يتوقعه القارئ من الكاتب، لأنهما ينتميان إلى عالمين متباعدين.

ويبدو أن ما تبقى من أجيال القرن العشرين يتخبطون في معمعة التفاعل مع قرّاء القرن الحادي والعشرين، فما كتبوه سيتوارى، وما يظهر على الشاشة سيتفاعل معهم ويؤثر فيهم، فالكتاب سيكون مرفوفا أو ديكورا لا أكثر!!

الجيل الجديد يميل إلى ما هو قصير وكثيف، ولا يمتلك القدرة النفسية والرغبة على التواصل مع أكثر من صفحة واحدة، تلوح أمامه على الشاشة التي يحدق فيها ليل نهار.

فالذين ينهمكون بكتابات طويلة عليهم أن يحببوها للقارئ بتقنيات وعبارات جذابة، تثير التفكير وتؤجج التطلع للجديد والأصيل.

فهل سنكسر الأقلام، ونتعلم كيف نعيش في القرن الحادي والعشرين؟!!

و"كتبتُ ولو قدِرتُ هوىً وشوقاً...إليكِ لكنتُ سطراً في الكتاب"!!

فما نفع الأقلام والشاشة ينبوع غرام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم