أقلام حرة

أقلام حرة

جِمي زميلي من الصين، وكان صبيا في أواخر مرحلة "ماو" (1893 - 1976)، والذي حكم للفترة (1949 - 1976)، وحدثني عن طفولته البائسة، وكيف كان يعيش في قرية صغيرة.

يقول لي، قريتنا اليوم تحولت إلى مركز تجاري عالمي، ووالديَ يعيشان في شقة حديثة تتوفر فيها الشروط اللازمة لحياة كريمة.

قلت: كيف حصل هذا؟

قال: الرئيس "ماو" أعاد ترتيب عقولنا وأنارها بالثقافة وبأشعاره الرائدة!!

قلت: ماذا؟

قال: جعلنا نفكر بطريقة مغايرة!!

وعندما زرت الصين أذهلني نظامها وطريقة الحياة فيها، وتسارع العمران والحركة المتوثبة إلى مستقبل محكوم برؤية واضحة.

المشاهد أمامك تتحرك بقوة وعزم وإيمان بمستقبل زاهر.

القطارات لا يوجد مثلها في الدنيا، تنطلق بسرع صاروخية فائقة.

ركبت قطارا كأنه طائرة لا يلامس سكة الحديد، قالوا أنه يتحرك على مخدات كهرومغناطيسية.

إحترت في أمر أمة ناهضة متوثبة تجاوز عدد سكانها المليار بكثير، وبين مجتمعاتنا العاوية الخاوية المنهمكة بالغابرات والثأر لما فات وما مات.

ترى مَن يرتب عقولنا، ويجدد تفكيرنا، ويجعلنا مجتمعات معاصرة؟

إن العلة في العقل، فهل عقولنا مريضة؟

ومَن لديه القدرة على علاجنا؟

وهل ستلد الأمة ما يشبه "ماو"، ليخرجنا من غينا وهذيناتنا الحمقاء؟!!

تساؤلات كالأمواج في نهر الحياة، فهل من جواب أيتها الكراسي الحاكمة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في عصر الفرجه والتفاهه، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، اختلط الحابل بالنابل في مفاهيم كثيرة والقاب وشهادات من سفير السلام الي الدكتوراة الفخرية في الطعمية والبطاطس المشوية، ومنها الفرق بين الكاتب والصحفي، والصحفي الكاتب، والقاص والروائي والناقد،،  ليحسم هذا الجدل: الناقد{رولان بارت} الفرق بين الكاتب وبين المستكتب:يقول "رولان "

الكتابة حقل مغامرة فكرية والدخول في المناطق المحرمة واللغة حقل اكتشاف وليس قاموس، في حين ان 'المستكتب "مهرج وبهلوان سيرك هدفه ابهار الجمهور لا ايقاظه" ويكتب باللسان واللسان تشريع يقول المتفق عليه،  ومن يكتب بلسانه غير من يكتب بذاته: اللسان سلطة وحافظ قوانينها وظاهرة قطع اللسان الخارج عن المألوف معروفة في تاريخنا، لأن اللسان أرشيف عام مُلقّن وملكية عامة لا يحق له الخروج عن السائد والمتفق عليه في حين الفكر والأدب والفن نتاج ذات فردية ضد القاموس وتمرد عليه ومن هنا التعارض والعداء بين سرديات الذات وسرديات السلطة او الجماعة اي كانت ايدولوجية او حزبية .

المستكتب، بهلوان في سيرك كما المطرب يحب ان يكون مرغُوبًا من الجميع ويفكر في الجمهور من مصطلح جديد طابور قطعان الآلتراس لا  بجوهر الكتابة، مع ان الكتابة تمرد بناء وطريق جديد وحالة يقظة.

(المستكتب) لا يكتب بالذات لآنه بلا ذات فردية بل مجمع ذوات تَصلُحُ لجميع الآذواق بل بالقاموس لذلك يقع الكثير من رواد شبكات التواصل الاجتماعي، عندما يكتب بوست للإثارة في اطلاق مسميات علي مستكتب بالكاتب والأديب والروائي وكل الألقاب، إن هدف المستكتب ارضاء الناس وتقديس الآوهام لأجل مصالح خاصة.المستكتب " محبوب" من الجماعة التي ينتمي لها بل أقرب الى المطرب لأنه يسمعهم اللحن الذي يريدوا كموسيقي الشوارع، يكتب برصانة شكلية امام بحيرات من الدم، ويتظاهر بالعقلانية أمام انهيارات الناس، ويبدو مُتمَاسِكًا أمام المذبحة، وكلها أقنعة مزيفة للحفاظ على اعجاب الجمهور وتجدهم هم اصحاب الأعجاب والتعليقات وكأنهم قطيع، في حين يذهب الكاتب الى هز أوهامهم التي تعايشوا معها وتحولت الى حقائق بالتكرار والاجترار بل الى قوانين واعراف. مرجعية الكتابة هي الحقيقة بلا ولاء لاحد ومرجعية المستكتب الجمهور العام ورضاه على حساب مصير وحياة ومستقبل الجمهور ولم يكن الجمهور العام حُكمًا بين الصواب والخطأ لآن الجمهور ليس كتلة واحدة منسجمة. الجمهور ليس مِعيارًا للخطأ والصواب لأنه رغبات وأهواء ومقاييس مختلفة يستحيل التوافق معها.

{الكاتب }ضد الجمهور وآخر همه كمثقف ارضاء العامة  حتي ولو كان مُتصَالِحًا مع الجميع فلماذا هو صورة للمستقبل..؟  على الكاتب أن يحترم السطحية والتفاهة والهراء والغوغائية والطائفية والعرقية كوجهات نظر لكي يكون مقبولاً او لا يكون دِيمُقرَاطِيًّا ولا ينفعل من الضحالة لأنها" وجهة نظر"، ألا يعبر عن انفعال لآنه ليس بَشرًا بل حجرًا

مع ان الانفعال جزء من الفكر كما اثبتت مدارس علم النفس الحديثة واي فصل بين الفكر والانفعال المنتج وبين العقل والقلب وبين المشاعر والعقلانية هو فصل تعسفي عفى عليه الزمن وصار من مخلفات الماضي، وحسب تعبير (أمبرتو إيكو) روائي وعالم لسانيات:

" هؤلاء الحمقى يتصرفون كحملة جائزة "نوبل" مع انه كان يتم اسكاتهم في حانة أو مقهى حالاً" لكن صفحات التواصل وفرت لهم فرصة اظهار السطحية والسيكوباتية وهم يختبئون في غرف آمنة بلا تجارب ولا ثقافة واختيار الآلقاب من أقرب دكان ولا يعرفهم حتى زبال الشارع بل لا يعرفون من هم لأن معرفة الذات لا تتم بلا وعي الذات وبلا معرفة سوية وبلا قدرات فكرية وبلا موهبة التحديق بالذات وحوارها الصريح.

"المستكتب" رهين تاريخ سردي ملفق لا يخرج عنه، وأسير قوالب جماهيرية مقدسة، والناس عادة لا تحب تغيير أوهامها لأن التعايش معها شرط الاستقرار النفسي أو" المواطن المستقر".لكن المستقر على ماذا..؟ على تاريخ متخيل، وعلى حاضر مبني على أكاذيب مُعقلِنَةٌ، وعلى آمال زائفة."المستكتب" يلبي حاجته هذه بل يدفعه أكثر للتعلق بها لآن من مصلحته الشخصية بقاء الجمهور في غيبوبة لبيعه بالأوهام وفكرة الاختلاف مع الجمهور ملغية عكس كل تاريخ الكتابة والثقافة والآدب والفكر الذي وقف ضد مؤسسات راسخة وحارب أَوهَامًا مُشَرَعٌ

 لها بقوانين ودفعوا أغلى الآثمان.. نَفيًا وسجنًا واقصاءً.ولم يحدث عبر كل تاريخ الكتابة ان مُستكتَبًا غير شَيئًا أو ترك أثرًا.

بعد موته، فموته الأول هو الآخير، وهنا الفرق ان الكاتب يولد بعد موته ..!من كرس فكرة على الكاتب أن يكون"مُتطَابِقًا" ومُتَصَالِحًا"مُنسَجِمًا " مع الجمهور

وخاصَّةً في العالم العربي،، من رسخ عاهة الخصاء العقلي أي العقم عن التفكير والاجترار والقوالب والأبيض والأسود وغياب المساحات الرمادية هي غياب حياه سياسية من تداول السلطة، وعقم في الأحزاب الشمولية لغرض الكسب الحزبي وتقديس أوهام الناس للسبب نفسه على حساب الحقائق وانتجت "مخصيين ملقنين بقشرة ثقافية سطحية مدرسية باهتة تتداخل فيها لغة السب والشتائم" تداخل أنياب الكلب بذريعة النقد.وحتى بعد افلاس هذه الأحزاب والجماعات الإيدولوجية التي ربت قُطعانًا من الببغاوات الأليفة، لكنها تركت فهماً خاطِئًا وفظِيعًا في أن على الكاتب أن يعزف كزمار الشوارع لمن يريد سماع اللحن...! في عصرنا الحديث، صرنا نعرفهم من العبارة الآولى كما يعرف ميكانيكي اعطال سيارة وكما يعرف طبيب لغة طبيب اخر وكما يعرف بنّاء من كلام بناء مهارته او قدرته لان كل مهنة تترك بصماتها.،، يستطيع هؤلاء خداع الجمهور، وفعلوا عشرات الأعوام، لكنهم لا يستطيعون خداعنا برصانة مزيفة وانشاء لغوي مدرسي باهت، وشعارات مستهلكة، لأنه من الصعب جِدًّا بيع الماء في حارة السقايين، أو يطبل في حارة الطبالة التي كانت تشتهر بالطبل .امام كل هذا التوحش في كل مكان، يُصبِحُ التظاهر بالعقلانية زيفاً، يحاول المستكتب أن يظهر كمن يتفرج على فيلم أو يسمع حكاية قديمة.

تاريخ الكتابة تاريخ عصيان بالآفكار والكلمات بلا دبوس ولا سلاح، والكاتب والمثقف الحقيقي لا يولد بالتوافق والانسجام مع الجمهور، وهو من شروط القطيع، بل يخرج من طاحونة الصراع معه لآجل حياة أعدل وأنقى وأبهى للجمهور وليس لنفسه وقد يكون مرفهاً.

الكاتب " مجنون" أمام" عقل " المستكتب ولو فحصنا عناصر هذا" العقل" لوجدناه أقرب الى المعتوه ولم يحدث في تاريخنا أن خرب مجنون حياتنا بل خربها " عقل" "المستكتب" صناعة المؤسسة الحزبية والاجتماعية ومسوغ مشاريعها التي انتهت بحمامات دم وشعوب هائمة تبحث عن ملَاذِ.

 آمن كما لو كل تلك الكوارث من صنع اشباح وليس من صنع عقل "المستكتب" اجير الأحزاب والجمعات والفصائل . التي اوصلتنا الي الخراب اليوم والى سنوات قادمة ولم يكسر الكاتب النقدي في كل ما كتب عود ثقاب بل حاول اشعال شمعة في الظلام لمخلوقات تعتبر الوضوح جريمة. والكاتب يدخل في صراع ومنفى من لحظة التخيل وحمل القلم ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

واجهة: ما يستقبلك من كل شيئ

مواجهة: تصدي، مقاومة، مجابهة.

معظم دولنا تبدو وكأنها واجهات للآخرين الطامعين فيها، ومن النادر أن تجد دولة ذات قدرة على التحدي والمواجهة.

وبسبب سلوك الواجهة تدهورت الأحوال ووصلت إلى قيعان الذل والهوان.

لماذا تحقق تفريغ مجتمعاتنا من طاقات المجابهة، وتحويلها إلى واجهات تترجم مصالح وبرامج الساعين لإفتراسها، حتى أصبحت بلا حول ولا قوة، وعليها بالتبعية والخنوع والإستسلام لإرادة الأسياد الفاعلين فيها.

المجتمعات التي لا تجابه تنقرض وتدوسها سنابك الفاعلين فيها والمخنعين لوجودها.

تأملوا واقع المجتمعات المتحدية وقارنوه بالمجتمعات الواجهية، المجردة من ملامحها ومميزاتها الوطنية والإنسانية، وستشاهدون الفرق في مستوى المعيشة وقيمة الإنسان وصيانة حقوقه فيها.

الوجود الأرضي غابي الطباع والتفاعلات، ولا تصلح فيه سياسات الواجهة، بل يستدعي المواجهات الصارمة المتوثبة المتمسكة بإراداتها العالية.

المشكلة في مجتمعات الواجهة، أنها تندحر في الماضيات وتعيش وهماً منقطعا عن حاضرها، فتحسب أن الذي مضى ما إنقضى، وعليها أن تجسده بقولها، أما الفعل فحالة مبنية للمجهول، وما فيها ممنوع من الصرف، ومن معطيات الجار والمجرور.

فعندما تجابه تكون موجودا، وحينما تصبح واجهة تتحول إلى فريسة، ورقما على يسار سارية الطامعين.

فهل من قدرة على وعي إرادة المصير، ومعرفة إلى أين نصير؟!!

إنها لمعضلة حياة، وما أدراك ما هي!!

***

د. صادق السامرائي

أن غياب الثقافة العلمية المعاصرة عن مجتمعنا العراقي الجديد، وما يدور من تنظير لثقافة الحزن والبكاء والطاعة العمياء لبعض رجال الدين.. ساهم في نشوء ظاهرة التبذير وتعطيل العمل وخلق شعارات غريبة لشعب يحكمه الملل والانفلات الأمني والمجتمعي.

وكانت نتائج ذلك انحسار مساحة الحريات، وإصابة الحياة بالجمود والشلل ..حتى الحكومة العراقية أصبحت متفرجة على الأحداث وتقدم الدعم اللوجستي لكذا مشاريع غير إنتاجية.

ومن نتائج ذلك صرف مليارات الدولارات على الاخرين ..وهذا يتجلى من خلال مبيعات سوق العملة اليومي للبنك المركزي العراقي هذا الايام والتي تجاوزت ال ربع مليار دولار يوميا.

المتأسلمون الجدد، حولوا خطابهم إلى نَواح مزمن يتلذذ به بعض المغفلين ومن قليلي الدراية.. من دون انتباه إلى أن بقية الناس قد يقعون فريسة لهذا النُّواح الذى سرعان ما ينقلب نحيب ثم مهارشةً ثم مكافحةً ثم صراعاً، مع أن أساسه وهمى تماماً.

أن سوء إدارة البلد أفرزت هكذا سلبيات في وضع ضوابط جديدة لأداء مناسك الزيارات المليونية التي ارهقت العراق والعراقيين وكذلك إيران.

فأينما تنتشر الاحزاب المتدينة والفصائل المسلحة ينتشر الجهل والخرافات والعادات والتقاليد الموروثة من عفن التاريخ .

لقد اصبح الرجال يلطمون وينوحون كالنساء، فمن يقدم لنا محاضرة دينية علمية كما فعل الشيخ الوائلي وحسين الشامي رحمهما الله تعالى برحمته الواسعة ؟.

لقد أصبحت النساء أشرس من الرجال وأكثر تمرداً منه، لأنهن يمشين سيراً على الأقدام من مدنهن الى مدينة كربلاء قاطعات مئات الكيلو مترات، دون أن يكون معهن رجل أحياناً.

والكثير منهن يعًرضن أنفسهن في مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهن ذاهبات الى حفلة زفاف عائلية في أحدى قاعات الأعراس الكبرى.

يجب تنظيم زيارة الأربعين بأسلوب حضاري جديد لأن مدينة كربلاء المقدسة والمدن الأخرى لا تستوعب اعداد كبيرة، وعليه تكون زيارة الأربعين للأجانب كل خمس سنوات، لفسح المجال أمام الآخرين لأداء تلك الزيارة بأسلوب مرن دون التأثير على الآخرين من جهة وعدم تأثيرها على السوق المحلية العراقية من جهة أخرى.

وعلى العتبة الحسينية وضع مكبرات صوت لبث تلاوة من الذكر الحكيم لتوعية الأخرين بأهمية القرآن في حياة المسلمين، بدلاً عن اللطم والبكاء والعادات غير المبررة من البعض من أدخال الجمال والخيول في الشوارع والتبرك بها من بعض المغفلين.

فلو بحثت عن كلمة "أكثر الناس" في القرآن لوجدت بعدها

‏(لا يعلمون - لا يشكرون - لا يؤمنون).

‏ولو بحثت عن كلمة " أكثرهم " لوجدت بعدها

‏(فاسقون - يجهلون - معرضون - لا يعقلون - لا يسمعون).

‏فكن أنت من القليل.

﴿وقليل من عبادي الشكور﴾.

‏﴿وما آمن معه إلا قليل﴾.

‏﴿ثلة من الأولين وقليل من الآخرين﴾.

وكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي 1905-  1973(أذا أردت أن تهدم حضارة، أحتقر معلماً،،واذل طبيباً، وهمش عالماً، وأعطي قيمة للتافهين).

أذن كيف يمكننا أن نهدم الفئات والبنى الفكرية الجامدة والغامضة والمغلفة بالأساطير والأوهام والخرافات؟ .

كيف يمكن للوعي الإسلامي، قديمة وحديثه ومعاصره، أن يتحرر من قيوده، وأن يُّسمح له بالتنفس بحرية ؟ .

كيف يمكنك الخروج إلى عالم جديد وواسع ومتغير باستمرار؟ .

ما هي الخيارات التاريخية التي تتيح لنا تحرير أنفسنا والآخرين؟ .

كيف يمكننا الانتقال من التفكير المتجانس إلى التفكير المتنوع والملون؟.

 كيف ننتقل من الطوائف والقبائل والمناطقية إلى الدولة والمجتمع المدني؟.

 كيف ننتقل من حكومة الله (لا حكم إلا لله) إلى حكومة الشعب الواحد؟.

 كيف يمكننا استئصال العنف من ثقافتنا الموروثة، وطريقة تفكيرنا، وسياستنا، ومجتمعاتنا، وأفكارنا الدينية؟.

 هذه الأسئلة بحاجة الى إجابات وحلول جذرية.

لذلك أرى: ما يولد التطرف المذهبي هو الجمود الفكري والطروحات المقدسة، غير أن الذي يستثمر الإيقاع على مستوى الرقة، تكون كلمته مساهمة في نوع ما من التوسع الذهني ذات كلمات تشبه الندى على وردة، لتزهر وتنمو، عبر ليونة اللفظ وسلاسة البناء.

إن الحراك الثقافي التنويري مقابل الخطاب الطائفي المتشنج، تتطلب الكثير من الصبر والمطاولة مع أناس متطرفين مغسولي الدماغ، اعتادوا على عادات وتقاليد يومية وسنوية غرسها في نفوسهم كهنة المعبد، قد يسيئون اليك بطريقة ما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما يتطلب نقل هؤلاء  الى غرف الإنعاش وتزويدهم بأوكسجين الذكاء الإصطناعي والثورة الرقمية، وبالكلمة والمسار الحركي لمواجهة الواقع المتردي المعاش، حتى يدرك الجميع واقعهم بما يلزم من ايحاء خيالي واسع المعنى عميق المضمون.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

يطل علينا بعض رجال الدين وبعض المؤسسات الدينية بين الحين والآخر مناقشة بعض القوانين لإثارة الجدل بين السلطة الدينية والتشريعية والقانونية والمجتمع بحجة ضمان حقوق الفرد العراقي أن إثارة مثل هكذا قوانين تثير حفيظة الناس والأسرة وتزيد من انقسامات المجتمع لما يتضمنه من تشريعات جديدة مقترحة علما أن المجتمع العراقي والعالمي يحتاج إلى ضمانات منيعة من السلطة القضائية والعرفية للحفاظ على كينونته وكذلك الدولة ومؤسساتها كون أن المجتمعات تسعى نحو الحداثة والتطور في أسلوب العيش والتعامل اليومي للفرد داخل أطار العقائد والدين الإسلامي ضمن قوانين خاصة تنظم له العلاقات المجتمعية وعلاقة الفرد مع الله تعالى أن هذه العلاقات الخاصة مع الله تعالى ينظمها التيار الديني الصحيح الخاضع للدستور الإسلامي المتمثل بالقرآن الكريم أما التيار المادي المدني المتمثل بالحكومة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية هي الوحيدة لها الحق في رسم الحدود للعلاقات المجتمعية وفق تطورات المجتمع والتغيرات المستحدثة بعدما ما كانت السلطة الدينية هي المتربعة على عرش السلطة الدينية والدنيوية ولا يسمح للتيار المدني والمادي في أخذ دوره في حلقات الحياة الاجتماعية منذ عدة قرون خلت خلافا لما وضعه النبي الأكرم محمد بن عبد الله صلوات الله عليه حين بنا دولة مدنية عصرية منظمة بجميع الطوائف والأعراق والأديان دولة واحدة مبنية على المساواة والعدل يقودها بنفسه وصحابته الكرام لكن الانقلاب الذي حصل بعد رحيله رسخ التيار الديني الهيمنة على أسلوب العيش للمجتمع ووضع برامج الحياة وفق رؤيا يقودها هذا التيار بعيدا عن المدنية وتطوراتها وحداثتها وبعد زمن تطورت نمط الحياة للفرد وصعبت عليه واحتاج المجتمع إلى حلول جديدة أكثر تتطورا تتناغم مع الحياة الجديدة عجزت عنها كثير من رجال الديني المتطرفين والسلفي منهم وبدأ الصراع بين التيارين للحصول على مكاسب أكثر خصوصية ومنافذ نفعية من قبل بعض رجال الدين والمؤسسات الدينية التي كانت تسيطر على المجتمع وفي الآونة الأخيرة أحس هؤلاء أن المجتمع يسحب البساط ويقيد نفوذهم وحريتهم ومفاهيمهم السلفية التي هي أقرب إلى النفعية منها إلى الفقهية لهذا أن البعض منهم يسعى لأعادة الهيمنة على المجتمع الذي بدؤوا يفقدون السيطرة عليه فلآن نجد أن البعض من رجال الدين وفي كل مرحلة زمنية يحاولون افتعال الأزمات التي تثير حفيظة المجتمع التي تمس شريحة معينة فيه وإثارة النقاش والجدل لأبعاد النظر عن المشاكل التي يعاني منها نتيجة الضغط الحياتي المتواصل على المواطن مقابل الإهمال الحكومي المتعمد ومؤسساته بدلا من المساهمة في وضع الحلول لها عبر قنوات هذه المؤسسات ورعاية المنظمات المجتمعية والدوائر القضائية للرقي والتطور.

***

ضياء محسن الاسدي

تبدو لغة وطريقة تفكير بعض الإعلاميين العراقيين من "طبعة ما بعد الاحتلال الأميركي" وكأنها تطرد الناس طردا من مشاهدة القنوات التي يعملون فيها بحماقاتهم المثيرة للاشمئزاز ... هاكم هذه النماذج القليلة والتي تعكس رثاثة المشهد الإعلامي والسياسي والاجتماعي والحكومي ككل:

1- أحد الإعلاميين على القناة الحكومية يسأل ضيفه الذي يبدو أكبر منه سناً، ولا أدري إنْ كان هذا الضيف نائباً أو سياسياً أو أديباً، فقد شاهدت المشهد مصادفة وبشكل برقي أثناء تقليبي للقنوات، فيقول له: "من يعرفونك يقولون عنك إنك "مزعج"، فهل أنت مزعج حقاً، ولماذا أنت مزعج"!

2- إعلامي آخر على قناة "دجلة" يستمع لقيادي حزبي شيوعي "هو جاسم الحلفي" يحدثه عن تجربته مع حركة الأنصار المسلحة ضد النظام السابق في الجبال، وكيف كان يعيش هو ورفاقه هناك. وفجأة يقاطعه الإعلامي الذي يحاوره بسؤال يقول: شچم واحد چان جوه إيدك هناك! (كم شخصا كان تحت يدك هناك؟). فيبتسم الكادر خجلا، ويهمهم وهو يطأطأ رأسه وكأنه يقول مستنكرا: شنو يعني شچم واحد جو إيدي؟ مو هذوله رفاقي! فهذا الإعلامي لا يستطيع أن يتصور علاقة بين الناس غير تلك التي تربى عليها أعني علاقة تحت اليد وفوق الكرسي!

3- إعلامي آخر يحمل شهادة دكتوراة استضاف كاتباً وسياسياً عراقياً بعمر أبيه تقريبا، وراح يمطره بالأسئلة طوال ساعة. وأخيرا طرح عليه بعض الأسئلة الشخصية، فاعتذر الضيف بلطف عن الإجابة، لأنها أسئلة ذات طابع شخصي أو لأنها تتعلق بأناس رحلوا عن عالمنا. فألح الإعلامي بطلب الإجابة وهنا احتد عليه الضيف وانتهى البرنامج بهدوء. ولكن السيد الإعلامي فاجأنا بعد أيام قليلة بتقديم حلقة من برنامجه، وقد ظهر فيها لوحده وكال لضيفه في الحلقة السابقة الكثير من الاتهامات والتهجمات اللفظية واستغابه بكلام غير اللائق وقال إنه حدثه ببعض الأمور قبل أن تبدأ الحلقة ومنها كذا وكذا. أي أنه استغاب الرجل، ولم يكن أمينا على حوار شخصي معه قبل التسجيل "فالمجالس أمانات"، كما أنه حرمه من حق الرد ولم يقل كلامه في حضوره. فهل هذا النوع من الإعلاميين يستحق الاحترام؟ أسجل من باب الإنصاف أن برنامجه التأريخي يعتبر مرجعا معلوماتيا مهما لأنه استضاف فيه شخصيات سياسية وعسكرية وثقافية لم يستضفها برنامج آخر، لما له من علاقات واسعة برجال النظام السابق والحالي، رغم أن طريقته في طرح الأسئلة لم تكن مريحة تماما بل كانت ذات نزعة بوليسية تحقيقية، ولكنه مع هذا الضيف جاء بسابقة لا يمكن اعتبارها نظيفة من الناحية الأخلاقية.

3- إعلامي ثالث وجه اليوم رسالة إلى بناته وأولاده بعد أن كثُر الكلام عليه بمناسبة قرار حكومي يجرده من أربعة آلاف فدان من الأرض كعقد استثماري تكرم بها عليه رئيس حكومة أسبق، فيقول لهم بعد أن تعهد باسترجاع الفدادين الأربعة آلاف: بابا علاوي، خلي أصابعك بعيون كل واحد يحجي ... شُبير بابا، شگ حلگ الي يحجي على أبوك (شق حلق مَن يتكلم على أبيك). ثم يستدرك هذا الإعلامي الفطحل بعد أن أدرك أنه تجاوز الخط الأحمر في هذا النوع من التحريض الدموي بفقء العيون وشق الحلوق، فيقول: بالحق والعدل والقانون! ولا ندري كيف يشق الابن حلق أعداء أبيه بالحق والعدل والقانون! وهل هذه لغة إعلامية آدمية تستعمل أمام ملايين الأوادم المشاهدين؟

* ومع ذلك فالساحة الإعلامية ليست خالية تماماً من الإعلاميين العراقيين المتميزين ذوي الأداء المتميز والثقافة الراقية والأخلاق الكريمة ولكنهم قلة لشديد الأسف، دعونا نأمل أن يتكاثروا ويكونوا سبباً من أسباب زوال هذا النظام الرث والفاشل.

* ملاحظة أخيرة لم أذكر أسماء هؤلاء الأشخاص لواحد من سببين أو للسببين كليهما؛ فإما أنهم ليسوا شخصيات عامة يمكن ذكرها دون حرج، وليسوا ضمن أصدقاء صفحتي فيمكنهم الرد على كلامي... أما الإعلامي في المثال الأول فلا أعرف اسمه!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

سبقني في الكتابة عن هذا الموضوع أحد الأستاذة الموقرين وآخرون، وكنت أستجمع الأفكار لكتابة مقالة بهذا الخصوص.

إذ نبهني إلى ذلك، سؤال طرحه زميل يوم 27\7\2013 في حفلة إفطار، حيث إقترب مني قائلا: "حدثني عن فقيه اللغة العربية الدكتور إبراهيم  السامرائي" (1923 - 2001)، والحاصل على الدكتوراه من السوربون 1956!!

فكان سؤاله مباغتا، لكنني مضيت أذكر ما أعرفه عنه، ورحلته مع اللغة، وأنه توفى في عمّان، ولديه مؤلفات، وأحتفظ بديوان شعر له (من ملحمة الرحيل)، أهداه إليّ أحد الأخوة قبل أعوام، وقرأته في حينها.

وأخذت أتساءل، لماذا لم يكتب أحد عن فقيه لغتنا العربية المتبحر باللغات السامية ؟

هل لأن اللغة ما عادت تعنينا؟

أم أنه الإهمال والظروف التي أوقعت بيننا وبين الذات والموضوع والهوية؟

فبدأت أضع الكلمات على السطور، وأتناول مسيرة المرحوم بالبحث والدراسة.

والدكتور إبراهيم السامرائي العماراتي العراقي العربي، المولود في مدينة العمارة من أجدادٍ ولدوا في سامراء، وكأنه تمسك بجذوره وتفاعل مع موطنه الجنوبي الجديد.

ولقب السامرائي يحمله الكثيرون ممَن لم يكن مسقط رأسهم مدينة سامراء، وإنما لأن أجدادهم من تلك المدينة ونزحوا إلى غيرها، فحالما يحلون في المكان الجديد، يتمسكون بلقبهم، وإنتمائهم للمدينة، لأثرها التأريخي والحضاري في الزمن العباسي، ولشهرتها في الدنيا بأسرها.

والعجيب في سامراء أنها لا ترعى نوابغها ومبدعيها والمتميزيين من أبنائها، بل توفر لهم الكثير من مسوغات وأسباب الرحيل عنها، وهذا ربما ينطبق على مدن العراق الأخرى، لكنه واضح في مدينة سامراء، ومعظم الذين أبدعوا لم يتحقق إبداعهم على أرضها!!

وكأنها كالبودقة أو الرحم الذي يلد ما فيه من الطاقات، ويحفزها على الإبتعاد عن المحيط الذي ولدت فيه.

وقبل أشهر كنت فيها فواجهني أحد الزملاء بقوله "إشجابك إلى هاي النكرة": (مَن الذي أتى بك إلى هذه  الحفرة)؟!!

والكثير من العلماء والمبدعين من أبناء سامراء غادروها بوقت مبكر، والذين بقوا فيها إنكمشوا وأصابهم الغياب.

ولذلك أسباب كثيرة لا تتسع السطور لتناولها.

فسامراء لا تصنع تماثيل لأعلامها، ولا تسمي شوارعها بأسمائهم، ولا توجد فيها تفاعلات ثقافية ذات قيمة معرفية، تعزز دور الذين أسهموا في صناعة الحياة العراقية والمعرفية في البلاد، وتسود فيها الأمية التأريخية والحضارية.

فربما اليوم لا أحد يعرف الدكتور كمال السامرائي، والدكتور إبراهيم السامرائي، والدكتور مهدي صالح السامرائي، وغيرهم العديد من العلماء والفنانين والكتاب والصحفيين والنابغين في ميادين العلوم والمعرفة الإنسانية.

فسامراء تجهل أبناءها، أو تتجاهلهم، لغاية في نفسها لا يعرفها إلا الله.

وفي صباي وشبابي، إلتقيت وتفاعلت مع شخصيات متميزة في الأدب والفن والثقافة والرياضة والسياسة وعلوم الإجتماع واللغة والتأريخ والطب والصحافة والهندسة والمعارف الدينية والفكرية والفلسفية، لكنهم تدحرجوا إلى هاوية النسيان، بسبب الإهمال المتواصل، وعدم تفاعل الأجيال، وخلوّ المدينة من الأرشيف، والمؤرخين المهتمين بأبنائها.

وتلك حقيقة مؤلمة، تؤدي للتأخر وصناعة التداعيات، لأنها تساهم في وجود أجيال لا تعرف بعضها، وتتناكر كأنها الأعداء في سوح الغاب.

ترى لماذا لا نفخر بعلمائنا ونقدرهم في حياتهم، ونتناسهم بعد وفاتهم؟!!

وهل توجد دراسة عنه في جامعة سامراء؟!!

***

د. صادق السامرائي

4\8\2013

.......................

* المقال غير منشور في حينه.

يقولون ان التجاهل فن لا يعرف حلاوته إلا الشخص الذي يعيش على خطاه، لذا عليك أن تعيش كما تريد، وبالطريقة التي تريد، وليس كما يريد من حولك. وعليك أن تتجاهل كلام الناس والتعليقات، التي تأتيك يومياً من أشخاص هدفهم الأساسي هو إيذاء الآخرين بكلامهم، وجعلهم يفقدون الثقة والأمل، فمختلف الأحكام والكلام الذي تسمعه عنك هو مجرد كلام، ولا بد أن تتخطاه وتتجاهله، وكما يقال: إن أتقنت فن التجاهل اجتزت نصف مشاكل الحياة، فمن يعيش بسلام عليه ان يحترف فن التجاهل، فالتجاهل نصف السعادة، وهو ليس صفة سلبية دائماً كما نعتقد، فربما تكون كذلك في بعض المواقف، ولكن في معظم الأوقات يكون التجاهل هو الحل مع الأشخاص السلبيين، الذين يرسلون إلينا ذبذبات محملة بالحسد والكراهية والغيرة والمقارنة والتعالي، علماء النفس يقولون انس واصفح وتناس وتجاهل تكتيكياً من أجل صحتك، ما أصعب الأصدقاء والأحباب، حينما يصبحون غرباء ومتقلبين يتجاهلون لحظات الأنس، والسمر، هناك تجاهل يستحق أن تمنحه فرصة أخرى، وهناك تجاهل لا يستحق معه إلا الرحيل

يمكن أن نقول إن هذه الظاهرة موجودة عبر التاريخ، لكنها تطورت بشكل مذهل في العقدين الأخيرين، ويمكن أن نعزي السبب إلى «المؤسسة الإعلامية» التي تميل إلى الاهتمام بالقضايا غير الجادة لوجود قناعة أن الناس تهتم بالترفيه وبالأخبار الخفيفة أكثر مما أصبح يسمى «القضايا المتخصصة». بل إن المتابع للمنتج الفكري والأدبي الذي كان يطغى على الصحافة سوف يجد تحولا عميقا في نوعية القضايا وعمق الكتابة وحجمها، الصحف لم تعد تتحمل المقالات الطويلة «فالناس لا تقرأ»، وأصبح من الذكاء أن توصل الفكرة بأقل الكلمات فخير الكلام ما قل ودل، حتى لو أن المسألة تتطلب التفكيك والإسهاب. يكمن هذا التوجه في نظرية تطورت مؤخرا، لا أعلم مدى صحتها، وهي أن البشر بطبيعتهم يميلون إلى المسائل المسلية والبسيطة ولا يريدون أن يشغلوا أنفسهم بالقضايا الجادة، انعكست هذه النظرية على التعليم والعمق الذي يجب أن يصل له الطالب فخريج الابتدائية قبل 70 عاما أفضل من خريج الجامعة اليوم، على الأقل في قدرته اللغوية والتعبيرية، وبما أننا في بداية العام الدراسي، ومع تزايد الذكاء الاصطناعي في عمل الواجبات والبحوث المدرسية فمن المتوقع أن تصبح مهمة التعليم أكثر صعوبة ومهام المعلم الجاد شبه مستحيلة

الوجه الآخر لثقافة التجاهل هو مقدرة من يعمل بصمت على تجاوز التهميش أو من يقلل من شأنه ومن عمله، فالبشر لا يواجهون امتداد ثقافة التفاهة وانتشارها فقط، بل إن هناك توجهًا متزايدًا للتقليل من شأن العمل الجاد وتحقيره.. وأتذكر هنا ما تشير له الآية الكريمة وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا، فمن طبيعة البشر استصغار الآخرين وتحقير أعمالهم، خصوصًا إذا لم توافق هواهم ، ونعتفد أن تطوير القدرة على تجاهل مثل هذا الاستصغار والتهميش أصبح مهارة ضرورية في الوقت الراهن وفي المستقبل. فالقرآن يقول «لا يضركم من ضل إذا اهتديتم»، وكأنه يشير إلى أن هذه الحياة اختبار كبير لمن يريد أن يترك أثرا في الناس، فمن يتبع طريق التفاهة هم الغالبية وطريق العلم الجاد محفوف بالأشواك،

الفنان المصري العالمي عمر الشريف في إحدى المقابلات عندما قال إن كل ما حققته لا يساوي شيئا أمام وجودي في محيط اجتماعي وأسري يشعرني بالألفة، فأنا أعود إلى البيت وحيدا حزينا وأشعر بالانقباض، وكم من شخصية رحلت مهمة رحلت وحيدة لم يشعر بها أحد، التجاهل هو حقاً نعمة، فهو يعيد كل إنسان إلى حجمه الحقيقي.

***

نهاد الحديثي

إذا إمتلأت البطون نشطت وإجتهدت العقول، فالبشر أمضى قرونا عديدة مستهلكا عمره بحثا عن الطعام، وعندما تمكن من الزراعة وتوفير ما يحتاجه، بدأت العقول بالعمل فأنتجت الحضارات المعروفة.

فلولا توفر الطعام لما إستطاع البشر أن يستعمل عقله للإبتكار وتطوير مناحي حياته.

ويُقال أن المرأة هي التي إكتشفت الزراعة، ووفرت وقتا للذكور للتواجد بقربها، بدلا من ممارسة نشاطات الصيد المحفوفة بالمخاطر آنذاك.

ومن الواضح أن المجتمعات المتأخرة، جائعة، وينتشر فيها الفقر والعوز والبطالة، وتميل إلى التمسك بالباليات والتعلل بالغيبيات للإنتصار على معاناتها اليومية، فلا تستطيع إطعام نفسها وتعتمد على غيرها في ما تحتاجه ، فيتم إستعبادها بما تريد من طعام وشراب.

المجتمعات القوية المتقدمة لديها وفرة من الطعام، وتعتمد في إقتصادها على الزراعة والثروة الحيوانية، وعندما تكون هذه النشاطات متطورة فأنها تصنع وتبدع في شتى الميادين، فلا تستهلك وقتها بالبحث عن الطعام، كما يحصل في المجتمعات المتأخرة، حيث يبدد المواطن أوقاته بتوفير الطعام لبيته.

هذه معادلة سلوكية مغفولة، تحقق ترجمتها بنشاطات أدت إلى إنهيار قدرات المجتمعات على إطعام نفسها، فمعظمها أصبحت تستورد ما كانت تصدره قبل عقود، وبعضها عجز عن توفير أبسط أنواع الخضراوات وتحقق فيها إستيراد حتى البصل والطماطم.

وتجد العديد من المجتمعات التي كانت صاحبة ثروات كبيرة من المحاصيل الزراعية، تستجدي الطحين من دول متقدمة ذات قدرات إنتاجية عالية.

ويمكنكم معاينة عدد من الدول في المنطقة، وستجدونها كانت تتصدر قائمة الإنتاج الزراعي في النصف الأول من القرن العشرين، واليوم تتوسل بالآخرين لإطعامها.

والدول الغير قادرة على توفير الطعام لمواطنيها منقوصة السيادة ومرهونة بإرادة الذين يطعمونها.

فلماذا العجز على إطعام المواطنين؟

ولماذا الإرتهان بالآخرين؟

فاطعم نفسك أيها الشعب لتكون أقوى وأقدر!!

***

د. صادق السامرائي

 

حبذا لو تتحول الكلمات إلى شراب يُسقى به أصحابها ليتذوقوا طعم ما يكتبون.

فالكلمة مسؤولية وأمانة وتعبير عن فكرة وإرادة، وليست مجموعة أحرف وحسب.

وعندما تكون طيبة، كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

 ولو تكاتفت أقلام الأكوان وشربت من مياه الوجود، ما تمكنت من إستيعاب كلمات رب العرش العظيم، الذي تنهل أقلام عزته من فيض المطلق.

 وتولد من رحم أبجديات محدودة لتسبح في فضاء بلا حدود، وتخترق الأزمان وتتحدى الذوبان في جسد التراب، وتتجاوز عمر العقل الذي أوجدها، فهي كائن سرمدي الملامح خالد الأثر بعيد المدى يحقق ديمومة التفاعلات.

 والكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، لأنها صادقة نقية معبرة عن الحقيقة والمعاني الطاهرة النبيلة، وتتألف من حروف النور والصفاء المبين، فتكون منيرة ذات قدرات على زعزعة الأعماق، وإستخراج الإنسان من مكامنه، فيرى جواهر ذاته ويصادق روحه ويشذب نفسه ويسمو إلى علياء الرجاء.

 إنها ألفة ومحبة ورحمة وينبوع خير وعطاء وإيثار، ومودة وصدقة جارية إلى يوم يبعثون، عندما تكون منزهة من وجع التراب، ومصفاة في مراجل التسامي العلوية، ومعبّرة عن الروح الإنسانية الساعية إلى ينابيع أصلها الحالمة بفيض كن.

وهي مرآة العقل، وجوهر مكنوناته، وتعبير عن ذاته وأصله، ولسان حاله وحقيقته الساعية فوق بساط التناجي الخلاق، ما بين أفلاك الرأي والإبداع.

وأنها العقل يسعى بملامحه وهيأته، التي إختارها لشخصيته وقدرته على التزاوج المادي مع  نواة روحه ومبعث صيرورته في أقاصي السماء.

 وتكشف المخبوء، وتشير إلى حجم المدفون في الأعماق البشرية، وتُحدِث فرجة في المستور من النوايا والخفايا .

وتكتنز وتصير ثقيلة وثمينة وغنية في حضن الصمت والتأمل والإمعان في تفاعلاتها، وإمتداداتها وتعشقها بروافدها اللامحدودة، ومصادرها المترامية في آفاق اللامحسوس المتجسد في جذور البعيد والأبعد.

وأداة ووسيلة لنقل الأفكار والتعبير عن الحاجات والمشاعر والأحاسيس والإنفعالات، فهي الحصان الذي تمتطيه هواجسنا، وتَغير به أفكارنا على أهدافها، وبها نكتب رسائلنا إلى الآتي، فنخاطب بها مَن لا نعرف ونتسامر بواسطتها مع الذين جاءوا بعد أن أكلنا التراب ومحق أثرنا وعشنا فيه كما عاش أجدادنا.

الكلمة ما تقدم وأكثر، فلماذا تتحول خطاباتنا وأقوالنا وكتاباتنا إلى هذيانات وهراء؟!!

و"إن من البيان لسحرا"!!

***

د. صادق السامرائي

من جديد، يطل علينا "البروفيسور" زيد الطالقاني برأسه، ولكن هذه المرة من دون مسؤولين كبار ولا شخصيات مؤثرة تدور حوله، ولا عدد من مدعي الديمقراطية يسبحون بحمده، ولا كاميرات تسجل كلماته " البليغة " .. هذه المرة ظهر متهماً، تطارده القوات الأمنية، بعد أن قررت الدولة العراقية إسدال الستار على عروض سيرك "مركز الرافدين" وسحبه من الأسواق، للبحث عن كومبارس جديد يؤدي لنا فصول مسرحية جديدة .

يقول الخبر المنشور قبل يومين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إن قوة أمنية داهمت مقر مركز الرافدين في محافظة النجف بهدف اعتقال رئيسه زيد الطالقاني. ولأن الله رحيم بعباده فقد استطاع الفيلسوف الطالقاني من الهروب، ولم تجد القوة الأمنية سوى أفراد الحماية وأكداس من الأسلحة كانت موجودة داخل مركز الرافدين .. لنكشف بعدها أن الدولة كانت قد خصصت لصاحب مركز الرافدين فوج حماية يبلغ عدد أفراده " 70 " منتسباً " تدفع لهم وزارة الداخلية رواتبهم ومخصصاتهم وتوصيهم بالسهر على راحة فيلسوفنا الطالقاني.

على مدى أعوام تَّصدر زيد الطالقاني المشهد في كل شيء، وقرر في لحظة تجلي أن يؤسس حزباً اسماه " الشمس " ليعيد لنا امجاد الاهزوجة الشهيرة " منين طلعت هالشمس "، وكتب البعض عن قدرة هذا العبقري على قيادة البلاد نحو بر الأمان والرفاهية، ووجدنا شخصيات إعلامية صدعت رؤوسنا بالبكاء على المدنية والليبرالية تلقي المعلقات الغزالية في حضرة زيد الطالقاني وسوق الرافدين.

سيقول البعض: أيها الكويتب ما الذي يضرك أن تعقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة الحالة العراقية؟، ألست من الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الخراب والفشل؟ أعرف أن هذه البلاد بحاجة إلى مراجعة حقيقية تفتح بها الملفات المغلقة ومصارحة المواطنين بما جرى خلال الأعوام الماضية، كل هذا أتفهمه، ولكن، الذي ما لا أفهمه، ولا أصدقه، كيف تمكن "الشاطر" زيد الطالقاني من أن يجمع كل هذه الكوكبة من المسؤولين، في الوقت الذي تسد هذه الأبواب أمام الإعلاميين العراقيين الحقيقيين، والأهم من أين لزيد الطالقاني كل هذه الأموال ينثر بها فوق رؤوس مريديه، ويقيم المهرجانات والولائم والندوات العالمية، وكيف تمكن صبي أن يقنع سفراء دولة كبرى بأن له يد طولى في الحالة العراقية .

إذا أردت الجواب عن ظاهرة زيد الطلقاني ستجدها حتماً في دفاتر الديمقراطية العراقية الممتعة والظريفة، خصوصاً حين يخوض سدنتها نقاشاً بيزنطينياً حول من المسؤول عن كل ما جرى؟ ففي كل الأحول ستعيش مع مهرجان الخطب "الرنانة".

شكرا لزيد الطالقاني ومن قبله نور زهير، لانهما كشفا لنا ان الديمقراطية العراقية مستعدة ان تنفق ملايين الدولارات من اجل انتاج نماذج بامكانها منافسه محمود الحسن وعتاب الدوري .

***

علي حسين

 

لا أظن، بأن هناك ما يسمى سلام في الوطن العربي أو سلام في فلسطين أو سلام في غزة على وجه التحديد. لم ينعم الوطن العربي بالسلام وذلك لإنعدام التفاهم بين النظم العربية والجماهير العربية، ولم تنعم فلسطين بالسلام بسبب المهجرين من أقوام أخرى الذين جلبتهم القوى التي تريد ان تمنع وحدة العرب وتمنع تطورهم وتبقيهم في خانة الجهل والفقر والمرض.. ولم ينعم الفلسطينيون بالسلام لأن المهجرين إليها بالقوة ماضين في تجريفهم وتهجيرهم وممارسة اسلوب الارض المحروقة تحت اقدامهم .

فالمنطقة برمتها لم تنعم بالسلام وهي ملغومة وكل ما عليها من نظم تجلس على فوهة بركان لا احد يعرف متى ينفجر، إلا من علامات أبخرة تتصاعد من هنا وهناك وباتت تنذر بالإنفجار.. وعندما يحصل الانفجار فسيطمر عاليها سافلها نتيجة إحتقان مزمن ومأزوم منذ اكثر من خمسة وسبعين عاماً من الكبت والتحمل والصبر، حتى بات الانفجار حتمياً.

هنالك من يريد هذا الانفجار ويستعجله لأن الحرائق الأمامية تفيده.. وهنالك من لا يريد أن يستعر الحريق ويلفح لهيبه أوصاله.. وهنالك من يضع قدوره على نار هادئة يساوم عليها ويعقد الصفقات بشأنها، إعتقاداً منه بأن النار لن تصل إليه، حتى لو اشتعل العالم ما دام نظامه وأمنه ومصالحه مأمونة.. وهذا هراء في علم السياسة وعلم الإستراتيجيا.

الارادات تتنازع وتتصارع ولا تستقر على حال واحدة تضفي فسحة من الوقت لإلتقاط الأنفاس من أجل الجلوس على طاولة مفاوضات.. البعض مشتت ومتقوقع وتأكله الأنانية والتفردية ولا يرغب بوحدة عناصر قوته الدفاعية، ويفضل التحالف بأثمان باهضة، فيما يظل هاجسه الخوف من الخارج والداخل معاً. هذا البعض متحجر خائف من محيطه وشعبه.. والخارج يدرك نقاط ضعف هذا البعض ونقاط قوته ويرسم خطط التعامل معه بمهنية عاليه، يخيفه ثم يبتزه ، ويبتزه ليخيفه ، يطمئنه ليبتزه وحين يظهر مذعورا يبتزه بدون رحمه .

والتخويف والإبتزاز ركنان أساسيان في سياسة التعامل الخارجي مع هذا البعض، ولكنه لم يفعل شيئاً حيال ذلك ويفضل لعبة مهينة اسمها البقاء تحت رحمة الشد والجذب على أرضه وساحاته ومجالات تصرفاته السياسية والمالية، حتى بات (التخويف والابتزاز) أداة فعالة في يد أكثر من لآعب، ومع ذلك ظل هذا البعض يمارس التحالف، والحليف يمارس لعبة (الإحتواء المزدوج) التي لم يتبقى منها سوى الأسم بعد أن تحطم ميزان تعادل القوى في المركز وبات هذا البعض أكثر إلتصاقاً بالتحالف المشحون بالتخويف والابتزاز . والغريب في الأمر، هذا البعض كوحدات سياسية كثر، عناصر قوتها (المال) وعناصر ضعفها (التفكك)، وإذا ما قررت (التوحد) ستكون كتلة قادرة على بناء قوتها الدفاعية، ولكنها لا تريد ذلك لأنها تستسغ أن تظل تحت رحمة الحماية المذلة ورحمة الخوف من الخارج.!!

***

د. جودت صالح

20 / آب - 2024

 

سؤال أغرب من الغريب، غير أنه يتطلب إجابة دقيقة واضحة، تبين معالم الطريق، وتحدد إشاراته الضوئية.

المهندس يدرس في كلية الهندسة ويحصل على شهادته الجامعية، التي تؤهله لممارسة مهنة الهندسة، وكذلك الطبيب والأكاديمي، وكافة الإختصاصات الأخرى.

وعندما نأتي إلى مسميات، كالروائي والقاص والشاعر والأديب والكاتب، لا توجد مقاييس تحددها، فكل مَن نشر مقالا سمي كاتبا، ومَن نشر قصة قاصا، ومَن كتب ما كتب سمي شاعرا، وقس على ذلك العديد من المسميات والألقاب السخية.

فهل كل مَن كتب على البحور الشعرية سمِّيَ شاعرا؟

وهل مَن نثر وتحرر صار شاعرا؟

مَن هو الشاعر؟

ليس كل مَن يكتب شعرا بشاعر!!

وليست كل مجموعة أبيات مهما كثرت بقصيدة!!

معظم أعلام الأمة عبر مسيرتها الحضارية كتبوا شعرا، ولم يطلق عليهم وصف شعراء، بل يُقال: "لهم شعر حَسن أو ضعيف"، مما يعني أن ليس كل مَن كتب الشعر بشاعر.

فهل أن الخليل بن أحمد الفراهيدي شاعر؟

والعديدون كتبوا، وما قيل أنهم كتّاب!!

يبدو أن من معوقات وجودنا وعواثر صيرورتنا عدم الدقة في التسميات وجهل المصطلحات، مما تسبب بميوعة وتشوش الإدراك والتفاعل الصالح لبناء الحياة.

وربما يعود هذا التيهان والإضطراب التوصيفي إلى ضعف النقد، وإنتفاء التحرير، والمراجعات الرصينة للمنشور من الكلام بأنواعه.

وعندما يختلط الغث بالسمين، تصبح الكتابة هراءً!!

***

د. صادق السامرائي

 

عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ علي بابا ومعه الحرامية "الأربعون"، لم يتنزّهوا في شوارع بغداد.

العلامة الذي عاش حياته مغترباً، ينثر علمه في جامعات العالم ، استبدلته بلاد الف ليلة وليلة، بأكثر من " علامة " ليعيش العراقيون مع كفاءات من عينة مشعان الجبوري وحنان الفتلاوي ومثنى السامرائي وخالد الذكر عباس البياتي صاحب نظرية استساخ القادة ، ومؤسس نظرية " المالات " محمود المشهداني وهؤلاء جميعاً للأسف ينسفون نظرية المرحوم محسن مهدي ويؤكدون بالدليل القاطع أن هذه البلاد يعيش فيها اليوم ألف حرامي وحرامي ، فلا يعقل ياسادة أن هذه البلاد التي انتشر فيها مئات "علي بابا " ، لم تكن هي الراعي الرسمي لهذه الماركة من السرّاق خفيفي اليد والظل. ولو كان العلامة محسن مهدي على قيد الحياة لكان قد شاهد علي بابا نسخة 2024 وهو يرتدي ساعة يتجاوزقيمتها الدولارية ثمن خمسة بيوت تبنى لفقراء هذا البلد .. وأن نور زهير وأشقاءه الذين أصبحوا مليارديرية وجمعوا المليارات من الدولارات في زمن قياسي لم يتجاوز العام الواحد. لم يقرأوا ألف ليلة وليلة ، وأنهم وجدوا كنز علي بابا مطروح أمامهم . ألم يخبرنا نور زهير أن الثلاثة مليارات دولار التي نهبها في وضح النهار لا تعود لخزينة الدولة وسمعناه يردد بكل ثقة : " ولا دينار واحد يعود للدولة " ليؤكد لنا أن ما جرى هو كذبة وأن العراقيين عاشوا في الخيال ، فلا توجد سرقات ، والأمر باختصارهو مبلغ بسيط مليارات من الدولارات لا صاحب لها استولى عليه السيد نور بمساعدة بعض المسؤولين والسياسيين ، وهي مسموحا قانونا هكذا اتحفنا المحامي علي بدران وكيل الشاطر نور زهير لان : " الفعل الذي قام به موكلي من الفعل المسموح به قانوناً .. وأن القانون اعتبرها من الأفعال المعتمدة قانوناً وهي مسألة طبيعية جداً " .

على مدى واحد وعشرين عاماً عشنا مع سياسيين ونواب ليس لديهم شيء يقدمونه للعراقيين، فالمجلس مشغول بتعديلات قانون الأحوال الشخصية ، فهو أهم من سرقة المال العام ، وخطباؤنا الأفاضل يصرخون في الفضائيات "وا احوال شخصية".

يسخر المواطن العراقي من خطب السياسيين فيقول : " هذا الفيلم شايفه" كل ما شاهدناه على قناة الشرقية هو فيلم مكرر وساذج ، لاننا اليوم نعيش في بلاد فيها اكثر من أربعين ألف نور زهير، لن تستطيع شهرزاد أن تروي حكاياتهم ولا بمليون ليلة وليلة.

***

علي حسين

لا حديث للناس هذه الأيام إلا قرارات وزارة التعليم الأخيرة.. أولياء أمور وطلاب لم يعد لهم من هم إلا الحديث عن هذه القرارات. ومعلمون لبعض المواد الدراسية سيغلقون أبواب مراكزهم التعليمية الخاصة بعد أن ألغيت هذه المواد أو تم تجنيبها من المجموع الكلي!

 سوف تنتهي موجة الجدل، وسيتم تنفيذ القرارات. لكن هل سينصلح حال التعليم بتلك الطريقة التي نجرب فيها كل مرة صيغة إصلاحية، فلا يأتي الإصلاح إلا بمتاعب جديدة.

 القرارات شملت جميع المراحل، لكنها ركزت على المرحلتين الثانوية والابتدائية. وبالطبع انصب اهتمام الناس بمتابعة ما يخص المرحلة الثانوية لأنها الأكثر تأثيراً على مستقبل الطلاب.

في وقت حرج

جاءت القرارات، التي أراها متسرعة، قبيل بدء الدراسة بنحو شهر واحد! وهو الأمر الغريب والمثير للدهشة. إذ سوف تترتب عليها أشياء خاصة بطباعة كتب حكومية وملخصات دراسية، وترتيبات خاصة بتنظيم أوقات الدراسة في المدارس الثانوية والإعدادية، بسبب عودة الفترة المسائية.

 القرارات لم تلتفت للضرر الكبير الذي سيحدث للعديد من العاملين في قطاع التعليم. حتى لو كان بعضهم ينتمون لمؤسسات خاصة. كل الملخصات التي تمت طباعتها على النظام القديم سوف تصبح في خبر كان. كل مدرسي المواد التي ألغيت صار عليهم البحث عن مهنة أخري، أو الشروع في تدريس مادة أخري يستذكرونها من الآن.

 المبادئ التي قامت عليها القرارات في مجملها مبادئ لا خلاف عليها: مثل تخفيف المناهج، وبث مشاعر الانتماء بالاهتمام بمادة التاريخ، وتقليل كثافة الفصول، وربط التعليم بسوق العمل. كل هذا جيد، لكن ألم يكن التدريج في التنفيذ أولي من طريقة الصدمة التي تمت؟!

 الصف الأول الثانوي تم تخفيف مواد الدراسة إلى ستة مواد بدلاً من عشرة، بعد إعادة تصميم المناهج وإلغاء مادتي الأحياء والجغرافيا، وجعل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب خارج المجموع، وضم الكيمياء والفيزياء في مادة واحدة اسمها: "العلوم المتكاملة"!

 وانسحبت القرارات بطبيعة الحال على الصفين الثاني والثالث الثانوي. فيتم تقليل مواد الصف الثاني الثانوي، بعد تقسيمه إلى شعبتين: علمي وأدبي، إلى ستة مواد بدلاً من ثمانية. فتعاد مادة الأحياء لشعبة العلمي، ويعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. كما تتم إعادة الجغرافيا للقسم الأدبي. وتظل اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب.

 وبالنسبة للصف الثالث الثانوي ثلاثة مواد تصبح مواد نجاح ورسوب، وهي: الجيولوجيا، والمادة الأجنبية الثانية، وعلوم البيئة. كما يعاد تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة. هكذا يدرس طلاب شعبة علمي علوم خمسة مواد بدلاً من سبعة: وهي اللغتين العربية والإنجليزية، ومواد العلوم الثلاثة. وشعبة الرياضيات نفس المواد بعد استبدال الأحياء بالرياضيات. أما الشعبة الأدبية ستصبح مادة علم النفس مادة نجاح ورسوب، فيتم تخفيف المواد إلى خمسة بدلاً من سبعة، وهي: اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة للتاريخ والجغرافيا والإحصاء.

تخفيف الكثافة

لأجل استغلال فصولها لمرحلة الإعدادية، قررت وزارة التعليم نقل المدارس الثانوية جميعها للفترة المسائية! بينما يتم استغلال المدارس الإعدادية لصالح المدارس الابتدائية.

 ومهما كان الأمر في نظر الوزارة يحل مشكلة التكدس، لكنه سيتسبب في مشكلة أخري بالنسبة لأولياء الأمور هي مشكلة المواصلات، إذ سيصبح على تلاميذ الابتدائي والإعدادي الانتقال إلى مدارس أبعد لم يعتادوا على الانتقال إليها، وسيكون على الإدارات المنفذة للقرارات مواجهة أولياء الأمور بمبررات واهية تمتص الغضب ولا تشفي الصدور.

 أما أيام الدراسة فسوف تزيد يوماً، لتصبح خمسة أيام تعليم أكاديمي، بالإضافة ليوم سادس للأنشطة. وشملت قرارات الوزارة استخدام فكرة الفصل المتحرك المعمول بها في بعض الدول؛ من خلال تحريك فصل في المرحلة ليكون في غرفة نشاط أو تربية رياضية، وهو ما سيقلل الكثافة. هكذا ستنخفض الكثافة بنسبة كبيرة بحيث تصبح كثافة الفصل من 69 طالب إلى أربعين.

 هذا وقد اكتشفت الوزارة من خلال هيئة الأبنية التعليمية وجود فراغات كثيرة بالمدارس يمكن استغلالها لإقامة فصول جديدة بمدارس قائمة، مما سيسهم في تقليل الكثافة الطلابية.

كل هذا جيد ولا غبار عليه. وإن كانت حلولاً توضع في خانة الحلول المؤقتة، فلا أقامت الوزارة مدارس جديدة، ولا هي خففت على أولياء الأمور متاعبهم، بل أثقلت عليهم بأحمال جديدة. وإن كان المظهر العام سيبدو تخفيفاً في كثافة طلاب ربما سيؤثرون عدم الذهاب لمدارس بعيدة لم يتعودوا عليها ولم يألفوها!

زيادة أعداد المعلمين

لعلها القرارات الوحيدة التي قوبلت بفرحة كثير من الخريجين.. فقد أكدت الوزارة التزامها بالمبادرة الرئاسية لتعيين 30 ألف مدرس سنوياً. يضاف لهذا أن الوزارة قررت تفعيل قانون مد الخدمة للاستفادة من خبرة المعلمين الذين بلغوا سن المعاش ليستمروا سنوات أخري إذا شاءوا. أكثر من هذا أن القرارات شملت الاستعانة بعدد 50 ألف معلم بنظام التعاقد بالحصة. مع توجيه الإدارات لإعادة توزيع أنصبة الحصص لتجنب الهدر.

 شملت قرارات الوزارة بعض التعديلات في مناهج المرحلة الابتدائية، منها ضم المرحلة الثالثة الابتدائية لنظام امتحان الترمين. وتخصيص مائة درجة للتقييمات الشهرية، تلك التي يستغلها المدرسون في العادة للضغط على طلابهم لحضور مجموعات التقوية، مع إضافة لون جديد للتقييم لتصبح أربعة ألوان بدلاً من ثلاثة: (الأزرق، والأخضر، والأصفر، والأحمر)!

 أما المناهج التي أقرتها الوزارة للمرحلة الابتدائية فهي: (اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، التربية الدينية، منهج متعدد التخصصات، الرياضيات، التربية البدنية والصحية، أنشطة التوكاتسو).

خارج التصنيف

بالعودة عدة سنوات للماضي، دعونا نتذكر ما حدث بسبب قرارات أكثر ثورية قام بها أكثر وزير إثارة للجدل، الدكتور طارق شوقي. فما الذي حدث كنتيجة لمثل تلك القرارات؟!

 الذي حدث أننا أصبحنا اليوم خارج التصنيف الدولي لجودة التعليم، فما نفعله في أبنائنا لا ينتمي لبند تطوير التعليم، بل تخريب وتجريب غير مدروس. إن مناهج الابتدائي التي ادعي الوزير القديم تطويرها تحولت إلى لعنة عند المعلمين وأولياء الأمور والطلاب، وبات تخفيف أو تعديل هذه المناهج من جديد يعني العودة لمناهجنا السابقة وهو أمر لم يعد ممكناً الآن!

 ثم نظام التابلت في الثانوي، بعد أن أثبت عدم فاعليته وجدواه، وبات أمر إلغائه مسألة وقت لا أكثر. هل كان مؤشراً للتطوير؟ هل تحسن مستوى الطلاب والخريجين؟ نتائج الكليات تقول إن الذي حدث هو العكس، وأن كثيراً من الكليات أعلن نتيجة مؤسفة رسب فيها طلاب كثيرين من طلاب السنة الأولي في هذه الكليات، وأكثرها من كليات القمة!

نحن نسير في مجال التعليم من سيء إلى أسوأ. وكلما أردنا إصلاح أو رتق عيب من العيوب تظهر عيوب أخري ومشكلات لا تنتهي إلا لتبدأ. كثيرون يقولون إن كل هذا الذي يحدث لا يصب إلا في مصلحة التعليم الخاص والدولي ومدارس اللغات والجامعات الخاصة. لأنها وحدها التي تهيئ لطلابها ظروفاً أفضل للتعليم مقابل ما يدفعونه من آلاف الجنيهات أو الدولارات!

 هكذا بات التعليم الحكومي في مهب الريح. وتم سحق الطبقة المتوسطة لصالح طبقات تستطيع توفير مناخ تعليمي مريح لأبنائها، وهي طبقات مترفة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الشعب. كثير من الناس اليوم يفكرون في نفض أيديهم من التعليم، وتوفير أموالهم التي ينفقونها على تعليم أبنائهم في نفقات أخري، وهكذا سوف نجد أعداداً غفيرة في المستقبل من أطفالنا يتسربون من التعليم ويتجهون للمهن الحرة والحرف، أو ربما ما هو أسوأ!.

***

عبد السلام فاروق

الشعر نشاط تَرَفٍ، ويحتاج إلى بيئة آمنة مطمئنة، لكي يكون له تأثير في المستمعين أو القارئين له، فلا يصح أن ندّعي بأن الشعر فاعل في المجتمع الذي يعاني من صنوف الحرمان والقهر والعدوان؟

فكيف يستذوق الشعر مَن يطارد لقمة عيشه؟

كيف يستمع للشعر مَن يكتم أنفاسه الحر الشديد، ويرهقه عناء يومه المبيد؟

ما أكثر الشعراء، وأقل الشعر، وغياب رواده ومتلقيه.

الشعر بأنواعه بضاعة كاسدة!!

سيزعل الكثيرون من الذين يسمون أنفسهم بالشعراء، فهل وجدتم مجتمعا صنعه الشعراء؟

هل علمتم بشعب أسس قوته الشعراء؟

الشعر سلوك أضعف الإيمان!!

وفي زمننا المعاصر القوة للعلم، وأي مجتمع يتكاثر فيه الشعراء، يعبر عن إنحرافات فكرية مدمرة للحاضر والمستقبل.

فما قيمة ألف شاعر، أمام عالِم واحد مبدع ومبتكر لأدوات القوة والرقاء؟

القوة تكنولوجية وليست شعرية!!

نعم الشعر يبقى ويدوم لأنه لسان حال مشاعر وعواطف وإنفعالات، وأفكار تبحث عن مأوى لتكون، لكنه لن يؤمّن من خوف ولا يُطعم من جوع.

ويبدو أن عدد الشعراء يتناسب طرديا مع ضعف المجتمعات.

الكل شعراء، وهم في غياهب الهوان والتبعية والرمزية والغموض والإيروتيكية يعمهون، وبلسان الدجل والخيال المنمق يتكلمون، ويمدحون الكراسي، ويسبّحون بنعمة الثناء المنافق الذي يدر مالا وجاها إلى حين، وما أكثر الوجوه الكالحة الناطقة بالكذب المبين.

العلاقة بين الشعر والعلم إعتمادية، فإذا مات العلم في المجتمع فاقرأ السلام على الشعر، ولا تقل أنها الحداثة وما قبلها وما بعدها، فهذا محض إفتراء وإنزواء.

فاستحضروا العلم لينهض الشعر!!

فلا شعر دون علم منير!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل ما يقارب السبعين عاماً تقدم الفتى النحيل لدخول معهد الفنون، لم يكن يرغب أن يصبح ممثلاً، فقد جرب ذات يوم أن يمثل دور عنترة في إحدى المسرحيات المدرسية، فأثار سخرية الطلبة والمعلمين، كيف لفتى يملك ذراعين نحيليين أن يصرع وحوش الصحراء؟، ولأنه عمل في النجارة وجد أن النحت أقرب إليه بعد أن سحره طين جواد سليم وأخشاب محمد غني حكمت وصخور خالد الرحال، في المعهد نبهه المعلم الشاب آنذاك وجيه عبد الغني إلى أن مكانه الحقيقي على المسرح وليس مع الطين، وكان صاحبنا يرغب بأن يصبح نحاتاً بعد فشله في الجلوس على حصان فارس بني عبس، إلا أن وجهه الذي كان أقرب إلى وجه الصبي المشاغب دفع أسعد عبد الرزاق بأن يقنعه للانضمام إلى فرقة 14 تموز التي تشكلت في ذللك الوقت، هناك اكتشف أعضاء الفرقة أن هذا النحات يذهل الجميع بقفشاته الكوميدية وبتلقائيته التي تخفي وراءها طاقة تمثيلية ساحرة، وتشاء المقادير أن يحط خريج كلية الآداب سليم البصري رحاله في فرقة 14 تموز ليقنعهم بتقديم تمثيلية أسبوعية تحت عنوان " تحت موس الحلاق " وليجد في حمودي الحارثي رفيقاً مخلصاً سوف يعمل صبياً في محل حلاقة الحاج راضي . وهكذا قرر أن يكون " عبوسي " وقرر الاثنان أن ينسيانا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام شاشة التلفزيون، فأخذانا لنجلس معهما، يتشاجران فننصت لهما، يغضب الحاج راضي فتذهب أنظارنا إليه، يضحك عبوسي، فتنطلق ضحكات العراقيين مجلجلة.

ليس هناك من اسم لامع في الكوميديا العراقية استطاع أن ينافس مقالب عبوسي وتقلبات الحاج راضي وحكمته الدفينة، أو أي اسم آخر يخطر لك. لذا، سوف يخطر ببالك ايها المواطن أن هذين الممثلين صنعا ثروة كبيرة . لكن سليم البصري عاش سنواته الأخيرة يشكو من العوز وعقوق الفن ليموت بحسرته، فيما لم يجد حمودي الحارثي أرضا تأويه غير لجوء إنساني في هولندا، ومصحة لكبار السن ترعاه في آخر أيام حياته، في الوقت الذي أخبرنا فيه كبير رجال كوميديا العصر الحديث نور زهير أن الثلاثة مليارات التي نهبها ليست ملكاً للدولة، فقد ظهر نور زهير في حلقة كوميدية جديدة يتجول بمكان فخم بكامل الأناقة، يطلب منا نحن جماعة " عبوسي " ان نصمت، لاننا لانعرف الحقيقة التي تقول ان هذا زمن الشطار والعياريين

ايها السادة ونحن نرثي حمود الحارثي ندرك جيدا ان ما يجري في بلاد الرافدين تجاوز حلقات " تحت موس الحلاق "  ففي اللحظة التي ظهور فيها نور زهير، كان هناك عراقي آخر يغادر عالمنا مثلما ولدته أمه، لا مال ولا عقار، ولا قصور في شارع الأميرات.

***

علي حسين

 

(من وحي صورةٍ لمحتها عن عجوزٍ غربيةٍ ،وإذ كانت تُشعلُ سيجارتها من لهب شمعة كعكعة ميلادها المائة)

مائةُ عامٍ ، وكَفُّ هِذِي الخالة بِتمرّدٍ يشعلُ السيجار في كلِّ حينٍ وحالْ.. ألهِبي السِّيجارَ ياخالة، وأسْهِبي يا ذاتَ خَدٍّ مُتَوَرِّدٍ ولا تُبالي بقيلٍ وقالْ..

دَخَّنَي، فيا ليتَ لي مثل ما أوتيتِ من حلاوةِ الأقوالٍ ومن طراوةٍ في أفعالْ.. أنا يا خويلةَ، وكلمّا أشعلتُ سيجاراً لأُكنسَ ما ارتكسَ من الغمِّ في البالْ... إحتبسَ شعب العراق عن بكرةِ أبيهِ، موبِّخاً لي أو ناصحاً بتَنطُّعٍ أو بتَعالْ.. ويكأنَّ بني قومي لا يشهقونَ إلّا مما في سُويسرا من"أوكسجينَ" الجبالْ.. ويكأنَّهمُ لا يُطعَمونَ إلا سُعراتٍ مُقَدَّرةً بمقاديرَ طبيةٍ موزونةً بمكيالْ.. ويحهم! ما بالُهم حاشدينَ وراشدينَ لي بنصحٍ كأنِّي مجرمٌ بينهم أو محتالْ.. ومن قبلُ كان النصحُ منهمراً من الأقربين من جيرانٍ ومن أعمام وأخوالْ.. ويكأنَّهمُ الهداةُ المَهديونَ على ظهرها، والمنقذونَ من نتانةِ التبغِ باستئصالْ.. فتراهمُ يرمقونيَ كلمّا رأوني وكأنّني لهم نذيرُ شؤمٍ، أو غرابٌ عليهمُ قد نطَّ ومَالْ..83 ali

ثمَّ تراهمُ يسلقوني بلسانِ لقمانِ الحكيم، أو بيبانِ العليم الفهيمِ الدالْ:

"أرمِ من يدك يا هيكلاً ذا خبالْ، لفافةَ سَرطانٍ ذاتَ أعلالٍ وإعطالْ . لا ريبَ أنَّكَ ستموتُ ناقصَ عمر كأسدٍ عُتيٍّ منفيٍّ بإضمحلالْ. وحمداً للهِ، وبهِ نعوذُ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ".

ويح أذني وما سَمعت من قيلٍ قد صالَ في صيوانِها وجالْ...

إنَّهم يقولونَ؛ "نعوذُ باللهِ مما إبتلاكَ به من أهوالٍ باختلالْ"!

أفحقَّاً يعوذونَ بالله منّي وأنا أخوهم صبوحُ الوجهِ طيِّبُ الإستقبالْ..

لعلَّ مصافحتي لأيديهم هي "جُنابةٌ" يُهرَعونَ من فورهم بعدَها لأغتسالْ؟

لعلَّهم يظنُّونَ بيَ أنيَ أنا الذي مَحقتُ "هيروشيما" و"وناكازاكي" باحتلالْ..

يا لسخريةِ الدهرِ وما آلَ إليهِ من مآل!

إنَّ (غثوانَ إكزوز) و(علوانَ القهوجي) وإخوانهما في الصنعةِ والمثالْ..

يستنكفونَ من مجالستي لأجلِ سيجارتي ذي النَّعناعِ والتفاحِ والبرتقالْ..

أدخَّانُ سيجارتي الصَّامتِ خيرُ يا"غثوانَ" أم دخانُ"إكزوزكَ" ذو الموَّالْ ؟

أم تظنُّ يا"علوانَ" أنيَ إبليسُ المُفسِدُ للبيئةِ في البرِّ والبحرِ القابعُ في التلالْ!

أم أنا يا غثوانَ ويا علوانَ دون ذلك من أشكالٍ وإشكالْ؟

لعلَّكَ يا "غثوانَ إكزوز" ظننتَ نفسَكَ أنّكَ موسيقارُ الأجيالْ!

"محمدُ عبد الوهاب" المهووسُ بالنّظافةِ، ذي الطَّربوشِ والبنطالْ!

لا أخالكم ترتضونَ ذلكَ من (غثوانَ إكزوز)، ألا يا أيُّها المُدَخنونَ الأبطالْ؟

(وإنَّما غَثوانُ؛ هو فنِّيٌ يقومُ فجراً وحتى المغيب بلحامِ الثقوبِ في أنابيبِ العادم "الإكزوز Exhaust system" للآلياتِ الثقيلةِ والخفيفة، ورُغمَ أنَّهُ يعبسُ من سيجارتي ولو كنتُ بعيداً عنهُ بأميالْ، لكنّي أشهدُ إنهُ رجلٌ طيّبٌ مُتقنٌ لصنعتهِ وغيرُ حَيَّالْ، في ذا دهرٍ يستوفي على النَّاسِ إن اكتالْ، ولاصبغةَ لهُ إلّا الغشُّ والفذلكةُ والإحتيالْ).

[التدخينُ مضر بالصحة ننصحكَ بالإمتناع عنه].

***

علي الجنابي

 

"أعذب الشعر أكذبه"، لا يُعرف تماما مَن قائلها، لكنها عبارة دارجة تقود الوعي عبر الأجيال، وتحسب الكذب من ضرورات الشعر.

وتجسد الكذب في المديح والفخر، ووصل ذروته وتجاوز حدود المعقول، بمسافات ضوئية، إبتداءً بعمرو بن كلثوم، ومَن بَعده، كالبحتري والمتنبي، وغيرهم وصولا إلى عصرنا، الذي تكاثرت فيه أبواق التمجيد والتعظيم لمراكز السلطة والقرار.

يقول إبن هاني الأندلسي، مادحا المعز الفاطمي:

"ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار"!!

فهل يوجد أوضح من هذا النفاق، والكذب الصريح، الذي يحوّل الشعر إلى سلعة للتكسب والإتجار والمزايدة والمبالغة والإستجداء.

والكذب له مسوغاته ومحفزاته التي تطرح سؤال: لماذا المتسلطون على الآخرين يريدون المديح الكاذب؟

ومن المديح الفاضح:

"إذا رفعت إمرءاً فالله رافعه...ومَن وضعتَ من الأقوام متضع"!!

"أنت الذي تنزل الأيام منزلها...وتنقل الدهر من حال إلى حال "!!

يكذب الشعراء لأنهم يأتون بما لا تقبله الأفهام والذوق السليم، ومنهم المروّجون  للأكاذيب والنفاق، وبواسطتهم تهون مآثم السلاطين.

 وبرغم تطور وسائل الإعلام المعاصرة، فلا يزال الشعراء أبواق تصدح بمديح ذوي الكراسي المتنفذين في الأوطان، وهم يتكسبون وينالون مآربهم الدنيوية، وأشهرهم مَن يكون قريبا من الحكام، لأن وسائل الإعلام ستسوقهم على أنهم الأوحدون والنابغون، وجهابذة البديع والكلام.

فالكذب مائدة الأقلام، ومرتع للكسب والإغتنام، وبالتكرار إمام!!

***

د. صادق السامرائي

الحقيقة التي في تقديري لا يختلف عليها اثنان هي اننا في العراق نعيش وضعا غير مسبوق وأشبه ما يكون بلوحة سريالية فيها من الغرائبية والتناقضات ما يشغل العقل ويدمي القلب، فالعراق من البلدان الغنية وقد حل في المرتبة 117 عالميا، و11 عربيا ضمن قائمة " أغنى دول العالم " ولكنه في نفس الوقت وبحسب بيانات وزارة التخطيط، يوجد حوالي 25% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر وهو ما يشكل أكثر من 10 ملايين مواطن اذا اعتبرنا أن مجموع السكان 43 مليون نسمة وهذه نسبة كبيرة لا تجدها في عدد من الدول التي لا تمتلك الموارد الطبيعية التي يمتلكها العراق علاوة على ارتفاع معدلات البطالة إلى 16.5% مع بداية عام 2024، والعراق ايضا من أول البلدان التي عرفت الكتابة قبل آلاف السنين على يد السومريين وخلفت إرثا معرفيا وثقافيا تغنت به بلدان المعمورة أجمع كما كان يمتلك منظومة تعليمية متطورة بشهادة اليونسكو غير أنه يطالعك اليوم بوجه آخر مختلف تتفاقم فيه الأمية لتصل إلى نسبة مخيفة حيث أعلنت وزارة التخطيط العراقية بوجود نحو 6 ملايين عراقي غير متعلمين، وعلى الرغم من امتلاك العراق أجهزة أمنية متعددة وبأعداد كبيرة من المنتسبين الا ان مرتبة العراق في معدلات الجريمة بين دول العالم هي 72 عالميا وتاسعا عربيا وقد بلغ مؤشر الأمان فيه 53.9%، أما على صعيد التدين فالعراق يكاد يكون من الدول المتميزة في انتشار مظاهر التدين واضرحة الصالحين وفي ممارسات الطقوس الدينية بحماس منقطع النظير الا ان هذا الالتزام لم ينعكس على مستوى الجريمة في المجتمع ولم يحد من تفاقم الفساد على الصعيدين الرسمي والشعبي كما لم يمنع من ظهور حركات متطرفة وعقائد منحرفة، أما عن أزمة السكن فالعراق على الرغم من الوفرة المالية المتأتية من صادرات النفط الا انه يشهد أزمة سكن منذ عدة عقود نتيجة عدم وجود مشاريع كبيرة تلبي حاجة المواطنين من السكن، وهذه المشكلة أدت الى انتشار العشوائيات وكذلك التجاوزات الكبيرة على مساحات واسعة من أراضي الدولة وبالتالي فان هذا التلكؤ في  تقديم الخدمات لا يعكس حجم الميزانيات المالية الضخمة المخصصة للأعمار خصوصا في المحافظات الوسطى والجنوبية، لذا فأننا امام هذه اللوحة المدهشة بتفاصيلها وتناقضاتها الغريبة التي طال وقوفنا امامها عقدين من الزمن نتساءل ونحتاج الى مصارحة وشجاعة لتعيين المتسبب في هذا المشهد القاتم، هل المشكلة في الشعب ام في الاحتلال ام ان المشكلة تكمن كما يقول الصحفي المصري الساخر " جلال عامر" (ان الموكل اليهم حل مشكلة الوطن هم المشكلة)؟.

***

ثامر الحاج امين

الأشياء المتحركة يتحرك ما فيها، ومنها الأرض الدائبة الدوران، وبموجب ذلك فأنها موجود يتحرك ما فيه.

كما أنها تقبض على نار متأججة، فقلبها سقر، وبسبب النيران اللهابة، فأنها تولد ضغطا هائلا يدفع إلى مزيد من الحركة الداخلية، وهذا الضغط يؤدي لإنبثاقات هائلة في المناطق الرخوة وتسمى بالبراكين، التي تنفث حمم النيران.

والأرض ثلاثة أرباعها ماء، ومعظم ما يتفجر فيها يكون تحت سطح المياه، وربع نشاطاتها تظهر على اليابسة.

والأرض موجود مرتعش مرعوب في الكون الفسيح، وإرتعاشها الدائم أقل من أربعة درجات على مقياس رختر فلا نستشعره، وعندما يتجاوز ذلك نشعر به، وبتزايد درجاته تظهر آثاره كزلازل ذات أضرار متنوعة.

ولا تستثنى بقعة أرضية من الحركة والإرتعاش، فالهزات تتواصل، وشدتها تتباين، ووفقا لذلك تمضي في دورانها، فربما تكون نظرية زحزحة القارات صائبة، لأن الإنفجارات الداخلية في قلب الأرض تسببت بتباعد أجزائها وحلول الماء فيها.

والحقيقة  أن الأرض بحركتها تأكل ما عليها وتعيد تصنيع ما فيها، وكأنها تسأم من الثبات وتميل للتجدد المتواصل، فما دامت تتحرك فعليها أن تغير وتتغير.

وللأرض سلوكها وطبائعها، وعندما يتدخل الإنسان في جغرافيتها ويعيق مساراتها، ويحاول تشويه منحدراتها وإيقاعات الإهتزازات الجارية على ظهرها، فأنه يؤهلها للإنتقام وإعادة ترتيب كيانها، وفقا لما يساهم بديمومتها والحفاظ على سلامة الحياة في وعائها الحاضن.

والأرض ذات توازنات دقيقة لا تقبل التفاعلات المغفلة، وأي محاولة جاهلة للنيل من معادلاتها الحركية وتفاعلاتها المائية والنارية، سينجم عنه ما لا يحطر على بال من الإستجابات الجيولوجية الرامية إلى إعادة التوازن وتأمين الإطمئنان الكوني.

فالأرض كائن قلق على مصيره، وموسوس بالحفاظ على دورانه السليم الذي يدرأ الأهوال عنه.

فهل نعرف أمنا الآرض، أم أن جهلنا بها سيدفعها إلى التخلص منا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في هذة الحقبة الزمنية في الوقت الحاضر، أن تكون إِنسَانًا في زمن الرأسمالية المتوحشة والأقنعة المزيفة، واشباه رجال من لصوص وفهلوة وصعود الرعاع وحمقي يديرون المشهد  هذه جريمة كاملة الآركان في هذا الزمن ان يولد الإنسان إِنسَانًا، سيكلفك الكثير والكثير في مجتمع الذئاب، لقد أصبح الإنسان وسط البشر يخاف قول الحق ورفع كلمته، او الحديث سوف يَتهمُ بالجنون ويحاصر من طابور ألتراس المنافقون علي شبكات التواصل الاجتماعي.

ويخجل من فعل مايفعلون ليس لأنه خجول ولديةحياءٌ، لا لكنه إنساني جدًّا حقيقي جدًّا،، كيف لا وهم يحترمون من يُعنفهُمْ ويُمجدُونَ الخبيثَ والنصاب والمُحتالُ وسارِقُ الأرضِ والوطن والتاريخ، ويسمونه بالذكي، ويحتقرون الفقير المتواضع حتى لو كان يمتلك (كنوز الحكمة والحقيقة) البشر في زمن الرأسمالية المتوحشة، يقتلون ويشردون جماعات وقبائل وعوائل وافراد من اجل المال،، إن حوادث الشعوذة والسحر من ذبح اطفال علي قبور وأماكن أثرية من اجل الوهم لاستخراج أثار من اجل المال جريمة شنعاء، ياقارئي لا ترج مني الطرب لاترج مني الهمس حسبي والنار أولها غضب،،   نحن في زمن البشر يستهلكون ولا يفكرون.، المثقف والمفكر والعالم والفقير ليس لهم في عالم الذئاب مكان، نحن في زمن التفاهة والفرجة، "زمن السنيورة" سوسو وشوشو وفوفو " نزلت بوست منقول ودار علي كل الصفحات، او غيرت البروفيل علي صفحتها انقلب الفيسبوك واعلِنت حالة الطوارئ وتصارع التراس الفيس بالتهنئة والمدح والبركات وتجمع اهل النفاق والعهر الاجتماعي وتصارعوا في حشد كبير يتزعمهم الملك (آحا) في التعليقات، ولكن لآني لدي قصر حاد في البصر اعتقدت ان القدس رجعت.

أعجبتني نصائح الكاتب الانجليزي {شكسبير}حين قال:

لا تطلب قرب أحد..

‏ولا تنتظر عطفًا من أحد..

‏ولا تعش لغيرك؛ فنفسك أولى..

‏ولا تربط سعادتك بأشخاص أو بأشياء..

‏اصنع لنفسك وطنًا؛ كي لا تغترب

 بفراق أحد؛ فلا يوجد هنالك شخص

قادم من السماء لينير عتمتك..

‏كن أنت النور لنفسك..

‏أنت من يتقن إسعاد روحك،

وترتيبها من جديد بعد شتات..

‏لذا كن لنفسك كل شيء. اي دين دينكم. ابتلينا بكم في زمن المسخ..!! يوميات كاتب في الآرياف..

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

 

في الوقت الذي تشتد فيه جبهات الرفض لتعديل قانون الأحوال المدنية الرقم 188 من العام 1959 وهو العام بدأت فيه الجمهورية بعد انطلااقها في 14 تموز من العام 1958 الناشئة لتأسيس مجتمع مدني قائم على الحق والعدل بين الجنسين وتكريس المساواة في الأحوال المدنية من زواج وطلاق مع احترامها لكل المذاهب والأديان، بل ان هذا القانون جاء كخلاصة مركزة واحترام لكل ما ورد في الأديان من أجل التأسيس لأسرة صالحة قوامها عند الاختلاف هو القانون المدني وإعطاء كل حق حقه عند حالات الفرقة الاضطراري وكما هو الزواج امساك بعرفان والطلاق تسريح بعرفان كما ورد في النصوص الدينية دون عبث واضطهاد لأطراف العلاقة، والدولة والقانون باعتبارهما الحكم الذي لا يمكن تجاوزهما لضمان فرقة مؤدبة وبأستحقاقات انسانية.

وهذا يجري لحد علمنا انسجاما مع لائحة حقوق الأنسان الذي شرعنته الأمم المتحدة والذي نص على احترام حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في قضايا الأرث والحضانة بعيدا عن الاجتهاد العبثي ودون وصاية وألتفاف من قبل دعاة المذهب والدين لأستغلال ضعف المرأة المكتسب بفعل عوامل القهر الأجتماعي.

وفي بعض ما يجري من تحايل على حقوق المرأة من قبل مضطهديها هو إجراء استبيانات لجر وتشويه الرأي العام حول ابداء الرأي حول تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 للعام 1958، مثل هكذا قضايا انسانية تتعلق بالمساواة بين الجنسين لا يمكن ابدا حسمها في استبيانات مشوهة تفتقد إلى المنطقية والواقعية فهي على نسق هل انت مع الأبادة الجماعية وهل انت من أنصار الجنس الأبيض او الأسمر هكذا اسئلة مرفوضة من أساسها البنائي المخالف للقيم الأنسانية وبالتالي لا تحل بالإجابة بنعم أو لا، بل بالرفض المطلق لتعارضها مع قيم العيش المشترك لكل التنوعات الجنسية والعرقية والأثنية.

والأستبيان بأعتباره احدى ادوات البحث العلمي، وهي تتكون من مجموعة من الأسئلة وغيرها من اوجه طلب المعلومات في القضايا ذات الصلة بالعديد من المشكلات الميدانية ذات الخلااف لتبيان الرأي فيها ولكن ليست في الموضوعات ذات الصلة الأنسانية بمصير الوحدات الأنسانية حيث الخلاف قد حسم فيها وغير قابلة للأجتهاد كمثل الطلاق والزواج والمساواة بين الشريكيين، ولا يمكن اثارة الأختلاف في قضايا ذات بعد انساني محسوم بفعل تعقد ظروف الحياة وان الأختلاف بين الجنسين هو اختلاف في الخلق وليست في الحقوق، فهناك ادوار مناطة بكلا الجنسيين استنادا الى البنية التشريحية والفسيولوجية والنفسية وليست اختلافات قهرية تقسم الظهر بل هي اختلافات تستند الى البنية النفسية والهرمونية لكلا الجنسين والاساس بينهما هم العدل والمساواة، فهذه الأستبيانات التي ترسل من صفحات النت هي مظللة في جوهرها الأجتماعي وتعكس ثقافة المجتمع الذكوري الذي يرغب في انتزاع الشرعية من الأمومة كما يرغب في الهميمنة الذكورية على مصير المرأة الضحية.

الكثير من هذه الأستبيانات مظلل وذو اجندة متخلفة يتحايل على مؤسسات البحث العلمي لأضفاء على نفسه الشرعية لآغتصاب حقوق المرأة من خلال الأستعانة ببعض المؤسسات البحثية لأستمالة الرأي العام وتشويه فلسفة الحق والجمال والمساواة بين الجنسيين، ويلعب هنا الأسلام السياسي دورا خبيثا لتمرير اجندته في الحط من مكانة المرأة واعتبارها مشرووع متعة لا غير وتسهيل عملية استلابها كمربية وأم وحاضنة للطفولة.

الأصل في المؤسسات البحثية الراقية والمعتمدة ممنوع عمل هكذا استبيان لأنه متعلق بحقوق الأنسان كمسلمات ولا يجوز العبث في المسلمات فالأجتهاد هنا هو لتسويق خطاب مريض الهدف منه حرف الأنظار عن ما يجري من صراعات بين قوى التقدم المدني والقوى الأسلاموية ذات الطابع المعادي للأنوثة.

ما نحتاجه الآن هو ليست اجراء استبيانات تجيب على" هل انت مع تعديل قانون الأحوال المدنية أم لا " بل ما نحتاجه هو حملات توعية اجتماعية وثقافية وسياسية لتكريس مفهوم المساواة بين الجنسين في كل المجالات،  وليست الى حملات تظليل للرأي العام الهدف منها شرعنة وسلب حقوق المرأة المدنية من خلال فرض التعديلات المجحفة على قانون الأحوال المدنية الصادر في العام 1959 والمرقم 188 والمعمول به لحد الآن.

***

د. عامر صالح

 

لقد استطاع الكثير من الشعوب وخصوصا الأوربية منها أن تسبقنا أشواطا من التقدم والمعرفة والفكر والنظم الاجتماعية بغض النظر عن الكثير من السلبيات المجتمعية التي ترافق حياتهم اليومية التي يؤخذ عليها المجتمع الغربي الأخلاقي والسلوكي بعدما كانت تلك الشعوب تقبع في دهاليز الظلام والتخلف والفوضى لكن استطاعت بعد عدة قرون من النهوض بواقعها حين اكتشفت السبل الصحيحة في تسلق سلم الحضارة والتقدم وأخذت بيد مواطنيها والمجتمع ورتبت أوراقها مع ذاتها ومع غيرها من الشعوب ونبذت كل ما يقف عثرت في تقدمها وجعلت تأريخها المظلم وراء ظهرها وجعلته ماض لا رجعت إليه إلا العبرة عكس الشعوب العربية صاحبة الحضارة الموغلة في القدم لقيادة العالم في زمن من الأزمان وكان لهذا التاريخ العربي اشراقات فكرية وعلمية سادت فيها العالم لكن نلاحظ الآن الفارق الكبير بيننا وبين تلك الشعوب الغربية ومدى الفارق من التقدم وهذا ناتج أننا بقينا نتغنى ونطرب على أنقاض الماضي السحيق وأطلاله وبقيت حضارتنا كتبا على الرفوف يعلوها غبار الزمن والإهمال وعلى لسان مريدي نوادينا الثقافية والعلمية بدون تفكر وتمعن وتطور وما زالت ذكريات الماضي وحنينه قابعة في أذهان طلابنا ومثقفينا منها 0( السومرية والبابلية والآشورية والإسلامية ) بدون ترجمتها على أرض الواقع للنهوض بأجيالنا بعدما أصبح العالم قرية واحدة بفضل تقنياته ومواقع التواصل بين الشعوب .

أما حين النظر إلى الفارق الكبير بين ما يقال عن حضارتنا العربية القديمة وتقدمها على شعوب العالم آنذاك مع واقعنا المتردي في كل شيء والأفكار المنحرفة الكثيرة التي تسحب أجيالنا نحو مستنقع التخلف يتبادر إلى الأذهان كثيرا من  التساؤلات والتشكيك فيما يُقال عن حضارتنا أن كانت الحضارة حقيقية فأين مؤلفاتها الخطية وهل صحيح ما يُقال عن كنوز مدينة أور التاريخية وبطون أراضيها من حضارة مدفونة وما يُشاع عن حضارة أبو الهول وكنوزه المعرفية التي تقبع داخله وحضارة الفراعنة في مصر وأسرار الأهرامات ودفائن بعض مدن الشام ولماذا لا يتاح لشعوب هذه المناطق دراستها ومعرفتها عن كثب من قبل علماء العرب والعقول العربية المنتشرة في جامعات العالم ولماذا لا تسعى الحكومات العربية لاسترداد حضارتها المنتشرة في خزائن الغرب كونها موروث معرفي وعلمي للأجيال الحالية والقادمة كل هذه التساؤلات المشروعة والتي عليها علامات استفهام كثيرة نضعها على طاولة النقاش المعرفي الجاد لمعرفة الحقيقة وأبعادها عن الوهم والخيال ليتسنى للأجيال القادمة دراستها والنهوض بها نحو التقدم ومواصلة التطور والإضافة من قبل باحثينا وعلمائنا وأخرجها من دائرة الشك والتشكيك بصحتها وخصوصا بين الحين والآخر تظهر لنا معلومات خبرية عن كتب أو خزائن أو دفائن ومخطوطات علمية قديمة في الغرب عن حضارتنا والكثير منها في بلدان العالم حصرا لا يمكن للعرب من الاطلاع عليها مهما كان ومن هنا نطالب بموقف جاد ومسئول من المعنيين في التحرك للتواصل مع العالم لاستعادة هذه الثروة العلمية وأعادتها إلى جذورها العربية.

***

ضياء محسن الاسدي

 

فتى من أقاربي نقلت عنه لي طرفة قبل عدة سنوات تتعلق بوضعه في المدرسة فأحببت ان اسمعها منه بالذات..وفي أحد الأيام مرَّ سجاد لأمر ما الى بيتي وعندما تقابلت عيوننا تذكرت في الحال تلك الطرفه، فقلت لسجاد: سجاد.. أحكي لي ماذا سألتك معلمة الإسلامية وماذا كان جوابك.. ؟

قال: خالي آنا أداوم مسائي وعدنا امتحان اسلاميه شفهي، من وصلني السرا طلبت مني المعلمه قراءة سورة الكوثر، ما عرفت، قالت: اقرأ أي سورة من القرآن تحفظها.. ولكن كيف لي ذلك وانا لا أحفظ منه شيئاً.. ! فقلت لها: ست آنا زين بالفهم مو بالدرخ اسأليني سؤال فهم..  قالت: حسناً يا سجاد قل لي: ماذا كان يفعل الفرعون بالناس.. ؟ قلت لها: ست چان يكتل الفحلّه ويخلي النثايا.. !-"يقتل الذكور ويترك الأناث".

المعلمه صرخت بوجهي مهتاجةً: إي مو چان مطيرچي أبيت الخلفوك.. ! وطردتني وحطتلي صفر.. ! بس جوابي صحيح وعلى أثرها بطلت من المدرسه..  فأضحكني سجاد حتى اخضلت عيناي..

ولأنه يقال: "ثلثين الولد من خاله".. فأنا ايضاً أفتقر الى ملكة "الدرخ" ورغم تذوقي الشعر منذ نعومة أظفاري ومنذ نعومة أظفاري حاولت وباستمرار تنمية ملكة الحفظ عندي ولكن لم أفلح حتى أني عندما أحاول حفظ القصائد المطلوبة في المنهاج المدرسي لغرض الامتحان أخرج للحقول واتأكد من عدم وجود أناس يسمعوني واتحفى "أخلع نعالي" وأدس بعض من دشداشتي في سروالي واتوكل وعندما يضنيني حفظها كنت أستنبط ألحاناً لها من عندياتي وأغنيها بصوت عالٍ فذلك يساعدني على حفظها ومن اطول القصائد التي حفظتها بالاستعانة بطريقتي المبتكرة هذه هي قصيدة: مطر.. مطر للسياب فقد كان ايقاعها راقص أو لأني ابتكرت لها إيقاعاً راقصاً من عندياتي: " تتثائب السماء والغيوم ما تزال.. تسح ما تسح من دموعها الثقال، كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينام.. بأن أمه التي أفاق منذ عام، ولم يجدها فحين لج في السؤال.. قالوا له بعد غد تعود.. لابد أن تعود".  أما بقية الأشعار فأتذوقها.. ؟ نعم، أتفاعل معها.. ؟ نعم، استوعب واحفظ الصورة.. ؟ نعم، ولكن أن أحفظ القصيدة بكاملها.. ؟ فذاك خارج طاقتي على "الدرخ"، فأنا أقول مثلاً:

 الخيل والليل والبيداء تعرفني_ والسيف والرمح والقرطاس والقلمً.

أنام ملأ جفوني عن شواردها-ويختلف الخلق جراها ويختصم.

وأقول أيضا: نامي جياع الشعب نامي- حرستك آلهة الطعام.

نامي فإن لم تشبعي فمن عسل الوعود مداف في كلام.

وأقول: سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر_ فأقصفي يا رعود واهطل يا مطر.

وأقول: لا تسقني كأس الحياة بذلة –بل فاسقني كأس العز ولو بالحنظل.

أي نعم.. بيت بيتين، لكن كامل القصيدة.. ؟ فذاك خارج نطاق امكانات ملكتي على الحفظ، وطبعاً البيت الذي أحفظه أعرف الشاعر وأخصه وأكَصَّه فالأمثلة في أعلاه للمتنبي والجواهري والفيتوري وعنتره.

هذا عن الشعر أما عن حفظ القرآن فأنا أيضاً على منهج ابن أختي سجاد في هذا الميدان ايضا، فأنا رجل فهم مو رجل درخ، أفهم الآية وأتدبرها ولكن قضية أن احفظ: "لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين"، الأولى قبل الثانيه أم الثانية قبل الأولى.. ؟ فذاك خارج حدود ملكتي على الدرخ.. ولذلك الجأ الى قول: "ما معناه".

في سن البلوغ لا  أتذكر كم كان عمري يبلغ بالسنوات ولكن المؤكد أني بالغ والدليل وجود  شعيرات في ابطي وهذه من علامات بلوغ  الذكر عند المذهب الجعفري..  وقعت في حب صبية من الجيران لا استطيع تحديد عمرها بالضبط ولكن المؤكد انها في سن البلوغ أيضاً، فقد كانت رمانتي صدرها بائنة نوعما وهذه من علامات البلوغ عند الأنثى في المذهب الجعفري أيضاً، وكنت أريد التغزل بها شعراً فحاولت وحاولت وحاولت لكني عجزت.

وكم كان عميقاً وغائراً ذلك الأثر الذي تسبب فيه إخفاقي بنظم الشعر في نفسي منذ مرحلة بلوغي المبكرة حتى اليوم..

لكن اليوم واليوم بالذات وبعد إن شارفت تصفيات تنقيح الشعراء من منهم الذي تورط في مدح صدام فاستحق الازدراء ومن منهم الذي لم يفعل فرفع شارة النصر محتفلاً، وجدت أن الشعراء في مدحهم لصدام أصناف:

 منهم الثيب: وهؤلاء مؤدلجون مؤمنون بما يقولون وإن طغى القول وبلغ مديات منفرة فلا تثريب عليهم، مثل شفيق الكمالي القائل:

تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله.

وقوله:

 لولاكَ ما كان العراقيون معدودين في جنس البشر.

وعبد الرزاق عبد الواحد القائل:

 "فيا أيها الوتر في الخالدين.. فرداً إلى اليوم لم يشفع".

وغير هؤلاء من شعراء أم المعارك وشعراء الرئيس وشعراء علي كيمياوي وعبد حمود.

 ومنهم الأبكار مثل الشاعر محمود البريكان الذي التزم الصمت،حتى ان عبد الرزاق عبد الواحد يقول عنه: "عجزنا، نحن اصدقاؤه، وعجزت وزارة الثقافة والاعلام عن ان تحصل من محمود على مجموعة شعرية له وتنشرها، رغم ما قدمت له من مغريات!".

ومنهم المتزنون: الذين مدحوا اشخاص وحكام لكنهم لم يتورطوا بمدح صدام وعدي مثل الجواهري الذي مرَّ بعمان في طريق عودته من القاهرة مارّا بدمشق فأُستقبل بحفاوة في عمان فألقى في عام 1992 أمام الملك حسين قصيدته:

يا سيدي اسعف فمي ليقولا     

    في عيد مولدك الجميل جميلا

*

يا أيها الملك الأجل مكانة       

    بين الملوك، ويا أعز قبيـلا

*

يا ابن الذين تنزلت ببيوتهم       

  سور الكتاب، ورتلت ترتيلا

فكان وقعها إن ترك الملك مكانه وخلافا للتقاليد صعد إلى المنصة لتقبيل الجواهري، وليس مثل ذلك الوضع البائس الذي يتفاخر به عبد الرزاق عبد الواحد من أن صدام أشعل له سيكارته من علبة ثقابه..

في حين أن الجواهري حاول معه صدام وابنه عدي ليحصلا منه على مديح لهما رغم أن الجواهري سبق ان مدح اشخاص حكام أو أن لهم صلة بالحكم مثل باسل ابن حافظ أسد ومحمد ابن احمد حسن البكر وقبلهم جميعاً عبد الكريم قاسم الذي قال فيه:

عبد الكريم وفي العراق خصاصة -  ليدِ، وقد كنتَ الكريمَ المحسِنا.

لكن الجواهري كان عصيا على صدام رغم الضغوط والإغراءات حتى فجرها بوجهه يوما:

لولاك يا ابن الخيس ما حل الخراب بأرضنا..

لولاك ما ذبحوا الولود من الوريد بارضنا..

لولاك ما عبث الطغاة بأرضنا وبعرضنا..

أنا.. من أنا.. سل دجلة سل نخيل بلادنا..

يا غادراً إن رمت يسألني أجيبك من أنا..

ومنهم مدعوا البكاره: هؤلاء أنكروا إن كانت عذريتهم قد خدشت بسوء ولكن من جراء التراشق الذي تواصل عنيفاً تارة وصاخباً أخرى على مدى شهر بتمامه وبعد إن فتحت الدواوين ومالوا على الصحف فنشرت، منها المزورة ومنها الحقيقية ظهر منهم من وصف صداماً بسليل الهواشم تارة، وآخر وصفه بـ: سيد النهرين تارة أخرى.. وغيرهم كثيرون ممن تمنوا في الراهن أن تكون لهم رقبة بعير فيستغرق القول مسافة أكبر في رحلته الى العلن.. 

عند هذه اللحظة بالذات حمدت الله واثنيت عليه لأنه عصمني من صنعة نظم الشعر فتنازعني على عذريتي، ومن ملكة "الدرخ" فأهجر بما لا أعي، ومكنني من قول ماذا كان يفعل الفرعون بالناس، "فهماً" وحسب بمخارج حروف واضحة ومتيقنة، فإن لم يعجب ذاك معلمتي فلتشرب من بحيرة ساوه..

***

د. موسى فرج

لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان ذلك جيل الاجتهاد والبناء والذمة والخوف من محاسبة الضمير، جيل آمن بأن العراق لوحة كريستال جميلة، إذا فقد جزءاً منه فقد مبرر وجوده وتناثر.

أتذكر الشبيبي وانا اشاهد رجل دين يطلب من الناس أن تصمت أمام الفساد وسرقة المال العام، حيث خرج علينا السيد رشيد الحسيني في واحدة من خطبه ليقول بالحرف الواحد " أيهما أولى أن نعيش في فساد أم في الفوضى .. أيهما أولى الفساد خلي فساد، اليسرق خلي يسرق، بس آني أعرف وين أطلع وين أدخل، كيف أتعامل " وأتمنى أن لا يعتقد البعض أنني أتجنى على السيد الحسيني فالخطبة موجودة على اليوتيوب .. إذن يريد منا السيد الحسيني أن نرضى بالفساد، لأننا لو رفضنا ستحدث الفوضى، وان نرضى بما مقسوم،، فهذا وجسب راي الحسيني أفضل وأحسن من المجهول الذي لم يحذرنا منه .

هل اكتفى السيد رشيد الحسيني بذلك، بالتأكيد لا، فالرجل يشعر بالزهو عندما يقول إن زواج الشاب السني من الفتاة الشيعية لايجوز،.. ولم يكتف بذلك بل أخبرنا أن حديثه هذا غير طائفي .

ولأن السيد رشيد الحسيني منذور لمهمة إهانة العراقيين والسخرية منهم فقد خرج يشتم المعترضين على تعديلات قانون الأحوال الشخصية ويصفهم بأنهم :" لا قيمة لهم ولا تاريخ لهم، ولا دين لهم " والسيد الحسيني الذي يفترض به أن يختار ألفاظه بعناية وأن يكون نموذجاً للتسامج والمحبة، أصر أن يصف المختلفين معه بأنهم كفرة " لا دينيين "، وهم برأيه مجموعة من " الفاسدات والفاسدين " تخيل رجل دين يخوض بأعراض النساء . وذهب الامر بالسيد رشيد الحسيني الذي تصور نفسه حاكماً مطلقاً للعراق بأن هدد مجلس النواب : أما تقرّون التعديلات وإلا .

السيد الحسيني إن الخطاب الديني الحقيقي يفرض عليك أن تقرأ جيداً سيرة الإمام علي " ع "، وتتوقف عند قصته هذا الامام العظيم مع الحق والعدل، فقد كان معارضوه يتجاوزون عليه إلى حدّ شتمه فلا يبطش بهم ولا يمنع عنهم المال، لأنه يرى أنّ الخلاف أمر شخصي بينه وبينهم، وما بيده من حكم ليس سلطة يقاضي بها مخالفيه في الرأي، ولكنه يقاضي بها أعداء الناس والفاسدين، فمهمّته إقامة الحق ودفع الباطل، يقول لابن عباس: "هذه النعل أحب إلي من إمارتكم هذه، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا" .

***

علي حسين

 ليس الجمالُ بمئزرٍ

 فاعلمْ وإن رُدِّيتَ بُردا

*

إِنّ الجمالَ معادنٌ

 وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا

*

أَعددتُ للحَدَثانِ

 سابغةً وَعَدَّاءً عَلَندى

*

نَهداً وذا شُطَبٍ يَقُدُّ البَيضَ

 والأبدانَ قَدَّا

*

أُغني غَنَاء الذاهبينَ

 أُعَدُّ للأَعداءِ عَدَّا

***

وهكذا تكلمَ لسانُ أبي بحرفِ الأولينَ وهكذا تَبّدَّى، وكذا جرى عبقُ البيانِ في ذرف السابقين جَلدا، وكذلك سرى ألقُ المعاني في ترفِ عنان الأقدمين جِدَّا. وعجباً من فلقهم وكيف كان يتكلم في صبحٍ وحين المساء حَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان يجري إلى يوم الهِياجِ بما استعَدَّا، وكلُّ امرئٍ منهم كان بوجهِ الرَّدى يزأرُ ، وكانَ يتبوَّأ لأخيهِ بيدَيَّهِ لَحدا. ثمَّ...

خَلَفَ مِن بَعدِهم خَلفٌ ناعقٌ في ضحىً، وبعد العشاء لاعقٌ نهدا. خلفٌ...

على النومٍ عاقدٌ رَمْدا، وفي اليأسِ راقدٌ كَمْدا ، وللبأسِ فاقدٌ زرافاتٍ وفردا.

خلفٌ مافَتِئَ يزفرُ ببقيةٍ من زفيرٍ..

"ليك الواوا ، بوس الواوا ، خلي الواوا يصح"

ألا ليتَ الخلفَ غَنّوا غَنَاء الذاهبينَ للأَعداءِ نِدَّا،

*

ألا ليتَ الغناءَ فيهم كانَ بأضعفِ الإيمانِ وردا...

"سيبْ الوِزَّة ، ورُوحْ لغَزَّة ، وخَلِّي العِزَّة تَكُحْ"

ويحكَ عبطان!

أما مِن قائدٍ أمينٍ يُوقظنا نحنُ الخلف، ويَعدُّ علينا أنفاسَنا عدَّا.

أما من زعيمٍ كريمٍ يزجُرُنا بحزمٍ وقوةٍ فيردَّنا لإرثِ آبائنا ردَّا.

كلا ، لا قائدَ ولا زعيمَ يا عُليَّان ،ولا شروقَ يبدو في ذا أفقٍ فوق ذي كثبان.

أوتظنُّ ذلكَ يا عبطان؟

لعلكَ على حق عبطان، وإذاً فتعال يا عبطان وهلمَّ لندخل معاً دارَ ابن أبي "غوغل" الفتان، كي نقرأ القصيدة سوياً ونتمعنَ بما في مبانيها من معان، ولن نقرأ في غوغلَ (تحشيشاً) مضحكاً مُهان، لا ولن نقرأ تأويلاتِ قارئة الفنجان، ولن نتنفسَ تحت الماءَ فنغرقُ نغرقُ في الغثيان.  هلمَّ ياعبطان كي نفهم معانيها ونتعرف على الجمال الحق في أحسن تبيان، فذلك لنا هو خيرُ ، وذلك هو السمو في العنان ، وهو لنا أقومُ قيلاً من هلوساتِ الصبيان : " منور الفيس حبيبي أبو داليا الفنان " وهو أزكى لنا من غمسات الفلتان: : " ضيعت القلب ببيروت، وخلاص فاللي كان كان. ويا لدفء مافي بيروت من حنان باحتضان! " ، وإنّما الجمالُ يا عبطان هو كما تكرَّمَ الفارسُ العربي العدنان: عمرو بن معد يكرب الزبيدي وقال بأنفةٍ وعنفوان: إنَّ الجمالَ معادنٌ ، وَمَنَاقبٌ أَورَثنَ مَجدا، فهلم وتعالَ لنقرأ يا عبطان ـ فلربما قبسٌ من هذي قصيدةٍ قد يقدحُ بشررٍ في رمادِ أجسادِنا ويقدّها قدَّا.

***

علي الجنابي

.........................

الحدثان: الحوادث،

السابغة: الدرع الواسعة،

العداء: الفرس الكثير الجري،

العلندي: الغليظ الشديد من كل شيء .

يقول عمرو: هيأت لدفع الحوادث درعا واسعة وفرسا ضخما شديدا جيد الجري].

 

إستخف: حمله على الخفة والطيش، تجاهل، إستهان، إستهزأ، إحتقر، إستفز.

أسلوب لتدمير الشعوب والأمم، وتحويل المجتمعات إلى موجودات ضائعة مهانة، وفاقدة لقدرات التفاعل مع عصرها ووعيها لقدراتها الحضارية .

ويبدو أنها أعطت أكلها في مجتمعاتنا التي فعلت فيها على مدى القرن العشرين، ولا تزال في ذروتها الإستخفافية بكل ما يبدر منّا.

الإستخفاف سلوك بارز ومتوطن في ديارنا، ويشمل كافة ميادين الإبداع والنشاطات الأدبية والعلمية والسياسية، حتى تحولت مجتمعاتنا إلى كينونات معوقة تستجدي أعداءها لحمايتها من بعضها.

منابرنا الإعلامية يهيمن عليها الإستخفاف ، والتركيز على ما هو سلبي دون الإتيان بمعالجات ذات قيمة عملية، بل المهم أن ندين ونستنكر، ونطلق العواطف المتأججة تجاه ما يحصل، وحسبنا الكلام المباح المشحون بالإستخفاف.

على المستوى الثقافي، شعريا يسود الرثاء والغموض والهروبية، وفي النثر نميل إلى نواحيات كلامية مسطورة على ورق يحترق من الأنين.

كتاباتنا تبريرية، تسويغية لحالات مزرية، نخدع الأجيال بقولنا أنها أفضل ما إستطعناه وعبرنا عنه، فلكل زمان ومكان أحكامه.

وهذا ديدن المفكرين والباحثين والفلاسفة والنخب المثقفة بأنواعها.

التواصل مع العديد من المثقفين البارزين، يكشف موضوعات تثير العجب، فهم المتصومعون والمستخفون بما يدور حولهم، ويعجزون عن تقديم ما يساهم في التغيير النافع للمجتمع وأجياله المتوافدة.

فهل أن الإستخفاف وسيلة مرسومة إنطلت على رموز الأمة وقادتها؟

تأملوا المواقع الإعلامية ستجدون الإستخفاف طاغيا، والنيل من قدراتنا ساريا، وأكثر المنشور شيوعا ما يندب ويرثي ويستخف!!

فهل لنا أن نستفيق ونواجه مصيرنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

يخبرنا القاموس الفرنس الشهير "لاروس" بأن كلمة نخبة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا عندما احتجت مجموعة من الكتّاب، على رأسها إميل زولا على سجن ومحاكمة ضابط فرنسي اسمه درايفوس العام 1898 زوراً لتبرئة أحد كبار قادة الجيش، فقد نشرت كبريات الصحف الفرنسية على صفحاتها الأولى مقالاً مثيراً لإميل زولا بعنوان "إني أتهم" وفيه يوجه سهام النقد لرئيس الوزراء ووزير الداخلية وقادة الجيش لأنهم زوروا الحقائق، المقال الذي أصبح فيما بعد عنواناً للاحتجاج ودخل قاموس الأدب باعتباره أبلغ بيان ضد التعسف والظلم .

بالأمس استمعت إلى حديث السيدة " ندى كاظم " وهي أستاذة جامعية تعرضت للشتم والرجم بالطابوق والحصى لأنها خرجت في تظاهرة لنساء النجف ضد تعديلات قانون الأحوال الشخصية، واخبرتنا السيدة إن التظاهرة ضمت مجموعة من النسوة، تخيل جنابك أن مجموعة من الذين يرتدون العمائم ومعهم تابعين لهم يرتدون " العقال " مع مجموعة من الصبية يحاصرون سيدة ذنبها الوحيد أنها أرادت أن تعبر عن رأيها، في بلاد يتغنى فيها الجميع بحقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي .

وأنا أستمع إلى حديث السيدة النجفية تساءلت مع نفسي عن دور النخب الثقافية في شجب وإدانة الاعتداء الذي حصل على نساء النجف..صحيح ان البعض من المثقفين اصحاب الرأي الحر تضامنوا مع نسوة النجف، ولكن اين البقية ؟

كان سارتر يقول "إننا"،- ويعني المثقفين والنخب الفكرية - "من سنصنع التغيير، لأننا نعبر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم"، في بلاد العالم اليوم نرى أساتذة الجامعة وكبار المثقفين، يخوضون معركة التغيير بصلابة ويصبحون جزءاً من صناعة الحدث اليومي، يصرون على أن تبقى أصواتهم أعلى من أصوات السياسيين.. أما في العراق فقد يأخذ البعض على النخبة، أن الكثير منهم للاسف يقفون معظم الوقت في منطقة رمادية ليست لها معالم واضحة، في الوقت الذي كان بإمكانهم أن يحركوا المياه الراكدة في المجتمع.

بين الحين والآخر أعود لكتب المفكر الاقتصادي جلال أمين "ماذا حدث للمصريين؟" والذي يقدم فيه وصفاً لتحولات المجتمع المصري في نصف القرن الأخير، وقد وضع الكتاب صاحبه على سلم الشهرة الحقيقية، وليست الشهرة الزائفة التي يبحث عنها بعض متنطعي مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات .

في كتابه " ماذا حدث للمصريين " يشير الراحل جلال أمين إلى دور المثقف الذي ارتضى أن يُقصي نفسه عن أحداث بلاده، ويفضل عدم الانغماس في مشاكل البلاد، فتحول بعض أصحاب الرأي والقانون وبعض من يسمون بالتكنوقراط إلى فئة مستعدة لتقديم ما تطلبه السلطة، من أجل استمرار النظام السياسي.

عل تسمحون لي أن اسأل : ماذا حدث للمثقفين في بلادي؟

***

علي حسين

 

العراق بلد الحضارات السامقات الرائدات الأصيلات، تتوطن أجياله موروثات لا تستغني عنها البشرية، لما ستورقه من صيرورات واعدة بالمتواكب الجديد.

العراقيون قادة العقول!!

العراقيون أفذاذ عطاء بديع سبّاقٍ وديع!!

العراقيون أوجدوا أبجديات الحضارة، وأطلقوا للقلم حرية التعبير عن الأفكار وتدوينها، فالكتابة مخترع عراقي، ولولاها لما توارثت الأجيال المعارف والعلوم.

العراقيون حضاريون، وهم الذين أسسوا الدول وشرّعوا القوانين، وإبتكروا أنظمة الري، وفي ديارهم تعلمت البشرية الزراعة وتدجين الحيوانات وتوظيف النار.

العراقيون مساهماتهم لا تُحصى ولا تعد، ولهم شرف إبتداء الخطوات، ومنطلق التطورات.

العراقيون المعاصرون، رغم الشدائد والمكائد والتوحشات العدوانية المتوالية، هم نبراس متوهج بالأفكار والطاقات التنويرية الفياضة بإرادة صناعة الحياة الأرقى والأجمل.

شعراء متميزون، كتاب رائعون، علماء يبهرون، وقوة إنطلاق نحو مستقبل أبهى لا تعرف التواني والحدود.

العراقيون قادة مجد المنطقة بدولها ومجتمعاتها، وبدونهم يتآكل وجود ما حولهم، وتتوطن ديارهم الأغراب.

العراقيون فخر الإنسانية وصوت الإرادة الحضارية الواعدة بالأثيل.

فلا تتوهموا غير ذلك، وتحسبوا العراقيين دون مجدهم وتأريخهم وصوتهم الداعي للحرية والكرامة والعزة والعمل الدؤوب، لتشييد معالم ما فيهم من الرؤى الخلابة التطلعات.

تحية لكل عراقي، ولنحتضن العراق سويةً، فبالعراق نكون وبدونه نهون!!

عراقي أنا يا عراق الشهب...!!

وإن العراق ساطع منير، والعراقي منطلق إلى العلياء بعد حين!!

وما تقدم جوهر حال، لا أوهام مُحال!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكثير جداً من الادعاء والجرأة على تصدر المشهد في كل شيء، وكثير من الضحك على المواطن البسيط، مع قليل جداً من احترام عقول الناس، مع إساءة واضحة للنسيج الاجتماعي، وإصرار على إعلاء شأن الطائفية، يضاف لها مفردات عن الإصلاح والمواطنة والفساد والدستور والقانون الذي صار حديث بعض النواب .

منذ ايام خرج علينا النائب رائد المالكي صاحب مقترح تهديل قانون الاحوال الشخصية حيث ظهر في الفضائيات متباكياً على الدين ومطالباً بإقرار التعديلات ، هذا النائب كشف لنا عن وجه آخر حين تقدم قبل ايام بطعن إلى القضاء على قرار سابق يمنع منح العجلات للبرلماني، النائب رائد المالكي صاحب مشاريع إعادة العراقيين إلى جادة الهداية ونشر الفضيلة في بلاد الرافدين ، يريد الحصول على امتيازات جديدة لانه شرع قوانين تنهض بالعراق اقتصاديا وتنمويا .

لست في وارد الحديث عن ما قدمه السيد النائب رائد المالكي لأبناء محافظته ميسان أو ما هي الخدمات التي قدمها للعراق ، لكنني تعجبت وانا اجد نائب " الفضيلة والشرع " يطالب بإجراء تعديلات على قانون مجلس النواب من اجل مزيدا من الرواتب والامتيازات ، في الوقت الذي يشغل الناس بقوانين قرقوشية التي يريد فرضها على الشعب العراقي.

وستندهش عزيزي القارئ عندما تعرف أن النائب الآخر الذي يصر على " بحبحة " الامتيازات هو النائب محمد الزيادي الذي خرج علينا في الجلسة الأولى للبرلمان وهو يرتدي ملابس ممزقة قال حينها إنها تضامن مع فقراء محافظته المثنى .. وبعد سنوات من جلوس الزيادي على كرسي البرلمان ، ترك الملابس الممزقة وركب " التاهو " فيما لا تزال محافظة المثنى تحتل المرتبة الأولى في الفقر حسب إحصائيات وزارة التخطيط .. من المثير أن النائب رائد المالكي وهو يتحدث عن الحق والعدالة نجده بغفلة من الناس يقدم طلباً بضرورة منح السادة النواب سيارات حديثة أسوة بأبناء الشعب العراقي الذين يتمتعون بخيرات التنمية والصناعة والزراعة التي ازدهرت أثناء جلوس النائب رائد المالكي على كرسي البرلمان .

كم سنحتمل من استعراضات أمثال هؤلاء النواب الذين يريدون منا أن نتربى في مزارعهم، وأن نرفع شعار السمع والطاعة؟ كم مرة سنتحمل سياسياً متقاعداً يريد منا أن نلغي كل إمكانية التفكير والبحث، من خلال استدرار عواطف البسطاء واستغفالهم؟!.

يريد السيد رائد المالكي أن يخبرنا أنه لا ضير في الحصول على الامتيازات ، فالسياسة مثلما يفهمونها تعني اللعب على أكثر من حبل.

كلما تحدث سياسي عراقي أتذكر حكاية سنغافورة ومعجزة لي كوان. وكلما تذكرت مئات المليارات التي نهبت في مشاريع وهمية ، أردد مع نفسي، ما كان أغنانا عن ظاهرة " نواب الفضائيات "

***

علي حسين

 

مثال تطبيقي لنظرية التفاعل والتغالب

ليس صحيحا، أو ليس صحيحا دائما أو تماما أن المنتصر أو القوي أو الأقوى أو الغالب هو الذي يكتب التاريخ! وأن ما نعرفه كحقائق تاريخية غالبًا ما يعكس تحيزات ورغبات المنتصر، كما يقول إدوارد سعيد. أو أن التاريخ هو فن الكذب المشترك بين المنتصرين، كما يقول غوته!. لكن الإنسان كائن معمم خالط يميل إلى التعميم والخلط !

إستنادا إلى نظرية أو مبدأ التفاعل والتغالب الذي هو شكل من أشكال التفاعل كما هو واضح، الذي مضمونه العام أو المجمل هو أن الفواعل تتفاعل فيما بينها تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

فإن كل طرف (فاعل، ملائم) يمكنه أن يكتب التاريخ، بالشكل المستطاع والملائم له أو لجماعته أو للجهة التي يريد إقناعها أو التأثير فيها أو خدمتها! سواء كان قويا أو ضعيفا، غالبا أو مغلوبا!

وإن كان يظهر على السطح سطح الواقع أن الطرف الغالب أو المنتصر ظاهرا هو الذي يكتبه!

لكن هذا لا يمثل الحقيقة عند التحقيق!

ربما تتمثل الفواعل الملائمة مثلا في باحثين أو مؤرخين مستقلين يتناولون التاريخ بشكل مخالف لطريقة المنتصرين المقصودين! يكشفون جوانب مختلفة من التاريخ، ويحققون في وثائق ونصوص وروايات وينيرون زوايا مظلمة!

كذلك قد تتمثل في التغييرات الإجتماعية والسياسية والواقعية التي تؤدي إلى تغير الروايات والتفسيرات وتقييم الأحداث والأشخاص والحالات والمواقف.

وكما أن التاريخ هو نتيجة للتفاعل والتغالب، كذلك هو وسيلة وأداة فعالة لهذا التفاعل والتغالب! أو هو فاعل ومنفعل حسب الحالات!

فالتاريخ ليس بالضرورة ما حدث؛ بل هو ما يُكتب عما حدث!

أو هو صورة الأحداث التي يتفق الناس المقصودون عليها! حيث أن هذه الصورة قد تقتل حقائق معينة أو تغيبها!

أو أنه ظل الأفكار والإعتقادات التي يعتنقها من كتبوه أو أشرفوا على كتابته!

وكثيرون شاركوا في صناعة الأحداث، لكن لم يشاركوا في صناعة التاريخ بسبب هذا التغالب ونتيجته!

ولأن التاريخ عدو كبير وفعال للسلطة المختلفة المعادية للسلطة المقابلة، لذلك تعمد كل سلطة إلى ترويض التاريخ ليصير أداة ملائمة ونافعة لها!

كل ذلك وفقا لمبدأ التفاعل والتغالب! حتى أن من يعرفون الحقيقة أو الحقائق يبقون صامتين مقموعين!

والتاريخ هو الذاكرة التي تريد السلطة إبقاءها ناشطة وخادمة! في معركة التفاعل والتغالب متعددة الأشكال والموضوعات والجبهات!

إذن، كل طرف باعتباره فاعلا واقعيا، يمكن أن يكتب التاريخ حسب قدرته ورغبته وهدفه! وليس المنتصر والقوي فحسب!. حيث، وكما هو المبدأ الواقعي:

أن كل فاعل يتفاعل مع غيره تآزرا أو تضاربا، حسب الحالات، ليستقر التفاعل ويتزن على  حالة وسط أو منحاز إلى الطرف الغالب!

ملاحظة: تجدر الإشارة إلى أن موضوع من يكتب التاريخ، هو مجرد مثال لتوضيح مبدأ أو نظرية التغالب الذي هو فرع عن مبدأ التفاعل العام! وليس هو الغاية الأساسية للمقال!

***

جميل شيخو - العراق

 

إلى سليلة الشّهداء... إلى صاحبة الهيْبة الحقيقية...

إلى مَن نظرتْ إلى السّماء؛ واشتكتْ إلى الله... لا إله إلا هو سُبْحانه... إلى مَنْ هزّتْ دموعُها قلوبَ الجزائريين في كل بقاع العالَم...فاستنفروا للدفاع عنها وعاشوا مِحْنتَها بكل جوارِحِهِم؛ حتى جاء النّصْر البهيج....

إلى جوهرة الجزائر؛ "إيمان خليف"... كلُّ التّهاني والتّقدير

إلى صاحبة الضِّحْكة البريئة والملامح الطموحة، إلى الجميلة "إيمان"؛ أهدي هذه الكلمات:

نحن أهل الحُبّ والخير والنخوة، لا نعرف الكراهية... الثقة في الذّات؛ كانت وما تزالُ من عوامل النّجاح في كلِّ مسارات الحياة.. الحروبُ أنواع... ونحن عِشْنا كلّ الأنواع؛ قاومْنا بِعزْمٍ وصلابة فؤاد؛ وحَرِيٌّ بنا؛ استحْضارُ شعر المتنبّي في هذا المقام:

رماني الدّهْرُ بالأرْزاء حتّى

  فؤادي في غِشاءٍ مِنْ نِبالِ

*

فصِرْتُ إذا أصابتْني سِهامٌ

  تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ

*

وهَانَ.. فما أُبالي بالرّزايا

  لأنّي ما انْتَفَعْتُ بِأنْ أُبالي

وأنتِ؛ بُنَيّتي؛ "إيمان" خُضْتِ اليوم حرْباً ضروساً ضدّ العُنْصُرية المَقيتة، خُضْتِ حرْباً في وجه المُتكالبين على مقامات الإنسانية الرفيعة، خُضْتِ حرباً ضدّ ظلْمٍ منْ نوعٍ جديد... وكما الحروب أشكال وألوان؛ فكذلك العداوات.... وأنتِ كسرْت كل هذه الألوان؛ وسَموْتِ فوق كل الأحْقاد،  تعاليْتِ فوْق كلِّ النّزَعَات ، وحلّقْتِ في سماء المجد والبطولة؛ مِثْلَما حلّقتِ النّساء الجزائريات في ميادين الكفاح وهنّ يخُضْنَ الحروب ضدّ الهمجية الاستعمارية؛ فشقَقْنَ طريقهنّ بقهْر المُعْتَدين.. مع اخْتلافٍ في السّبُل وتوْحيد في الغايات...

لا يفوتني في هذه الوقفة؛ أن أُشيد بالبطل الجزائري: "جمال سجاتي" .. الذي أُسْتُهْدِفَ هو الآخر بالحملات المسعورة... فالهجمات أصبحتْ تطالُ النّاجِحين، لا لشيء؛ إلا لأنّ العقول الجوفاء؛ يَعْسُرُ عليْها التحليق في السماء...

***

شميسة غربي /سيدي بلعباس/الجزائر

الكثيرون من أعلام الأمة منشغلون أو موسوسون بمسألة تعريب المصطلحات الأجنبية، وهو جهد طيب، لكىه في أحيان كثيرة كترجمة الشعر إلى غير لغته.

فما هي الفائدة من ترجمة المصطلح الأجنبي إلى العربية؟

من الأفضل أن نستبدل كلمة تعريب المصطلحات، بشرح المصطلحات، ولغتنا العربية بأبجديتها وأصواتها  تستوعب أي مصطلح وتكتبه بأحرفها، وعلينا أن نشرح معناه بالعربية.

النسبة العظمى من المصطلحات الأجنبية يمكن كتابتها بالعربية، فلماذا نضيّع جهدنا بتعريبها، أي البحث عن إسم يناسبها بالعربية.

خذ على سبيل المثال "فيس بوك"، إنترنيت"، أمزون"، يكون كتابتها بالعربية أفصل من تعريبها، ومنها يمكن الإنتقال إلى مصطلحات في ميادين المعرفة الأخرى، التي علينا أن نكتبها بالعربية بدلا من تعريبها.

فالمصطلحات الأجنبية بعضها يمكن توطينه في اللغة وبعضها يتحقق شرحه بذات اللغة، ومن الإعتداء على أي لغة توهمنا بأنها تستطيع توطين جميع المصطلحات بأبجدياتها، أي أن تخترع إسما لها.

ومثل آخر مرض "الشيزوفرينيا" يمكن كتابته بالعربية بدقة ووضوح، ما الفائدة من تسميته بمرض "الفصام"، هل أضفنا معلومة جديدة، هل يفهم القارئ بالعربية معنى الفصام، من الأفضل أن نشرح معنى الكلمة بلغة عربية واضحة لكي يفهمها الناس، لا أن نقول "فصام" وإنتهى الأمر، لأن السؤال الذي يبحث عن جواب سيبقى ما هو الفصام؟!

وقس على ذلك الكثير من المصطلحات التي نرهق أنفسنا بالبحث عن إسم عربي لها بلغتنا، ونغفل دلالاتها وضرورة تعريفها وتوضيح معناها.

الفوبيا : الخوف

وربما يمكن إحتضان كلمة فوبيا، وجعلها مما يشير للخوف فنقول (فاب، يفوب، يفوبون) أي (خاف، يخاف، يخافون).

ما تقدم يبدو غير مقبول لدى الكثيرين، لكن الواقع المعرفي المعاصر يدعونا للتفاعل الموضوعي مع المستجدات ودفق المعلومات الهادر.

***

د. صادق السامرائي

 

رددت مع نفسي وأنا أتابع بعض الصفحات الممولة التي تسخر من المرأة وتتعمد الإساءة لها وتنشر أكاذيب مفبركة : "إذا بليتم فاستتروا"، لأن شر البلية ما يضحك، وشر السياسة السذاجة. . وأنا أتابع الحملة الممولة، تذكرت العراقية صبيحة الشيخ داود التي طافت البلاد العربية داعية إلى تأسيس اتحاد المرأة وتفعيل دورها ونشاطها في إنشاء المنظمات والجمعيات. وبعدها أقامت في بيتها مجلساً ثقافياً كان من أبرز رواده روفائيل بطي وجعفر الخليلي، بعد ما يقارب النصف قرن على رحيل صبيحة الشيخ داود خرج علينا عدد من الشيوخ ومعهم رجال دين يصرخون بصوت " إحنا ما عدنا نسوان تطلع مظاهرات " .

انظر الى وجوه الرجال الذين يقودون الحملة الظالمة ضد النساء، واتذكر الوجوه المشرقة في تاريخ العراق التي وقفت الى جانب حقوق المراة، محمد رضا الشبيبي، جعفر العسكري، جميل صدقي الزهاوي، جعفر ابو التمن، حسين الرحال، مصطفى علي، ومئات غيرهم

ربما يقول البعض يا رجل تحتل المرأة في العراق منذ سنوات ربع مقاعد البرلمان، لكن ياسادة للأسف تتشكل الحكومات وتنحل من دون أن ينتبه أحد إلى أن المرأة يجب أن تكون ممثلة فيها. والمؤسف أنه عندما أعطيت حقها البرلماني، طلب منها الساسة أن تظل مجرد رقم على الهامش، وعندما وقفت مجموعة من النائبات ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية خرج من يتهمهن بالعمالة للأمريكان وبأنهن ينفذن أجندات خارجية .

في هذه البلاد العجيبة كانت أول امرأة تتولى منصباً وزارياً في بلاد العرب عنوانها العراقية نزيهة الدليمي التي ظلت تملك حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الأمل في نفوسهم، لأننا بحاجة إلى أن نتذكر المرأة العراقية التي هي البطل الحقيقي في حياتنا، والتي أرشحها بضمير مستريح لأن تتولى أعلى المناصب .

من المؤسف ان الاخبارالواردة من بلاد الرافدين تخبرنا على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أن نسبة العنف المنزلي ضد النساء في العراق ارتفعت خمسة أضعاف، والبرلمان يماطل في إقرار قانون العنف ضد المرأة، فالقانون حسب ما أخبرنا بعض النواب يريد أن يخرب مجتماعتنا المسلمة.. ولم يتجرأ احد منهم ويخبرنا : مَن الذي يقف وراء خراب المجتمع وضياع مستقبل أبنائه؟ ربما سيجد في الجواب حلاً لعقدته من النساء.

لعل السؤال الأهم لمن يتابع الوضع في العراق هو: هل ما جري في مدينة النجف ضد النساء المتظاهرات، مقطوع الصلة بما جرى ويجري من خراب، وأن سلوكيات البعض ليست بعيدة عن نظام دولة المحاصصة الطائفية، ووثيق الصلة أيضاً بحرائق التعصب والانغلاق التي تنتشر اليوم في أكثر من مكان .

***

علي حسين

 

الهزء: مصدر هزأ وهزئ، يعني السخرية والإستخفاف والتهكم

العديد من الذين حسبناهم رموزا ثقافية وأعلاما معرفية، يتخندقون في فترات إبتدائهم، ويحسبون أنفسهم من الجيل الفلاني والعلاني، ويمتازون بأنانية ونرجسية فاقعة، وما يقدمونه للأجيال المعاصرة، يتصف بالإستخفاف والسخرية وتقليل القيمة، ونعتهم بأقبح الأوصاف، ويحسبون أنفسهم في مقامات علوية، ومَن جاء بعدهم في أسفل سافلين.

هذه ظاهرة متوطنة في بلادنا التي ما وجدنا فيها مَن شد على أيادي الواعدين وسار بهم في طريق صاعد مبين، بل يستخفون وينتقصون، ويرون بذلك يحافظون على وجودهم وتصومعهم المنيف، وهم  في تجاهلهم وغيهم يعمهون.

هل وجدتم مَن إستطاع أن يستثمر الطاقات الشبابية الواعدة؟

هل قرأتم نقدا بناءً يعين على التطور والبناء؟

رموز الثقافة والمعارف بأنواعها في مجتمعات الجوار القريبة والبعيدة، تقوم بدورها الوطني المساهم في التعبير عن تكاتف الأجيال وتفاعلها الإيجابي، الداعم للقوة والقدرة على المعاصرة والإنطلاق في رحاب العالم الفسيح.

وعندنا التهافت على النيل من بعضنا على أشده، والتحبيط والتثبيط ما يجيده الرعيل الذي عليه أن يكون قائدا وقدوة، وذخرا للأجيال الصاعدة، لا أن يعوّقها ويشيّد العثرات والمصدات أمامها.

من المحزن أن يطرح الرعيل المعرفي في مجتمعنا نفسه، على أنه ضد مَن لا يتفق ورؤاه المعتقة في بودقة زمانه الغابر، وكأنه لا يرى بأن الأرض تدور، والتغيير قانون حتمي، ولابد من التجدد والتفاعل الإيجابي مع الطاقات الوافدة إلى مسرح الحياة.

وبموجب عاهة الهزء الصريح، فالواقع الثقافي سيتأسن، ولن يتعافي من آفات التداعيات والإنحدارات الإنكسارية الشنعاء.

فهل لدينا قدوات ثقافية ذات قيمة حضارية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، يبرز دور المبرمجين كمحرك أساسي للتطور والابتكار. وفي العراق، بلد يسعى جاهداً للحاق بركب الثورة الرقمية، تلوح في الأفق بارقة أمل مع القراءة الثانية لإقرار قانون نقابة المبرمجين العراقيين في البرلمان وجهود رئاسته وبعض السادة النواب الذين كان لهم بصمة واضحة في تلك القراءة والأخذ بأدي الفريق التأسيسي لنقابة المبرمجين العراقيين الذي دأب منذ اكثر من خمس سنوات على العمل لتأسيس نقابة تليق بالمبرمج العراقي سيما وان الحكومة العراقية ماضية بمشروع التحول الرقمي الذي يلعب المبرمج دوراً محورياً واصيلاً فيه. هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تحمل في طياتها وعوداً بمستقبل أكثر إشراقاً للقطاع التكنولوجي في البلاد.

لماذا نحتاج إلى نقابة للمبرمجين؟

تعد نقابة المبرمجين أكثر من مجرد كيان تنظيمي؛ إنها ضرورة ملحة في عصر أصبحت فيه البرمجة لغة العصر. وتكمن أهميتها في عدة جوانب:

1. حماية الحقوق المهنية:

ستوفر النقابة إطاراً قانونياً يحمي حقوق المبرمجين، ويضمن ظروف عمل عادلة في سوق متقلب. ستتصدى لقضايا مثل ساعات العمل الطويلة والعقود غير المستقرة، مما يخلق بيئة عمل أكثر استقراراً وإنتاجية.

2. رفع المعايير المهنية:

من خلال وضع معايير صارمة لممارسة المهنة وتطوير مدونات أخلاقية، ستساهم النقابة في رفع جودة الخدمات البرمجية في العراق. هذا بدوره سيعزز سمعة المبرمجين العراقيين محلياً وعالمياً.

3. منصة للتعاون وتبادل المعرفة:

ستشكل النقابة فضاءً حيوياً لتبادل الخبرات والمعارف بين المبرمجين. هذا التفاعل سيكون حاسماً في مواكبة التطورات السريعة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

4. صوت مؤثر في صنع السياسات:

ستمثل النقابة المبرمجين في المحافل الوطنية، مما يضمن مشاركتهم الفعالة في صياغة السياسات التكنولوجية للبلاد. هذا سيؤدي إلى قرارات أكثر دراية وفعالية في مجال التحول الرقمي.

5. الحد من هجرة الكفاءات:

من خلال توفير بيئة عمل محفزة وفرص للتطور المهني، ستساهم النقابة في الحد من هجرة العقول البرمجية، محافظة بذلك على الكفاءات الوطنية.

إن النجاح في تجاوز التحديات التي لاشك ستواجه اي عمل وليس فقط مشروع النقابة سيفتح آفاقاً واسعة أمام القطاع التكنولوجي العراقي حيث يمكن للنقابة أن تلعب دوراً محورياً في:

- تعزيز ريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا.

- جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الرقمي.

- تطوير برامج تدريبية متقدمة لسد الفجوة بين التعليم الأكاديمي واحتياجات سوق العمل.

إن تأسيس نقابة للمبرمجين العراقيين ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لبناء مستقبل رقمي قوي للعراق. مع تقدم عملية إقرار القانون في البرلمان، يتطلع المجتمع التكنولوجي العراقي بتفاؤل حذر إلى المستقبل. إن نجاح هذه المبادرة سيكون علامة فارقة في مسيرة التحول الرقمي للبلاد، واعداً بعصر جديد من الابتكار والتقدم التكنولوجي.​​​​​​​​​​​​​​​​

***

ايهاب عنان

باحث في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني

لكل مخلوق رأس يتدبر شؤون حياته ويقوده في مسيرة التفاعل مع نفسه ومحيطه، وهو البوصلة التي تحسم نوعية وإتجاه السلوك وتقرر آليات التفاعل مع التحديات المناهضة لبقائه.

والكثير من المخلوقات خلعت رأسها أو إنخلع عنها رأسها لأسباب وتداخلات جراحية نفسية متنوعة، والذي يفقد رأسه يعرّض وجوده للهلاك.

والبشر مؤهل لأن ينخلع عنه رأسه، وخلع الرؤوس لا يتحقق بالسكين والسيف فقط، وإنما هناك آلة أخطر منهما جميعا، إنها آلة البتر النفسي، فالآلات النفسية الحادة المسلطة على رقاب الناس أشد فتكا من السيوف والسكاكين، ذلك أنها ذات قدرة على خلع الرؤوس بالجملة، وتحويل البشر إلى أبدان متحركة أو روبوتات تؤدي ما يمليه عليها الرأس البديل، أو المعوِّض للرأس المقطوع نفسيا وإدراكيا عن بدنه أو جسمه وشخصه.

والبتر النفسي للرؤوس حالة قائمة ومعروفة منذ الأزل، وللتضليل والتوهيم دور كبير في هذا الشأن، حيث يتم إفراغ الرؤوس من محتوياتها وآلياتها، وحشوها بغيرها من المفردات والأساليب التفاعلية ذات القدرات العاطفية العالية، والتي تنفجر بقدرات بركانية هائلة أمام ما لا يتفق ومناهج رؤيتها المحشوة فيها، فتساهم في تأسيس آليات التخاطب بالوعيد، وتسعى لبناء ميادين سفك روح الوجود وخنق صوت النجود.

وتلعب العقائد والمدارس الدينية دورها في قطف الرؤوس وتجميعها في سلال المهملات الخسرانية، ودحرجتها على سفوح الإهلاك والتنكيل بالمعاني الإنسانية والقيم الحياتية، والأعراف اللازمة للحفاظ على القوة والعز ة والكرامة في أي مجتمع.

وللدين دوره الفتاك في قطع الرؤوس وإستبدالها بخيارات مناهضة للحياة، ذلك أن للدين سلطة هائلة كامنة في الأعماق، و أول قوة أذعن لها  البشروسخرها الأقوياء لإمتلاكه.

فمنذ أولى الحضارات ما بين نهرين أو على ضفاف نهر وأنهار، والبشر يحكم البشر بواسطة الإرادة الدينية والإلهية، ولهذا كانت المعابد الأبرز والأضخم في عماراتها في جميع العصور، ولا تزال سلطتها قائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفاعلة في الحياة ومقررة لمسير التداعيات المتفاقمة.

ذلك أن الأديان يمكنها أن تُسخِّر للقيام بأي شيئ، فهي القادرة على تسويغ الخير والشر وقلب الموازين والمفاهيم، وإستبدال الرؤوس بسرعة خاطفة.

وعندما يحضر الدين والعمل المنفعل المقترن به، فأن التأثير الإستبدالي للرؤوس يكون على أشده وفي أفظع حالاته ومراراته، وقد مرت البشرية بمواسم ونوبات إستبدال رؤوسها برأس واحد يهيمن على مصيرها ويلقمها الويلات، ويغرقها بأغادير النجيع وعواصف الآهات.

ولكي تواجه البشرية هذا الإستبدال القمعي للرؤوس عليها أن تنمي إرادة المعرفة وتفعّل العقل، وتربي الأجيال وفقا للمبادئ الوطنية الرحيمة الجامعة، المعتصمة بقيم صالحة واحدة لا يحق للبشر تجاوزها، وتضع خطوطا حمراء مصيرية، وتضرب بيد من حديد على رأس مَن يحاول أن يتجاوزها.

أي أن الأمم والشعوب لا تكون قوية وعزيزة من غير ثوابت صالحة لبقائها ونمائها، تتفق عليها وتقضي على من يتحداها ويتجاوزها.

تلك حقيقة خفية متحققة في واقع بشري متصاخب!!

***

د. صادق السامرائي

 

من المؤسف والمثير للانزعاج أن يجد الوطني واليساري والديموقراطي العراقي نفسه في الموقع ذاته الذي تكدس فيه "نشطاء وناشطات" المجتمع المدني مدفوعو الأجر وحاشية المتصهين فخري كريم وأصدقاء السفارات الأجنبية بصدد رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية المعروف شعبيا باسم "قانون تزويج القاصرات". يكفي هؤلاء عاراً أنهم طالما دافعوا عن الاحتلال الأميركي وسموه "تحرير العراق" أو "عهد التغيير" وهو أصل البلاء والمدافع حتى الآن حكم هؤلاء الذين يريدون سنَّ هذا القانون...إذن؛ يبقى الحق هو الحق فالناس تُعرف بالحق والحق لا يعرف بالناس الذين يزعمون تبنيه، وهكذا سنطبق مقولة "اعرف الحق تعرف أهله" وندافع عن بناتنا ونسائنا بوجه هذا التعديل القانوني الرجعي الطائفي!

وعلى هذا أقول؛ إن بعض المعممين والساسة يكذبون بفظاظة حين يزعمون أن تسمية تعديل قانون الأحوال الشخصية بقانون "تزويج القاصرات" هو كذب وتشنيع وجهل بالقانون وغباء وانحطاط أخلاقي من قبل الرافضين له والمدافعين عن الطفولة والبراءة لأنهم لم يقرأوه. وإنَّ من حق النساء جميعا والرجال الشرفاء أن يقفوا بوجه هذه القلة من الرجعيين والمرضى بالهوس الجنسي "البيدوفيلي" الذي يعتبر مرضا خطرا وممارسة تعاقب عليها القوانين المعاصرة في الدول التي تحترم براءة الطفولة مثلما تعاقب على بيع وشراء الرقيق والجواري الممنوع في عصرنا.

الحقيقة هي أن المنادين بالقانون قاموا بحيلة مكشوفة حين جعلوا تحديد سن زواج الأنثى بتسع سنين هلالية "قمرية" مذكوراً ضمناً في الفقرة ث من المادة الثالثة المعدلة والتي تنص على (تقسم مدونة الأحوال الشخصية إلى بابين: الأول ينظم أحكام المسائل الشخصية طبقا للفقه الجعفري، والآخر طبقا للفقه السني ويعتمد في وضعها على رأي المشهور عند فقهاء كل مذهب في العراق. وفي حال تعذر تحديد المشهور يعتمد المجلس العلمي رأي المرجع الديني الذي يرجع إليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف وفي حال تعذر تحديد المشهور في الفقه السني فيؤخذ برأي المجلس العلمي والإفتائي).

والمعنى هنا واضح جدا وهو أن تحديد سن الزوجة سيكون وفق الرأي المشهور عند الفقهاء، وفي حال تعذر تحديد المشهور يؤخذ برأي المرجع الشيعي الأكثر تقليدا "اقتداءً" من قبل الجمهور، وبما أن المرجع الأكثر تقليدا أي المرجع السيستاني أفتى بأن سن الزواج هو "تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثماني سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرين يوماً تقريباً" فإن من السليم والصحيح تسمية هذا القانون بقانون تزويج القاصرات منذ الآن وقبل أن يُصْدِرَ أصحاب القانون مدونتهم الفقهية للأحوال الشخصية" وإن أولئك الذين شتموا مَن وصفوها بهذا الوصف بأقذع الألفاظ هم كذابون ومنافقون وبيدوفيليون صرحاء يدعون إلى تزويج القاصرات!

من ناحية أخرى أشار تقرير إخباري نشرته "العالم الجديد في عددها ليوم 8 من شهر آب الجاري إلى أن صفقة قد تمت بهدف تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية وقالت الصحيفة المذكورة: "تمكن مجلس النواب يوم 5/8/2024 من القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام وسط مخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء الى داعش. كانت هذه النقطة تثير مخاوف الأطراف الشيعية من القانون تحديداً، ولكن كيف قبلت به وماذا حدث؟ بحسب صحيفة المدى وبناءً على مصادرها الخاصة، فإن الإطار التنسيقي الشيعي “اشترط مناقشة قانون العفو العام مقابل تعديل قانون الأحوال الشخصية” حيث تلجأ القوى السياسية غالباً الى مساومة بعضها لتمرير القوانين الخلافية في سلة واحدة. وهذا ما حدث بالنسبة لقراءة قانوني العفو العام والأحوال الشخصية بناءً على معلومات الصحيفة. وبذلك أنهى مجلس النواب في اليوم ذاته، القراءة الأولى لمقترح تعديل الأحوال الشخصية".

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

.....................

* رابط يحيل الى فتوى المرجع السيستاني حول سن البلوغ ونصها:

"السؤال: ما هي علامات البلوغ عند الذكر والأنثى؟

الجواب: ١ـ علامة البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلاليّة، وهو يعادل ثمان سنين ميلادية وثمانية أشهر وعشرون يوماً تقريباً".

* رابط صفحة المرجع السيستاني وهو ينفتح بالنقر عليه وإلا فبنسخة ونقله الى خانة البحث ثم النقر عليه:

https://www.sistani.org/arabic/qa/0363/

البشر تتنازع فيه قوتا النفس والعقل، ولكل منهما سيادته في ميادينه التي يتمكن فيها ويهيمن، ويمكنهما أن ينفصلا ويستكينا في مواضعهما، وقد يتشابكا ويتصارعا ويمتلك بعضهما البعض فيستعبده ويذله.

فهناك بشر النفس تذل عقله وآخر يحصل فيه العكس، وآخر تتوازن فيه القوتان، ويمكن أن تكون العلاقة بأشكال وديناميكيات لا تحصى ولا تُعد.

وكلما إنشغل العقل بما يرضيه ويجذبه ويطلقه، كلما إزداد تحررا من قوة النفس، والعكس صحيح أيضا.

ومن الواضح أن المعتقدات والإنتماءات تستند على آليات نفسية، وتترسخ وتتوطن وتتعمق فيكون العقل بعيدا عنها، ولهذا لا يمكن المحاججة العقلية في أي معتقد، لأنه إرتباط نفسي مشحون بالعواطف والإنفعالات الشديدة، فتجد ذوي المعتقدات يؤهلون أصحابهم للتأجج العاطفي الإنفعالي، الذي لا يسمح لقوة العقل أن تتحرك.

فالقول بأن الإنتماءات العقائدية بأنواعها عقلية نوع من البهتان والتضليل،  فلا تناقش صاحب أي معتقد بما يؤمن به، لأنه قد تمترس نفسيا في بودقة معتقده، وتخندق في ترس سميك فولاذي المواصفات.

وبعض المجتمعات تهيمن فيها القوة النفسية على القوة العقلية، لأن العقل غير مسخر لما خُلق له، وهو التفكير والتدبير والإبتكار والتقدير والمعرفة والتطوير، فالناس تعيش في فراغ ولا تجد أمامها مشاريع وتحديات تقنية وعلمية وإبتكارية تحث على إعمال العقل، كما أن التعليم فيها  جوهره تعطيل العقل وإلغاؤه، وتسويغ التبعية والإذعانية والقبول دون سؤال أو نقد وتمحيص، فالإنسان تابع وقابع ومرهون بإرادة غيره، ولا يمكنه أن يكون بعقل فاعل ومنير.

وفي هذه المجتمعات لا ينشغل العقل بالعلم، ويكون عبدا مطيعا للقوة النفسية الفاعلة في المجتمع، والقائدة لسلوكه على مختلف المستويات والتوجهات.

بينما في المجتمعات المتقدمة تكون القوة العقلية متصدرة وفاعلة في الواقع السلوكي، فتجد الناس منهمكة بإعمال عقولها وإطلاق ما فيها من الطاقات والقدرات، وتتسابق نحو الأقوى والأقدر من المبتكرات والإبداعات والإختراعات اللازمة لتطوير الحياة.

فتراهم يتوثبون نحو أهداف لا محدودة، وميادين ذات آفاق مطلقة تزيد الحياة جمالا وبهاءً، وقابلية على النماء والرقاء، فتنكمس القوة النفسية أو تنفصل عن القوة العقلية، وتبقى في مكامنها محكومة بما يتوجب عليها أن تقوم به وتؤكده في البشر الملتزم بإرادة عقله، والمنشغل بمعطياته المعززة لقيمته ودوره الإنساني المنير.

وعليه فلكي نبعد النفس، أو نقلل من دورها في تفاعلاتنا، علينا أن نشحذ عقولنا بما يشغلها ويبعدها عن التوحل بما لا ينفع الناس، وبهذا تكون المجتمعات المقتدرة المعطاء.

فأطلقوا قوتكم العقلية وأخمدوا قوة النفس السلبية!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم